#1
|
||||
|
||||
التتار من البداية إلى عين جالوت
* مقدمة: لم تتعرض دولة الإسلام لأوقات عصيبة وعواصف منذرة ورياح مرعب مثلما تعرضت له في القرن السابع الهجري حيث دمرت جيوش التتار بقيادة " جنكيز خان " حواضر الإسلام الكبرى في المشرق الإسلامي وسفكت دماء المسلمين وأتت علي معالم الحضارة والمدنية ولم تستطع قوة إسلامية أن توقف الزحف الكاسح للجيوش التترية وانهارت الجيوش الإسلامية وتوات هزائمها وتتابع سقوط الدول والمدن الإسلامية كأوراق الشجر في موسم الخريف وأطمع ضعف المسلمين وخور عزائمهم المغول في أن يتطلعوا إلي مواصلة الزحف تجاه الغرب وإسقاط الخلافة العباسية وتقويض دعائمها ؛ ولم تكن الخلافة العباسية في وقت من الأوقات أضعف مما كانت عليه وقت الغزو المغولي ؛ فخرج " هولاكو " القائد التتري الهمجي علي رأس جيش عرمرم وأجتاح بغداد وقتل الخليفة " المستعصم " وأستباح بغداد أربعين يوما فقضي فيها علي الأخضر واليابس فقتل من بغداد وحدها مليوني فرد مسلم من رجال وأطفال ونساء وشيوخ ؛ ثم تجاوزوها إلي ما بعدها فاجتاحوا الشام بجميع مدنها وفعلوا فيها مثلما فعلوا في غيرها إلي أن وصلوا إلي حدود مصر وكان الله قد وكل عليها عبدا من عبيدة يأتمر بأمره وينهى بنهيه فجمع المسلمين علي كلمة التوحيد والجهاد وخرجوا لملاقاة التتار في الموقعة المشهورة " عين جالوت " فطحنوا التتار طحنا وركبوا أكتافهم وأخذوا يطاردون الفلول المنهزمة فحرروا الشام وبغداد ؛ وانحسرت بعدها إمبراطورية التتار ولم يقم لهم بعدها قائمة ....................... وانتهت بذلك هذه الدولة التي قامت علي جماجم المسلمين ودمائهم . ونحن هنا نسرد قصة التتار منذ بدايتهم إلي معركة عين جالوت |
#2
|
||||
|
||||
ولكي نتعرف علي قصة هؤلاء الهمج لابد أن نلقي نظرة علي أحوال العالم في ذلك الوقت.
** حالة العالم قبل ظهور قوة التتار :- في هذه الأثناء لو ألقينا نظرة إلي الكرة الأرضية لوجدنا أن هناك قوتان مؤثرتان في العالم وهما : 1- قوة المسلمين 2- قوة الصليبيين أولا: قوة المسلمين :- المساحات الإسلامية في ذلك الوقت كانت تقترب من نصف مساحات الأراضي المعمورة في العالم ؛ وحدودها كانت تبدأ من غرب الصين وتمتد عبر أسيا وأفريقيا لتصل إلي غرب أوروبا في بلاد الأندلس ؛ وكان يسود العالم الإسلامي في تلك الأثناء رغم كبر مساحته وكثرة أناسه وكثرة موارده الفقر والتدهور الكبير في الحالة السياسية لمعظم الأقطار الإسلامية ؛ والغريب أن هذا التدهور كان بعد سنوات قليلة من أواخر القرن السادس الهجري حيث كانت أمة المسلمين قوية منتصرة متوحدة . * كيان العالم الإسلامي في ذلك الوقت :- 1-الخلافة العباسية :- نشأت بعد سقوط الدولة الأموية سنة 132ه – وكانت عاصمتها بغداد وأصبحت الخلافة العباسية بحلول القرن السابع الهجري ضعيفة جدا حتى أصبحت لا تسيطر حقيقة إلا على وسط وجنوب العراق فقط ؛ فأصبحت الخلافة في ذلك الزمان صورة خلافة فهي حقيقة لم تصبح خلافة لأن كل الأقطار الإسلامية أصبحت لها حكام منفصلين عن الخلافة انفصالا تاما ؛ واليك هذه الدول : 2- مصر والشام والحجاز واليمن :- وكانت هذه الأقطار تحت حكم الأيوبيين ورثة صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله- 3- بلاد المغرب والأندلس :- كانت هذه البلاد تحت حكم دولة الموحدين والتي كانت في هذه الأثناء قد أصبحت ضعيفة وفي أواخر عهدها . 4- دولة خوارزم :- كانت تحكم تقريبا كل الشرق الإسلامي فهي دولة مترامية الأطراف تمتد حدودها من غرب الصين شرقا إلي أجزاء كبيرة من إيران غربا ؛ وكانت هذه الدولة علي خلاف طويل وعقيم مع الخلافة العباسية . 5- الهند :- وكانت في ذلك الوقت تقع تحت حكم الغوريين المسلمين وكانت أيضا علي خلاف مع الخوارزميين . 6- غرب فارس :- كان هذا الجزء من فارس (إيران حاليا ) تحت حكم الطائفة الإسماعيلية الشيعية *** من هي الطائفة الإسماعيلية ؟ هي طائفة من طوائف الشيعة وكانت شديدة الخبث فهي من أخبث طوائف الشيعة علي الإطلاق ؛ ولهم مخالفات عديدة في العقيدة جعلت كثيرا من العلماء يخرجونهم من الإسلام تماما ؛ فكانوا يخلطون الدين بالفلسفة وهم أصلا من أبناء المجوس وأظهروا الإسلام وأبطنوا المجوسية ؛ وتئولوا آيات القرآن علي أهوائهم وأنكروا كثيرا من فرائض الإسلام ؛ ومن أهم مطالبهم الملك والسلطان لذلك كانوا يهتمون بأمور السلاح والقتال وبناء القلاع والحصون . 7- منطقة الأناضول ( تركيا حاليا ) :- وكانت تحت حكم السلاجقه الروم وأصولهم ترجع إلي الأتراك المسلمين . *** ونلاحظ في هذه الفترة أنه أنتشر بها المؤامرات وتعددت فيها الحروب بين المسلمين وإخوانهم في الدين وكثرت المعاصي والذنوب ؛ وعم الترف والركون إلي الدنيا وهانت الكبائر تماما علي قلوب الناس حتى كثر سماع أن هذا ظلم هذا وأن هذا قتل هذا وأن هذا سفك دم هذا ؛ وقد علم يقينا أن من كان على هذه الحالة لابد من استبداله وأصبح العالم الإسلامي في ذلك الوقت ينتظر وقوع كارثة تقضي على كل هؤلاء الضعفاء في كل هذه الأقطار وليأتي بعد ذلك جيل من المسلمين يغير الوضع – بمشية الله – ويعيد للإسلام هيبته وللخلافة قوتها ومجدها كانت هذه هي حالة الأمة الإسلامية في نهاية القرن السادس الهجري وبداية القرن السابع |
#3
|
||||
|
||||
ثانيا : قوة الصليبيين :-
1- غرب أوروبا :- كان المركز الرئيسي للصليبيين في هذه الأثناء في غرب أوروبا ؛ وأنشغل الأوروبيين في ذلك الوقت بحروبهم المستمرة مع المسلمين ؛ فكان نصارى انجلترا وفرنسا وألمانيا وايطاليا يقومون بالحملات الصليبية المتتالية المشهورة علي بلاد الشام ومصر ؛ وكان نصارى أسبانيا والبرتغال ومعهم فرنسا في حروب مستمرة مع المسلمين في الأندلس . 2- الإمبراطورية البيزنطية :- كانت هذه الإمبراطورية تحكم شرق أوروبا وكانت في هذه الأثناء في حالة من الضعف الذي لا يسمح لها بدخول حروب مع المسلمين رغم ضعفهم أيضا . 3- مملكة أرمينيا :- وهي تقع في شمال فارس وغرب الأناضول ؛ وكانت في حروب مستمرة مع المسلمين وبالأخص السلاجقه الأتراك في الأناضول . 4- مملكة الكرج ( جورجيا حاليا ) :- وهذه المملكة أيضا لم تتوقف الحروب بينها وبين المسلمين وبالأخص الدولة الخوارزمية. 5- الأمارات الصليبية :- الموجودة في الشام وفلسطين وتركيا ( الأناضول ) وكانت هذه الأمارات تحتل مناطق إسلامية ذات أهمية كبيرة ؛ وكان أشهر هذه الأمارات ( أنطا كيا – طرابلس – بيروت – وغيرها ........ ) |
#4
|
||||
|
||||
** من هم التتار ؟
ظهرت قوة التتار في عام 603ه – وكان ظهور هذه الدولة أول ما ظهرت في " منغوليا " بشمال الصين وكان أول زعمائها هو " جنكيز خان " وهو ليس الاسم الحقيقي لذلك القائد وإنما هي كلمة تعني باللغة المنغولية " قاهر العالم " أو " ملك ملوك العالم " وأسمه الحقيقي هو " تيموجين " وكان ذلك الرجل سفاحا وسفاكا للدماء وكان قائدا عسكريا شديد البأس وكانت له القدرة علي تجميع الناس حوله وبدأ في التوسع تدريجيا في المناطق المحيطة به وسرعان ماأتسعت مملكته حتى بلغت حدودها من كوريا شرقا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربا ومن سهول سيبريا شمالا إلي بحر الصين جنوبا وفي سنوات قليلة أصبح يضم في طياته دولة الصين بكاملها ( 9مليون كيلومتر مربع ) -منغوليا – فيتنام – كوريا – كمبوديا – تايلاند – أجزاء من سيبريا . وأسم التتار أو المغول : يطلق على الأقوام الذين نشأوا في شمال الصين في صحراء تسمى بصحراء ( جوبي ) بمنغوليا . *** ما الفرق بين التتار والمغول ؟ التتار هم أصل القبائل بهذه المنطقة بمنغوليا وخرج من التتار قبائل أخرى كثيرة منها قبيلة المغول وقبائل الترك والسلاجقه وغيرها ......... ؛ وعندما سيطر المغول على هذه المنطقة بقيادة جنكيز خان أطلق أسم المغول على هذه القبائل كلها . *** ماهى ديانتهم ؟ كان لهم ديانة غريبة جدا وهي خليط من أديان مختلفة جمعها جنكيز خان من شرائع الإسلام والمسيحية والبوذية وأختلق لهم أشياء أخري ؛ وأخرج لهم في النهاية كتابا جعله كالدستور للتتار ويسمى هذا الكتاب بأسم " الياسق " أو " الياسج " أو " الياسا " وأصبح ذلك هو دستور دولة التتار وعقيدتهم . *** ما هي طبيعة حروبهم ؟ حروب التتار كانت تتميز بأشياء خاصة تميزهم دائما عن غيرهم ومن أهم هذه الأشياء : 1- سرعة انتشار رهيبة 2- أعداد هائلة من البشر 3- نظام محكم وترتيب دقيق 4- تحمل الظروف القاسية من ( حر أو برد أو صحراء أو أدغال ) بمعني أنهم يقاتلون في كل مكان . 5- قيادة عسكرية بارعة جدا 6- من أهم مميزاتهم وهي صفة يتصفون بها عن غيرهم أنهم بلا قلب فحروبهم كلها كانت حروب تخريب غير طبيعية فكانوا يبيدون ابادة جماعية لأهل المدن من أطفال ونساء وكهول لا يفرقون بين مدني وعسكري الكل عندهم سواء لا يفرقون بين ظالم ومظلوم وكانوا كما قيل " أن قصدهم هو أفناء النوع وابادة العالم لاقصد الملك أو السلطان " 7- رفض قبول الآخر والسير على مبدأ القطب الأوحد وليس هناك مجالا للتعامل مع دول أخرى محيطة . والغريب أنهم كانوا يدعون أنهم ما جاءوا إلى هذه البلاد إلا ليقيموا الدين ولينشروا العدل وليخلصوا البلاد من الضالمين . 8- كانوا لاعهد لهم مطلقا لا أيسر عندهم من نقض العهود وإخلاف المواثيق . هذه كانت السمات التي اتصف الجيش التتري وهي صفات تتكرر كثيرا في كل جيش لم يضع في حسبانه قوانين السماء وشريعة الله – عز وجل . |
#5
|
||||
|
||||
** ملخص القوى الموجودة على الساحة في أوائل القرن السابع الهجري ؛كانت ثلاث قوى رئيسية :
1- المسلمين 2- الصليبيين 3- التتار *** الحقد الصليبي للمسلمين :- أرسل الصليبيين وفدا رفيع المستوى من أوروبا إلي منغوليا ؛ مسافة تزيد علي ( 12 ألف كم) ذهابا فقط ؛ ليحفزوا التتار على غزو البلاد الإسلامية وإسقاط الخلافة العباسية وعلى اقتحام بغداد درة العالم الإسلامي في ذلك الوقت ؛ وأنهم سيساعدونهم على حرب المسلمين وسيكونوا بمثابة أعينهم في هذه المناطق ؛ وبذلك تم إغراء التتار إغراء كاملا وحدث ماتوقعة الصليبيين ؛ فقد سال لعاب التتار على أملاك الخلافة العباسية وقرروا فعلا غزو هذه البلاد الواسعة الغنية بالثروات والمليئة بالخيرات وبدأ التتار يفكرون جديا في غزو العالم الإسلامي وبدأوا يخططون بحماسة شديدة لإسقاط الخلافة العباسية ودخول بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية . ***خطة جنكيز خان لغزو العالم الإسلامي :- عندما قرر جنكيز خان غزو العالم الإسلامي فكر في أن يتمركز في منطقة أفغانستان وأوزبكستان لعدة أسباب مهمة وهي : 1- كبر المسافة بين الصين والعراق ولابد من جود قواعد إمداد ثابتة للجيوش التترية في منطقة متوسطة بين العراق والصين . 2- ولأن هذه المنطقة والتي تعرف بمنطقة " القوقاز " غنية بالثروات الزراعية والاقتصادية في هذه الأثناء . 3- تكتيكيا لا يستطيع جنكيز خان لأن يحارب العراق وفي ظهره شعوب مسلمة قد تحاربة أو تقطع عليه خطوط الإمداد . ولهذه الأسباب قرر جنكيز خان خوض حروب متتالية مع هذه المنطقة الشرقية من الدولة الإسلامية والتي تعرف بالدولة " الخوارزمية " واتي تضم في طياتها عدة أقاليم إسلامية غاية في الأهمية وكان هناك بين الدولة الخوارزمية ودولة التتار معاهدات واتفاقيات على عدم الاعتداء من أي من الدولتين على الأخرى ؛ ولكي تكون الحرب مقنعة بين الطرفين فلابد من وجود سبب يدعو إلي هذه الحرب . *** السبب الذي أدي إلي نشوب الحرب بين الطرفين :- بحث جنكيز خان عن سبب مناسب لدخول هذه الحرب ولكنه لم يجد السبب المقنع للحرب وسبحان الله – حدث أمر مفاجئ بغير إعداد مسبق من جنكيز خان يصلح لأن يكون سببا لهذه الحرب وبالفعل اتخذه جنكيز خان كذريعة لدخول هذه الحرب التي ستقضي تماما علي الدولة الخوارزمية وهذا السبب هو " أن مجموعة من التجار المغول ذهبوا إلي مدينة إسلامية تسمى ( أوترار ) وهي تقع في شرق المملكة الخوارزمية على حدود دولة التتار فلما رآهم حاكم المدينة المسلم أمر بقتلهم جميعا " . *** اختلاف المؤرخون في سبب قتلهم : 1- منهم من قال ك أن هؤلاء ما كانوا إلا جواسيس أرسلهم جنكيز خان للتجسس على الدولة الخوارزمية أو لاستفزازها ولذلك قتلهم حاكم المدينة . 2- ومنهم من قال : أن هذا كان عمدا من حاكم " أوترار " كنوع من الرد على عمليات السلب والنهب التي قام بها التتار في بلاد ما وراء النهر وهي بلاد تابعة للخوارزميين . 3- ومنهم من قال : أن هذا كان فعلا متعمدا من حاكم " أوترار " يقصد بذلك أن يستثير التتار للحرب ليدخل بعد ذلك " خوارزم شاة " هذه المنطقة وهي منطقة " تركمنستان " وكانت ضمن أملاك التتار . 4- ومنهم من قال : أن جنكيز خان أرسل بعضا من رجاله إلي أرض المسلمين ليقتلوا تجار التتار هناك حتى يكون ذلك سببا في غزو بلاد العالم الإسلامي . 5- ومنهم من قال : أن حاكم " أوترار " طمع في أموال التجار فقتلهم لأجل هذا . *** تطور الأوضاع بعد هذه الحادثة :- عندما وصل نبأ مقتل التجار إلى جنكيز خان أرسل إلي " محمد بن خوارزم شاه " زعيم الدولة الخوارزمية الكبرى يطلب منه تسليم القتلة إليه حتى يحاكمهم بنفسه ولكن محمد بن خوارزم اعتبر ذلك تعديا على سيادة البلاد المسلمة فهو لا يسلم مجرما مسلما ليحاكم في بلدة أخرى بشريعة أخرى إنما قال " أنه سيحاكمهم في بلاده فأن ثبت بعد التحقيق أنهم مخطئون عاقبهم في بلاده بالقانون السائد فيها وهو الشريعة الإسلامية " ؛ ولكن جنكيز خان لم يقتنع بذلك الكلام أو بمعنى آخر لم يرغب في الاقتناع بذلك الكلام وعنها وجد جنكيز خان العلة المناسبة للهجوم على العالم الإسلامي وعنها وجد جنكيز خان العلة المناسبة للهجوم على العالم الإسلامي وبعدها بدأ الإعصار التتري الرهيب على العالم الإسلامي فبدأت الهجمة التتريه الأولى على دولة خوارزم شاه . |
#6
|
||||
|
||||
*** بداية الإعصار :-
جاء جنكيز خان بجيشه الكبير لغزو بلاد الخوارزميين فخرج له محمد بن خوارزم وذلك في سنة 616_ وذلك بعد ثلاثة عشر عاما فقط من قيام دولة التتار ؛ والتقى الجيشان في موقعه رهيبة في شرق الدولة الخوارزمية شرق نهر " سيحوون " وهو ما يعرف الآن باسم نهر " سريداريا " في دولة كزخستان المسلمة واستمرت المعركة لمدة أربعة أيام متصلة وقتل من الفريقين خلقا كثيرا ؛ فأستشهد من المسلمين في هذه الموقعة عشرون ألفا وقتل من التتار أضعاف ذلك ؛ ثم تحاجز الفريقان بعدها وأنسحب محمد بن خوارزم بجيشه من أرض المعركة لأنه وجد أن أعداد التتار هائلة ولا قبل له بها فأنسحب ليحصن المدن الكبرى في مملكته وعلى رأسها العاصمة " أورجاندا " وأنشغل في تحضير وتجهيز الجيوش من أطراف مملكته ومع اهتمام محمد بن خوارزم بتحصين المدن الكبرى إلا أنه ترك الجزء الشرقي من مملكته بدون حماية كافيه ؛ ولكن هذا الخطأ لم يكن بمثابة خطأ تكتيكي من محمد بن خوارزم ولكن كان خطأ قلبي فقد اهتم بتأمين نفسه وأملاكه وأمواله وأسرته وتهاون في تأمين شعبه ؛ حافظ على كنوزه وكنوز آباءه ولكنه أهمل تماما الحفاظ على مقدرات وأملاك شعبه ؛ وعادة لا يصمد أمثال هؤلاء القواد أمام الأزمات التي تعصف بأمتهم وعادة ما تسقط الشعوب التي تقبل بهذه الأوضاع المقلوبة دون إصلاح . *** اجتياح بخاري :- جهز جنكيز خان جيشه من جديد وأسرع في اختراق كل إقليم كازاخستان الكبير فمساحته تبلغ حوالي ( 3مليون كم ) تقريبا ؛ فقطع كل إقليم كازاخستان دون مقاومه تذكر حتى وصل إلى مدينة بخاري المسلمة وهي بلدة الأمام الجليل والمحدث العظيم الأمام البخاري رحمه الله – وهي تقع الآن في دولة أوزبكستان ؛ فحاصر جنكيز خان بخاري في سنة 616 – ثم طلب من أهلها التسليم على أن يعطيهم الأمان ؛ وكان محمد بن خوارزم في هذه الأثناء بعيدا جدا عن بخارى فاحتار أهل بخارى ماذا يفعلون ؟ فظهر في المدينة رأيان : * الرأي الأول : قال أصحابة نقاتل التتار وندافع عن مدينتنا . * " " الثاني : قال أصحابة نأخذ بالأمان ونفتح الأبواب للتتار لتجنب القتل . وهكذا انقسم أهل البلاد إلي فريقين ؛ فريق من المجاهدين قرر القتال وهؤلاء اعتصموا بالقلعة الكبيرة بالمدينة وأنضم إليهم فقهاء المدينة وعلماؤها ؛ وفريق آخر من المستسلمين وهذا هو الفريق الأعظم والأغلب في هذه المدينة وقرروا فعلا فتح أبواب المدينة والاعتماد على أمان التتار ففتحوا أبواب المدينة للتتار ودخل جنكيز خان المدينة الكبيرة وأعطى أهلها الأمان فعلا في أول الأمر خديعة لهم وذلك حتى يتمكن من السيطرة على المجاهدين بالقلعة الكبيرة في داخل المدينة ؛ وبدأ في حصار القلعة بل وأمر أهل المدينة من المسلمين أن يساعدوه في ردم الخنادق حول القلعة ليسهل فتحها والغريب في ذلك الأمر أنهم أطاعوه في ذلك ؛ وهكذا حوصرت القلعة عشرة أيام ثم فتحت عنوه ولما دخلها جنكيز خان لعنه الله – قتل كل من في القلعة من المجاهدين ولم يبق بالمدينة مجاهدين وهنا بدأ جنكيز خان في خيانة عهده فسأل أهل المدينة عن كنوزها وأموالها وأصطفى كل ذلك لنفسه ؛ ثم أحل المدينة لجنوده ففعلوا فيها مالا يتخيله عقل ؛ وأنظر ما قاله بن كثير في كتابه البداية والنهاية عن هذا المشهد " فقتلوا من أهلها خلقا لا يعلمه إلا الله عز وجل – وأسرو الذرية والنساء وفعلوا مع النساء الفواحش بحضرة أهلهن فارتكبوا الزنا مع البنت في حضرة أبيها ومع الزوجة في حضرة زوجها فمن المسلمين من قاتل دون حريمه حتى قتل ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب وكثر البكاء والضجيج في البلد من النساء والأطفال والرجال ثم أشعل النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها فاحترقت المدينة تماما حتى صارت خاوية على عروشها " وهكذا هلكت بخارى في عام 616 – وكان هلاكها البداية وليس النهاية ؛ بداية الطوفان التتري الذي اجتاح العالم الإسلامي بأسره . *** دخول عام 617 :- ويبدأ عام 617- بأحداث أكثر إيلاما وكان هذا العام من أبشع السنوات التي مرت على المسلمين منذ بعثة النبي (ص) والى يومنا هذا ؛ ففي هذه السنة علا نجم التتار واجتاحوا البلاد الإسلامية الواحدة تلو الأخرى وفعلوا بها الأفاعيل . .***ابن الأثير وما قاله عن التتار :- ونقدم على هذه الأحداث ما قاله المحدث الجليل ابن الأثير في كتابه" الكامل في التاريخ " فقد قال " لقد بقيت عدة سنوات معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها فأنا أقدم إليه رجلا وأواخر أخرى فمن ذا الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك فيا ليت أمي لم تلدني ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا إلا أنه حثني جماعة من الأصدقاء على تسطير هذا ثم رأيت أن ترك هذا لم يجدي نفعا " . فبدأ يكتب الذكريات المريرة والأحداث المؤلمة فيقول في مقدمة القصة " هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها عمت الخلائق وخصت المسلمين ولو قال قائل ( إن العالم منذ خلق الله – سبحانه وتعالى – آدم إلى الآن لم تبتلى بمثلها) لكان صادقا فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله " بختنصر " ببني إسرائيل من القتل وتخريب البيت المقدس وما البيت المقدس إلى ماخرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كانت المدينة منها أضعاف البيت المقدس وما بنوا إسرائيل إلى من قتلوا فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل ؛ ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج ؛ وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه ويهلك من خالفه أما هؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والأطفال والرجال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة في بطون أمهاتهن – فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " . كانت هذه هي المقدمة التي كتبها ابن أثير في بداية كتابة " الكامل في التاريخ " والذي كان يتحدث عن التتار وكان هو شاهد عيان على ذلك فقد كان معاصرا للأحداث في ذلك الوقت. |
#7
|
||||
|
||||
**ماذا حدث في سنة 617 ؟
** اجتياح سمر قند ؟ بعد أن دمر التتار مدينة " بخاري " وأهلكوا أهلها وحرقوا ديارها ومدارسها ومساجدها انتقلوا إلى المدينة المجاورة وهي " سمر قند " وهي مدينة توجد في دولة " أوزبكستان " حاليا ؛ واصطحبوا في طريقهم مجموعة كبيرة من أسرى المسلمين من بخاري ؛ وكما يقول ابن الأثير " فساروا بهم على أقبح صورة فكل من أعيا وعجز عن المشي قتل " . والحكمة من اصطحاب التتار الأسارى المسلمين معهم إلى " سمر قند " كان له أكثر من هدف من جراء ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن هذه كانت سنة من سنن التتار في كل تنقل لهم من مدينة إلى مدينة . أهدافهم من اصطحاب الأسرى المسلمين معهم :- 1- كانوا يعطون كل عشرة أسرى علما من أعلام التتار ليرفعوه فإذا رآهم أحد من بعيد ظن أن المجموع كله من التتار فتكثر الأعداد في أعين أعدائهم بشكل لا يتخيل فلا يعتقدون مطلقا أنهم يقدرون على قتالهم فيستسلمون . 2- كانوا يجبرون الأسرى على أن يقاتلوا معهم ضد أعدائهم ومن رفض القتال أو لم يظهر فيه قوة قتلوه . 3- كانوا يتترسون بهم عند لقاء المسلمين فيضعون الأسرى في أول الصفوف كالدروع ويختبئون خلفهم فإذا أطلق العدو السهام على جيش التتار دخلت السهام في صدور الأسرى المسلمين والتتار يطلقون سهامهم من خلف صفوف الأسرى المسلمين . 4- كانوا يقتلونهم على أبواب المدن لبث الرعب في قلوب أعدائهم وإعلامهم أن هذا هو المصير الذي ينتظرهم إذا قاوموا . 5- كانوا يبادلون بهم الأسرى في حال أسر رجال منهم في القتال . ***الوضع في " سمر قند " قبل الاجتياح :- " سمر قند " مدينة من حواضر الإسلام ومن أغنى مدن المسلمين في ذلك الوقت ولها قلاع حصينة وأسوار عالية ولهذه القيمة الإستراتيجية والاقتصادية الكبيرة ترك فيها " محمد بن خوارزم " خمسين ألف جندي خوارزمي لحمايتها ؛ هذا بالإضافة إلى أهلها الذين يقدرون بمئات الآلاف . *** الاجتياح :- وصل جنكيز خان إلى المدينة وحاصرها من كل الجهات وكان من المفترض أن يخرج إليه الجيش الخوارزمي النظامي ؛ ولكن دب الرعب في قلوب الجيش المسلم وتعلقوا بالحياة فأبوا أن يخرجوا للدفاع عن المدينة المسلمة ؛ فاجتمع أهل المدينة وتباحثوا في الأمر ففشلوا تماما في إقناع الجيش الخوارزمي في الخروج للدفاع عنهم ؛ فقرر البعض من العامة أن يخرجوا فخرج سبعون ألف من أهل المدينة وخرج معهم أهل العلم والفقهاء خرجوا جميعا على أرجلهم دون خيول ولا دواب ولم يكن لديهم خبرة عسكرية تمكنهم من القتال ؛ فرأى التتار أهل " سمر قند " يخرجون إليهم فقرروا القيام بخدعة وهي الإنسحاب المتدرج من حول الأسوار في محاولة لسحب المجاهدين بعيدا عن مدينتهم فبدأوا في التراجع تدريجيا عن " سمر قند " وقد نصبوا الكمائن خلفهم وبالفعل نجحت خطة التتار ؛ وبأ المسلمون يطمعون فيهم حتى ابتعدوا تماما عن أسوار المدينة ؛ عنها أحاط بهم جيش التتار تماما وبدأت عملية تصفية لأفضل رجال " سمر قند " فقتل السبعون ألف مقاتل عن آخرهم ؛ وبعد إفناء الجيش المسلم عاد التتار إلى حصار المدينة مرة أخرى ؛ فأخذ الجيش الخوارزمي قرارا مخزيا وهو طلب الأمان من التتار على أن يفتحوا لهم أبواب المدينة دون مجهود ؛ فوافق التتار على إعطاء الأمان لهم ؛ ففتح الجيش الخوارزمي الأبواب وخرجوا إلى التتار مستسلمين فقال لهم التتار " سلموا إلينا أموالكم وسلاحكم ودوابكم ونحن نسيركم إلى مأمنكم" ففعلوا ما أمرهم به التتار فلما أخذ التتار أسلحتهم ودوابهم وضعوا السيف في الجنود الخوارزميين حتى أفنوهم عن آخرهم ؛ ودخل التتار المدينة وفعلوا بها مثلما فعلوا في بخاري فقتلوا أعدادا لاتحصى من الرجال والنساء والأطفال ونهبوا كل ثروات البلد وانتهكوا حرمات النساء ؛ وعذبوا الناس بأنواع العذاب المختلفة بحثا عن أموالهم وسبوا أعداد هائلة من النساء والأطفال ومن لم يصلح للسبي لكبر سنه أو لضعف جسده قتلوه ؛ وأحرقوا الجامع الكبير بالمدينة وتركوها خرابا ؛وأستقر بعد ذلك جنكيز خان في " سمر قند " لأنه أعجبته المدينة العملاقة التي لم يرى مثلها في حياته قبل ذلك . |
#8
|
||||
|
||||
*** نهاية محمد بن خوارزم :-
أرسل جنكيز خان عشرون ألفا من فرسانه يطلبون محمد بن خوارزم فقال لهم جنكيز خان " أطلبوا خوارزم شاه أينما كان ولو تعلق بالسماء " ؛ وكون جنكيز خان أرسل عشرين ألف جندي فقط لقتل محمد بن خوارزم فيه إشارة إلى استهزاء جنكيز خان بمحمد بن خوارزم وبأمته ؛ فهذا العدد لايقارن بالملايين المسلمة التي ستتحرك فيها هذه الفرقة التترية الصغيرة وتدخل في أعماق الملايين المسلمة . *** ما فعلته الفرقة التتريه:- انطلقت الفرقة التترية مباشرة باتجاه مدينة " أورجاندا " عاصمة الخوارزميين حيث يستقر محمد بن خوارزم ؛ وهي مدينة تقع على الشاطئ الغربي من نهر " جيحون " والذي يطلق عليه الآن نهر " أموداريا " فجاءت الفرقة التترية من الجانب الشرقي للنهر ففصل النهر بين الفريقين ؛ فأخذ التتار يعدون أحواضا خشبية كبيرة ثم ألبسوها جلود البقر حتى لايدخل فيها الماء ثم وضعوا فيها سلاحهم وعتادهم ومتعلقاتهم ثم أنزلوا الخيول الماء لأن الخيول تجيد السباحة ثم أمسكوا بأذناب الخيول ؛ وأخذت الخيول تسبح وهم يسبحون خلفها ويسحبون خلفهم الأحواض الخشبية بما فيها من سلاح وعتاد ؛ وبهذه الطريقة عبرت الفرقة التترية نهر " جيحون " وفوجئ المسلمون في " أورجاندا " بالتتار إلى جوارهم ومع أن أعداد المسلمين بالنسبة للتتار كانت كبيرة إلا أنهم قد ملئوا رعبا وخوفا من التتار وماكانوا متماسكين إلا لاعتقادهم أن النهر يفصل بينهم وبين التتار ؛ أما بعد أن أصبح التتار إلى جوارهم فلم يجدوا أمامهم إلا طريق واحد وهو الفرار ؛ وكما يقول ابن الأثير " ورحل خوارزم لايلوي على شئ في نفر من خاصته " . وأتجه محمد بن خوارزم في فراره من الفرقة التترية إلى مدينة "نيسابور " وهي إحدى مدن إيران حالياً ؛ فانتقل بذلك من دولة إلى دولة أخرى من أفغانستان إلى إيران ؛ أما الجنود النظاميون فقد تفرق كل منهم في جهة ؛ وأما التتار فما كانت لهم إلا مهمة واحدة وهي البحث عن محمد بن خوارزم وقتله ولذلك تركوا " أورجاندا " ولم يدخلوها وانطلقوا مباشرة في اتجاه " نيسابور " مخترقين الأراضي الإسلامية الواسعة في عمقها وهم لايزيدون على عشرين ألف مقاتل وجنكيز خان مازال مستقراً في " سمر قند " ؛ فكان بينهم وبين أقرب تجمع تتري مسافة كبيرة فكان من الممكن بسهولة أن تحاصر هذه الفرقة التترية في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي ؛ لكن الخوف من التتار جعل الناس يفرون منهم في كل اتجاه رعباً وحرصا على الحياة ؛ ولم يكن التتار في هذه المطاردة يتعرضون لسكان البلاد بالسلب أو النهب أو القتل لأن لهم هدف محدد لايريدون أن يضيعوا الوقت في القتل وجمع الغنائم إنما يريدون فقط اللحاق بالزعيم المسلم ومن ناحية أخرى فإن الناس لم يتعرضوا لهم لئلا يستثيروا حفيظتهم فيتعرضون لأذاهم ؛ وهكذا وصل التتار إلى منطقة قريبة من مدينة " نيسابور " في فترة وجيزة فلم يتمكن محمد بن خوارزم من جمع الأنصار والجنود ؛ فلما علم بقربهم منه فترك " نيسابور " واتجه إلى " مازن دران " وهي مدينة تقع في إيران حاليا فلما علم التتار بذلك لم يدخلوا " نيسابور " بل جاوزوها واتجهوا خلفه مباشرة فترك " مازن دران " إلى مدينة " الري " ثم إلى مدينة " همدان " والتتار في أثره ثم عاد إلى مدينة " مازن دران " مرة أخرى في فرار فاضح ثم اتجه بعد ذلك إلى مدينة " طبرستان " وهي مدينة على ساحل بحر " الخذف " وهو ما يعرف ببحر " قزوين " حاليا فوجد سفينة ركب فيها وهربت به في عمق البحر وجاء التتار ووقفوا على ساحل البحر ولم يجدوا ما يركبوه خلفه ؛ فنجحت خطة محمد بن خوارزم في فراره المخذي إلى جزيرة في وسط بحر قزوين وهناك رضي بالبقاء في قلعة قديمة كانت في هذه الجزيرة وعاش في فقر شديد وحياة صعبة وهو الملك الذي ملك بلاداً كبيرة وأموالاً لاتحصى ؛ولكن رضي بذلك لكي يفر من الموت وسبحان الله – ماهى إلا أيام ومات محمد بن خوارزم شاه في هذه الجزيرة النائية بداخل القلعة وحيداً طريداً شريداً فقيراً حتى أنهم لم يجدوا مايكفنوه فيه فكفنوه في فراشه الذي ينام عليه ؛ قال تعالى " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة " |
#9
|
||||
|
||||
*** سيرة " محمد بن خوارزم " وماقيل عنه :-
- عندما تقرأ سيرة " محمد بن خوارزم " تجد أنك أمام رجل من عظماء المسلمين ؛ فإذا راجعت حياته الأخيرة وخاتمته تبين لك غير ذلك ؛ فيقول ابن الأثير في ذكر سيرته " وكانت مدة ملكه إحدى وعشرين سنة وشهوراً تقريباً ؛ وأتسع ملكه وعظم محله وأطاعه العالم بأسره وملك من حد العراق إلى تركمنستان ( في الصين حالياً ) وملك بلاد غزنة ( في أفغانستان حالياً ) وبعض الهند وسجستان وكرمان ( في باكستان حالياً ) وطبرستان وجرجان وبلاد الجبال وخرسان وبعض فارس ( في إيران حالياً ) . من هذه الفقرة يتبين لنا أنه كان عظيماً في ملكه فأستقر له الوضع في بلاد كبيرة مدة طويلة ؛ ومن هنا يظهر حسن إدارته لبلاده ؛ حتى أن ابن الأثير يقول " وكان صبوراً على التعب غير متنعم ولا مقبل على اللذات إنما همه في الملك وتدبيره وحفظه وحفظ رعاياه " ؛ وعندما تحدث عن حياته العلمية الشخصية قال " وكان فاضلاً عالماً بالفقة والحديث وغيرهما وكان مكرماً للعلماء محباً لهم محسناً إليهم وكان معظماً لأهل الدين مقبلاً عليهم متبركاً بهم " . ويقول ابن الأثير في نص آخر يفسر بوضوح سبب هذه الهزائم المتتالية والفرار الذي وقع على ذلك الإمام الفاضل فيقول " وكان محمد بن خوارزم وقد استولى على البلاد وقتل ملوكها وأفناهم وبقي هو وحده سلطان البلاد جميعها فلما انهزم من التتار لم يبق في البلاد من يمنعهم ولا من يحميه " فكان هذا هو السر في حياه هذا الرجل العالِم الذي اتسع سلطانه وذاع سيطه ثم مات في جزيرة في عمق البحر هرباً من التتار . *** ماذا فعلت الفرقة التترية بعد هروب محمد بن خوارزم ؟ كانت المسافة بين الفرقة التترية وبين القوى الرئيسية لجنكيز خان تزيد على 650كم ؛ ودبت الهزيمة النفسية في قلوب المسلمين فقبلوا أن يبقوا في قراهم ينتظرون الموت على يد الفرقة التترية ؛ فألقى الله الرعب في قلوبهم حتى كان المئة من المسلمين لا يقدرون على تترى واحد . ** سقوط " مازن دران " :- عادت الفرقة التترية من شاطئ بحر قزوين إلى بلاد " مازن دران " فملكوها في أسرع وقت مع حصانتها وصعوبة الدخول إليها وامتناع قلاعها وهي من أشد بلاد المسلمين قوة ؛حتى أن المسلمين عندما ملكوا بلاد الأكاسرة ماستطاعوا أن يدخلوا " مازن دران " وذلك في زمان " عمر بن الخطاب " ولم تٌدخل إلا في زمان " سليمان بن عبد الملك " ؛ لكن التتار دخلوها بسرعة عجيبة لا لقوتهم وإنما لضعف نفوس أهلها ؛ وعندما دخلوها فعلوا بأهلها الأفاعيل من قتل وتعذيب وسبي ونهب وأحرقوا البلاد والعباد . ** سقوط " الري " :- اتجهت الفرقة التترية من " مازن دران " بعد أن ملكوها إلى مدينة " الري " ؛ وهم في طريقهم إلى " الري " وجدوا والده " محمد بن خوارزم " وزوجاته ومعهم الأموال الكثيرة والذخائر النفيسة التي لم يسمع بمثلها من قبل فأخذوا كل ذلك سبياً وغنية وأرسلوهم إلى جنكيز خان في " سمر قند " ثم وصلوا إلى " الري " فملكوها ونهبوها وسبوا الحريم واسترقوا الأطفال وفعلوا بها الويلات ؛ثم فعلوا مثل ذلك في القرى والمدن المحيطة بالمدينة ؛ فدخلوا على سبيل المثال مدينة " قزوين " فقتلوا من المسلمين فيها أربعون ألفاً والفرقة التترية لا تتجاوز العشرين ألف . ** سقوط " تبريز " :- اتجهت الفرقة التترية الصغيرة من مدينة " الري " إلى غرب بحر قزوين عند إقليم " أذربيجان" المسلم فمر التتار في طريقهم على مدينة " تبريز " وهي مدينة من مدن الإقليم ؛ فقرر حاكم المدينة المسلم ويدعى " أوزبك بن البهلوان " أن يصاح التتار على الأموال والثياب والدواب ولم يفكر مطلقاً في حربهم لأنه كان لا يفيق من شرب الخمر ليلاً أو نهاراً ؛ ورضي التتار بذلك لأن الشتاء القارس قد دخل على تلك المنطقة وهذه المدينة في منطقة باردة جداً . ** سقوط " أرمينيا وجورجيا " النصرانيتين :- ترك التتار " تبريز " ولكن إلى أجل واتجهوا إلى الساحل الغربي لبحر قزوين ؛ وبدأو في اجتياح الناحية الشرقية لأذربيجان متجهين ناحية الشمال ؛ وفي طريقهم اجتاحوا كلاً من " أرمينيا " و" جورجيا " فمملكة " أرمينيا " يسكنها الكثير من النصارى ؛ومملكة " جورجيا " يتجمع بها قبائل الكرج وهي قبائل نصرانية ووثنية ؛ فحدث قتال بين التتار وبين مملكتي أرمينيا وجورجيا وانتهى القتال بهزيمة المملكتين واجتياح التتار لهذه البلاد وضمها إلى أملاكهم |
#10
|
||||
|
||||
*** ماذا كان يفعل " جنكيز خان " في " سمر قند " :-
بعد أن اطمئن جنكيز خان إلى هروب " محمد بن خوارزم " زعيم البلاد بدأ يبسط سيطرته على المناطق المحيطة ب " سمر قند " ؛ فوجد أن أعظم الأقاليم وأقواها في هذه المناطق هم إقليمي " خوارزم و خرسان " ؛ فإقليم " خرسان " هو إقليم شاسع به مدن كبيرة من أشهرها مدن " بلخ – مرو – نيسابور – هراه – غزنه " وهو يقع الآن في شرق إيران وشمال أفغانستان ؛ أما إقليم " خوارزم " فهو الإقليم الذي كان نواة الدولة الخوارزمية اشتهر بالقلاع الحصينة والثروة العددية والمواهب القتالية وهو يقع إلى الشمال الغربي من " سمر قند " ويمر به نهر " جيحون " وهو يقع الآن في دولتي " أوزبكستان وتركمانستان " ؛ فأراد جنكيز خان القيام بحرب معنوية تؤثر على نفسيات المسلمين قبل اجتياح هذه الأقاليم العملاقة ؛ فقرر البدأ بعمليات إباده وتدمير تبث الرعب في قلوب المسلمين في هاذين الإقليمين الكبيرين فأخرج من جيشه ثلاث فرق : الفرقة الأولى :لتدمير إقليم " فرغانه " وهو يقع في أوزبكستان حالياً على بعُد حوالي 500كم – شرق " سمر قند " . الفرقة الثانية : لتدمير مدينة " ترمز " وهي مدينة الإمام الترمزى – رحمه الله – وتبعُد حوالي 100كم – جنوب " سمر قند " . الفرقة الثالثة :لتدمير قلعة " قلادة " وهي من أحصن قلاع المسلمين على نهر " جيحون " . فقامت الفرق الثلاث بدورها التدميري كما أراد جنكيز خان ؛ فاستولت على كل هذه المناطق وقامت فيها بالقتل والأسر والسبي وانهب والتخريب ؛ فوصلت الرسالة التترية إلى كل الشعوب المحيطة فعمت الرهبة في أرجاء المنطقة ؛ وعندما عادت الفرق الثلاث من مهمتها بدأ جنكيز خان يعد للمهمة التالية وهي اجتياح إقليمي " خرسان وخوارزم " أولاً : اجتياح إقليم " خرسان " :- *** سقوط " بلخ " :- مدينة " بلخ " تقع في شمال أفغانستان حالياً ؛ وحدث فيها أمر هام فهذه المدينة تقع جنوب مدينة " ترمز " التي دمرتها الفرقة التترية ؛ فوصلت أخبار مدينة " ترمز " إلى أهل مدينة " بلخ" فأصيب الناس بالرعب الشديد من التتار ووصلت الجيوش التترية على أبواب مدينة " بلخ " فطلب أهلها منهم الأمان وعلى غير العادة قبل التتار أن يعطوهم الأمان الحقيقي ولم يتعرضوا لهم بالسب أو النهب أو القتل ؛ ولكن السبب في ذلك هو أن جنكيز خان أمر أهل " بلخ " أن يأتوا معه ليعاونوه في فتح مدينة مسلمة أخرى وهي مدينة " مرو " والغريب هو أن أهل " بلخ " أطاعوه وجاءوا معه لمحاربة أهل " مرو " والجميع من المسلمين ولكن الهزيمة النفسية جعلتهم ينصاعون لأوامر جنكيز خان ؛ وبذلك يكون جنكيز خان قد وفر قواته لمعارك أخرى وضرب المسلمين بعضهم ببعض . |
#11
|
||||
|
||||
*** سقوط " مرو " :-
خرج الجيش المسلم من " بلخ " مع الجيش التتري لفتح " مرو " وهي من أكبر المدن في ذلك الوقت وهي تقع حالياً في دولة " تركمانستان " المسلمة على بعد حوالي 250كم – شرق مدينة " بلخ " الأفغانية ؛ فسار إليها جيش كبير من التتار على رأسه بعض أبناء جنكيز خان ومعهم الجيش المسلم الذي خرج معهم من " بلخ " وعلى أبواب " مرو " وجد التتار أن المسلمين قد جمعوا لهم خارج المدينة جيشاً يزيد على مائتي ألف مسلم فدارت موقعة لرهيبة بين الطرفين على أبواب " مرو " ودارت الدائرة على المسلمين وأنطلق التتار يذبحون في الجيش المسلم حتى قتلوا معظمهم وأسروا الباقي ولم يسلم إلا القليل ونهبوا الأموال والأسلحة والدواب من الجيش ؛ ويعلق ابن الأثير على هذه الواقعة فيقول " فلما وصلت التتار إليهم التقوا واقتتلوا فصبر المسلمون ولكن التتار لا يعرفون الهزيمة " ؛ فهزم المسلمون وفتح الطريق إلى المدينة ذات الأسوار العظيمة ؛ وكان بها من السكان ما يزيد على سبعمائة ألف مسلم من الرجال والنساء والأطفال ؛ فحاصر التتار المدينة ودب الرعب في قلوب أهلها بعد أن فني جيشهم أمام أعينهم ؛ ولم يفتح أهل " مرو " الأبواب للتتار لمدة أربعة أيام ولكن في اليوم الخامس أرسل قائد التتار رسالة إلى قائد مدينة " مرو" يقول فيها " لا تهلك نفسك وأهل البلد وأخرج إلينا نجعلك أمير هذه البلد ونرحل عنها " ؛ فصدق أمير المدينة ما قاله القائد التتري وخرج إليه فاستقبله القائد التتري استقبالا حافلاً واحترمه وقربه ؛ ثم قال له أخرج لنا أصحابك والمقربين ورؤساء القوم حتى ننظر من يصلح لخدمتنا فنعطيه العطايا ونقطع له الإقطاعيات ويكون معنا ؛فأرسل الأمير المخدوع إلى معاونيه وكبار وزرائه وجنده لحضور الاجتماع الهام مع ابن جنكيز خان ؛ فلما تمكن منهم التتار قبضوا عليهم جميعاً وقيدوهم بالحبال ثم طلبوا منهم أن يكتبوا قائمتين طويلتين : القائمة الأولى :تضم أسماء كبار التجار وأصحاب الأموال في المدينة . القائمة الثانية :أسماء أصحاب الحرف والصناع المهرة . ثم أمر بن جنكيز خان أن يأتي التتار بأهل المدينة أجمعين ؛ فخرج كل أهل المدينة حتى لم يعد بالمدينة أحد قط ؛ ثم جاءوا بكرسي من ذهب وجلس عليه ابن جنكيز خان وبدأ يصدر الأوامر : أولاً : إخراج أصحاب الحرف والصناع المهرة وإرسالهم إلى منغوليا للاستفادة من خبراتهم الصناعية هناك . ثانياً :إخراج أصحاب الأموال وتعذيبهم حتى يخبروا عن كل أموالهم ؛ ففعلوا ذلك ومنهم من كان يموت من شدة الضرب ولا يجد ما يكفي لفداء نفسه . ثالثاً :يأتوا بأمير البلاد وكبار القادة ورؤساء القوم فيقتلون جميعاً أمام عامة أهل المدينة. رابعاً :دخول المدينة وتفتيش البيوت بحثاً عن المتاع والذهب والفضة ؛ حتى إنهم نبشوا قبر السلطان " سنجر " أحد سلاطين خوارزم القدامى وأستمر هذا البحث لمدة ثلاثة أيام . خامساً :أمر ابن جنكيز خان أن يقتل أهل البلد أجمعين فبدأوا يقتلون طل أهل " مرو " فقالوا أن المدينة عصت علينا وقاومت ومن قاوم فهذا مصيره ؛ ويقول ابن الأثير في ذكر ذلك " وأمر ابن جنكيز خان بعد أن قتلوا جميعاً أن يقوم التتار بإحصاء القتلى فكانوا نحواً من سبعمائة ألف قتيل" ففنيت مدينة " مرو " عن آخرها واختفى ذكرها من التاريخ . ** سقوط " نيسابور " :- ثم جاوزوا مدينة " مرو " إلى مدينة " نيسابور " وهي مدينة كبيرة من مدن إقليم خرسان وتقع حالياً في الشمال الغربي لدولة " إيران " ؛ فاتجه إليها التتار بعد أن تركوا خلفهم مدينة " مرو " وقد خربت تماماً ؛ فحاصروها خمسة أيام ومع أنه كان يوجد بالمدينة جمع كبير من الجنود المسلمين إلا أن أخبار " مرو " وصلت إليهم فدب الرعب والهلع في أوساط المسلمين فما استطاعوا أن يقاوموا التتار ؛ فدخل التتار المدينة وأخرجوا كل أهلها إلى الصحراء ؛ وجاء من أخبر ابن جنكيز خان أن بعضاً من سكان " مرو " قد سلِم من القتل لأنهم ضربوا بالسيوف ضربات غير قاتلة فظن التتار أنهم قد ماتوا فتركوهم فهربوا ؛ لذلك في " نيسابور " أمر ابن جنكيز خان بقتل كل رجال المدينة بلا استثناء وأن تقطع رؤوسهم لكي يتأكدوا من قتلهم ؛ ثم قاموا بسبي كل نساء المدينة وأقاموا بالمدينة خمسة عشر يوما يبحثون في الديار بحثاً عن الأموال والنفائس ؛ ثم تركوها كما يقول ابن الأثير " أثراً بعد عين " . ** سقوط " هراه " :- ثم اتجهوا إلى " هراه " في شمال أفغانستان فتوجه إليها ابن جنكيز خان بقواته المهولة ولم تسلم " هراه " من المصير الذي واجهته " مرو " و "نيسابور " فقتل كل من فيها من الرجال وسبى كل النساء وخربت المدينة كلها وأحرقت عن آخرها لكن أمير هذه المدينة وكان يدعى " ملك خان " أستطاع الهروب بفرقه من جيشه في اتجاه " غزنه " في أفغانستان بعيداً عن أرض القتال . بسقوط " هراه " يكون إقليم خرسان بكاملة قد سقط في أيدي التتار ولم يبقوا فيه على مدينة واحدة ؛ كل هذه الأحداث تمت في عام 617- وهذا من أعجب الأمور التي مرت في تاريخ الأرض مطلقاً . |
#12
|
||||
|
||||
ثانياً : إقليم خوارزم :-
من أشهر مدنه مدينة " خوارزم " مركز الخوارزميين وبها تجمع كبير من المسلمين وحصونها من أشد حصون المسلمين بأساً وقوة وهي تقع حالياً على الحدود بين " أوزبكستان " و" تركمانستان " تقع مباشرة على نهر " جيحون " وكانت تمثل للمسلمين أهمية إستراتيجية واقتصادية كبيرة . ** سقوط " خوارزم " :- لأهميتها الكبيرة وجه إليها جنكيز خان أعظم جيوشه وأكبرها ؛ فقام هذا الجيش بحصار المدينة خمسة أشهر كاملة ولم يتم له الفتح فطلبوا المدد من جنكيز خان فأمدهم بجند كثير وزحفوا على المدينة زحفاً متتابعاً وضغطوا عليها من جميع الجهات حتى استطاعوا أن يحدثوا ثغرة في الأسوار ؛ فدخلوا المدينة ودار قتال رهيب بين التتار والمسلمين داخل المدينة وفني من الفرقين خلق كثير إلا أ، السيطرة الميدانية كانت للتتار ثم تدفقت على المدينة جموع كثيرة من التتار فحلت الهزيمة الساحقة بالمسلمين ؛ ودار على أشدة فيهم وبدأ المسلمون في الهروب والاختفاء في السراديب والخنادق والديار ؛ فقام التتار بهد سد ضخم كان مبنياً على نهر " جيحون " ليمنع المياه من دخول المدينة ؛ فأطلق التتار طوفن من المياه الغزيرة على " خوارزم " فأغرقت المدينة بكاملها ودخل الماء في السراديب والخنادق والديار وتهدمت ديار المدينة بفعل الطوفان الهائل ؛ ولم يسلم من خوارزم أحد البتة وأصبحت المدينة العظيمة خراباً وتركها التتار وقد اختفت تماماً من على وجه الأرض وأصبح مكانها ماء نهر " جيحون " ؛ وهذا كما قال ابن الأثير " مالم يسمع به في قديم الزمان وحديثه اللهم إلا ما حدث مع قوم نوح – عليه السلام " . وكانت هذه الأحداث الدامية أيضاً في سنة 617- . بتدمير إقليمي خراسان وخوارزم يكون التتار قد سيطروا علي المناطق الشمالية والوسطي من دولة خوارزم الكبرى ووصلوا في تقدمهم إلي الغرب علي مقربة كبيرة من نهاية هذه الدولة على حدود العراق . *** جلال الدين بن خوارزم :- ولكنهم لم يقتربوا بعد من جنوب دولة خوارزم الكبرى الذى كان تحت سيطرة رجل يدعي " جلال الدين بن خوارزم شاه " ابن الزعيم محمد بن خوارزم شاه زعيم الدولة الخوارزمية ، وكان جنوب الدولة الخوارزمية يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان وكان يفصل بينه وبين الهند نهر السند وكان جلال الدين يتخذ من مدينة غزنة مقرا له وهي تقع الآن في أفغانستان علي بعد 150 كم من مدينة كابل وهى مدينة حصينة تقع وسط جبال " باروجا ميزوس " الأفغانية . ** موقعة " غزنة " :- عندما انتهى جنكيز خان من أمر الزعيم الرئيسي للبلاد "محمد بن خوارزم شاه " وأسقط دولته بهذا الشكل المريع بدأ يفكر في غزو وسط أفغانستان وجنوبها ، فهو يريد أن من أمر الابن " جلال الدين " الذى ورث الحكم بعد أبيه محمد بن خوارزم شاه ، فوجه جنكيز خان إلى غزنة وهي عاصمة ملك " جلال الدين " جيشاً كثيفا من التتار ، وبدأ جلال الدين بعد أن أصبح الوريث الشرعى للبلاد وبعد أن وصلته أخبار ما حدث فى شمال ووسط مملكة أبيه وما حدث لأبيه وكيف مات فى جزيرة نائية ،فجمع جيشاً كبيرا من بلاده وأنضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين كان يدعى "سيف الدين بغراق " وكان شجاعاً مقداماً صاحب رأى ومكيدة وحرب وكان معه ثلاثون ألف جندي ثم أنضم إليه أيضا ستون ألفا من الجنود الخوارزمية الذين فروا من التتار أثناء غزوهم المدن الخوارزمية ، ثم أنضم إليه أيضا ملك خان و أمير هراة الذى فر منها بفرقة من جيشه ، فبلغ جيش جلال الدين عددا كبيرا ، فخرج بهذا الجيش إلى منطقة بجوار غزنة تدعى " بلق" وهى منطقة ذات طبيعة جبلية وعرة وتقع وسط الجبال العظيمة ، وانتظر جيش التتار هناك فى ذلك المكان الحصين ، وبعد قليل جاء جيش التتار فدار بين الجيشين معركة من أشرس المعارك فى هذه المنطقة وقاتل المسلمون قتال المستميت فهذه أطراف المملكة الخوارزمية فلو هزموا في هذه الموقعة فليس بعدها أملاك ، فكان لحمية المسلمين ولصعوبة الأرض والطبيعة الجبلية وكثرة أعداد المسلمين وشجاعة الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق والقيادة الميدانية لجلال الدين أثراً واضحا في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار فاستمرت المعركة ثلاثة أيام ، ثم أنزل الله – عز وجل – نصره علي المسلمين وانهزم التتار للمرة الأولى فى بلاد المسلمين وكثر فيهم القتل ، وفر الباقون منهم إلى ملكهم جنكيز خان وكان فى ذلك الوقت قد ترك سمرقند وتمركز فى منطقة الطالقان فى شمال شرق أفغانستان ، وارتفعت معنويات المسلمين بعد هذه المعركة فقد كان قد وقر فى قلوب الكثيرين قبل المعركة أن التتار لا يهزمون ، ولكن هاهو إتحاد الجيوش الإسلامية في غزنة يؤتى ثماره فاتحدت فى هذه الموقعة جيوش جلال الدين مع بقايا جيوش أبيه مع الفرقة التركية بقيادة " سيف الدين بغراق " مع ملك خان أمير هراة واختاروا مكاناً مناسباً وأخذوا بالأسباب المتاحة فكان النصر . ** موقعة " كابل " :- وعندما اطمئن جلال الدين إلى جيشه أرسل رسالة إلى جنكيز خان في " الطالقان " يدعوه فيها إلى قتال جديد وهذه هي أول مره يشعر فيها جنكيز خان بالقلق فجهز جيشاً أكبر وأرسله مع أحد أبناءه لقتال جلال الدين وتجهز الجيش المسلم للموقعة الثانية مع التتار ؛ والتقى الجيشان في مدينة " كابُل " الأفغانية وهي مدينة حصينة تحاط من كل جهاتها تقريباً بالجبال ؛ فشمالها جبال " هندوكوش " الشاهقة وغربها جبال " باروبا ميزوس " وجنوبها وشرقها جبال " سليمان " ؛ فدارت موقعة كابل الكبيرة وكان القتال عنيفاً أشد ضراوة من موقعة غزنة وثبت المسلمون وحققوا نصراً غالياً ثانياً على التتار بل وأنقذوا عشرات الآلاف من المسلمين الأسرى من أيدي التتار ؛ وارتفعت معنويات المسلمين أكثر وفرح المسلمون بهذا النصر . |
#13
|
||||
|
||||
** الغنائم :-
ثم تمكن المسلمون من شئ يعتبرة الكثيرون من الناس نعمة ولكن كثيراً ما يكون نقمة ألا وهو " الغنائم " الدنيا وكم أهلكت الدنيا من المسلمين ؛ روى البخاري ومسلم عن عمرو بن عوف ( رضي الله عنه ) قال ؛ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " ؛ وكانت قلوب المسلمين في هذه الحقبة من الزمان مريضة بمرض حب الدنيا إلا من رحم الله ؛ وكانت حروبهم حروب مادية ؛ حروب مصالح ؛ حروب أهواء ؛ ولم تكن حروباً في سبيل الله – عز وجل – لذلك كان لهم الانتصار مرة أو مرتين لحب البقاء والرغبة في الملك والخوف من الأسر ومن القتل فكانت لهم جولة أو جولتين ولكن ظهرت خبايا النفوس عند كثرة الأموال والغنائم ووقع المسلمون في الفتنة فاختلفوا على تقسيم الغنيمة ؛ فقام " سيف الدين بغراق " وقام " ملك خان " أمير هراه قام كل منهما نصيبه في الغنيمة وحدث الأختلاف وارتفعت الأصوات ثم ارتفعت السيوف ليقاتل المسلمون على تقسيم الغنيمة ؛ وجيوش التتار مازالت تملأ معظم مدن المسلمين ؛ وكان ممن قُتل أخ لسيف الدين بغراق فغضب غضباً شديداً وقرر الانسحاب من جيش جلال الدين ومعه ثلاثون ألف مقاتل ؛ فحدث ارتباك كبير في جيش المسلمين وحاول جلال الدين أن يُصلح الأمور فأسرع إلى سيف الدين بغراق ليرجوه أن يعود إلى صف المسلمين والمسلمون في حاجة إلى كل جندي وفي حاجة إلى كل طاقة ؛ وفوق هذا فإن الفرقة التركية التي انسحبت هي أقوى فرقة في جيش جلال الدين ؛ لكن سيف الدين بغراق أصر على الأنسحاب وأنسحب بالفعل وأنكسر جيش المسلمين انكسارا كبيراً فأنكسر انكساراً مادياً ومعنوياً ولم يفلح المسلمين في استثمار النصر الغالي الذي حققوه في " غزنه " و " كابل " ؛ روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال؛ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستحلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء " *** فرار " جلال الدين " :- وبينما هم كذلك إذ جاء جنكيز خان بنفسه على رأس جيوشه ليرى ذلك المسلم الذي انتصر عليه مرتين في غزنة وكابل فدب الرعب والهلع في جيش المسلمين فقد قلت أعداد المسلمين وتحطمت معنوياتهم ؛ ورأى جلال الدين أن جيشه أصبح ضعيفاً فأخذ جيشه وبدأ يتجه جنوباً للهروب من جيش جنكيز خان أو على الأقل تجنب الحرب لكن جنكيز خان كان مصراً على الحرب ؛ وفعل جلال الدين مثل ما فعل أبوه من قبل فبدأ يتنقل من مدينة إلى مدينة ومن بلد إلى وبلد حتى وصل إلى حدود باكستان فاخترقها حتى وصل إلى نهر " السند " الذي يفصل بين باكستان والهند وهناك قرر العبور في نهر " السند " والدخول إلى أرض الهند مع أن علاقته بأهل الهند علاقة سيئة لكن كان أرحم عنده من لقاء جنكيز خان ولكن عند نهر السند لم يجد السفينة التي يعبر بها مثلما وجدها أبوه من قبل ؛ فأنتظر وفوجئ بعد قليل بجيش جنكيز خان من خلفه فلم يكن هناك بُد من القتال فنهر السند من خلفهم والسفن على مسافة بعيدة ؛ فدارت موقعة رهيبة بكل معاني الكلمة فكل المشاهدين لهذه الموقعة قال أن كل ماضي من الحروب كان لعباً بالنسبة إلى هذا القتال واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام متصلة واستحر القتل في الفريقين وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير " ملك خان " أمير هراه ؛ وفي اليوم الرابع انفصلت الجيوش لكثرة القتل وبدأ كل طرف يعيد حساباته ؛ وبينما هم في هذه الهدنة المؤقتة جاءت السفن إلى نهر السند فلم يضيع جلال الدين أي وقت في التفكير فأخذ القرار السريع في الهروب وقفز الزعيم المسلم إلى السفينة ومعه خاصته ومقربيه وعبروا نهر السند إلى بلاد الهند وتركوا التتار على الناحية الغربية للنهر . ** سقوط " غزنة " :- بعد ذلك انقلب جنكيز خان على بلاد المسلمين يصب عليها عظيم غضبة نتيجة الهزيمتين اللتان لحقتا بجيوشه من قبل ويفعل بها ما اعتاد التتار أن يفعلوه وأكثر ؛ وكانت أشد المدن معاناة مدينة " غزنة " عاصمة جلال الدين بن خوارزم وهي المدينة التي هُزم عندها قبل ذلك جيش جنكيز خان ؛ فقتل كل رجالها بلا استثناء وسبى كل الحريم وأحرق كل الديار وتركها كما يقول ابن الأثير " خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس " وكان ممن أمسك به جنكيز خان من أهل المدينة أطفال جلال الدين بن خوارزم فأمر جنكيز خان بزبحهم جميعاً وهكذا ذاق جلال الدين من نفس المرارة التي ذاقها الملايين من شعبه ؛ روى البيهقي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) قال " كن كما شئت فكما تدين تدان " ؛ وبذلك حقق جنكيز خان حلماً غالياً ما كان يتوقع أن يكون بهذه السهولة وهو احتلال أفغانستان . فلماذا يكون حلم جنكيز خان وأمثاله احتلال أفغانستان ؟ ولماذا يكون احتلال أفغانستان خطوة لسقوط الأمة الإسلامية ؟ " " " " " من أي محتل نذير خطر على الأمة الإسلامية بأسرها ؟ كل هذا لعدة أمور :- 1- للطبيعة الجبلية للدولة التي تجعل غزوها شبه مستحيل ؛ وبذلك فهي تمثل حاجزاً طبيعياً قوياً في وجه الغزاة ؛ هذا الحاجز يخفف الوضع على البلاد المجاورة لأفغانستان فإن سقطت أفغانستان كان سقوط هذه البلاد المجاورة محتملاً جداً وسيكون غزو أو مساومة باكستان وإيران والعراق أسهل كثيراً . 2- الموقع الإستراتيجي الهام لأفغانستان فهي تقع في موقع متوسط من أسيا ؛ فالذي يمتلك أفغانستان فكأنه ينظر بزاوية بدرجة 360 على المنطقة بأسرها ؛ فهو على بُعد خطوات من دول في غاية الأهمية ؛ فهو لا يراقب باكستان وإيران فقط ولكن يراقب أيضاً دولاً خطيرة في المنطقة مثل روسيا والهند ؛ وفوق ذلك هو قريب نسبياً من الصين فتصبح السيطرة على كامل آسيا بعد احتلال أفغانستان أمراً ممكناً . 3- الطبيعة الجبلية لأفغانستان أكسبت الشعب الأفغاني صلابة وقوة قد لا تتوفر في غيرها من البلاد إن سقط هؤلاء الأفغان فسقوط غيرهم سيكون أسهل بلا شك . 4- يتمتع سكان أفغانستان بنزعة إسلامية عالية وروح جهادية بارزة ومميزة وليس من السهل أن يقبلوا بالإحتلال وظهر ذلك جلياً في انتصارين متتاليين علي التتار فكل الجيوش الإسلامية قبل ذلك فشلت في حربها مع التتار وهذه أول مرة يهزم التتار هزيمتين متتاليتين وكان ذلك في أفغانستان فلو سقط هؤلاء القوم فهذا يعد نجاحاً كبيرا للقوي المعادية للمسلمين . بذلك يكون التتار قد وصلوا من الصين إلى كازاخستان ثم أوزبكستان ثم تركمنستان ثم أفغانستان ثم إيران ثم أذربيجان ثم أرمينيا وجورجيا واقتربوا جدا من العراق كل ذلك في سنة 617 ه ، ففي سنة واحدة اجتاح التتار هذا الجزء الشرقي من العالم الإسلامي . |
#14
|
||||
|
||||
** سقوط مراغة :-
في بداية عام 618 ه دخل التتار مدينة مراغة المسلمة وهي تقع في إقليم أذربيجان ومن عجيب الأمور أن امرأة مسلمة كانت تحكم هذه المدينة ، حاصر التتار مراغة ونصبوا حولها المنجنيق وبدأ القتال من التتار للمسلمين بواسطة الأسري المسلمين الذين بدأو بفتح مراغة ، وبدأ الأسري المسلمين يقتلون إخوانهم المسلمين في مراغة طمعاً في قليل من الحياة ودخل التتار المدينة المسلمة في 4 صفر سنة 618 ه ووضعوا السيف في أهلها فقتل منهم كما يقول ابن الأثير ( ما يخرج عن الحد والإحصاء ) ونهبوا كل ما صلح نهبه وكل ما استطاعوا أن يحملوه والذي لم يستطيعوا حمله كانوا يجمعونه ويحرقونه فكانوا يأتون بالحرير الثمين كأمثال التلال فيحرقونه بالنار ، ويقول ابن الأثير ( إن المرأة من التتار كانت تدخل الدار فتقتل جماعة من أهل الدار رجالا ونساء وأطفالا ما يتحرك لها أحد ) وذكر أيضاً أنه قد سمع بنفسه من بعض أهل مراغة أن رجلا من التتر دخل درباً به مائة رجل مسلم فما زال يقتلهم واحداً تلوا الآخر حتى أفناهم جميعاً ولم يرفع إليه رجل واحد يده بسوء فوضعت الذلة علي الناس لا يدفعون عن أنفسهم قليل ولا كثير . ** الخليفة والتتار :- ثم بدأ التتار يفكرون جدياً في غزو مدينة " أربيل " التي تقع في شمال العراق فدب الرعب في المدينة وكذلك في مدينة " الموصل " التي تقع غرب أربيل ؛وفكر بعض أهل أربيل والموصل في الهروب من طريق التتار ؛ فخشي الخليفة العباسي " الناصر لدين الله " أن يعدل التتار عن أربيل ويتجهوا إلى بغداد فبدأ يفيق من ثباته العميق فبدأ يستفر الناس لملاقاة التتار في أربيل إذا وصلوا إليها ؛ فأعلن حالة الأستنفار العام في كل مدن العراق التي تقع تحت سيطرته فبدأ جيش الخلافة العباسية في التجهز وكان كل ما جمعه الخليفة من الإستنفار العام للمعركة ثمانمائة رجل فقط ولم يستطع قائد الجيش العباسي وكان يدعى " مظفر الدين " أن يلتقي بالتتار بهذا العدد الهزيل ؛ فعندما رأى أمامه جيش التتار وهم مئات الآلاف وهو لا يتعدى الثمانمائة رجل فانسحب من أمامهم ؛ ولكن –سبحان الله – فقد حدث أمر غريب وهو أن التتار شعروا أن هذا الأنسحاب خدعة وأن هذه الفرقة ما هي إلا مقدمة للجيش الإسلامي الكبير ؛ فلا يُعقل أن جيش الخلافة العباسية المرهوبة لا يزيد عن ثمانمائة جندي لذلك قرر التتار تجنب المعركة وانسحبوا بجيوشهم وآثروا أن يدخلوا مع الخلافة في صدام مباشر واستبدلوا ذلك بما يعرف بحرف الاستنزاف فسيقومون بضربات خاطفه موجعة للعراق ؛ سيحاصرون العراق حصاراً طويلاً مستمراً لإضعاف العراق ثم القيام بأحلاف واتفاقيات مع الدول والأمارات المجاورة للعراق لتسهيل الحرب ضد العراق في الوقت المناسب ؛ لذلك انسحب التتار ليطول عُمر العراق عدة سنوات أُخرى . ** تبريز :- انسحب التتار من أربيل إلى مدينة " تبريز " وهي مدينة إيرانية وكان قائدها كما ذكر سابقاً يدعى " أوزبك بن البهلوان " الذي كان لا يفيق من شرب الخمر ؛ فعاد التتار إلى تبريز ليحاولوا مخالفة العهد الذي عقدوه مع أوزبك لكن فوجئ التتار بتغيير الحكم في المدينة وتولى قيادة البلاد رجلاً يدعى " شمس الدين الطغرائي " وكان رجلاً مجاهداً يفقه دينه ودنياه فقام – رحمه الله- يحمس الناس على الجهاد وعلى إعداد القوة ؛ وقوى قلوبهم على الأمتناع حذرهم من عاقبة التخاذل والتواني فعلمهم ما عرفوه نظرياً قبل ذلك ولم يطبقوه أبداً بصورة عملية في حياتهم فعلمهم أن الإنسان لا يموت قبل ميعاده أبداً وأن رزقه وأجله قد كتب له قبل أن يولد وأنهم مهما فعلوا للتتار فلن يتركوهم إلا إذا احتمى المسلمون وراء سيوفهم ودروعهم أما بغير قوة فلن يحمى حق على وجه الأرض ؛ فتركت الحمية في قلوب أهل تبريز فقاموا مع قائدهم البار يحصنون بلدهم ويصلحون الأسوار ويوسعون في الخندق ويجهزون السلاح ويضعون المتاريس ويرتبون الصفوف ؛ فتجهز القوم وللمرة الأولى منذ زمن للجهاد في سبيل الله فسمع التتار بأمر المدينة وسمعوا بحالة العصيان المدني فيها وحالة الأستنفار العام وسمعوا بدعوة التجهز للقتال في سبيل الله فسمعوا بكل ذلك فماذا فعل التتار ؟ فأخذ التتار قراراً عجيباً قرروا عدم دخول " تبريز " وعدم الدخول في قتال مع قوم قد رفعوا راية الجهاد في سبيل الله والقى الله – عز وجل – الرعب في قلوب التتار على كثرتهم من أهل تبريز على قلتهم ؛ الجهاد في سبيل الله فعل فعلته المتوقعة بل إن القوم لم يجاهدوا ولم يصلوا إلى مرحلة الجهاد لكن عقدوا النية الصادقة وأعدوا الإعداد المستطاع فتحقق الوعد الرباني الوعد الذي لا خلف له وهو وقوع الرهبة في قلوب الأعداء عند إعداد المسلمين قال تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " ؛ فما حجم تبريز بالنسبة لجيوش التتار وما حجمها بالنسبة للمدن والدول الإسلامية التي سقطت ؛ قال تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " فما النتيجة " ترهبون به عدوا الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " . كانت هذه صورة مشرقة في وسط هذا الركام المظلم ورحم الله " شمس الدين الطغرائي " الذي جدد الدين في هذه المدينة المسلمة وسبحان الله – نفس هذا الحدث تكرر مع مدينة " كنجه " فقد أعلنت أيضاً الجهاد في سبيل الله وأعدت العدة فلم يدخل إليها تتري واحد . ** سقوط " داغستان والشيشان " :- ترك التتار تبريز وكنجه واتجهوا إلى داغستان والشيشان وهما تقعان في شمال أذربيجان على ساحل بح قزوين فقام التتار كعادتهم بتدمير كل شئ في هذه البلاد وقتل معظم من وجدوه في طريقهم وكانت أشد المدن معاناة هي مدينة " شماخي " وهي تقع في دولة داغستان حالياً . |
#15
|
||||
|
||||
** الهجوم على " روسيا " :-
ترك التتار هذه المنطقة وجاوزوها إلى ما بعدها وهي " روسيا " ؛ ودخل التتار أرض روسيا وكانت في ذلك يعيش فيها النصارى واستمر التتار في تقدمهم حتى وصلوا إلى حوض نهر " الفولجه " في روسيا وقاتلوا أهل هذه البلاد من النصارى وأثخنوا فيهم القتل وارتكبوا معهم من البشائع ما كانوا يرتكبونه مع المسلمين وبقوا تقريباً سنة 618 – في داخل أرض روسيا وهي أراض واسعة فسيطروا على الجنوب الغربي من أرض روسيا في هذه السنة . وفي سنة 619- حافظ التتار على أملاكهم ووتضوا ملكهم في هذه المناطق . ونراجع سريعاً أسماء الدول التي سقطت في أيدي التتار إلى هذه اللحظة من سنة 619 – وهي : كازاخستان – قرغيغستان – طاجكستان – أوزباكستان – تركمانستان – باكستان باستثناء المناطق الجنوبية منها والمعروفة بإقليم " كرمان " لم يصل إليه التتار بعد – أفغانستان – معظم إيران ماعدا الجزء الغربي منها الذي كان تحت سيطرة طائفة الإسماعيلية – أذربيجان – أرمينيا وجورجيا النصرانيتين – الجنوب الغربي من روسيا . ** دخول سنة 620:- بينما كان جنكيز خان يبسط سطوته على الدولة الخوارزمية وما حولها استمرت الحملات التترية على روسيا وانشغل التتار بحرب روسيا في سنة 620؛ لكن في هذه السنة نعلق فيها على أربعة أحداث فقط : 1- توغل التتار في بلاد روسيا وحققوا انتصارات عديدة لكن في نهاية المطاف توقفوا أمام طائفة تدعى طائفة " البلغار " وحدثت بينهم موقعة عظيمة هُزم فيها التتار هزيمة منكرة وقتل منهم خلقاً كثيراً إلى حد أن التتار فقدوا السيطرة على معظم المناطق الغربية التي كانوا يحتلونها ففقدوا السيطرة على روسيا وجورجيا وأرمينيا والشيشان وداغستان وأذربيجان وشمال إيران هذا كله نتيجة هزيمة واحدة في روسيا وكانت هذه فرصة من السماء للمسلمين لكي يعيدوا ترتيب الأوراق وترتيب الصفوف وتجهيز العدة ليقابلوا التتار وهم في حالة إرتباك بعد هذه الهزيمة الكبيرة ؛ كان هذا هو المتوقع لكن لم يحدث شئ من هذا القبيل وما حدث هو أن أحد أمراء المسلمين في هذه المنطقة جمع عُدته وعتاده وهجم على قبائل الكرج في جورجيا ؛ وهذا الحدث يحتاج إلى وقفة فهذا حدث عجيب في هذا الوقت نعم بين الكرج والمسلمين حروب مستمرة إلا أنهم الآن في شبه هدنة غي رسمية فليس من الحكمة أبداً فتح جبهات جديدة على المسلمين في وجود العدو الأكبر لهم وهو التتار وبالأخص أن الكرج أيضا يعانون مما يعاني منه المسلمون فالكرج يكرهون التتار وأصيبوا كما أصيب المسلمون من التتار ؛ فكان المتوقع في ذلك الوقت من المسلمين إن كانوا يتحلون بالحكمة السياسية أن يتحالفوا بحذر مع الكرج ضد التتار أو على الأقل يحيدوا صفهم لكن يدخلوا في حرب مع الكرج يستنزفوا فيها قوة المسلمين وقوة الكرج في وجود القوة التترية الضخمة إلى جوارهم فهذا يعتبر من سوء الحكمة في تقدير الأمور ؛ ودارت الحرب بين الطرفين وفقد كل منهما عدداً كبيراً من القتلى والأهم من ذلك أنهم فقدوا الثقة وإمكانية التحالف ضد التتار ولم يستغل المسلمون موازين القوى في ذلك الوقت لصالحهم فكان هذا من أهم أسباب ضعفهم ؛ ثم سكنت الحرب وأُقيم الصلح من جديد بين الكرج والمسلمين لكن بعد فقد طاقة مهولة من الطرفين . 2- نتيجة هزيمة التتار في هذه المنطقة ظهر أحد أبناء " محمد بن خوارزم " غير جلال الدين يُدعى " غياث الدين بن محمد بن خوارزم " ؛ فقام غياث الدين هذا بجمع الرجال وأشغل الفراغ النسبي الذي خلفه التتار وتملك المنطقة وسيطر على معظم إيران من مدن الري واصبهان وغيرها ووصل في سيطرته إلى إقليم كرمان في باكستان وهذه المنطقة كما ذكرنا لم يصل إليها التتار وأصبحت سيطرة غياث الدين بن خوارزم على مناطق شمال وغرب وجنوب غيران أما المنطقة الشرقية فما زالت تحت الأحتلال التتري وهي إقليم خُرسان فالتتار ملاصقون تماماً لغياث الدين ؛ فكان المتوقع من الخليفة العباسي " الناصر لدين الله " في ذلك الوقت أن يساعد غياث الدين بن خوارزم لأنه يقف بينه وبين التتار فكان المتوقع أن يساعده إن لم يكن بدوافع الدين والأخوة والنصرة للمسلمين فليكن بسبب الأبعاد الإستراتيجية الهامة فهو يقف كحائط صد أمام الخلافة العباسية لكن الخليفة العباسي لم يدرك هذه الأبعاد وكان الناصر لدين الله كما يقول المؤرخون " رجلاً ظالماً مستبداً فرض المكوس والضرائب على كل شعبه فكل أزمة إقتصادية تحدث يفرض ضريبة جديدة فيحل الأزمة من قوت الشعب وكان مهتماً بالحفلات والملذات والصيد واللعب وعم الفساد في زمانه فارتفعت الأسعار وقلت المؤن والموارد ؛ فلم ينس الناصر لدين الله الخلافات القديمة مع الدولة الخوارزمية فهو يريد أن يفكك الدولة التي بدأت تنموا بجواره بقيادة غياث الدين فراسل خال غياث الدين وكلن يُدعى " إغان طائسي " وكان رجلاً كبير صاحب رأي في الحرب وكان أميراً في جيش غياث الدين فراسله الخليفة العباسي ووعده أن يساعده في حالة ما إذا انقلب على غياث الدين وأمده بالجند والسلاح والأفكار ولم يهمه مطلقاً الفتنة التي ستحدث في إيران إلى جواره تماماً وأعجبت الفكرة " إغان طائسي " وجمع الجند وبدا ينادي بالعصيان ضد غياث الدين وهو ابن أخته فحدث ما لم يُتوقع ؛ التقى إغان طائسي مع ابن أخته غياث الدين في موقعة فاصلة للسيطرة على إيران ودارت موقعة كبيرة وسقطت الأعداد الكثيرة من المسلمين قتلى بسيوف المسلمين وفي النهاية إنهزم إغان طائسي وهرب هو ومن معه بعد أن قُتل عدد كبير من جنده . 3- هذه الحادثة التي سنتحدث عنها ذكرها بن الأثير في كتابه وقدم لها عبارة فقال " حادثة غريبة لم يوجد مثلها " وهي أن مملكة الكرج النصرانية بعد أن أتمت صلحها مع المسلمين وصل إلي قمة الحكم فيها امرأة وكانت غير متزوجة فطلب منها الأمراء أن تتزوج رجلاً يدير عنها البلاد فوافقت وأرادت أن تتزوج من بيت يكون بيت ملك وشرف فلم تجد أي بيت في مملكتها فسمع بذلك أحد ملوك المسلمين يدعى " مغيث الدين بن طغرر شاه بن قلج أرسلان " من ملوك السلاجقة وكان يحكم منطقة الأناضول وكان له ابن كبير فأرسل إلى ملكة الكرج وطلب منها أن يزوجها لابنه فرفضت الملكة وقالت أنها لا تتزوج من رجل مسلم فلا يمكن أن يملك مملكة الكرج رجل مسلم فقال لهم :" إن ابني يتنصر ويتزوجها " ؛ فوافقوا على ذلك وتنصر الولد المسلم وتزوج ملكة الكرج وانتقل إلى مملكتهم ليكون حاكماً عليهم وبقي على نصرانيته ؛ وللعبرة أن هذا الولد مات على نصرانيته محبوساً في مملكة الكرج بعد أن عزلوه عن الحكم – فإنا لله وإنا إليه راجعون- . 4- هجم الجراد بكميات هائلة على أكثر أقاليم المسلمين فأهلك الكثير من الغلات والخُضر بالعراق والجزيرة والشام وفارس وغيرها . ** دخول سنة 621 :- نعلق فيها على ثلاثة أحداث فقط : 1- حدث بين " غياث الدين " الذي كان يحكم إيران في ذلك الوقت حدثت حدث بينه وبين أحد الأمراء في هذه المنطقة فتنة وهذا الأمير هو " سعد الدين دكنه " ودار بينهما قتال طويل حتى رضي الطرفان بتقسيم البلاد إلى نصفين شمالي وجنوبي فالجنوب به " سعد الدين دكنه " والشمال به " غياث الدين " . 2- دخل ثلاثة آلاف جندي تتري إلى إيران فوضعوا السيف في مدن ( الري – ساوا – قُم – قاشان – همدان ) ولم يُرفع في وجههم سيف . 3- قلت الأمطار في البلاد في هذه السنة فكانت الأمطار تجئ قليلة جداً وفي أوقات متفرقة وخرج عليهم الجراد للمرة الثانية ليأكل الزرع القليل الذي خرج في وجود المطر القليل وغلت الأسعار في العراق – الموصل – وسائر ديار الجزيرة وهي المنطقة الشمالية من العراق وسوريا . ** دخول سنة 622 و 623 :- 1- خفت في هاتين السنتين القبضة التترية على غرب الدولة الخوارزمية وغرب وشمال إيران ؛ واكتفوا ببعض الحملات المتباعدة واهتموا بتوطيد الملك في أركان الدولة الخوارزمية الشاسعة التي وقعت في أيديهم ؛ لكن حدث أمر جديد في هاتين السنتين فقد ظهر على مسرح الأحداث فجأة "جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه " الذي لم يستطع العيش في بلاد الهند بسبب علاقته السيئة مع الغوريين حكام الهند في هذه الفترة فعندما رأى أن الأوضاع قد استقرت نسبياً في إيران والتتار قد اكتفوا بتوطيد الملك في أركان الدولة الخوارزمية الشرقية رأى أن الوقت قد أصبح مناسباً فدخل أرض إيران يبحث عن ملكه الضائع وكان الذي يحكم إيران في ذلك الوقت هو أخوه "غياث الدين " في الشمال وسعد الدين دكنه في الجنوب ؛ فتحالف " جلال الدين بن محمد بن خوارزم " مع " سعد الدين دكنه " ضد أخيه " غياث الدين بن محمد بن خوارزم " وبدأ جلال الدين في غزو إقليم فارس ( إيران حالياً ) من الجنوب إلى الشمال ووصل إلى غرب إيران وسيطر على كل المنطقة الغربية من إيران ووجد جلال الدين نفسه قريباً من الخلافة العباسية في العراق فتذكر الخلافات القديمة بينه وبين الخلافة العباسية فقرر غزو الخلافة العباسية فدخل بجيشه البصر وحاصرها وأهلها من المسلمين فحاصرها شهرين فلم يستطع دخولها فتركها وأتجه إلى الشمال واقترب من بغداد فحاصرها فخشي الناصر لدين الله الخليفة العباسي على نفسه وعلى مدينة فحصن المدينة وجيش الجيوش لكن فعل فعلاً شنيعاً بشعاً لا يتخيل يقول ابن الأثير تعليقاً على هذا الفعل " فعل الذنب الذي يتصاغر إلى جواره كل الذنوب " أرسل إلى التتار يستعين بهم على حرب جلال الدين لكن التتار في ذلك الوقت كانوا منشغلين عن حرب جلال الدين ولم يأتوا لمساعدة الخليفة ولم يستطع جلال الدين دخول بغداد فتركها وانتقل إلى غيرها من البلاد ؛ وكانت حروبه هو ومن معه من الجنود الخوارزمية حروب شرسة مفسدة مع أن كل البلاد المغنومه بلاد إسلامية كان يفعل بهم الأفاعيل من قتل وسبي ونهب وتخريب ؛ فبلغ سلطان جلال الدين من جنوب فارس إلى الشمال الغربي لبحر قزوين وهي وإن كانت منطقة كبيرة إلا أن كلها قلاقل وأضطرابات بالإضافة إلى العداءات الكثيرة التي أورثها جلال الدين في قلوب كل سكان المنطقة. 2- في أو آخر عام 622- توفي الخليفة العباسي " الناصر لدين الله " الذي حكم البلاد لمدة 47سنة وتولى ابنه الحكم وهو " الظاهر بأمر الله " لكن كان الولد على النقيض تماماً من أبيه فكان رجلاً صالحاً تقياً أظهر من العدل والإحسان ما لم يسبق إلا عند القليل إلى حد أن ابن الأثير يقول " أنه لو قيل أنه لم يلي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقاً " فرفع الضرائب الباهظة عن الناس وأعاد إليهم حقوقهم وأخرج المظلومين من السجون وتصدق على الفقراء حتى قيل في حقه " أنه كان غريباً تماماً على هذا الزمان الفاسد " ولقد قال ابن الأثير عنه " إني أخاف أن تقصر مدة خلافته لأن زماننا وأهله لا يستحقون خلافته " وصدق ظن ابن الأثير فلم يمر إلا تسعة أشهر فقط وتوفي الظاهر بأمر الله وقد ذكر الرواة أن الأسعار في أيامه رخصت جداً وتحسن الاقتصاد في العراق في تسعة أشهر فقط ؛ وتولى الحكم من بعده " المستنصر بالله " وفي هذه الأثناء كان جلال الدين مستمراً في حروبه في هذه المنطقة ضد المسلمين |
العلامات المرجعية |
|
|