كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد في هذا الغار على رأس الجبل، يرى مكة ويشاهد من على البعد الكعبة، فلما جاء أوان بعثته جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه الآيات، وفي الحديث الصحيح الذي ترويه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه (وهو التعبد) الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء؛ فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم).
أولاً قال: اقرأ، وثانياً قال: باسم ربك، ثم قدم وصفاً للرب قال: «الذي خلق»، فوصف نفسه بأخص أوصاف الألوهية، وهي «الخلق» الذي اختص به ولا أحد غيره يستطيع أن يخلق، والخالق هو الذي يستحق أن يعبد، وهو القائل: (أفمن يخلق كمن لا يخلق) (النحل:17).
«الذي خلق»، وهي هنا على العموم، أي خلق كل مخلوق، ثم قال: «خلق الإنسان»، على الخصوص، وهو المنزل إليه القرآن، وهو المأمور بحمل أمانة القرآن وتنفيذ منهجه، وعاد يؤكد الأمر الأول: (اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم).