اعتاد المُسلمون قديماً وحديثاً على اعتبار السُنّة أحد الأصول الإسلاميّة التي تدُلّ على الأحكام الشرعيّة، وأمّا من أنكرها ولم يعتبرها حُجّة فقد مال عن الحقّ، كالقُرآنيّون؛ الذين يأخُذون من القُرآن فقط من غير أخذهم بِالسُنّة، فقد جاء عن الإمام الشاطبيّ في قولهِ عنهم: "إنهم قوم لا خلاق لهم"، وتصدّى لهم الأئمة الأربعة وردّوا عليهم، فهم تمسّكوا بظواهر الآيات، وبعض الأحاديث الضعيفة، وظهر على الوجه الآخر من يُسمّون بالحديثيّون؛ حيثُ يأخُذون من السُنّة دون النّظر إلى القُرآنِ الكريم وآياته، والأصل المُساواة بينهما؛ حيث إنَّ السُنّة تُبيّنُ مُجمل القُرآن الكريم، وتُخصّص عامّه، وتُقيّد مُطلقه، فحُجّيّة السُنّة ثابتةٌ بالكتاب وبإجماعُ الصّحابة الكِرام وبالمعقول، ومن الأدلّة التي تُثبت حُجّيّة السُنّة: أدلّة السنة النبوية في القرآن: الآيات التي تحثُّ وتأمر بطاعة الرّسول -عليه السّلام-، كقوله -تعالى-: (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، فتجب طاعة النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بنصّ القُرآن الكريم. والآيات الدالّة على حُجيّتها كثيرة، كقولهِ -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). وجميع الأدلّة التي تُثبت حُجيّة السُنّة جاءت بالأمر بوجوب الإيمان بالنبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، ووجوب طاعته، والبُعد عمّا نهى عنه، والتحذير من مُخالفته، قال-تعالى-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، ويقولُ ابن القيم -رحمه الله-: إنَّ هذه الآية تنفي الإيمان عن العباد حتى يتحاكموا إلى الرّسول فيما شجر بينهم، سواءً كان ذلك في الصغير أم الكبير.أدلّة السنة النبوية في سنّة النبيّ والمعقول: فممّا يدُل على مُشروعيّة السُنّة من السُنة النبويّة، أنَّ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- حثَّ الصّحابةُ الكِرام على التّمسّك بالسنّة مع القُرآن الكريم، فقال -عليه الصّلاة والسّلام-: (تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسَّكتم بهما، كتاب الله وسنة نبيه)،وهذا دليلٌ على أنَّ من تمسّك بالسنّة فلن يضلّ، وكذلك ثبتت حُجّيّتُها بإجماع الصّحابة الكرام وفعلهم، حيثُ كانوا يرجعون إليها لمعرفة الأحكام، ومثال ذلك عندما جاءت فاطمة والعباس -رضيَ الله عنهما- إلى أبي بكر -رضيّ الله عنه- ليطلبا ميراثهما من النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-، فأخبرهم أنَّه سمع رسول - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: (لا نُورَثُ ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ)،فقال لهما بأنَّ ما تركه الأنبياء صدقة، ولا يورِّثون مَن بعدهم.وكذلك قول النبيّ -عليه السّلام- (ألَا إنِّي أُوتيتُ القُرآنَ ومِثلَه معه)، فقول النبيّ -عليه السّلام- "أُوتيت" دليلٌ على أنَّ الله -تعالى- أعطاه مع القرآن شيئاً مماثلاً له، ولم يأتِ النبيّ -عليه السّلام- بشيءٍ مع القرآن الكريم سِوى السنّة النبويّة، فهذا دليلٌ من المعقول