#1
|
|||
|
|||
مأساة كشمير المسلمة
بعد أن استعرضنا رحلة الكفاح الطويلة والمريرة التي خاضها مسلمو الهند من أجل تحرير بلادهم من نِيرِ الاحتلال الإنجليزي، الذي لم يخرج إلَّا بعد أن أبقى نارَ حربٍ لا تنطفئ أبدًا، وهي: حرب المسلمين الموحِّدين مع الهندوسِ الوثنيِّين عبَّادِ البقر، بعد أن تجزَّأت بلاد الهند الشاسعة لدولتين كبيرتين؛ هما: الهند وباكستان، وكانت نقطة الصِّراع الدائمة والمزمنة بين الجارتين اللَّدُودتين هي بلاد كشميرَ المسلمة، التي سوف نتعرَّض لمأساتها المعاصرة بشيء من التفصيل؛ لإتمام الفائدة في الكلام عن الحرب الضَّرُوس التي تُشنُّ على بلاد الإسلام باسم الدين في وقتنا المعاصر. * كشمير جغرافيًّا وتاريخيًّا: تعتبر كشمير من البقاع السحريَّة في قارَّة آسيا؛ حيث تتمتع بموقع جغرافي فريد وفي غاية الأهمية؛ فلا عجب أن تكون بؤرةَ صراع ملتهبة ومستمرة لعشرات السنين. * تقع كشمير في أقصى شمال غربي شبه القارة الهندية، تحُدُّها باكستان من الجنوب الغربي وجزء من الشمال الغربي، بينما تحدها الهند بحدود طولها 300 كيلو متر من الجنوب ومن الغرب، وتقع أفغانستان عند حدود كشمير في الشمال الغربي أيضًا، وتتَّصل حدودها بما عُرف بـ"جمهوريات وسط آسيا الإسلامية"، كما تشترك معها تركستان الصينيَّة ناحية الشمال بحدود طويلة؛ أي: إن كشمير تشترك بحدودها مع أكبر القوى العالميَّة المعاصرة وقتها: الاتحاد السوفيتي، والصين الشعبيَّة، والهند، وباكستان، وأفغانستان، وهذه الحساسية الجغرافيَّة الفريدة أدَّت لاشتعال الحرب بين الهند وباكستان أربع مرات، وصدرت بشأنها عدة قرارات من مجلس الأمن وهيئة الأمم المتَّحدة. * وإقليم كشمير ذو طبيعة جبليَّة؛ حيث تمتدُّ سلاسل الجبال الشاهقة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشَّرقي؛ وأهم هذه السَّلاسل: سلسلة جبال "****ورم" التي تمثِّل الحدَّ الفاصل بين كشمير ومناطق تركستان الصينيَّة، وجبال "الهمالايا"، وجبال "الهندكوش" في الشمال الغربي، وجبال "لداخ" و"زسكار" في الجنوب الشرقي، كما يوجد بالإقليم عدة وديان مهمَّة؛ مثل: وادي "كشمير" في الشمال، ووادي "جمو" في الجنوب، وبينهما جبال "بانجال"، ويُعدُّ هذان الواديان تتمَّةً لسهول باكستان. * تبلغ مساحة كشمير الكلية حوالي 223 ألف كيلو متر مربع، يقسمها خطُّ هدنة تمَّ الاتفاق عليه عام 1972م، جعل لباكستان مساحة 37 %، وللهند 63 %، وغالبيَّة سكَّان كشمير من المسلمين؛ وإن كان تَعدادهم في تناقص مستمر بسبب المجازر والمذابح المُرَوِّعة التي يقوم بها الهندوس ضد مسلمي كشمير. * وتُعدُّ بلاد كشمير بلادًا زراعية بالدرجة الأولى، وتشتهر بزراعة الفواكه والأرز، وتغطِّي الغابات مساحات كبيرة بالإقليم، ويستغلُّها السكان في تصدير الأخشاب، كما أن كشمير مشهورة بصناعة الحرير، وبالعاصمة "سرينجر" أكبر معمل في العالم لنسج الحرير. * أمَّا أشهر قبائل كشمير، فهي: قبائل الشيخ والباتان والمغول، وهي قبائل مسلمة، وقبيلة البانديت وريشي، وهي قبائل هندوسية شديدة التعصُّب لهندوسِيَّتِها. * كشمير والإسلام: على الرغم من وصول الإسلام إلى شمالي بلاد الهند منذ القرن الثاني الهجري، فإن الطبيعة الجبلية لإقليم كشمير جعلته منعزلًا عن الفتوحات الإسلامية، وقد حاول السلطان الكبير "محمودُ بنُ سبكتكين" فتْحَه، فلم يستطع؛ لمناعتِها الجبلية، وكانت البلاد تُحْكَم تارة من قِبل الهندوس، وتارة من قِبل البوذيين، وفي القرن الثامن الهجري بدأ الإسلام يطرُق أبواب كشمير الحصينة بواسطة الدعاة المخلصين؛ ومن أشهر هؤلاء: داعيةٌ اسمه "بلبل شاه مرزا"، وكان أصله من خُرَاسان، ودخل كشمير سنة 715هـ، والتحق بخدمة ملكها الوثني "سيه ديو"، وأبدى كفاءة عالية في عمله، فلمَّا تُوفي "سيه ديو" خَلَفَه ولدُه "رينجن ديو"، الذي أسلم على يد "بلبل شاه"، وسمَّى نفسه (صدر الدين)، وبإسلامه بدأ الناس في كشمير في دخول الإسلام، وأخذ الدين في الانتشار. * في سنة 744هـ، استقلَّ (شاه مرزا) بحكم كشمير، وأسَّس أسرةً حاكمة عُرفت باسم "ملوك كشمير المسلمة"، ظلَّت تحكم الإقليم لأكثرَ من قرنين من الزمان (744 - 995هـ)، برز خلالها العديدُ من الملوك الأقوياء والصالحين؛ من أبرزِهم وأفضلهم: الملك (إسكندر بن قطب الدين)، ومدة حكمه من سنة 796هـ - 819هـ، وكان صالحًا عادلًا، شديدَ الكراهية للبوذيَّة والهندوسيَّة، منع البراهمة من ممارسة شعائرهم، وألزَمَهم الإسلامَ أو الهجرة أو ال***، وهدم معابدهم كلَّها في أرجاء مملكته حتى لقبوه بـ(إسكندر بت شكن)؛ أي: كاسر الأصنام، ومنع بيع الخمور في أيَّامه حتى صارت أشحَّ من الذهب والجَوهَر، وقد خافه طاغية العصر (تيمورلنك)؛ فلم يجرؤ على مهاجمة كشمير، على الرغم من أن جيوشه الجرَّارة قد دمَّرت شمال الهند كلَّه في أوائل القرن التاسع الهجري، وقد أَهْدَى (تيمورلنك) إلى (إسكندر شاه) فيلينِ كعُرْبونِ محبَّةٍ وصداقة. * أصبحت كشمير تابعة لسلطنة المغول الإسلامية في "دهلي" سنة 995هـ أيام حكم السلطان (أكبر شاه)، وأَوْلَى سلاطينُ "دهلي" كشمير عنايةً خاصَّة؛ لموقعها الجغرافي الفريد والحصين، وأصبحت "سرينجر" عاصمةُ كشمير المقرَّ الدائم لنائب السلطان وكبارِ وزرائه، وشهِدت البلاد أفضل أيامها، وعَمَرت الطرق، وزاد السكان والصناعات المحلية بها. * ظلَّت كشمير تابعة لسلطنة "دهلي" الإسلامية منذ سنة 995هـ حتى سنة 1164هـ، عاشتها في رخاء ونعيم، بعيدةً عن التطوُّرات الكبيرة التي وقعت داخل بلاد الهند من دخول الاحتلال البرتغالي، ثم الفرنسي، ثم الإنجليزي؛ وذلك لمناعتِها الجغرافية التي تجعلها بمأمنٍ من الأطماع الصَّليبيَّة المشهورة؛ ولكن مع تزايد حركات الانفصال التي حدثت داخل سلطنة "دهلي" الإسلامية، واستقلال العديد من أمراء الأقاليم بما تحت أيديهم - جاء الأفغان ومدُّوا سيطرتَهم إلى كشمير وضمُّوها إلى بلادهم، وذلك لقُرَابة سبعين سنة، من سنة 1164هـ حتى سنة 1234هـ، وهي السَّنةُ التي بدأت فيها كشمير تدخل عهدَ الظلم والاستعباد. * كشمير والوثنية: ظلَّت بلاد كشمير تتنعَّم بالأمن والأمان، والرفاهية والرَّخاء في ظل الحكم الإسلامي للإقليم - الذي امتدَّ خمسة قرون كاملة (744هـ - 1234هـ) - حتى استطاع الإنجليز أن يُحْكِموا قبضتَهم على معظم أنحاء الهند، وقد شنُّوا على أفغانستان حربًا متواصلة من أجل قطع المساعدات الأفغانية لمجاهدي الهند، ومع ضغط الإنجليز على الأفغان، اضطرَّ الأفغان للخروج من كشمير، فأعطى الإنجليز حكمَ كشمير إلى طائفة السِّيخِ الوثنية. * السِّيخُ: هي طائفة ضالَّة وثنية أسَّسها رجل هندوسيٌّ اسمُه (جورو)؛ أي: المعلم، في عهد السلطان المغولي (جلال الدين أكبر) وبدعم منه، وقد مزج فيها بين الهندوسية والإسلام، وقد منحه السلطان (جلال الدين) قطعةَ أرضٍ واسعة بنى عليها مدينة "أمريتسار"، وجعلوها مدينةً مقدَّسةً عندهم، وقد ادَّعى (جورو) أنه قد ذهب إلى مكةَ حاجًّا وقرأ القرآن، وادعى أنه بمكة قد أصبح إلهًا، وكان السيخ من أشدِّ الناس عداوةً للإسلام والمسلمين، وهم - أيضًا - يعادون الهندوس؛ لذلك اعتمد عليهم الإنجليزُ في قمع حركات المقاومة الإسلامية بالهند، وفي عهد زعيم السيخ (رانجيت سنج)، توطَّدت عَلاقة السيخ مع الإنجليز؛ فمنح الإنجليز السِّيخَ مقاطعةَ البنجاب الشرقية ليحكمها (رانجيت سنج)، وقد اشترك السيخ مع الإنجليز في قتال الأفغان، ومن أجل ذلك سمح الإنجليز للسِّيخ بضمِّ كشمير إلى البنجاب الشرقية، وظلَّ السيخ يحكمون كشمير من سنة 1234هـ حتى سنة 1262هـ. * كانت فترةُ حكم السيخ الوثنيين لكشمير فترةً حالكةَ السَّواد على البلاد؛ حيث اضطهد السيخ المسلمين اضطهادًا بَشِعًا، وأوقعوا بهم الكثير من المذابح، ودُمِّرت المساجدُ، والجوامع، والمدارس الإسلامية، ومن بشاعة جرائمهم ضد المسلمين بكشمير؛ قامت العديدُ من الحركات الإسلامية الكبيرةِ ضدهم؛ أبرزُها: حركة الإمامِ (أحمدَ بنِ عرفان) الملقب بـ"الشَّهيد" سنة 1246هـ، وخوفًا من تنامي روح المقاومة الإسلامية عند مسلمي الهند بسبب بشاعة جرائم السيخ في كشمير؛ قرر الإنجليز القضاء على حكمهم في البنجاب وكشمير، وهكذا سلَّط الله عز وجل الظَّالمين على الظَّالمين، وذلك سنة 1262هـ - 1846م. * كشمير وحكم "مهراجات" الهندوس: بعد القضاء على حكم السيخ في كشمير، كان على الإنجليز البحثُ عن حليف جديد لهم يحكم بلاد كشمير بالنيابة عنهم، ويقوم بنفس الدور الإنجليزيِّ في تكميم الأَفْواه، وقمع المقاومة الإسلامية، وبالفعل قام الإنجليز ببيعِ كشمير كأنَّها من جُمْلةِ أملاكهم؛ باعوها لأسرة هندوسية هي: أسرةُ "الدوجرا" بمبلغ 7.5 مليون روبية، وذلك لمدة مائة سنة ميلادية (1846م - 1946م). * وبتلك الصَّفقة، باع من لا يمْلِكُ إلى من لا يستحقُّ بلدًا مسلمًا كبيرًا، وشعبًا مسلمًا عريقًا بأكملِه، وعانى المسلمون في ظلِّ حكم مهراجات أسرة "الدوجرا" الهندوسية ضُروبًا شنيعةً من العسْفِ والجور والظُّلم، وفُرِض الجهلُ والظَّلام والتخلُّف على مسلمي كشمير فرضًا، وضُرب عليهم الفقرُ وأحقر الأعمال وصُنُوف النَّكَال والظُّلم البيِّن، ومُنِعوا من ممارسة شعائر دينهم ومباشرة أبسطِ حقوقهم المدنيَّة والاجتماعيَّة، على الرغم من كُونِ المسلمين قُرابة 80 % من شعب كشمير، فإنهم كانوا في فقرٍ مُدْقِعٍ، وجهل مُطْبِق، وحرمان واسع من المناصب العامَّة والانضمام للجيش، وكلَّما حاول مسلمو كشمير الثورةَ ضد ظلم المهراجا، هَرَع الجيش الإنجليزي لنجدة حليفه الهندوسي وحمايته. * ظلَّ المسلمون في كشمير يعانون من ويلات الحكم الهندوسي حتى أوائل القرن العشرين الميلادي، وبعد انتهاء الحرب العالميَّة الأولى، بدأ المسلمون في الهند بتنظيم صفوفهم وتوحيد جهودهم: تشكَّلت الأحزاب والهيئات، وبرز العديد من قادة المسلمين في كشمير؛ من أهمِهم: الشيخُ (محمد عبدالله) الملقبُ بـ"أسد كشمير"، والواقعُ أن هذا الرجل كان من أسباب نكبة مسلمي كشمير؛ ذلك لأنه كان صاحبَ هدف خاصٍّ ومحدَّدٍ؛ وهو أن يصبح زعيمًا على كشمير، وحُلْمُه الجامحُ للرئاسة جعله يغيِّر بوصلةَ ولاءاتِه عدة مرات، فالرجل كان صاحب طموحات وهَوَسٍ بالسلطة، جعل المسلمين في كشمير في نهاية الأمر يلقبونه بـ"الخائن" وليس "الأسد"، كما برز العالم الكبير (مير واعظ محمد يوسف شاه) مؤسِّس جمعية "نصرة الإسلام"، وكان شديد الكراهية للهندوس وفرقة القاديانية الضالَّة الحليفة للإنجليز، وبرز أيضًا (تشودري غلام) مؤسس الحزب الإسلامي. * وفي سنة 1942م - 1363هـ، كان هناك بكشمير حزبان كبيران للمسلمين: 1- حزبُ المؤتمر الإسلامي برياسة (تشودري غلام)، ويعتبر امتدادًا لحزب الرَّابطة الإسلامية الذي كان ينادي بوطن مستقلٍّ للمسلمين بالهند. * 2- حزبُ المؤتمر الوطني برياسة الشيخ (محمد عبدالله)، ويعتبر امتدادًا لحزب المؤتمر الهندي ذي الأغلبية الهندوسية، والذي ينادي بوحدة الهند ولكن تحت الحكم الهندوسي. * وقد حاول الزعيم (محمد علي جناح) التوفيقَ بين الحزبين؛ ليوحِّد بين جهود المسلمين، ولكن الشيخ محمد عبدالله رفض؛ لأنه - كما قلنا - كان يخطط لحكم كشمير. * كشمير والاحتلال الهندوسي: نستطيع أنْ نقول: إنَّ مشكلةَ الاحتلال الهندوسي لكشمير قد بدأت مع تقسيم شبه القارة الهندية إلى الهند وباكستان؛ ذلك أن البلاد وقتَ التقسيم كانت منقسمة إلى قسمين: قسم يحكمه الإنجليز مباشرة بأنفسهم، والقسم الآخر عبارة عن ولايات وأقاليمَ يحكمها أمراءُ بصورة الحكم الذَّاتي شبه المستقل، وعددهم 22 أميرًا؛ بعضُهم أمراءُ مسلمين، ولقبُ الواحد منهم (نواب)، والبعض الآخر أمراء هندوس، لقب الواحد منهم (مهراجا)، وبالطبع كان أمير كشمير - كما عرفنا - من الهندوس. * كان الأساسُ العامُّ لتقسيم الهند أن الأقاليم ذاتَ الأغلبيَّة الهندوسية تكون ضِمنَ الهند، في حينِ إن الأقاليم ذاتَ الأغلبية المسلمة تكون تابعة للباكستان، وبالتالي كان من الطبيعيِّ جِدًّا أن تكون كشمير ضمن دولة باكستان؛ ولكن الهندوس كانوا يخططون لابتلاع كشمير؛ ففي عَشِيَّةِ ليلةِ الاستقلال 27 رمضان 1366هـ - 14 أغسطس 1947م، وقَّع مهراجا كشمير (هاري سنج) الهندوسي اتفاقيةً مع باكستان - من باب المكر والخديعة - على أن يبقى الوضعُ على ما هو عليه، وفي الخَفَاء أخذ الطاغية الهندوسي في تكوينِ العصابات الهندوسية، التي قامت بإثارة الشَّغْب ونشر الفوضى والاعتداء على المسلمين؛ مما أدى لاندلاع ثورة عارمة في كشمير. * ومن باب إشعال الأوضاع الداخليَّة في كشمير وتفريق الصَّفِّ المسلم؛ قام المهراجا الهندوسي بإخراج الشيخ (محمد عبدالله) من السِّجْن الذي أَودَعه فيه، وجعله في منصب مدير عمليات الطوارئ في كشمير، وقَبِل الشيخ (محمد) المنصب، وأعلن وقوفه بجوار المهراجا؛ فأدَّى ذلك لزيادة الوضع الداخليِّ توترًا وثورة، وغضِب الكشميريُّون من الشيخ محمدٍ ولقبوه بالخائن، وأدت الاضطرابات الحادثة في الفترةِ من شوالٍ سنة 1366هـ حتى ذي الحجَّة من نفس السنة لم*** 62 ألفَ مسلمٍ على يد العصابات الهندوسية، والقوات الخاصة بالمهراجا الهندوسي. * قررت الباكستان التحركَ بسرعةٍ لنجدة مسلمي كشمير - الذين راح منهم عشراتُ الآلاف ضحيَّةَ الأحقاد الهندوسية - فدفعت بقوات كبيرة قوامُها قبائلُ "الباتان" القاطنة في مِنْطَقة الحدود الشمالية الغربية في أواخر أكتوبر سنة 1947هـ - أوائل ذي الحجة سنة 1366هـ، واستولت هذه القبائل على مساحة الـ 37 % التي تخضع الآن لدولة باكستان؛ فأسرع المهراجا (هاري سنج) فارًّا إلى "دهلي" - التي أصبح اسمها تحت الحكم الهندوسي دلهي - وعقد اتفاقية مع الحكومة الهندية في 12 ذي الحجة سنة 1366هـ - 27 أكتوبر سنة 1947م لضمِّ ولاية كشمير إلى الهند، في تحدٍّ واضح وسافر للأسس العامة لتقسيم الهند وباكستان، وبصورة تتعارض تمامًا مع رغبات الشَّعب الكشميري في الانضمام إلى باكستان. * وفي نفس يوم توقيع الاتفاقية، سارعت القوات الهندية باقتحام الولاية وسيطرت على 67 % من مساحة كشمير، وفرضت عليها الأحكامَ العُرفيَّة، وبدأ الاحتلال الهندوسي في ممارسة الإبادة الجماعية بأشنع وأبشع الوسائل بحقِّ مسلمي كشمير، وبدأت المجازر في العاصمة "جمو"، عندما أعلن الاحتلال الهندوسي عن فتحِ باب الهجرة إلى باكستان لمن شاء من أهل كشمير، وأنه ستُقَدَّم لراغبي الهجرة المساعداتُ ووسائل النقل اللازمة لذلك، وكان الهدف من ذلك تجميع أكبر عدد من المسلمين في مكان واحد، وفي يوم 21 ذي الحجة سنة 1366هـ وفي مدينة "جمو" عاصمة كشمير، تمَّ ***ُ قُرابة نصفِ مليون مسلمٍ، و******ُ الآلاف من بنات ونساء المسلمين على يد الجيش الهندوسي الخبيث، في واحدةٍ من أبشع الجرائم الهندوسية بحقِّ مسلمي كشمير والهند عمومًا. * هبَّ المسلمون للدفاع عن أعراضهم وأنفسهم، وانطلق المجاهدون من الجزء الخاضع للسيطرة الباكستانيَّة، ودارت معاركُ شرسةٌ بين المسلمين والجيش الهندوسي، وصُدِم الهندوس من ضَرَاوة المقاومة وبسالتها؛ مما دفع الهندُ لطلب التدخل الدولي، وكما هي عادةُ هيئةِ الأمم المتَّحدة، ألقَت المسؤوليةَ على المسلمين وعلى باكستان، وضغطت على باكستان من أجل سحب المجاهدين من كشمير، وذلك في 19 صفر سنة 1367هـ - 31 ديسمبر 1947م، ورفضت باكستان وأصبحت قضيةُ كشمير دوليَّةً ذاتَ أبعاد كثيرة، ويشترك في تحديد مصيرها العديد من الأطراف الداخلية والخارجية. * سياسة الاحتلال الهندوسي في كشمير: عندما احتلَّ الهندوس إقليم كشمير بالقوة العسكرية سنة 1366هـ - 1947م، ظنُّوا أن مسألة القضاء على مسلمي كشمير لن تأخذ وقتًا طويلًا؛ ذلك لأن الشعب الكشميري كان يَرْزَح قبلها تحت الاحتلال الغاشِم والظالم للحاكم الهندوسي المهراجا من أسرة دوجرا، وذلك طيلة قرن من الزمان، حسِب الهندوس أن قوةَ المسلمين قد انهارت خلالها، فلما احتلُّوا الإقليم وقاموا بالمجازر المروِّعة التي ذكرنا طرفًا منها، وكان ردُّ فعل مسلمي كشمير عكسَ ما يتوقَّعه الهندوس، فقد هبَّ الشعب الكشميري يدافع عن دينه وأرضه وعرضه، وقام المجاهدون ببطولات رائعة، وأعمال خارقة، وحرب شاملة؛ فأوقفت الهند الحرب ودوَّلت القضية، وانتزعت من هيئة التآمر المتَّحدة قرارًا بوقف الحرب، وإبقاء الوضع داخل كشمير على ما هو عليه؛ أي: تكريس الاحتلال الهندوسي لكشمير. * كان قرار الأمم المتحدة يقضي بإجراء استفتاء محايد تحت إشرافها لتقرير المصير، وكان ذلك سيؤدي حتمًا لانضمام كشمير للباكستان؛ لأن أغلبية الشعب سيؤيد الانضمام، فأخذت الهند تتلكَّأُ في تنفيذ القرار الدَّولي، وتواصِلُ جرائمها البَشِعة بحقِّ مسلمي كشمير من أجل إرهابِهم، وأيضًا تقليل كثافتهم السكانية في كشمير بال*** أو بالهجرة إلى باكستان، ومَارَسَ رئيس الوزراء الهندوسي المتعصِّب (جواهر لال نهرو) دَجَلًا سياسيًّا وخداعًا متواصلًا من أجل التحايلِ على تنفيذ القرارات الدولية. * ومع اشتدادِ الضَّغط الهندي على مسلمي كشمير، وارتكاب الهندوس لأبشع الجرائم والمذابح المروِّعة؛ انتفض مسلمو كشمير مرة بعد مرة، وفي كل مرة كان الهندوس يقمعون المقاومة الإسلامية في كشمير بكل قوة، والمجاهدون يقومون بتوجيه ضربات موجِعَةٍ للاحتلال الهندوسي، وظلَّ الأمر على ذلك المِنْوال عدة سنوات حتى سنة 1965م، وفيها حقق المجاهدون الكشميريُّون انتصارات عديدة على المحتل الهندوسي، وكادت البلاد أن تتحرَّر، فطار صوابُ الهندوس، وشنَّت الهند حربًا شاملة وواسعةَ النطاق ضد كشمير وباكستان - التي كانت تتَّهمها الهند بمساعدة المجاهدين الكشميريِّين - وكانت حربًا ضخمة؛ ولكنها قصيرة لم تستمر سوى أُسبُوعين؛ ذلك أن الهند قد شعرت بأنها مقبِلة على هزيمة فاضحة، فلجأت الهند - كعادتها - إلى الأمم المتَّحدة لإنقاذ سمعتِها، وعرض الاتحاد السوفيتي الوَسَاطةَ، وتمَّ عقد مؤتمر "طاشقند" في رمضان سنة 1385هـ - يناير 1966م، وكانت مقرراتُ المؤتمر في غيرِ صالحِ باكستان وكشمير، وخَسِرت المقاومة الإسلامية مُكتسَباتِها في الحرب على طاولة المفاوضات المشؤومة. * بعد حرب 1965م، أخذ الهندوس في تطوير محاربتِهم لمسلمي كشمير، وانتقل القتال من الميادين المفتوحة إلى العقول والنفوس والأفكار، واستفاد الهندوس من التَّجرِبة الإسبانية والرُّوسية في إبادة ومحوِ الوجود الإسلامي، فقرر الاحتلال الهندوسي القيام بعدة خطوات في ذلك المضمار؛ منها على سبيل المثال: 1- تغيير مناهج التعليم في كشمير، وفرض الثقافة والتراث الهندوسي الوثني وجَعْله مختلَطًا، وإدخال مناهج وثقافة الانحلال والفجور في المدارس؛ مثل: تعليم الرقص والغناء. * 2- منع تدريسِ اللُّغة العربية والتاريخ الإسلامي تمامًا؛ لقطع الصلة مع الأمة الإسلامية. * 3- بثُّ فكر القومية الهندية، مع إثارة الخلافات القَبَليَّة والإقليمية والمذهبية. * 4- تحديد النسل بين المسلمين بأحط وأحقر الوسائل؛ لوقف زيادة عدد المسلمين. * 5- فتح بيوت الدَّعارة بصورة رسمية، وتوزيع الخمور مجَّانًا على المحالِّ وأماكن العمل؛ لنشر الانحلال والفساد الأخلاقي بين المسلمين. * 6- اتباع سياسة تجنيد العملاء والجواسيس، وبثهم في صفوف المسلمين والمقاومة، وتكوين قيادة كشميريَّة مسلمة موالية وعميلة للاحتلال الهندوسي. هذه الخطوات كلُّها تسير بالتوازي مع المجازر والمذابح اليومية بحق مسلمي كشمير. * على الرغم من خُبث وبشاعة الأساليب الهندوسية الوثنية ضد مسلمي كشمير، وعلى الرغم من محاولاتِهم المضْنِيَة والدائمة لمحوِ الوجود الإسلامي في كشمير وتغيير تركيبة البلد السكانية بشتى الوسائل - فإن المقاومة الإسلامية أثبتت صدق وحقيقة المَعْدِن الإسلاميِّ النَّقيِّ القويِّ التَّقيِّ، وقامت الحركة الإسلامية بعدة خطوات مضادَّةٍ للكيد الفكري الهندوسي بمسلمي كشمير؛ ومنها: 1- تأسيس قرى إسلامية نَمُوذَجيَّةٍ خالية من مُوبقات ومفاسد الهندوس. * 2- توحيد جهود المسلمين وتوعيتُهم بمخاطر الغزو الفكري الهندوسي، وبالفعل تمَّ تأسيسُ "الجبهة الإسلامية"، التي ضمَّت أكثرَ من عشرة أحزاب سياسية وجمعيات دينية. * 3- التوسع في بناء المدارس الإسلامية الأهليَّة، التي يشرِف عليها المسلمون وحدهم بعيدًا عن السيطرة الهندوسية. * 4- نشر مفهوم وحدة المسلمين، وحتمية الانضمام إلى باكستان المسلمة. وقد آتت تلك الخطوات أُكُلَها، وأثمرت جيلًا جديدًا من مسلمي كشمير على وعيٍ تامٍّ بمخططات العدو الهندوسي، جيدَ التنظيم، قويَّ العزم والهمَّة على تحرير كشمير والتضحية بكل عزيز من أجل ذلك الهدف الأسمى. * كشمير والانتفاضة الأخيرة: وقعت عدة أحداث هامة في المنطقة أدَّت لاندلاعِ الانتفاضة العارمة في كشمير؛ أبرزها: النصرُ الكبير الذي حقَّقه المجاهدون الأفغانُ على الآلة العسكرية الرُّوسية التي تُعدُّ الأضخمَ في العالم وقتَها، ثمَّ اتحادُ قُوَى حركات المقاومة الكشميرية في إطار واحد باسم "الاتحاد الإسلامي لمجاهدي كشمير"، ثم اتحادُ قوى العمل السياسيِّ في إطار واحد باسم "حركة تحرير كشمير". * وفي أوائل سنة 1410هـ - 1989م، بدأت الانتفاضة الكشميرية الباسلة، واستهدفت مَقارَّ الجيش الهندوسي وأوكارَ الفُحش والخَنَا؛ فردَّ الهندوس بوحشية مُفْرِطَة، وقُتل وشرِّد وجُرح عشرات الآلاف من مسلمي كشمير، واعتُقل مثلهم، وفُصل من الوظائف الحكومية كلُّ من يثْبُت عليه أدنى شُبهة في مساندة المقاومة - ولو بالقول لا الفعل - كما قام الهندوس بتدمير البنية التحتية من مدارسَ، ومشافٍ، ومَحالَّ، وشبكاتِ طرق، ومساجدَ، وذلك في العديد من مدن الإقليم، وذلك كلُّه تحت سمع وبصر العالم المعاصر، الذي وقف موقِف المُتفرِّجِ الصَّامت الذي يرقص قلبُه فرحًا وسرورًا بما يحدث للمسلمين، أمَّا العالم الإسلاميُّ، فاكتفى - كعادته الذَّميمة - بالشَّجب والإدانة والدعوة إلى ضبط النَّفْس والهدوء، في حين لم تجرؤ دولة مسلمة واحدة على طرد السفير الهندي من بلادها، وهو جُهْدُ المُقِلِّ الذي لم تقُم به أيُّ دولة مسلمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. * في سنة 1999م - 1420هـ، تسلَّلت مجموعاتٌ من مجاهدي كشمير من الشِّقِّ الباكستاني في كشمير إلى الشق الهندي، وسيطرت هذه المجموعاتُ على قمم الجبال بعد أن أنزلت بالجيش الهندوسي هزيمةً ساحقةً، ولم يستطع الهندوس زحزحة المجاهدين عن مواقعهم لعدة شهور، وتكبَّد الهندوس خسائرَ ضخمة دفعتهم لطلب النجدة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي ضغطت بقوة على القيادة الباكستانية من أجل إقناع المجاهدين بالانسحاب من مواقعهم، وكاد الأمرُ يتحول إلى حرب شاملة بين باكستان والهند. * وفي سنة 2008م - 1429هـ، قامت مجموعة من الفدائيِّين بتنفيذ عمليات مؤثرة في مدينة "مومباي" الهندية التي تعتبر العاصمةَ الماليَّة والتِّجاريَّة؛ مما أدى لاشتعال التوتر في المنطقة، وها هي الهندُ تدقُّ طُبول الحرب مرة أخرى مع باكستان بسبب كشمير، وما زالت محنةُ مسلمي كشمير قائمةً حتى الآن؛ ولكن عزم مسلمي كشمير لم يلِن ولم يهِن، وما زالت ملحمة المقاومة الإسلامية على أرض كشمير على أَوْجِها حتى يقضيَ الله عز وجل أمرًا كان مفعولًا. * المصادر والمراجع: (1) مأساة كشمير المسلمة. (2) كشمير ميراث متنازع عليه. (3) قضية كشمير المسلمة. (4) التاريخ الإسلامي. (5) تاريخ آسيا الحديث والمعاصر. [1] راجع كتاب: سلسلة ذاكرة الأمة تاريخ الحروب الدينية المعاصرة وحركات التحرير الإسلامية للمؤلف، والصادر عن دار الصفوة بالقاهرة، 1430هـ - 2009م. شريف عبدالعزيز الزهيري
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|