#1
|
|||
|
|||
أصحاب الهمم العالية
الخطبة الأولى: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له وأشهد أن محمداً عبدهُ ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده فجزاه الله خير ما جزى نبياً عن أمته وسلم تسليماً كثيراً أما بعد: أوصيكم ونفسي بتقوى فاتقوا الله ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾. في إحدى سفرات النبي عليه الصلاة والسلام وأثناء رجوعه إلى المدينة , نزل على أعرابي فأكرمه ذلك الأعرابي، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يرد الجميل بالجميل. عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل بأعرابي فأكرمه، فقال له: « يا أعرابي سل حاجتك » قال: يا رسول الله، ناقة برحلها, وأعنز يحلبها أهلي. قالها مرتين، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل؟ فقال أصحابه: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل؟ قال: « إن موسى أراد أن يسير ببني إسرائيل فأضل عن الطريق، فقال له علماء بني إسرائيل: نحن نحدثك أن يوسف أخذ علينا مواثيق الله أن لا نخرج من مصر, حتى ننقل عظامه معنا، قال: وأيكم يدري أين قبر يوسف ؟ قالوا: ما تدري أين قبر يوسف إلا عجوز بني إسرائيل، فأرسل إليها, فقال: دليني على قبر يوسف, فقالت: لا والله لا أفعل حتى أكون معك في الجنة، قال: « وكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قالت، فقيل له: أعطها حكمها فأعطاها حكمها فأتت بحيرة، فقالت: أنضبوا هذا الماء. فلما نضبوه قالت: احفروا هاهنا, فلما حفروا إذا عظام يوسف، فلما أقلوها من الأرض، فإذا الطريق مثل ضوء النهار» في حديث صححه الألباني. * هذا الموقف العظيم من تلك المرأة حكاه النبي عليه الصلاة والسلام لذلك الأعرابي ليعزز في نفسه وفي الأمة من بعده أن القضية قضية همه وطموح، وكل ما عظمت النفس عظم طموحها، الأمر نفسه يتكرر لما جاءه ذلك الأنصاري الفقير الذي جاء يطلبه، المسألة يسأله مسألةً قال له عليه الصلاة والسلام في حديث مالك أيوجد في بيتك شيءٌ، قال نعم يا رسول الله، حرز نجلس عليه ونتمطى به، وقدحٌ نشرب فيه، قال ائتني به، فجيء بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضه للبيع بدرهم ثم باعه بدرهمين، فأعطى الأنصاري درهما وقال اشتري بهذا طعاماً لأهلك، واشتر بهذا قدّوما - يعني فأساً - واذهب واحتطب ولا أراك إلا بعد خمسة عشر يوما، فمضى الأنصاري وجاء بعد هذه الأيام وقد جمع عشرة دراهم، فقال عليه الصلاة والسلام: هذا خير لك أن تجيء المسألة مردودةً في وجهك. هذا الحديث معناه صحيح، وضعف بعض العلماء إسناده. إنها رسالة من المصطفى عليه الصلاة والسلام بأن الإنسان في هذه الدنيا الإنسان العزيز العظيم صاحب همه، ولذلك لما جاء في الحديث في السنن عنه عليه الصلاة والسلام أحب الأسماء الى الله عبدالله وعبدالرحمن، وأصدقها الحارث وهمام، حارث يحرث الأرض تدفعه همة عظيمةٌ وراء ذلك العمل. * إنه الطموح إنها الهمة العالية أن تكوّن لنفسك مجدا أن تكون إنساناً فاعلا، ألا تعتمد على الآخرين، ألا تكون هامشياً، ألا تساوي صفراً، في هذه الحياه ألا تعتمد على مجد آبائك أو مجد من حولك، إنما تنطلق الى المجد بمبدأ. دببت للمجد والساعون قد بذلوا * جهد النفوس وألقوا دونه العذرا فكابدوا المجد حتى مل أكثرهم * وعناق المجد من أوفى ومن صبرا لا تحسب المجد تمراً أنت آكله * لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبِرا * إذا كنا في خطبة تحدثنا عن العناية الإلهية فإننا اليوم نتحدث عن العمل البشري الذي يجب على الإنسان أن يعمله ألا يكون إنسان ينتظر العطاء، أو ينتظره الأخذ أن يكون إنساناً صاحب عطاء، إن اليوم ثمة نماذج يجب أن نقف أمامها لاسيما، وأن بعض الناس ربما يعيش في حالة من الإحباط والاستسلام، عندها نقول انطلق واعمل، وقل كما قال عبدالرحمن بن عوف يوم عرض عليه سعد بن الربيع من آخاه النبي عليه الصلاة والسلام معه فسعد من الأنصار وعبدالرحمن من المهاجرين، وأخوةً وقعت بينهم فعرض عليه ما عرض من المال فقال له عبدالرحمن ابن عوف حفظ الله عليك مالك وأهلك دلني على السوق، دلني على السوق هذه رساله واضحه العمل، انطلق عبدالرحمن ابن عوف حتى غدا أغنى أغنياء الصحابة، مات يوم مات، ذهبهُ يكسر بالفؤوس في المدينة. * القضية نفسها تتكرر مع عمر بن عبد العزيز صاحب الهمة العالية، قال كانت فيّ همة تواقة نفس تواقة تمنت الأمارة، فعملت لها، فنلتها، وتمنت الخلافة فنلتها، وأنا الآن أتوق الى الجنة وأرجو أن أنالها، ولما دخل ذلك العبد في قاموس الناس عبد مع صاحبه العبد الآخر، ليباع في سوق عبيد مصر، قال لصاحبه ما تتمنى؟ فقال صاحبه أتمنى أن يشتريني طباخ عنده طعام فآكل من طعامه صباح مساء، (تنتهي القضية عند الطعام)، قال وأنت؟ قال أما أنا فأتمنى أن أملك هذه الأرض التي تحت قدمي انطلق هذا لأمنيته وهذا لأمنيته فبيع ذاك لطباخ وبيع هذا لقائد من قواد الجيش حتى غدا بارزا في الجيش ليتولى بعد ذلك ملك مصر، إنه كافور الإخشيدي الذي سطر التاريخ اسمع بهمة عالية، ذهب يبحث في يوم من الأيام عن صديقه الذي بيع للطباخ فوجده عند الطباخ يأكل ويشرب مع الطباخ فقال انظروا إلى هذا قعدت به همته فصار إلى ما صار إليه وطارت بي همتي فصرت إلى ما صرت إليه ولو جمعتني معه همة واحدة لكان مصيرنا مصيرٌ واحد، صاحب الهمة يتعلم من كل شيء حوله، فتارة تتعلم من الحيوانات وتارة من الحشرات، ويمكن أن تتعلم الخمول والكسل وأنت تنظر إلى خنزير يقتات على بقية من طعام الآخرين أو إلى ذباب، ويمكن أن تتعلم الهمة والعزيمة يوم ترى ديكاً لا يصيح إلا في الصباح (بارك الله لأمتي في بكورها) تتعلم من نحلةٍ تطير المئات من المسافات قال بعض المتخصصين إن النحلة حتى تنتج كيلو واحد من العسل، تخرج لأكثر من 600 ألف أو 800 ألف رحلة هذه الرحلات تمر على أكثر من مليون زهرة مع ملاحظة أنها تقطع من عشرة أضعاف الكرة الأرضية لتحصل على هذا الكيلو الواحد، هذه النحلة هيا كما يذكر ابن القيم بأنها ت*** النحلة البطّالة إذا كان في سرب النحل نحلة لا تعمل لا تتحرك لا تبادر صاحبة بلاده صاحبة اعتماد على الآخرين هذه ت*** وتقطع إربا في مملكة النحل، لأنها تؤذي من حولها النحل يستغل كل لحظه والنحل ينتج العسل في طريق عودته إلى الخلية حتى هذه الرحلة يستغلها وباستراتيجية النحل هذه استفاد اليابانيون يوم كانوا يأخذوا المواد الخام من أستراليا وينقلونها إلى دول الشرق الأوسط، كانت تصنع أثناء العودة في الطريق , على طريقة النحل تماما تعلمنا النملة وهي التي جاءت في قصة سليمان لا يحطمنكم سليمان وجنوده، تعلمنا برحلتها في الشتاء والصيف، وحركتها الدؤوبة تعلمنا بأن العبرة بالجهد وليست بالنتائج، فهي نطقت لا يحطمنكم سليمان وجنوده، وصوتها الصغير قد لا يصل الى كل النمل لكنها عملت ليست العبرة بالنتائج بل بالعمل , بحثت عن الحلول لم تستسلم أن توطئ تحت قدم سليمان عليه السلام وجيشه وإنما بحثت عن الحلول ليتحرك الجميع إنها الدروس. * أن تكون خاملاً، أو تكون نشيطاً، أن تكون مستسلماً، أو تكون فاعلاً فالقرار بيدك... * أسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم من أصحاب الهمة العالية والعزيمة الصادقة أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه فيا فوز المستغفرين. * الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: إخوتي في الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله. * الناس كالأرض، منها تقبل الماء ومنها من لا تقبل الماء ومنها من تقبل الماء ولا تنبت الكلأ والعشب ومنها من تقبل الماء وتنبت الكلأ والعشب، وهكذا هم الناس أصناف فاعلون وخاملون، منتجون ومستهلكون، متفائلون ومتشائمون، يرون وسط الظلام نوراً، وآخرون يرون وسط النور ظلاما، هكذا هي الحياه فإن أردت أن تنضم الى أولئك الحارث والهمام فإنك بحاجةٍ أن تقول كلمة لا، إن قلتها في مواطن عشره فبإذن الله تعالى ستتحول من إنسان خامل لا قيمة لك في الحياة إلى إنسان فاعل مؤثر صاحب مصنع صاحب أثر تتحرك ويتحرك الناس من حولك. * لا الأولى: لا للهدف الدنيء الوضيع , أن يكون أكبر الهم هدف وضيع لا يساوي شيئا أن يأكل الإنسان أو يشرب وتصبح القضية مرتكزه على أمور ثانوية في الحياه آنذاك، لا للهدف الدنيء ونعم للهدف السامي العالي الذي ليس له سقف وليس له حدود، لا لتكاسل والنوم أولئك النائمون دعهم في نومهم، اللهم بارك لأمتي في بكورها , أما الذين أخذو وقتهم في نومهم سيبقون في نومهم وسيذهبون الآخرون عنهم. لا الثانية: لا للتسويف.. غداً.. بعد غدٍ.. لا اليوم.. لا ليس اليوم.. الآن. لا الثالثة: لا للتشاؤم فثمة تفاؤل ونحن متوكلون على الله في هذا التفاؤل. لا الرابعة: لا لتعليق الفشل على شماعة الآخرين , أو على حكاية الظروف والمتغيرات لا فامشوا فالقضية تحتاج الى ألا نعلق على كل شيء من حولنا. لا الخامسة: لا لمصاحبة الكسالى الذين يمدونك بمرض الكسل , والتشاؤم أخرجهم من قاموسك ابتعد عنهم هناك, واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي. لا السادسة: لا للانتظار حتى تأتيك الفرصة , اصنعها أنت أوجدها أنت بادر اليها أنت لن تصنع لك لن يأتيك من يأخذك بيدك ليخرجك من غرفة ظلماء الى ساحات النور الواسعة , امش أنت إلى ذلك النور أليس الصبح بقريب , لكن امضي أنت إلى ذلك الصبح ولا تنتظر الصبح يأتيك. لا السابعة: لا لطريق واحد أو أسلوب واحد فالله يقول ﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ﴾.. هنا منكب وهنا منكب وهناك طريق وهناك أسلوب , أغلقت هنا تفتح هناك أغلقت هناك تفتح هنا باب لا تظنه يفتح سيفتح يوما ما.. فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا. لا الثامنة: لا للاعتماد على النفس وإنما مع بذل الأسباب وأعظم من بذل الأسباب التوكل على رب الأرباب ورب الأسباب. لا التاسعة: لا للأقوال بدون أعمال فاليوم نحن بحاجةٍ الى عمل. * ما المجدُ زُخرفُ أقوالٍ لطالبهِ *** لا يدرك المجدَ إلا كل فعّالِ * نحتاج إلى فعل نحتاج إلى عمل انطلق والنعيم لا يدرك بالنعيم، تحتاج القضية إلى عمل كل شيء حولك الآن من التغيير قصص السابقين واللاحقين , لا داعي لأن أسردها على مسامعكم , لكن القضية تحتاج أن أعمل طالما بقي لي نفس واحدٌ في هذه الدنيا. * أسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا من أصحاب الهمة العالية والعزيمة الصادقة والنشاط الواضح الملموس إنه ولي ذلك والقادر عليه. * ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير فقد أمركم في كتابه ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾... د. فؤاد صدقة مرداد
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
بارك الله فيك
__________________
|
#3
|
|||
|
|||
وتأتى على قدر الكرام المكارم
|
#4
|
|||
|
|||
بارك الله فيك
|
#5
|
|||
|
|||
كل الشكر و التقديــــــر لحضرتك علي هذا الجهـــــد
__________________
Minds, like parachutes, only work when opened
|
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|