#1
|
|||
|
|||
من وصايا سورة الأنفال
إذا تتبَّعنا خطاب الله تعالى ووصاياه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم، سوف نجد تعدُّد الخطاب وتتابُع الوصايا، حتى بلغت خمس عشرة مرة، وذلك فيما تبقَّى مِن السورة الكريمة (في العشرين آية الأخيرة)، وهو خطاب مفردٌ للنبي صلى الله عليه وسلم (مع العلم بأن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطابٌ للأمة إلا ما كان من خصوصياته؛ كما في الزواج، والصيام، وغيره)، بخلاف خطاب الجمع للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. وهذه الوصايا للنبي صلى الله عليه وسلم بصفتِه القائد الأعلى والقدوة الحسنة - (والمؤمنون جميعًا مطالَبون بتطبيق تلك الوصايا ما دامت خارج خصوصياته صلى الله عليه وسلم) - تشتمل على أحكام وآداب تتعلق بهذه المرحلة من مراحل الدعوة وما بعدها لمواجهة أعداءِ الدعوة والدولة، خصوصًا بعد انتصار بدر؛ حيث قد ظهرت عداوة اليهود ومساعدتهم لكفار قريش، ونقضهم للعهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي أبرمه معهم أول قدومِه إلى المدينة المنورة، كما سيتبين إن شاء الله تعالى، ويمكن إجمال تلك الوصايا فيما يلي: 1- تعريف النبي صلى الله عليه وسلم بشرِّ الدوابِّ - وهم هنا اليهود - الذين دأبوا على نقضِ العهود، ووجوب قتالهم ومعاملتهم بالشدة؛ حتى يعتبر مَن وراءهم فلا يفكروا في الاعتداء على المسلمين، أو نقض العهود المبرمة معهم، وإلا فسيدفعون ثمنًا باهظًا قد يكون حياتهم. 2- أَخْذ الحيطة والحذر من خيانة المعاهدين، فإن كان الغدر مباشرًا والخيانة صريحة، فالواجب المسارعة إلى قتالهم والتنكيل بهم؛ كي يخاف مَن وراءهم فلا يتجرؤوا على المسلمين بأي عمل عدائي، وإن كان الغدر بطريقةٍ غير مباشرة والخيانة لها أَمَارات، فإن الواجب هو النَّبْذ على سواء؛ أي: إعلامهم بانتهاء العهد من ناحية المسلمين، وبهذا قد برئ المسلمون من الخيانة أو الغدر المنهيِّ عنه في الإسلام، وهنا يتجلَّى شرف الخصومة وأخلاق الإسلام في الحرب ومع الأعداء، فلا غدر ولا خيانة. 3- وأمام خيانة العدو وغدره، والتزامك يا محمد بشرفِ الخصومة وأمانة الكلمة، والمحافظة على العهد، والوفاء بالوعد، فإن سلاحك إيمانُك، وملاذك هو الله عز وجل، فتوكِّل عليه، فهو الناصر لك ومؤلِّف قلوب المؤمنين حولك. 4- ويا أيها الرسول حرِّضِ المؤمنين على القتال، والله ناصرك ومؤيِّدك مهما كان فارق العدد بينك وبين عدوِّك، فليستِ العبرة بالقلة ولا بالكثرة، لكن المهم هو العقيدة القتالية لجنودك، فحرِّضهم، ورغِّبهم في الشهادة والفوز بالجنة. 5- واعلَمْ أن أَخْذ الأسرى ومعاملتهم يسير وَفْقَ المصالح العُليا للدعوة؛ ومِن ذلك: أ. كَسْر شَوكة المشركين ماديًّا وعدديًّا ومعنويًّا. ب. إسكات أبواق الدعاية المضادة؛ (كما في *** النضر بن الحارث). ج. دعوة الأسرى إلى الإسلام وترغيبهم، وبيان محاسن الإسلام، وذلك بحسن معاملتهم واللطف معهم. د. إعطاؤهم الفرصة ليُراجِعوا أنفسهم ومواقفهم المعادية للإسلام، فقد يكونون واقعين تحت تأثير إعلام المشركين وتضليل أئمة الكفر، فقد ثبت أن ممن خرجوا للقتال مع قريش أناسًا لا حاجة لهم بقتال المسلمين، فقد ذكر ابن إسحاق (عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ((إني قد عرَفتُ أن رجالًا مِن بني هاشم وغيرهم، قد أُخرجوا كرهًا ولا حاجة لهم بقتالنا، فمَن لقي منكم أحدًا من بني هاشم، فلا يقتُلْه، ومَن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد، فلا ي***ه؛ فإنما أخرج مستكرهًا))، وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن *** أبي البختري؛ لأنه كان أكفَّ القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، وكان لا يؤذيه، ولا يبلغه عنه شيءٌ يكرهه، وكان ممَّن قام في نقض الصحيفة التي كتَبت قريش على بني هاشم وبني عبدالمطلب)[1]. 6- وبعد بيان صفات المؤمنين حقًّا في أول السورة الكريمة، فقد جاء بيان أصناف المؤمنين في ختام السورة، وأحكام الإيواء والولاء والنصرة والتوارث، ليكون بالرحم بعد أن كان بالدِّين، ثم إلى البيان والتفصيل. [1] السيرة النبوية؛ لابن هشام، ج2، ص 199. د. أمين الدميري
__________________
|
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|