#1
|
|||
|
|||
كيف تخسر الأصدقاء؟
الحديثُ عن الصداقة والأصدقاء حديثٌ يلامس النفوس، فهو حديثٌ عن شيءٍ يلاقي الفطرة السويّة، والطبيعة البشرية، وصَفها الخليلُ بن أحمد بكلمة معبّرة حين قال: "الرجل بلا صديقٍ كاليمين بلا شمال". ويزدان الحديثُ عن هذه الصداقة بِذكر آثارها، وما ينتج عنها من مواقف الشهامة والمروءة والوفاء، ولا ينبغي الالتفاتُ إلى أدبيات بعض الشعراء والمصنّفين في الأدب، الذين تحدّثوا عن الصداقة بلغةٍ تشاؤمية، والتاريخُ والواقعُ يردّان ذلك. ومن الإنصاف أن نقول: إن من الناس مَنْ لا يُقدّر هذه العلاقة قدْرها، فيحمّلها أكثرَ مما تحتمل، ويكدّرها ببعض الأمور التي لا تنبغي؛ فيخسر صديقَه لأدنى سبب، وقد سُئل بعضُ الحكماء: استفساد الصديق أهون من استصلاح العدو؟ قال: نعم، كما أن تخريقَ الثوب أهونُ من نسْجه. وسأشير في هذه المقالة إلى بعض الأسباب التي يخسر بها بعضُ الناس أصدقاءَهم، نبّه العقلاءُ عليها قديمًا، وتتراءى للإنسان مع الأيام وتعدُّدِ المواقف، أذكرها لعلها تكون معينةً على تلافي ذلك مستقبلًا، والحفاظ على هذه الآصرة، فمن ذلك: 1. الغفلة عن الفروق الفردية بين الناس: فمن الناس من يكون له أكثر من صديق، وفي بعضهم من الوفاء ومكارم الأخلاق والمروءة ما ليس في الآخَر، فيريد حمْلَ بقيةِ الأصدقاء على خُلُق هذا الصديق المتميز، وهذا خطأ، والعاقلُ مَن راعى هذا الأمر، فأصابِع اليد ليست واحدة، والأب الذي رُزق بعدّة أولادٍ من زوجة واحدة، يَرى في كل ولدٍ من الطباع ما ليس في الآخر، فكيف بمن خرجوا من أصلابٍ وأرحام شتى! وإذا كان الأمر كذلك، فأشدّ مما سبق أن يحملَ الإنسانُ الناسَ على طبْعه، ويريدُهم أن يوافقوا رأيَه، وإلا رماهم بقلّة التقدير وعدم الاحترام، وغلطُ هذا المسلك أظهر مِن أن يُطال الوقوفُ عنده. 2. ومن ذلك: كثرةُ العتاب على أتفه الأسباب، أو تضخيمُ بعض الأخطاء الصغيرة، وهذا شيءٌ تكرهه النفسُ وتأنف منه، وينفِرُ منه الصديق، والموفّق مَن فعل ما قاله الشاعر: وَكُنْتُ إِذَا الصَّدِيقُ نَبَا بِأَمْرِي *** وَأَشْرَقَنِي عَلَى حَنَقٍ بِرِيقِي غَفَرْتُ ذُنُوبَهُ وَكَظَمْتُ غَيْظِي *** مَخَافَةَ أَنْ أَعِيشَ بِلاَ صَدِيقِ والعاقل من غضّ الطرفَ عن الزلّة، واحتمَلَ الخطأ، خاصةً إذا لم يتكرر، وإذا تكرر التمسَ الأسلوبَ الأمثل في التنبيه عليه، فإن مما يكدّر الصفوَ: الأسلوبُ الذي يعالج به الخطأ. وحتى لا تخسر أصدقاءَك: فعليك إذا تبيّن لك الخطأ أن تعترف به، ولا تأنَف من ذلك، أو تظنّ أن الاعترافَ مما يقدح في شخصيتك، فالرجوع إلى الحق فضيلة، وهو خيرٌ من التمادي في الباطل واللجج فيه. 3. عدم التماس الأعذار لهم عند وجود سببٍ للعتاب، فللناس أعذارٌ قد لا يستطيعون إبداءها في كلّ حين -كما قال الإمام مالك رحمه الله-. والأمثلةُ في هذا أكثر من أن تُحصَر. 4. ومن أسباب خسارتهم: عدمُ الاهتمامِ بمشاعرهم والاكتراثِ بها، فليس من الصداقة في شيءٍ أن تمرّ على صديقك أيامُ المصائب والأفراح وأنت بمنأى عنه، وكأن الأمرَ لا يعنيك! فالصديقُ إذا لم يكن له بصمةٌ على مشاعر صديقه في أوقاتٍ كهذه فمتى؟ 5. ومنها: قبول كلام الناس فيهم عندك، يُذكرُ أن رجلًا جاء إلى مطيع بن إياس فقال: قد جئتُك خاطبًا، قال: لمن؟ قال: لمودتك، قال: قد أنكحتُكَها وجعلت الصَّدَاقَ أن لا تَقبل فيّ مقالةَ قائل. 6. تصديق بعض الأمثال والحِكَم الواردة على ألسنة بعض الشعراء، وكأنها نصٌّ منزّل من القرآن! كما يردد أحدُهم: إِذَا صَافَى صَدِيقُكَ مَنْ تُعَادِي *** فقدْ عاداكَ وَانْقَطَعَ الْكَلَامُ علّق بعضُ الحكماء على هذا المعنى قائلًا: "هذا هو الإسراف والتجاوز، والعِداء الذي يخالف الدينَ والعقل، لعل صديقَك إذا رأيتَه مع عدوك يثنيه إليك، ويعطفه عليك، ويبعثه على تدارك فائتةٍ منك، ولو لم يكن هذا كلّه لكان التأني مقدَّماً على العجل، وحسنُ الظن أولى به من سوء الظن" (الصداقة والصديق لأبي حيان، ص: [46]). وبالجملة.. فالعاقل مَنْ عضّ على أصدقائه بالنواجذ، خصوصًا من تقلّب الدهرُ به معهم على السراء والضراء، فوجدَهم زينةً في الرخاء، وعُدّة في البلاء، وأصهارَ الروح، فإن الصديق الصالح مِن مغانم الحياة الدنيا والآخرة، ألم تسمع قولَ أهل النار: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ . وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100-101]؟ ونفعُه ممتد في الدارين: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]، فحافظ على الصديق ولو في الحريق -كما قال بعضهم- فشراءُ الصديقِ صعبٌ عسير، وبَيعه سهل ممكن. عمر بن عبد الله المقبل
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا
ميت الأحياء هو من عاش بلا أصدقاء
__________________
|
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|