|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الخيانة وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع...عبد الإله جاورا أبو الخير
المقدمة: الحمد لله الذي أمرنا بأداء الأمانة، وحذرنا من الخيانة ما ظهر منها وما بطن، ثم الصلاة والسلام على الصادق الأمين محمد بن عبدالله، صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا. * وبعد: فها نحن في عصر انتشرت فيه الخيانة بين الأفراد والأُسر والمجتمعات والجمعيات والدول، حتى صرنا نأتمن فيه الخائن، ونُخوِّن فيه الأمين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تأتي على الناس سنوات خدَّاعات؛ يصدَّق فيها الكاذب، ويكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيهم الرويبضة))، قيل: يا رسول الله، وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافه يتكلم في أمر العامة))؛ أخرجه ابن ماجه في سننه، والإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وصححه الإمام الذهبي والألباني. * لذا؛ قمت بكتابة موضوع حول "الخيانة وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع"؛ عسى ربنا أن يهدينا إلى سواء السبيل. * الخيانة في اللغة: الغدر، وهي ضد الأمانة. اصطلاحًا: كتم الشر للغير، وإظهارُه عن طريقٍ ما. حكم الخيانة: حرام. * الدليل من القرآن: قال تعالى: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ [الأنفال: 58]. * ومن السنة: وجاء تحريم الخيانة في السنة النبوية؛ فعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: لمَّا كان يوم فتح مكة، اختبأ عبدالله بن أبي سرح عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله، بايِعْ عبدَالله"، فرفع رأسه، فنظر إليه، ثلاثًا، كل ذلك يأبى، فبايَعه بعد ثلاثٍ، ثم أقبل على أصحابه فقال: ((أمَا كان فيكم رجل رشيد، يقوم إلى هذا حيث رآني كففتُ يدي عن بيعته في***ه؟))، فقالوا: "ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأْتَ إلينا بعينك؟"، قال: ((إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين))؛ رواه أبو داود بإسناد صحيح. * أسباب الخيانة: 1- الحسد. 2- الطمع في المال أو في المناصب. 3- الجهل. 4- التكبر. * أنواع الخيانة: 1- الخيانة القولية: تكون عن طريق إفشاء سر الصديق أو الأهل أو المؤسسة أو الدولة للغير دون إذن أو مصلحة، وقد ذم الإسلام ذلك؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يُفْضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشرها سرَّها))، وفي رواية: ((مِن أشرِّ الناس))؛ رواه مسلم. * 2- الخيانة الفعلية: أمَّا الخيانة الفعلية، فتكون بالضرب، أو السجن، أو نهب الأموال، أو السرقة، أو ال***، أو بوضع السم في الطعام. * وفي صحيح مسلم عن أنس: أن امرأة يهودية أتت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك، فقالت: "أردتُ لأ***ك"، قال: ((ما كان الله ليسلِّطكِ على ذلك))، قالوا: "ألا ن***ها؟"، قال: ((لا))، "فما زلتُ أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم". * 3- الخيانة الإشارية: والخيانة الإشارية أنواعها كثيرة، منها: إشارة باليد أو بالعين أو باللسان أو بتحريك الرأس أو الشفتين؛ ففي غزوة بني قريظة اشتد الحصار عليهم، فطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يبعث إليهم أبا لبابة بن عبدالمنذر رضي الله عنه ليستشيروه، فأذن له، فلما وصل إليهم قام إليه الرجال والنساء والأطفال يبكون في وجهه؛ فرقَّ لهم، وقالوا: "يا أبا لبابة، أترانا ننزل على حكم محمد؟"، قال: "نعم"، وأشار بيده إلى حلقه: إنه ال***، فعَلم الصحابي الجليل أنَّه خان الله والرسول؛ فذهب إلى المسجد النبوي ثم ربط نفسه إلى عمود من عُمُده، وقال: "لا أبرح حتى يتوب الله عليَّ"، فتاب الله عليه ونزل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]. * 4- الخيانة الكتابية: تكون عن طريق كتابة الرسائل في إفشاء سر الصديق أو الأهل أو المجتمع أو الدولة؛ طمعًا أو حسدًا أو خوفًا، وقد حدث مثل ذلك لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم فتح مكة، أرسل حاطب بن أبي بلتعة الصحابي الجليل رسالة إلى أهل مكة ليخبرهم بمجيء الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلم الرسول ذلك الخطر وقبض على الرسالة، وسأل حاطبًا في هدوء: ((يا حاطب، ما هذا؟))، قال حاطب: "يا رسول الله، لا تعجل عليَّ؛ إني كنت امرأ ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم؛ فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتَّخِذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد صدقكم))، قال عمر: "يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق"، قال: ((إنه شهد بدرًا؛ وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم))؛ رواه البخاري. * 5- الخيانة السكوتية: فالسكوت عن الحق خيانة، خصوصًا في وقت الحاجة إليه، سواءٌ في أمور دينية أو دنيوية، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ [البقرة: 159]. * 6- الخيانة التسجيلية: تسجيل صوت أخيك أو قومٍ أثناء المناجاة دون إذنٍ، ونشره عند الناس. * 7- الخيانة التصويرية: نشر صورة أخيك؛ وذلك من أجل الفضح أو الإهانة. * مواطن الخيانة: مواطن الخيانة كثيرة، منها: 1- خيانة الله عز وجل الذي خلقك وتعبد غيره، وتأكل رزقه، وتمشي في أرضه ثم تعصِيه، وتفتري عليه ما لم يقُله، فهذه هي الخيانة الكبرى. * 2- خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي الافتراء عليه. * 3- خيانة العلماء، وهي نقل كلام من كتابه ونسبته إلى نفسك، أو تأويل كلام من محاضراته، وغرضك إهانته أو تُهمته أو تشويه سمعته لدى الناس كذبًا وافتراءً. * 4- خيانة الوالدين لأبنائهم، وهي عدم تسميته تسمية حسنة، أو تربيته تربية إسلامية، أو تعليمه تعاليم الدين. * 5- خيانة الولد والديه، وهي عقوقهما بعدما أحسنا إليك في الصِّغَر أو الكِبَر، أو ترك الدعاء لهما بعد موتهما. * 6- خيانة الزوجين بعضهما بعضًا، وهي عدم القيام بالواجب الذي عليه. * 7- خيانة الجماعة، وهي إفشاء سر مؤسسة أو قرية أو عسكر أو دولة، أو سرقة أموالهم. * خطورة الخيانة: نعلم أن الخيانة لها آثار سلبية على الفرد والمجتمع؛ لأنها تفرِّق بين الأحبة، وتقطع الأرحام، وتشعل نيران الفتنة بين الأسر والقرى والدول. * عقوبة الخائن: 1- أنه منافق: فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)). * 2- فعلة مذمومة: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ منها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة)). * 3- حقير في مجتمعه. حكم الخائن: يرجع الأمر إلى القاضي؛ إن كان ما فعله يستحق ال*** قُتل، وإن كان السجن أو الضرب فُعل، وإن كان العفو عُفي عنه، كما فَعَل الرسول صلى الله عليه وسلم بأبي لبابة وحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنهما. * الخاتمة: اللهم نقِّ قلوبنا من الخيانة ما ظهر منها وما بطن.
__________________
|
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|