#1
|
||||
|
||||
لا تباغضوا
لا تباغضوا
الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم الحمد لله مُعِز مَن أطاعه واتَّقاه، ومُذِل مَن خالَف أمره وعصاه، أحمده سبحانه يُثيب من أحبَّه وتولاه، ويُعاقِب مَن أبغضه وعاداه، وأشكره على عموم نِعَمه وجزيل فضْله، وأرجو أن يكون شكرًا يحبه ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ألَّف الله به القلوب، ويغفر باتِّباعه الذنوبَ، اللهم صلِّ وسلم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اقتفى أثرَه إلى يوم الدين. أما بعد: فأيها الناس: اتقوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتَّقون، واتقوا يومًا تقفون فيه بين يدي خالقكم فيُثيبكم على فِعْل أوامره واجتناب منهيَّاته، ويسألكم عن أي شيء خالفتم فيه أمرَه ونهيه، فلا جواب لكم إلا بالتقصير والندم والغفلة، والوهم والعجز وحب الحياة وطول الأمل، فيُعاقِبكم بعدله، إلا أن يغفر الله برحمته وفضله، عمن مات مسلمًا لا يشرك به أحدًا من خلْقه. أيها المسلمون: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تباغضوا))، إن المسلمين إخوة، والإخوة يتحابون ولا يتباغضون، أتدرون ما هي الرابطة التي تَربِط بينهم؟ هي عقيدة التوحيد التي سماهم الله تعالى بها مسلمين، والتي نهتهم عن التباغض حسَب ما تمليه الأهواء والعدا، والنفوس الشريرة الأمارة بالسوء، أما إذا كان يبغض للهِ ومن أجْل الله، فهو أمر مطلوب، وبُغْض محبوب؛ فإن المسلم لا ينال ولاية الله إلا بأن يحب في الله، ويبغض في الله، ويُعادي في الله، وقوله: ((لا تباغضوا))؛ أي: لا تفعلوا أسبابَ البغض التي تجعل بعضكم يَحقِد على بعض ويبغض بعضكم بعضًا، فالتحاب يَسعَد به أقوام، والتباغض يشقى به آخرون، ففي التحاب يوجد التعاون على البِرِّ والتقوى، وتوجد الرحمة، ويوجد العطف والشفقة، فيحب كل واحد لأخيه ما يحب لنفسه في دنياه وأخراه، وفي التباغض بيننا تُفقَد هذه الأمور الخيِّرة، فيحل محلها أضدادها، فتأتي الأنانية والمحبة للذات الشخصية والتعاون على الإثم والعدوان، ألا وإن للمحبة بين المسلمين أسبابًا، وعقبى المحبة دخول الجنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تَحابُّوا، ألا أَدُلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشُوا السلام بينكم)). ولفضل المحبة ومكانتها عند الله تعالى، ولِما يترتَّب عليها من الائتلاف والوئام؛ امتنَّ الله تعالى على عباده بالتأليف بين قلوبهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ﴾ [آل عمران: 103]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62، 63]. وإن من أسباب الألفة والمحبة: الإصلاحَ بين المسلمين، الذي جعله الله تعالى خيرًا، وجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من نوافل الصلاة والصيام. قال تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إصلاح ذات البَين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة))، ولفضل الصُّلح الموجِد للمحبَّة؛ أُبيح الكَذِب فيه، كما أن للمحبة أسبابًا وللبُغْض أسبابًا حرَّم الله تعالى على المسلمين إتيانها واقترافها، وجعَلها من عملِ الشيطان، وصادَّة عن ذِكْر الله تعالى. فمن أسباب التباغض: فشوُّ السكر والمسكرات بين الناس، ووجود الميسر، وهي الألعاب التي لا دِين فيها ولا دنيا، بل هي مبنية على المغالبة التي تجعل المتغالبين واللاعبين والممارسين لهذه النشاطات يلعن بعضهم بعضًا، ويَسُب بعضهم بعضًا؛ إذ لا هدف لهم إلا أن يغلب أحدهم الآخر؛ كاللعب بالنَّرد والشطرنج وسائر ما يتلهَّى به البطالون؛ كلعب الورقة وما أشبه ذلك مما تكون خاتمته اللعن والسب والطرد والفرح على المغلوب؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]. ومما يُسبِّب البغض: النميمة، وهي: نَقْل الحديث من شخص إلى آخر لا يرضاه، مما هو وشاية بينهم، والغِيبة هي: ذِكْرك أخاك بما يكره، وأن تُحاوِل إيجاد عيب للبريء؛ قال صلى الله عليه وسلم فيما خرَّجه الإمام أحمد وغيره من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أنبئكم بشراركم؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((المشاؤون بالنميمة، المفرِّقون بين الأحبَّة، الباغون البُرَآء العَنَت))[1]. وكما أن القول المؤذي من أسباب التباغض، فإن الفعل المؤذي من أسبابه القوية أيضًا؛ كالتعدي بما يؤذي البدنَ، وما ينقص المال، وما يَخدِش الكرامةَ ويجرح الشعور؛ كأذى المسلمين بإلقاء القمامات في طرقهم، وفيما يؤدِّي إلى المساجد بالذات، ألا تدري أن بفعلك هذا كنت سببًا من أسباب التباغُض؟ ومن أمره والداه بغير معصية فلم يَمتثِل، أو آذاهما بكلام قاسٍ شرس، فقد أتى بسبب من أسباب التباغض وتفكيك الأسرة، ومَن كذب أو غشَّ أو خان في معاملته فقد أتى بسبب من أسباب التباغض المنهي عنه. وأما التباغض في الله، فهو أَوثق عُرى الإيمان، وليس داخلاً في النهي، لو ظهر لرجل من أخيه شرٌّ فأَبغضَه عليه، وكان الرجل معذورًا في نَفْس الأمر، أثيب المُبغِض له، وإن عذر أخاه كما قال عمر: "إنا كنا نعرفكم إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وإذ ينزل الوحي، وإذ ينبئنا الله من أخباركم، ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق به، وانقطع الوحي، وإنما نعرفكم بما نَخبُركم، ألا وإن من أظهر منكم لنا خيرًا، ظننا به خيرًا، وأحببناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربكم تعالى". قال الربيع بن خثيم: "لو رأيت رجلاً يُظهِر خيرًا ويُسِر شرًّا، فأحببته عليه، آجرك الله على حبك الخير، ولو رأيت رجلاً يُظهِر شرًّا ويُسِر خيرًا، فأبغضته عليه، آجرك الله على بغضك الشر، فلا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا". أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [المائدة: 91، 92]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. [1] مسند الإمام أحمد برقم (17998). |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|