اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-05-2015, 06:48 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي فردوس الإيمان


فردوس الإيمان (1)




محمود بن أحمد أبو مسلّم





مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، خالق السموات والأرض، ولي المتقين، الذي علَّم الإنسان الإيمان والخلُق القويم، منزِّل الكتاب هاديًا وبُشرى للمسلمين، لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يُشركون، من وحَّده واستقام هُدي إلى خير دار، ومَن جحَده واستدار، هلك وزاغت عنه الأبصار، ونُصلي ونسلِّم، على المُرسَل رحمةً للعالمين، خاتم الأنبياء والمُرسَلين، وسيد الأولين والآخرين، محمد بن عبدالله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، آمين.
وبعد:
فكم كنتُ أتوق لإعداد مادة عن الإيمان يَستفيد منها المسلم في حياته اليومية، أُلملِم فيها آثار النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، التي تحدَّثت عن الإيمان ومعالمه وأخلاقه وآدابه، وما جاء في القرآن من آيات مُحكَمات، فيها من أخلاق الإيمان ما يَشفي القلب الحيران، ويُغيث اللهفان، ويروي الظمآن، الباحث عن واحة في وسط الودْيان، عن ظل في صحراء مُقفِرة، لا غوث فيها ولا زرع ولا ماء ولا إنسان!
فواقعنا الآن، أصبحت الماديات تُسيطِر عليه سيطرةً شبه كاملة، وخلَت أغلب بيوت المسلمين من شغف للقراءة، وحبٍّ للمعرفة؛ فالبحث عن لقمة العيش، ومتابعة التِّلفاز، والسهر على مواقع التواصل أصبح هو شغل المسلمين الشاغل، ونسي المسلمون أن قلوبهم تحتاج إلى غذاء ودواء، وأن خير غذاء لقلوبهم وأرواحهم وخير مُعين على دنياهم هو تجديد الإيمان.
ولا سبيل لتحصيل هذا النوع مِن الغذاء إلا بأنواع التحصيل الثلاثة؛ بالقراءة أو الاستماع أو المشاهَدة.
وقراءة القرآن كانت تَكفي السلف لتحصيل جرعة الإيمان المطلوبة ليَومِهم، أما الآن ومع ابتعاد الناس عن اللغة العربية وذَوقها وجَمال معانيها وتراكيبها الفَريدة، أصبح القرآن وكذا كلام النبيِّ العدنان شبهَ أعجميِّ الوقْع على الآذان؛ إذ في كثير من الأحيان قلَّما يقرأ الإنسان القرآن، أو الحديث، ويكون له نفس التأثير والوقع كما كان عند الرعيل الأول، هيهات، كيف وكلما تقدَّم الزمان زادت شروح الحديث واستنباط فوائدها، وتحليل ما تحمله من معانٍ، وكذا القرآن زادت شروحه وتفسيراته؛ بين متوسط الحجم وكبيره وصغيره؛ كلُّ ذلك بسبب ابتعاد الناس عن اللغة ومعانيها الصحيحة، ثم عدم اعتنائهم بمواد الفقه والتفسير والاعتقاد، وانشغالهم بدنياهم وبتحصيل عَيشهم.
لذلك وددتُ أن أضع للناس مادَّة مقروءة، تكون خفيفةً وسهلة الفَهم لمعاني الإيمان في الإسلام، وكنتُ مُتحيِّرًا في كيفيَّة صياغة مثل هذه المادة؛ إذ إني وددتُ أن أجمع بين عبق التراث، ورصانة نظم السلف، وبين خفَّة الواقع المعاصر وسرعته، فكانت المُعادلة صعبة حتى هداني الله - عزَّ وجلَّ - لفكرة؛ ألا وهي: تلخيص كتاب الإيمان للإمام ابن منده - رحمه الله.
ووقع اختياري على اختصار هذا الكتاب بالذات؛ لأنه:
جمع قدرًا ضخمًا من النصوص النبوية الصحيحة عن الإيمان.
رتب الأحاديث ترتيبًا جميلاً.
ترجم لكلِّ حديث ترجمة نافعة.
لم يَستطرد في شرح الأحاديث، بل اكتفى بالحديث وترجمتِه، لبيان مرادِه، تبعًا لمن سبقه من مُصنِّفي كتب الحديث؛ كالبخاري، ومسلم، وأصحاب السنن، وغيرهم من أئمة هذا الشأن.
فيه الكثير من الفوائد الحديثية والإسنادية، لكني لم أضعْها؛ لأنها ليست مُرادنا من هذا الكتاب.
ثم وجدتُ أن أَبني على جهد المصنِّف وأُضيف قسمًا ثانيًا للكتاب، أتحدَّث فيه عن أخلاق المؤمن وآداب الإيمان، من السنَّة والقرآن، من خلال الأحاديث التي لم يَسُقْها المصنِّف في كتابه، واعتمدتُ على ما صحَّ وعُرف، وتجنَّبتُ ما تُكلِّم فيه وضُعِّف، والغرض من ذلك أن يكون الكتاب متكاملاً عن مفهوم الإيمان، ليس بمُختصِر مُخلٍّ ولا بطويل مُملٍّ، ثم إني سمَّيت هذا المُختصَر بـ"فردوس الإيمان"، وإليك عملي في هذه المادة:
قسمت المادة إلى قسمين:
الأول: وهو تلخيص كتاب "الإيمان"؛ لابن منده، وعملي في هذا الملخَّص كان كما يلي:
1 - حذفتُ المُكرَّر من الأحاديث، ورقَّمتُها، ثم أشير إلى رقم الحديث فقط، إذا تكرَّر.
2 - ما كان من أحاديث فيها ضعْف أو كلام لأهل العلم في عدم ثبوتها، حذفتُها أيضًا.
3 - حذفتُ الأسانيد، واكتفَيت بالراوي الأعلى (الصحابي)، وأحيانًا أذكر من دونه إن كان هناك فائدة لذلك.
4 - ما كان مِن كلام المصنِّف عن الأسانيد أو فوائد حديثية حذفتُه أيضًا لعدم تعلُّقه بموضوع كتابنا.
5 - أبقيت على ترجمة المصنِّف لكل حديث.
6 - علَّقت على الأحاديث تعليقًا يسيرًا، ليس بالطويل المُملِّ، ولا بالقصير المُخلِّ، وأبدأ التعليق بكلمة (تعليق) أو (شرح).
7 - أحيانًا لا ألتزم بلفظ المصنِّف، وأُبدله بلفظ آخر، إن كان هناك فائدة لذلك وأنوِّه عليه.
8 - خرَّجتُ الأحاديث تخريجًا يسيرًا، قبل كل حديث، فإن كان في الصحيحين أو أحدهما اكتفيتُ بهما، وإن كان في بقية الستة اكتفيت بالإشارة إليه فيها، ترميزًا - كما سيأتي بيانه - مضافًا إليه رقم الحديث في مصدره، وإن لم يكن الحديث في الستة رمزتُ للمصنَّف الذي فيه الحديث؛ كمسند أحمد، أو المصنَّفات، وغيرها.
9 - لم أضع في هذا الفصل ولا بقية الفصول، إلا حديثًا صحيحًا، حتى لا أُزعِج القارئ بهوامش النقد والتخريج.
القسم الثاني: وهو خاصٌّ بما جاء من أوصاف للمؤمنين في الأخلاق والآداب مما لم يذكره المصنف - رحمه الله.
وهـو فصلان
الفصل الأول:
وضعتُ فيه الأحاديث التي لم يذكرها المصنِّف وتدلُّ على أوصاف المؤمنين، وكذلك علَّقت عليها وعلى ما تَشتمِل عليه من فوائد.
تابعتُ تسلسُل ترقيم الأحاديث مع ما سبَقها مِن أحاديث القسم الأول.
ترجمتُ لكلِّ حديث ترجمةً توضِّح ما فيه من فائدة.
الفصل الثاني:
وضعتُ فيه الآيات القرآنية التي فيها من أوصاف المؤمنين، ثم علّقت تعليقًا وسطًا على الآيات وما فيها من فوائد.
وأرجو الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعله عملاً خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله في ميزاننا يوم الدين، وكل مَن دلَّ عليه أو قرأ فيه، اللهم آمين.
الأحاديث المتكلَّم فيها من كتاب "الإيمان"؛ لابن منده ولم أضعْها في هذا المُختصَر:
(1) حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم: ((وفْد الله ثلاثة: الغازي والحاج والمُعتمِر))؛ وهو حديث أخرجه النسائي في سننِه المُجتبى (2625) وابن ماجه (2892)، وبيّن البيهقي علَّته في السنن الكبير فقال (5/430) "كذا وجدتُه، وكذا رُوي عن موسى بن عقبة، عن سهيل، ورواه وُهَيب، عن سُهَيل، عن أبيه، عن مِرداس، عن كعب، قال: "الوفود ثلاثة: الغازي في سبيل الله وافد على الله، والحاج إلى بيت الله وافد على الله، والمُعتمِر وافد على الله، ما أهلَّ مُهلٌّ ولا كبَّر مُكبِّر، إلا قيل: أَبشِر"، قال مِرداس: بماذا؟ قال: بالجنة: أخبرناه أبو عبدالله الحافظ، حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا السَّريُّ بن خُزيمة، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب، فذكره" ا هـ.
وقال في الشُّعب (6/ 16): "وحديث وهيب أصح"؛ يعني: الذي هو عن كعب.
(2) حديث فُضَيل بن سُليمان، ثنا موسى بن عقبة، سمع عبيدالله بن سُليمان، عن أبيه، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن عبد يَعبُد الله ولا يُشرك به شيئًا، ويُقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويَجتنِب الكبائر إلا دخل الجنة))، قال: فسألوه ما الكبائر؟ قال: ((الإشراك بالله، والفرار مِن الزحف، وقتْل النفس)).
تركتُه بسبب الكلام في رواية الفضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة خاصة، قال صالح جزرة: "روى عن موسى بن عقبة مناكير"[1]، وهناك ما هو أصحُّ ويُغني عنه.
(3) حديث أبي وائل، عن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافِق ثلاث))، هذا الحديث مَحفوظ من رواية أبي هريرة مرفوعًا، لكنه رُوي عن عبدالله موقوفًا واختُلِف فيه، قال ابن عدي بعد أن أخرجَه من طريق عمرو بن علي الفلاس عن أبي داود الطيالسي عن شُعبة عن منصور عن أبي وائل به، "قال عمرو: لا أعلم أحدًا تابع أبا داود على رفعِه، وأبو داود ثِقة، وهذا الذي قال عمرو، لا أعلم أحدًا تابع أبا داود على رفعِه، إنما أراد من حديث شُعبة، عن منصور، عن أبي وائل، وأما عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبدالله، فقد رفعه غير واحد عن الأعمش؛ منهم: مالك بْن سعيد، ومحمد بْن عبيد وغيرهما، وقد أوقفه أيضًا جَماعة عن الأعمش" ا هـ.
وقال في البحر الزخار (5/ 90): "وهذا الحديث لا نعلَم إسناده إلا أبا داود، عن شُعبة بهذا الإسناد، وغير أبي داود يَرويه موقوفًا" ا هـ.
وكذا صحَّح الموقوف الدارقطني في "العلل" (5/ 85 - 86).
(4) حديث الدراوردي، عن ثور، عن أبي الغَيث، عن أبي هريرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن رمانا باللَّيل فليس مِنا، ومَن غشَّنا فليس منا))، قد اختلف على الدراوردي فيه، فرَواه سعيد بن منصور[2]، ثنا عبدالعزيز بن محمد، عن ثور بن زيد، عن عِكرمة، عن ابن عباس، به، مرفوعًا، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (حديث: 1279) من حديث يَحيى بن أبي سليمان، عن سعيد المَقبُري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن رمانا بالليل فليس مِنا))، قال أبو عبدالله (البخاري): "في إسناده نظر" ا هـ.
فالغالب على الظن أن هذه الطرُق غريبة، ولها شواهد ضعيفة، والمَحفوظ عن أبي هريرة كما في مسلم (103): ((مَن حمَل علينا السلاح فليس مِنا، ومَن غشَّنا فليس منا))، والله أعلم.
(5) حديث سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة بن دِعامة، عن أبي المَليح، عن عوف بن مالك، قال: "كنا في بعض السفر فعرَّس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرَّسنا معه، وتوسَّد كل إنسان مِنا ذراع راحلته، فقمت في الليل فإذا أنا لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند راحلته فطلبتُه، فبينا أنا كذلك إذا بمعاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري قد أفزَعهما ما أفزعَني، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا هزيزًا كهزيز الرَّحْل بأعلى الوادي، وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم جاءنا فأخبرناه، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه أتاني الليلة آتٍ من ربي فخيرني بين الشفاعة، وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترتُ الشفاعة)) الحديث، وقد حكم المصنِّف عليه بالإرسال، وتكلم فيه ابن خزيمة في التوحيد حديث (386) عن إرساله بما فيه كفاية فليُراجع هنالك.
(6) حديث زهير بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه، قال: ((سألتُ ربي فوعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدتُ فزادَني مع كل ألفٍ سبعين ألفًا، فقال: أي رب، أرأيت إن لم يكن هؤلاء مُهاجرو أمتي؟ قال: إذًا أُكملهم من الأعراب))، هذا إسناد صحيح على رسْم مسلم، أخرج عن زُهير، وسُهيل ما تفرَّدا به. ا هـ.
كذا قال - رحمه الله - لكن اللفظة الأخيرة: ((أي رب...)) إلخ الحديث لم يروِها أحد فيما وقفتُ عليه سوى زهير بن محمد، وزهير في روايته كلام أصلاً؛ ففي القلب منها شيء.
وعلى أي حالٍ فليس هناك ما يُنكر من هذه الأحاديث، وفي غيرها غُنية، قد أخرجها المصنف، ولله الحمد، وإلا استوفيناها في التعليقات، ومَن رأى أن تبقى هذه الأحاديث، فلا تثريب عليه.
وسنَنشُر - إن شاء الله - المادة على حلقات؛ الحلقة عشرة أحاديث، حتى لا نطيل على القارئ الكريم، ونسأل الله التوفيق والسداد في الأمر كله، وللمؤمنين والمؤمنات، فهو المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1] تهذيب التهذيب (8/ 292).
[2] المعجم الكبير للطبراني، حديث: (11553).

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 31-05-2015, 06:52 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

فردوس الإيمان (2)




محمود بن أحمد أبو مسلّم

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، ونصلي ونسلّم على سيدنا محمد النبي الأمي الأمين.
وبعد:
فهذا أول مادة "فردوس الإيمان"، التي هي ملخص لكتاب الإيمان للحافظ الإمام أبي عبدالله، محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى ابن منده، الأصبهاني، العبدي، المتوفي سنة 395 هـ، والحافظ ابن منده، من كبار علماء الحديث، قال الذهبي: محدث الإسلام، من أئمة هذا الشأن وثقاتهم، صدوق في نفسه غير متهم في نقله، وقيل أنه سمع من ألف وسبعمائة شيخ، فهو غزير العلم ومن يطالع كتبه ومصنفاته يشهد له بذلك..
تنبيه:
استخدمنا الاختصارات الآتية للتعريف بكتب الحديث فالحروف:
خ - البخاري.
م - مسلم.
د - أبو داود.
ت - الترمذي.
س - النسائي.
سك - النسائي في الكبرى.
جه - ابن ماجه.
حم - مسند أحمد.
كم - الحاكم في المستدرك.
حب - ابن حبان في صحيحه.
وما سوى ذلك من الرموز ننبه عليه في موضعه إن شاء الله تعالى، أو نذكر المصنف باسمه.
قال الحافظ ابن منده- رحمه الله-:
1- ذكر ما يدل على أن الإيمان الذي أمر الله عزّ وجلّ عباده أن يعتقدوه ما سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(1) (م 11) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ هَاهُنَا، يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ، أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، شَكَّ كَهْمَسٌ، فَقَالُوا لَوْ لَقِينَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مَنْ نَسْأَلُهُ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، قَالَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ: فَوَقَعَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ[1] وَهُوَ دَاخِلٌ الْمَسْجِدَ فَاكْتَنَفْتُهُ[2] أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَبْدَأُ بِالْكَلامِ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ: أَيْ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ، وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لا قَدَرَ إِنَّمَا الأَمْرُ أُنُفٌ[3]، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِذَا لَقِيتَهُمْ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بَرَاءٌ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ لأَحَدِهِمْ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عَنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ سَفَرٍ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَهُ إِلَى رُكْبَتِهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ؟ قَالَ: " تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا "، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ: " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ "، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟ قَالَ: " الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ "، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ "، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟ يَعْنِي أَعْلامَهَا، فَقَالَ: " أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ "، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: " يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ".
2- ذكر ما يدل على الفرق بين الإيمان والإسلام عن سؤال جبريل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
الحديث السابق.
3- ذكر ما يدل على أن الإيمان والإسلام اسمان لمعنى واحد وأنّ الإسلام الإقرار باللسان والعمل بالأركان، وأن الإيمان اعتقاد القلب.
حديث جبريل المتقدّم.
(شرح) لا تعارض بين هذه الترجمة وبين الترجمة التي تسبقها، كما يبدو للوهلة الأولى، فمقصود المصنف أن الإسلام والإيمان يختلفان عمليا فقط، فكما أن الإسلام هو عمل اللسان والجوارح، فالإيمان هو عمل القلب، ولكنهما جزءان لمركب واحد، لا يكتمل، ولا يصلح إلا بتركيب أحدهما على الآخر.. والسؤال هل يطلق الإسلام على الإيمان والعكس، المصنف يرى ذلك، وسنرى فيما بعد أدلته وأدلة القائلين بالتفرقة بين الإسلام والإيمان إن شاء الله.
4- ذكر ما يدل على أن ابتداء الإيمان أن يؤمن العبد بالله عزّ وجلّ وحده وكتبه ورسله من الملائكة والنبيين صلّى الله عليهم وسلّم.
حديث جبريل المتقدّم.
(شرح) قوله "ابتداء الإيمان"، أي ليست هذه الأمور المذكورة في الحديث هي ما ينبغي الإيمان بها فقط، بل هناك أمور أخرى، وسيذكرها المصنف فيما بعد، والمقصود أن إيمان العبد يبدأ بنطقه للشهادتين واعتقاده أن الله عزّ وجل واحد أحد فرد صمد إلها واحدا مستحق للعبادة، ثم يتبع ذلك الإيمان بما أخبر الله عزّ وجلّ به من أمور كما سيأتي.
5، 6 - ذكر ما يدل على أن من الإيمان أن يؤمن بحلو القدر ومرّه خيره وشرّه.
حديث جبريل المتقدّم.
(شرح) وهذا في قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث: "أن تؤمن بالله وملائكته.. وبالقدر خيره وشرّه حلّوه ومرّه وبالبعث بعد الموت"، والإيمان بالقدر هو أصل وصلب الإيمان، والسؤال دائما الذي يقفز إلى الذهن.. إذا كنا نؤمن بالقدر.. وأن كل شيء مكتوب ومحسوم، فلما العمل والالتزام بالتكاليف الشرعية؟
وهذا السؤال، وعدم قبول العقل له للوهلة الأولى، هو الذي جعل بعض الطوائف تكذب به وتقول أنه لا قدر، وأن الأمر أنف، يعني لا يعلمه الله إلا بعد وقوعه، وأن الإنسان هو من يصنع قدره، وليس العكس، وكذبوا بذلك القرآن والسنة الصحيحة، ظنا منهم أن هذا "الفهم" أدعى للإيمان والعمل، وأقرب إلى العقل، وغلطوا في ذلك كما سنبين.
وكي أقرب المعنى أكثر، فسؤال الناس عن القدر يكون كما جاء عن:
سَالِمَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: الزِّنَا مُقَدَّرٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَتَبَهُ عَلَيَّ وَيُعَذِّبُنِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَأَخَذَ سَالِمُ الْحَصَى فَحَصَبَهُ؛ ا. هـ.
كيف ذلك؟ وإن كان صحيحًا، فلماذا يوجد مؤمنون وكافرون ولماذا هذا التفريق، وهذا الصراع بين الكفر والإيمان، طالما أن هناك علم أزلي بمن يدخل الجنة ومن يدخل النار؟
والجواب بما يلي..
(1) أن المؤمن يؤمن بما أخبر به ربه في كتابه وبما أخبر نبيه صلّى الله عليه وسلّم، ومما أمرنا أن نؤمن به، القدر، الذي كتبه الله عزّ وجلّ، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة، كما جاء في حديث:
(م 2655) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: " كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ"، فهذا أمر واجب الإيمان به ابتداءً.
(2) السكوت عن الخوض فيه، وفي مجرياته، وكيفيته، هو الأسلم لقلب المؤمن، فالمؤمن لا يهمه سوى رضا ربه، سواء كان كتب عليه خير أم شر، وسيأتي معنا في حديث معاذ وغيره عن النبي صلّى الله عليه وسلّم " مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا، قَالَ: إِذًا يَتَّكِلُوا "، فلا ينبغي أن يتكل المؤمن على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، بل لابد أن يعمل ويعمل، والمراء والجدال في أمور القدر يؤذي القلب، وقد كان السلف يدخلون أصابعهم في آذانهم إن سمعوا أحدا يتكلم ويماري في القدر ويقولون "إن القلب ضعيف"، وكانوا لا يخوضون في جدل مع من يقول أن لا قدر، لضعف القلب الذي ربما يفتن بشبهة فيصبح إيمانهم معرض للخطر، أو ربما سمع هذه المناظرات من لا علم ولا إيمان قوي عنده، فيفتن، لذلك يحذر في هذه الآونة من أن تقام مناظرات على الهواء مباشرة في القنوات الفضائية بين أناس من طلبة العلم وأهل البدع والإلحاد، فيفتنون الناس في دينهم لاختلافهم وضياع الحجة في كلامهم، والمستفيد من ذلك القناة من أرباح الإعلانات وهوى النفس وحب الشهرة عند من يريد أن يظهر ظنا منه أنه سيقيم الحجة على صاحبه، فيكون الأمر معلق بين الهوى والشهرة والتجارة، ولا وجه فيه للحق البتة، فلا يستفيد الناس سوى الفتنة في دينهم، وزيادة حيرتهم في معرفة الحق.
(3) أما عن البعد العقلي أو المنطقي في ذلك، فليس هناك أي تعارض بين الآيات الدالة على كتابة القدر وانتهاء علم الله في الناس، وكذلك الأحاديث، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا في:
(خ 3207، م 2645) " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ".
كيف؟
حسم الله عزّ وجلّ في كتابة في آيات فذة في سورة الأنعام أي شبهة تعارض، فقال جلّ جلاله ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الأنعام: 148، 149].
وهذه الآية هي نفس حجة من يقول، أنا اسرق بقدر الله، وأزني بقدر الله، وأكفر بقدر الله، فلما يعذبني؟، فالمشركون قالوها "لو شاء الله ما أشركنا" يحتجون بالقدر على شركهم، وذنوبهم، فأفحمهم القرآن بالحجة الدامغة البالغة التي هي حجة على كل من استعمل القدر حجه في ارتكاب المعاصي والآثام فقال لهم الله:" هل عندكم من علم فتخرجوه لنا".. يعني من أين علمتم أنه كتب عليكم الزنى أو الكفر أو كذا أو كذا.. حتى ترتكبوه؟!
إن كنتم علمتم أن القدر مكتوب فيه أنكم ستفعلون ذلك فافعلوا ما شئتم.. ولكنكم كاذبون ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ﴾ [الأنعام: 116] فقط تظنون أن الله قد كتب عليكم ذلك، فأخرجوا للناس ولله هذا القدر الذي علمتموه مسبقا!
وهذه "الحجة البالغة" الحسن والقوة، فلو شاء لهداكم أجمعين، يعني أنه سبحانه بين لكم الخير والشر، والحلال والحرام، لتجتنبوا ذا وتعملوا ذا، فأنتم مأمورون بالعمل، لأنكم لا تعلمون ما كتب الله لكم، أتكفرون أم تؤمنون، فوجب أن تبذلوا قصارى جهدكم وتخلصوا العمل له سبحانه، لأنكم لا تدركون بعلمكم القاصر مآل أمركم، بل إن القدر لا يعلمه إلا الله سبحانه.. ومثل ذلك، مثل رجل أوقف رجلا على باب دار بها دهاليز وسراديب، وقال له ادخل الدار واعلم أنه ليس بها إلا طريق واحد للنجاة، فاسعى واجتهد كي تصل إلى الباب الآخر الذي ينجيك، فهل من العقل أن يجلس هذا الداخل إلى الدار لا يتحرك ولا يبحث عن طريق النجاة.. أم هل من العقل أن يدخل ليلهو داخل الدهاليز والسراديب غير مكترث أينجو أم لا ويقول "الرجل يعلم إن كنت سأنجو أم لا فلما البحث عن طريق النجاة؟!" فهذا لا يعد إلا من الحمق والغباوة، وترك السعي لمرضاة الله لا يؤدي إلا لهلكة صاحبه، ولله المثل الأعلى.
يتبع


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 31-05-2015, 06:54 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

فردوس الإيمان (2)




محمود بن أحمد أبو مسلّم

7- ذكر ما يدلّ على أن من الإيمان أن يؤمن بالبعث بعد الموت.
حديث جبريل المتقدّم.
(شرح) وهذا من لفظ الحديث السابق، وبالطبع الإيمان باليوم الآخر من لوازمه الإيمان بالبعث بعد الموت.
8- ذكر ما يدلّ على أن من الإيمان أن يؤمن العبد بأن لله جنة ونارًا.
حديث جبريل المتقدّم.
(شرح) وهذا من لفظ آخر للحديث " أن تؤمن بالله وملائكته والجنة والنار والبعث بعد الموت والقدر كلّه "[4]، وأيضا من لوازم الإيمان باليوم الآخر أن تؤمن بالجنّة والنار.
نذكر هنا ما جاء في الباب رقم (57) لتعلقها بهذه الأبواب أكثر وهي:
ذكر الْخِصَالِ الَّتِي سَأَلَ جِبْرِيلُ الْمُصْطَفَى صلّى الله عليه وسلّم مِمَّا تَقَدَّمَ وَزِيَادَةُ الأَلْفَاظِ الَّتِي أَورَدَهَا النَّاقِلُونَ لَهَا.
وأورد المصنف فيها بعض زيادات حديث جبريل من حديث عمر بن الخطاب المتقدّم، وحديث أبي هريرة الآتي وهي:
" وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ".
" وَيُؤْمِنُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْمِيزَانِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ ".
" الإِسْلامُ أَنْ تُسْلِمَ وَجْهَكَ لِلَّهِ وَذكرا فِيهِ وَتُؤْمِنُ بِالْحِسَابِ ".
ومن حديث أبي هريرة الآتي رقم (2) " وَتُؤْمِنُ بِالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ".
ثمّ قال المصنف بعدها " وَهَذِهِ الْخِصَالُ تَقَدَّمَ ذكرهَا، وَيُسْتَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ا.هـ.
9- ذكر ما يدلّ على أن من الإيمان أن يعتقد العبد لقاء ربّه عزّ وجلّ (2) (خ 50، م 13) عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة[5] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لأَصْحَابِهِ: " سَلُونِي "، فَهَابُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَجَلَسَ عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الإِسْلامُ؟ قَالَ: "لا تُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ "، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ "، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: " أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ "، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا، إِذَا رَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَلِدُ رَبَّهَا فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الصُّمَّ الْبُكْمَ مُلُوكَ الأَرْضِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَ رُعَاةَ الْبَهْمِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا فِي خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا اللَّهُ "، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ (لقمان 34)، ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "رُدُّوهُ عَلَيَّ"، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " هَذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَرَادَ أَنْ تَعْلَمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا ".
(شرح) وهذا الاعتقاد إنما هو للمسلم الموحّد الذي سيلقى ربّه ويراه في الآخرة كما هو معتقد أهل السنة والجماعة، وليس ذلك للكافر، ومما يدلّ على ذلك من السنة ما جاء في الصحيحين (خ 2441، م 2771) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: " بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ، فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ فِي النَّجْوَى، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ: الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ "، وسيأتي فيما بعد أبواب تتعلق برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة.
10- ذكر وجوب النيّة للإسلام والإيمان بالله وحده لا شريك له.
(3) (خ 1، م 1910) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ[6]، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ".
(شرح) قد يشكل هذا، فالإسلام، كعمل للجوارح، لا شكّ أنه يفتقر للنية وهي محلّها القلب، أما الإيمان فمحله القلب أصلا فكيف يفتقر إلى نية، والجواب أن النيّة للإيمان بالله وملائكته ورسله.. نية احتساب الثواب والجزاء لا نية التوجه والقصد والتوحيد، فهذا لازم للإيمان، ويدلّ على هذا أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى ذكر مثل هذه الترجمة في صحيحه ولكن بشكل أوضح وأحسن فقال في كتاب الإيمان، باب رقم 41: ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة، ولكلّ أمرئ ما نوى. فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحجّ والصوم والأحكام. وقال الله تعالى ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ [الإسراء: 84]: على نيته، ونفقة الرجل - يحتسبها- صدقة. وقال: ولكن جهاد ونية؛ ا. هـ.
فدل قول البخاري "إن الأعمال بالنية والحسبة" أي يحتسب أجر ما يؤمن به، وأجر ما يعمل به من أجل إيمانه، كأعمال الصلاة، والزكاة، والصوم، وغيرها.
11- ذكر ما يدل على أنّ أعلا الإيمان التي دعا إليها وأوّلها شهادة أن لا إله إلا الله.
(4) (خ 53، م 18) عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ[7] يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ، قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتُوا النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " مَنِ الْقَوْمُ؟ " أَوْ قَالَ: " مَنِ الْوَفْدُ؟ " قَالُوا: رَبِيعَةُ، قَالَ: " مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ "، أَوْ قَالَ: " بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلا نَدَامَى "، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلا فِي الأَشْهُرِ الْحَرَامِ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، " فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعِ: أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ يُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ "، وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ، فَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ[8]، وَالدُّبَّاءِ[9]، وَالْمُزَفَّتِ[10]، وَرُبَّمَا قَالَ: النَّقِيرِ[11] أَوِ الْمُقَيَّرِ، وَقَالَ: " احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ ".
وفي رواية " قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ أَرْضَنَا أَرْضٌ كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا وَلا تَبْقَى بِهَا الأَسْقِيَةُ، قَالَ: " وَإِنْ أَكَلَهَا الْجِرْذَانُ ثَلاثًا "، وَأُتِيَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم بِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ، قَالَ: " إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ ".
وفي رواية " قَالُوا: فَفِيمَ الشَّرَابُ؟ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالأَسْقِيَةِ الأُدُمِ الَّتِي يُلاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا ".
(شرح) هذا استدلال من المصنف بالاستنباط ولم يُذكر صريحا في الرواية أنه أعلا الإيمان، إذ لما فسر النبي صلّى الله عليه وسلّم الإيمان بالله بدأ بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فدل على أنه أعلا وأرفع الإيمان، وأصرح منه حديث أبي هريرة في الصحيح " قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ، بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ "، ولفظ أعلاها جاء صريحا في رواية أحمد في المسند[12].
ومن فوائد الرواية الفقهية أن الجرذان والفئران لا تنجس الأوعية والأسقية إن أكلتها.
وقوله عليه الصلاة والسلام "وأن يعطوا الخمس من المغنم" يعني إن قاتلوا أحدا من أحياء الكفر، وكان مثل ذلك معتادا بين قبائل العرب، أن يبعثوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم بخمس الغنيمة لقول الله تعالى ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [الأنفال: 41].
ومن الفوائد أيضا، حب ربنا سبحانه لخصلتي الحلم والأناة، وهو التريث والتمهل، وجاء في رواية (د 5225) " يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمْ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ".
والحلم، والأناة، إما أن يكون جبلي، يعني جبل عليها الشخص، كما جبل عليهما أشجّ في هذا الحديث، أو أن يتمرن ويعود المؤمن نفسه عليهما برياضة النفس وإرغامها عليهما، وكذا ينبغي أن يفعل المؤمن مع كل خلق حسن جاء الشرع بتحسينه، أن يدرب نفسه ويروضها عليها إن لم تكن فيه، فحسن الخلق أثقل ما في ميزان المؤمن يوم القيامة، فلزم له أن يحرص على ما ينفعه، ويعود نفسه عليه وإن كرهت نفسه ذلك.
12- ذكر قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لوفد عبد القيس أتدرون ما الإيمان؟
ثم فسّرها لهم فقال شهادة أن لا إله إلا الله.
حديث ابن عباس المتقدّم.
(شرح) هذا الحديث وهذه الترجمة من أدلة المصنف على أن اسم الإيمان يطلق على الإسلام والعكس، إذ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسّر الإيمان بالشهادة، وإقام الصلاة.. إلخ.
13- ذكر ما بعث الله عزّ وجلّ به رسوله عليه السلام إلى عباده ليدعوهم إليه وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
(5) (خ 1400، م21) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالا[13] كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.
(6) (خ 25، م25) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عزّ وجلّ ".
(7) (م 24) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ[14]، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عزّ وجلّ ثُمَّ تَلا: ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ ﴾ [الغاشية: 22، 23]".
14- ذكر بيان حق الله عز وجلّ على عباده بعد شهادة أن لا إله إلا الله (8) (خ 393) َعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ[15]، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتَنَا، وَأَكَلُوا ذَبِيحَتَنَا، وَصَلُّوا صَلاتَنَا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلا بِحَقِّهَا، لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ "، وفي رواية " أمرت أن أقاتل المشركين ".
(شرح) يستنكر بعض "المثقفين" أو من يعرفون "بالمفكرين" هذه الأحاديث، وقد ضعفها بعضهم جهلا أو لهوى، وهي أحاديث معناها قد يصل لدرجة التواتر، ظنا منهم أنها تتعارض مع سماحة الدين ورحمته بالناس، وأنها تنافي مقاصد الشريعة في حرية الناس في اختيار عقائدهم، والرد على هذا الكلام من وجوه:
الأول: أن الأنبياء صلوات الله عليهم بعثوا رحمة للناس، بعثوا بالإسلام والتوحيد، فكان منهم من أمر بالقتال ومنهم من لم يؤمر بذلك، وكان محمد صلّى الله عليه وسلّم، ممن أمروا بقتال المشركين وسمي قتاله "جهاد في سبيل الله" لأنه ينفق الغالي والنفيس من الأموال والأنفس في سبيل تحقيق الغاية منه وهي "الدعوة"، والفهم المغلوط لقضية الجهاد عند البعض هي التي دفعت هؤلاء المفكرين ومن قبلهم المستشرقين لإنكار أحاديث القتال وتأويل آيات السيف بما لا يناسب معناها، أو باختزالهما في طائفة معينة وهي "مشركو العرب"، وكأن ما فعله الخلفاء ومن بعدهم من قتال للكافرين في أنحاء الأرض كان فهما خاطئًا لمراد الله ورسوله في هذا الباب!!.
والحق.. كما ذكرت، أنهم أساءوا الفهم، فأساءوا الحكم، لأن الجهاد الذي بعث به النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا الوجه.
الثاني: ليس ال*** والسبي هو المقصود منه، وإنما يأتي ذلك تبعًا، لا قصدًا، والقصد من الجهاد هو الدعوة، وإعلاء كلمة الله وحكم شريعته، على أي حكم آخر، ولو كان "ال***" هو المقصود، ل*** المسلمون كل كافر في المعركة، بعد أن يهزموهم، ولفعلوا ما يسمى في الدولة الحديثة الآن "جرائم حرب" و*** جماعي للأسرى، وهذا شيء لم يحدث قط في التاريخ الإسلامي، بل لم يعرف التاريخ فتوحات وقتال أقل إهراقا للدماء كفتوحات المسلمين لبلاد غير المسلمين، فالمسلمون إنما يدعون الناس قبل القتال للإسلام، فإن أبوا، طالبوهم بالجزية وأقروهم على ما هم عليه من ديانة، خاصة لو كانوا هودا أو نصارى، فإن أبوا قاتلوهم، ولهم في ذلك خلق، فلا يقربوا طفلا ولا غلاما غير مقاتل، ولا يقربوا امرأة، ولا شيخا، ولا راهب في صومعته، ولا يحرقوا خيرات البلاد من زرع ونحوه، فإن انتصروا عليهم أخضعوهم لحكم الإسلام، ولم يستأصلوا شأفتهم، بل يأسرون منهم فإما منا بعد وإما فداء، ولا ت*** الأسرى إلا إن *** أسارى المسلمين، ويسبون، الذرية والأموال، وهذه هي المرحلة الأخيرة، بعد رفض الدعوة، ورفض الجزية، والمشاهد للواقع الآن يجد دولة كأمريكا، تسبي وت*** الأطفال، وتغتصب النساء، وتسيطر على مقدرات الناس، من بترول ومناجم وزراعات وغيرها، بل قد تبيد الآلاف بدعوى نشر الديموقراطية، ومع ذلك لا يحرك هؤلاء المفكرين ساكنًا تجاه ما يحدث!
يتبع
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 31-05-2015, 06:55 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

فردوس الإيمان (2)




محمود بن أحمد أبو مسلّم



الوجه الثالث: فكان الجهاد أصلا، مثله كمثل تأديب الولد، وتربيته، وإلزامه بما ينفعه، لأن الإسلام دين الحق، ومن مات على غير ملة الإسلام، لم يقبل منه في الآخرة، وليس له إلا النار خالدا فيها، فكان التقويم للناس بالدعوة، باللسان، وبالمال، لمن قد يتألف قلبه بالمال لينطق كلمة التوحيد، وبالنصيحة، فإن أبت دولة هذه الدعوة، أقررناهم على ما هم عليهم، شريطة أن يدفعوا لنا جزية، مقابل الحفاظ على أرواحهم، والخضوع لحكم الله، لإعلاء كلمته سبحانه، لأنهم رفضوا العيش في عز الإسلام، وأبوا إلا أن يكونوا كفرة بالله الذي خلقهم ورزقهم، فكان تأديب الله لهم، أن يدفعوا الجزية وهم صاغرون، فربما يرجعون إلى رشدهم وهم في هذه الحالة من الشعور بالصغار، وتكون فرصة لإعادة التفكير في موقفهم، وحالهم الحقيقي، فإن أبوا إلا الكبر، وأرادوا كسر شوكة المسلمين، وإعلاء كلمتهم فوق كلمة رب العالمين، لم يكن لهم إلا السيف رادعا، والسبي والأسر عقابا، فالقصد من الجهاد أو القتال في هذه الأحاديث إذا، هو نشر التوحيد، وإدخال الناس في دين الإسلام، لإنقاذهم من النار، وإن كان ذلك بالقوة، ألا ترى أبا يضرب ولده لتأديبه، خوفا عليه من التمادي في خطئه، الذي قد يسبب له ما لا يحتمل من تبعات هذا الخطأ؟ فالذي يؤمن بهذا الدين يحب لغيره من غير المسلمين الدخول فيه، ويحب أن ينقذهم من النار، وهذا معنى أنه صلّى الله عليه وسلّم بعث "رحمة" للعالمين، يعني يرحم الله به أهل الأرض، بإدخالهم في الإسلام، لينجيهم من النار، فإقحام العقل في مثل هذه النصوص، على أنها تخالف رحمة دين الإسلام، قلنا له بل إن فهمك أنت قاصر عن إدراك الحكمة من هذه المعاني، وأن الرحمة تتحقق بأي وسيلة، فيها صلاح المرحوم، حتى وإن كانت قاسية، وهذا معلوم مشاهد بين الناس، كل يوم، فترى الأم وهي تضرب أو توبخ ولدها بكلّ قسوة، رحمة به من إقحام نفسه في شجار قد يودي بحياته، أو سفر قد يهلك فيه، بل إن الوحش من الحيوان يقسو على ولده فلا يطعمه وقد لا يتركه يأكل من صيده، ويتركه يتعلم الصيد بنفسه، رحمة به، كي يستطيع يطعم نفسه ليتعلم كيف يعيش وسط الأحراش، وقد قيل: ومن يك حازمًا فليقس أحيانًا على من يرحم.

الوجه الرابع: أن فهم الجهاد على وجه ال*** والقتال وإذلال الكافرين إنما هو وجه من وجوهه، حين يكون الجهاد جهاد دفع، أو حين يكون الكافرين المقاتلين ممن عرفوا بالشدة على الإسلام والمسلمين، فها هنا يطلب ***هم وإذلالهم، كما قال تعالى في سورة التوبة ﴿ أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 13، 15]، فكذا، وأما جهاد الطلب فالنية فيه ما جاء في حديث معاذ المشهور:
كما في (خ 1458) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْيَمَنِ، قَالَ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ".

وفي (م 1733) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم " إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا؟ "، فالناظر في أمر الله عباده بالجهاد في سبيله يجده أمرا عجبا، فهو إصلاح للطالب والمطلوب، فالمجاهد يبذل ماله ونفسه في مرضاة ربه، فإما أن يلقى ربّه شهيدا، حيا عنده يرزق، وإما أن تتهذب نفسه وتسمو وترقى بالإيمان، فالجهاد مثله مثل الصلاة والإنفاق وشرائع الدين التي تزيد من إيمان المسلم وتحافظ عليه، وكلما ازداد حبا لأدائها ازداد إيمانا وقربا من الله، والمطلوب في المقابل حين يسلم ويدخل في التوحيد، ينقذه الله من النار، ويجعله من أهل الكرامة، بعد أن كان من أهل الندامة، فسبحان الذي يسخر عباده في مرضاته لهداية عباده، فيدفع بعضهم ببعض، ويبتلي بعضهم ببعض، فيرحم من يشاء ويعذب من يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء ويفعل ما شاء.. لا إله إلا هو، له الحكم وإليه يرجعون.

الوجه الخامس: وهو فيما يتعلق بقولهم أن الإنسان "إذا شاء فليؤمن وإذا شاء فليكفر"، وأنه "لا إكراه في الدين"، والجواب، أن هذا خلط للأحكام وسوء فهم، لأن الجهاد ليس الغرض منه "إكراه" الناس على قول لا إله إلا الله، بل الدعوة، وقد تقدم الكلام على ذلك، والدعوة ليس معناها الإكراه، كما هو مفهوم، وقد بينا أن المسلمين بعد أن يعرضوا الإسلام، فيأبي المشركون. فإما الجزية وإما القتال بعد ذلك! فلا وجه للكلام على الإكراه أصلا، اما مسألة من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فالأمر مختلف بعض الشيء، لأن هذا الخطاب، في آية الكهف، ليس هو للمسلمين ابتداء إنما هو موجه للكافرين، وهو خطاب على سبيل التهديد والوعيد الشديدين، وليس على سبيل التخيير، بدليل ما بعدها ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29]، فالكافر المفترض أن يدخل الإسلام عن قناعة، فإذا دخل التزم بأحكام الإسلام وعلم أنه إن كفر وارتد ***.

فالإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه، لكنه لا يسمح لأحد بالخروج منه كيف شاء، بل يستتاب، وإلا ***، وسنعرض لمسألة الردة وما فيها إن شاء الله فيما بعد.



15- ذكر قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم " من علم أن لا إله إلا الله دخل الجنّة "

(9) (م 28) عن حمران، قال سَمِعْتُ عُثْمَانَ[16]، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: " مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ".


(شرح) سيأتي أن هذا العلم، وقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، لابد أن يصحبه العمل المفروض "الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج والعمرة"، فهو من لازم الشهادتين، ومن لم يأت بالعمل لم يصح إيمانه.


16- ذكر قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله "

(10) (م 25) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ أَبِيهِ[17]، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: " مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حُرِّمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عزّ وجلّ "، وفي لفظ " مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ".


(شرح) وهذا من لوازم شهادة التوحيد، أن تكفر بما يُعبد من دون الله عز وجلّ، ولا يقتصر معنى الكفر بما يُعبد من دون الله على الأصنام والنجوم والحيوانات كما يظن كثير من الناس في هذا العصر، ومعنى العبادة أوسع من السجود للصنم والحيوان، بل عبادة غير الله سبحانه تتمثل في كل طاعة "لمخلوق" سحب على نفسه صفة من صفات الألوهية (كالطاعة في الباطل، السجود له، الالتزام بتقديم أموال له...) أو "حكم" (دستور، قانون، ميثاق، عرف، معاهدة... إلخ) يصطدم ويخالف شريعة الله عزّ وجلّ، والأدلة على ذلك كثيرة، قال تعالى ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 21].

وقال سبحانه ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256] وقال سبحانه في سورة المائدة ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 48 - 50].

وقال إبراهيم لقومه ﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 66، 67].

والآيات كثيرة، والمطلوب، أنه وجب على المؤمن أن يخضع لخالقه في كلّ أمره، ومن الخضوع للخالق الالتزام بحكمه، وعدم مخالفة أمره، وحب شريعته، والرضا بها، وبحكمها، وبنفاذها فيه، وإن خالفت هواه، إذ كيف يعبد الإنسان من خلقه، دون أن يطيع أمره ويجتنب نهيه، ويحب ما أنزل من شرع، فالعبادة تقتضي كل ذلك، وأي تقصير فيما سبق فهو تقصير في عبادة الخالق سبحانه، والله تعالى أعلم، ويهدي من يشاء إلى سواء الصراط.

يتبع..


[1] هو عبدالله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن، أسلم وهو صغير لم يبلغ الحلم، وكان من أهل العلم والورع، وشديد التحري والإتباع لآثار النبي صلّى الله عليه وسلّم، عاش في الإسلام ستين سنة ورث فيها علما نافعا جما، توفي سنة 73 من الهجرة رضي الله عنه وعن أبيه

[2] أحطنا به وجلسنا بجانبه.

[3] أي مستأنف مبتدأ لم يسبقه علم الله، تعالى الله عن ذلك، وهو قول غلاة القدرية وبعض الروافض.

[4] زيادة صحيحة.

[5] أبو هريرة الدوسي، اختلف في اسمه اختلافًا كبيرًا، وقيل اسمه في الجاهلية عبد شمس، وفي الإسلام عبد الله أو عبد الرحمن، فالله أعلم، أسلم عام خيبر وشهدها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم لزم رسول الله رغبة في العلم والسماع منه راضيًا بشبع بطنه فقط، فكان يدور معه حيث دار، فكان من أحفظ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لحديثه، فكان الصحابة يشتغلون بالتجارة والزراعة، وكان أبو هريرة لازما لرسول الله، فشهد له النبي أنه كان حريصا على العلم والحديث، وقال له: يا رسول الله، إني قد سمعت منك حديثًا كثيرًا وأنا أخشى أن أنسى، فقال: "ابسط رداءك"، قال فبسطته فغرف بيده ثم قال: ضمه، فضممته فما نسيت شيئًا بعده، لذلك هو راوية الإسلام، وأكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم رواية للحديث، توفي بالمدينة سنة 57 أو 58 أو 59 هجرية، رضي الله عنه وأرضاه.

[6] عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء، وهو بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي، أبو حفص، أسلم بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة، فكان إسلامه عز أظهر الله به الإسلام بدعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم له، وتوفي رسول الله وهو عنه راض، وهو من المبشرين بالجنة، بويع له بالخلافة يوم مات أبو بكر سنة 13 هجري، فسار بأحسن سيرة، وأنزل نفسه من مال الله بمنزلة رجل من الناس، وفتح الله له الفتوح بالشام والعراق ومصر، وهو أول من تسمى بأمير المؤمنين، نزل القرآن بموافقة رأيه في مواضع، فقد كان من محدثي الأمة الذي أجرى الله الحق على لسانهم، مناقبه ومواقفه كثيرة جدا، وقد كان الصحابة يرون أن عمر ذهب بتسعة أعشار العلم، *** شهيدا على يد أبي لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة سنة 23 هـ.

[7] هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف، القرشي الهاشمي، أبو العباس، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة إذ توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دعا له النبي صلّى الله عليه وسلّم بالحكمة وكان عمر بن الخطاب، يحبه، ويدنيه، ويشاور، مع أجلة الصحابة، وكان عمر يقول: ابن عباس فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول، وكان من أعلم الناس بكتاب الله وتفسيره، فكان يلقب بترجمان القرآن، عمي في آخر عمره، توفي سنة 68 هـ، وهو في السبعين، فرضي الله عنه وعن أبيه.

[8] نوع من الجرار يصنع من الفخار أو الزجاج يطلى ليصنع فيه الخمر.

[9] معروف وهو القرع كانوا يصنعون فيه الخمر أيضًا.

[10] ما طلي من الأوعية بالزفت ليسرع عملية التخمير.

[11] ما حفر في جذع الشجر ثم يطلى بالقار ليغلي فيه التمر والزبيب ليكون خمرًا.

[12] المسند حديث 8913

[13] الحبل الذي تشد به وتعقل الناقة أو الشاة، وفي رواية "عناقا" وهي الشاة الصغيرة.

[14] جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، من بني سلمة، شهد بيعة العقبة الثانية، وشهد تسع عشرة غزوة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان من المكثرين الحفاظ للسنن، وكف بصره في آخر عمره، وتفي سنة 74 أو 77 أو 78 وهو ابن أربع وتسعين سنة، رضي الله عنه وأرضاه.

[15] هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الأنصاري، خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قدم رسول الله المدينة وهو ابن عشر سنين، وتوفي وهو ابن عشرين سنة، دعا له النبي صلى الله عليه وسلّم بالبركة في العمر والمال والولد، فمات وهو من أكثر الأنصار مالا وولدا يقال قدم مئة من الولد والأحفاد قبل أن يموت، ومات وقيل عاش مئة وسبع سنين، وقيل أقل من ذلك، توفي سنة 91 أو 92 أو 93 من الهجرة، رضي الله عنه وأرضاه.

[16] ذو النورين، أمير المؤمنين، عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، يكنى أبا عبد الله وأبا عمرو، هاجر إلى الحبشة، ولم يشهد بدرا ليمرض زوجته رقية بنت رسول الله، وقيل كان مريضا به الجدري، وضرب له رسول الله سهما من سهام بدر، مناقبه كثيرة، حاصره الخوارج سنة خمس وثلاثين من الهجرة، وأبى أن يقاتل عنه أحد، وصبر رضي الله عنه على الظلم، وعلى حصار الخوارج له، كما أمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرضي الله عنه وأرضاه.

[17] هو طارق بن أشيم بن مسعود الأشجعي، كوفي، ذكر في الصحابة.


رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 03:32 PM.