اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

  #1  
قديم 27-05-2015, 10:51 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 60
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي الدين والعلم: تكامل أم تضاد؟

الدين والعلم: تكامل أم تضاد؟




د. مولاي المصطفى البرجاوي





تنزلُ علينا مقالات تَتْرَى تحاول إحداثَ شرْخٍ عميقٍ بين الدين والعلم، كأنَّ الدين الإسلامي - على حدِّ تعبير العلمانيين - هو المعَرْقِل لمسيرة الأُمة؛ وذلك بدعوتهم للتخلُّص من قيود الميتافيزيقا والغيْبيَّات، والأخْذ بالمنهج العِلْمي الذي لا يقرُّ إلا ما تثبتُه التجاربُ العلميَّة، وقد سبقَ لي أن توقفتُ عند مقالات متعددة في هذا المجال والتي تحاولُ اختزالَ تخلُّف البُلدان العربيَّة والإسلاميَّة في الركون إلى الغيبيَّات، وكأنَّ الإسلامَ يقفُ حجرَ عثْرة وعقبة كَأْدَاء أمام مُسايرة البُلدان المتقدمة؛ يقول الدكتور أحمد أبو زايد: "فالتفكير العلمي يتميَّز بالعقلانيَّة والمنطق الواقعي الذي يرتفعُ عن مستوى الخُرافات التي تؤلَّف جانبًا، لا يُسْتهان به من التراث الثقافي - يَقْصد الإسلام تَوْرِيَةً - لدى كلِّ الشعوب، بما في ذلك التراث الثقافي العربي؛ أي: إنَّ التفكير العِلْمي يقومُ على المواجهة المباشرة مع الواقع وفَهْم الأمور، كما تتمثل للواقع الواعي المدْرِك لأبعاد الحقيقة العيانية، والتي يمكن البرْهَنَة عليها بالأدلَّة والحُجج المقبولة عقْلاً، مع توخِّي عدم الخلْطِ بين النظرة العقلانيَّة الواعية للأشياء، والأفكار والتخيُّلات التي تفتقرُ إلى الدليل، كأنْ تُردّ حالاتُ الأعاصير والفيضانات المدمِّرة إلى غضب الله"[1].

يمكن الردُّ على مثْل هذه الأفكار في النقط التالية:
الأولى: أنَّ الإسلام لم ولنْ يكون في يومٍ من الأيام بابًا موصودًا في وجْه العِلْم، بل حثَّ على ذلك في مواضع كثيرة من الكتاب والسُّنَّة؛ إذ يدعو صراحة إلى طلب العِلم، ولم يقتصرْ على طلب العلوم الشرعيَّة فقط، بل العلوم الدنيويَّة.

ومن الحث الشديد على ذلك: تأْثَمُ الأُمة إنْ لم يوجدْ مَن يقوم بهذه المهمة؛ كما تعلَّمْنَا من علمائنا الأجِلاَّء.

ذلك أنَّ الإسلام دينُ علومِ الحياة ما لم تُخِلّ بالشرع الحنيف؛ طبقًا للقاعدة الفقهيَّة: "الأصل في المعاملات الإباحة حتى يَرِدَ المنعُ".

ومن هذه العلوم الدنيويَّة على سبيل المثال لا الحصْر: عِلم البيولوجيا يظهر في قوله - تعالى -: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴾ [الطارق: 5 - 7].

وعِلم المناخ؛ لقوله - سبحانه -: ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الروم: 48].

أضفْ إلى ذلك اهتمام الإسلام بالاقتصاد والاجتماع البشري والعمران؛ "الهندسة المعماريَّة".

النقطة الثانية: وهي المتمثِّلة في محاولة تحييد الدين عن الكوارث؛ من أعاصير وزلازل، واعتبارها ظاهرة كونيَّة لا علاقةَ لها بغضب الله، هذه النقطة التي أفحمَ فيها علماءُ الإسلام، وخاصة المهتمُّون بالإعجاز العِلمي بأدلة علميَّة وشرعيَّة في الردِّ على مثل هؤلاء، وإلا كيفَ نفسِّر قولَ الله - تعالى -: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ﴾ [الطلاق: 8].

النقطة الثالثة: أنَّ مشكلة التعارُض بين الدين والعلم، إنما نشأتْ في أوروبا بعيدة عن الجو الإسلامي، إنها تصور نزاعًا في بيئة بعيدة كل البُعد عن الروح الإسلاميَّة التي حثَّت الإنسانيَّة على التعليم والتعلُّم، والتي نشأ المنهجُ العلمي - الذي يعتبرونه حديثًا - بين ربوعها قديمًا بقِدَمِها، والتي أنشأتْ على أساس من هذا المنهج حضارة ضخْمة، لا تزال تكشفُ كلَّ يومٍ الكثيرَ من أنحائها العميقة.

ولا ننسى - ومن باب الإنصاف - أن نذكرَ خَطَرَ الانفصام النَّكد على الأُمة الإسلاميَّة في فترات تاريخيَّة، الذي حدثَ بين العلماء والفُقهاء والمفكِّرين من جِهة، وبين الحُكَّام والأمراء والولاة من جهة أخرى، أعني بين القيادة الفكريَّة والقيادة السياسيَّة - وهذا ما يلاحظ حاليًّا في أغلبِ بلدان العالم الإسلامي - التي مالتْ إلى العامة والغوغاء ترتضيها وتستقطبُ ودَّها، وتريدُ أن تجعلَ كافَّة القُوى تطيعها وتخدمُ مصالحها مَهْمَا كان موقعُها في المجتمع ومركزها في النسيج الاجتماعي للأُمة؛ مما جَعَلَ المفكرين والعلماء وذَوِي الرأْي والمشورة وأهل الحَلِّ والعَقْد ينكفِئون على أنفسهم، ويبتعدون عن مراكز التوجيه والتأثير في الأفراد والجماعات، بعد أن حاصرتهم القيادة السياسيَّة، وضيَّقتْ عليهم الخِناق لَمَّا امتنعوا عن موالاتها ومسايرتها في بعض اختياراتهم السياسيَّة والاجتماعيَّة والتشريعيَّة، والكلُّ يعرف ما أصابَ أعلامَ الفكر وأئمة الاجتهاد من أذًى وإذْلال، ومضايقة و*****، ويكفي أن نذكرَ الإمامَ مالك المتوفَّى سنة 179هـ - 795م، حتى شُلَّتْ يدُه؛ لعدم إجازة طلاق المكْرَه، وما تعرَّض له إمامُ أهْل السُّنَّة أحمد بن حنبل من *****ٍ بعد رفْضِه لفكرة خَلْق القرآن، وهربَ الإمام الشافعي - رحمه الله - من بغداد إلى مصر خوفًا من الحُكَّام ورجال السلطة، كما اتُّهِمَ شيخُ الإسلام[2] - رحمه الله - ابن تيميَّة في عقيدته، وأفْتى خصومُه من أنصار السلطان بقتْله، وقد عُذِّبَ وحُبِسَ في قلعة "دمشق"، حيث مات محبوسًا سنة 728هـ.

النقطة الرابعة: ما ذكره الغربيُّون أنفسُهم عن قيمة الإسلام كدينٍ جَمَعَ بين الدين والعلم؛ يقول المفكِّر هورتن: "في الإسلام وحدَه تجدُ اتحادَ الدين والعلم؛ فهو الدين الوحيد الذي يوحِّد بينهما، فتجدُ فيه الدين ماثلاً متمكِّنًا في دائرة العلم، وترى وِجْهة الفلسفة ووِجْهة العِلْم متعانقتين؛ فهُما واحدة لا اثنتان".

ويقول إتيان دينيه: "إنَّ العقيدة الإسلاميَّة لا تقفُ عقبة في سبيل الفِكْر؛ فقد يكونُ المرءُ صحيحَ الإسلام، وفي الوقت نفسِه حرَّ الفكر، ولا تقتضي حريةُ الفكر أن يكونَ المرءُ مُنْكِرًا لله، لقد رفَعَ محمد - صلى الله عليه وسلم - قدْرَ العلم إلى أعظم الدرجات، وجعلَه من أول واجبات المسلم[3].

وقد حاولَ الطبيب الفرنسي المشهور "موريس بوكاي" أن يكتشفَ تناقُضًا بين حقائق العلم وحقائق القرآن الكريم فلم يستطعْ، وقد أشارَ "بوكاي" إلى ذلك في كتابه الرصين: "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم"[4].

فكيف يمكنُ لبشرٍ عاشَ قبل 1400 سنة أن يتحدثَ في قضايا تمسُّ شتَّى العلوم، ثُمَّ لا يتناقض في مسألة واحدة، على الرغم من التبايُن الهائل بين المعطيات العلميَّة للعصور الحديثة ومعطيات العصور القديمة؟! أليس هذا خرْقًا للمألوف والعادة؟! وهل نجدُ في تاريخ البشريَّة مثالاً على ذلك غير القرآن الكريم؟! وهذا كان سببًا في إسلامه!

فالإسلام دعا إلى طلب العلم والمعرفة، والعلم هنا هو العلم النافع المرتبط بالإيمان والإخلاص لله - تعالى - وخِدْمة البشريَّة لا القضاء عليها وظلْمها واستنزافها؛ حتى لا يتحوَّل العالم أداة طيِّعَة في يدِ الطُّغاة والجبابرة؛ كما في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهمَّ إني أعوذُ بك منْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ))؛ رواه مسلم، ويقول أيضًا: ((اللهم انفعني بما علَّمْتني، وعلِّمْني ما ينفعني، وزدْني عِلْمًا))؛ رواه ابن ماجه، ويقول أيضًا: ((اللهم إني أسألك عِلمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملاً مُتَقَبَّلاً))؛ رواه ابن ماجه.

إذ لا فائدة من علمٍ هدفُه تدميرُ البشرية وقهْرُها، وتهديد مصيرِها؛ مثلاً قنبلتان حصدتْ 55 مليونًا من البشر في الحرب العالمية الثانية في "هيروشيما وناجازاكي"، أهذا هو العلم؟! ورَحِمَ الله الشاعر حافظ إبراهيم؛ إذ يقول:
وَالْعِلْمُ إِنْ لَمْ تَكْتَنِفْهُ شَمَائِلٌ
تُعْلِيهِ كَانَ مَطِيَّةَ الإِخْفَاقِ



[1] د. أحمد أبو زايد؛ "هل تقوم ثورة علميَّة في العالم العربي؟" مجلة العربي، العدد 568، مارس 2006، ص 32.

[2] عبدالحي عمور؛ "النظرية الإسلامية للعقل"، الطبعة الأولى، 1418هـ - 1998م، ص: 104 بتصرُّف.

[3] الدكتور يوسف القرضاوي؛ "الإسلام يوحِّد بين الدين والعلم".

[4] هناك أكثر من ترجمة للعنوان؛ منها:
"دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة"، موريس بوكاي، ص 13، دار المعارف، القاهرة، ط4، 1977م.
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:44 AM.