اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم (مكتوب و مسموع و مرئي)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-01-2015, 11:38 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New تفسير: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)



تفسير قول الله تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30].

القول متصل بما قبله من توبيخ الضالين عن هداية القرآن، الكافرين بآيات الله مع ظهورها ووضوحها؛ وتقبيح سوء إصرارهم على ذلك الكفر بالله وآياته مع عظيم فضله عليهم، وسوابغ نعمه في القديم والجديد.

وأنه لأَوْلَى بهم ثم أَوْلَى أن يشكروا الله ولا يكفروه، وأن يعبدوه وحدَه ولا يشركوا به شيئًا، وأن يؤمنوا بنبيه الأكرم ورسوله الصادق محمد صلى الله عليه وسلم.

فالعجب كل العجب من حال أولئك المصرِّين على كفرهم مع ظهور الآيات ووضوح المعجزات على صدقه ﴿ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ﴾ [غافر: 56]، ﴿ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [البقرة: 90].

يقول الله تعالى ذكرُه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وكما ذكَّرتهم بنعم الله وفضله عليهم: إذ وجدهم من العدم، وخلقهم من لا شيء، وأنه القادر على أن يردَّهم إلى العدم مرة ثانية، ثم يعيدهم إلى الوجود كذلك ليرجعهم إليه في موقف الحساب والجزاء، وكما ذكَّرتهم بنعم الله عليهم وفضله العظيم: إذ خلق لهم ما في الأرض جميعًا لنفعهم وخيرهم، وسوَّى السموات السبع وزيَّنها بالكواكب، وأسكنها ملائكته، وجعل في كل سماء أمرها، فكذلك ذكِّرهم بنعمته عليهم في أبيهم آدم، وما صنع الله تعالى له ومنحه من الفضل، وخصَّه من المزايا التي لم يعطِها غيرَه من الملائكة الذين كانوا يتطلَّعون إليها، ويُغبِطون آدم عليها؛ ومَن كان معهم ممن انطوى على الكبر والحسد، والظلم والبغي، وظهر بذلك الابتلاء ما كان يُضمِرُ، وبدا ما كان يُخفي، فلم يعترف بحكمة الله وعدله، ولم يَردَّ العلم إلى ربه، بل جرى في كبره وظلمه فأبى واستكبر وكان من الكافرين، ونصَّب نفسه عدوًّا لآدم وبنيه من بعدُ، إلى يوم الوقت المعلوم، وعدوًّا لربه العليم الحكيم.

هذا وإكرامُ الأب إكرامٌ للأبناء، وإن الأجدر بأبناء آدم أن يشكروا لله فضلَه عليهم وعلى أبيهم آدم، وأن يتشبَّهوا بالملائكة الذين بعد أن بيَّن الله لهم ما استحق به آدم تلك المزايا، وأن الله العليم الحكيم يتعالى ويتنزَّهُ أن يصنع شيئًا عبثًا، وأن يضع فضله في غير أهله؛ اعترفوا بقصور علمهم، وأقروا بأنهم لا علم لهم إلا ما علمهم الله العليم الحكيم، وسبَّحوا ربَّهم ونزهوه عن العبث واللعب.

ثم لمَّا أمرهم بالسجود لذلك الخليفة المكرم من ربه خرُّوا ساجدين طاعة للعليم الحكيم، وخُضعانًا وتعظيمًا لعلام الغيوب الذي يعلم ما يبدون وما يكتمون؛ على نقيض ما صنع إبليس من الحسد والإباء والاستكبار على ربه والكفر به، والإصرار على ذلك الكبر والكفر والعداوة والحرب فكان من الخاسرين، كان أَوْلَى ببني آدم ثم أَوْلَى بهم أن يتشبَّهوا بالملائكة الأطهار، الذين أكرموا آدمَ أباهم بكرامة الله، والذين سجدوا لآدم طاعةً لله.

وألا يكونوا من حزب الشيطان الذي حسد أباهم آدم؛ وحاول جاهدًا أن يَسْلبَه نعمة الله عليه وعلى بنيه، والذي نسب اللهَ إلى الظلم والخطأ والعبث؛ إذ وضع فضله فيمن خلقه من طين، ولم يجعله لمن هو خير منه (بزعمه)؛ لأنه خلق من نار، فقدَّم جهله على علم الله، وقدَّم رأيه وهواه على أمر الله؛ ونصب نفسه ندًّا لله، وعدوًّا لله، وعدوًّا لآدم وبنيه، فطُرِد من رحمة الله؛ وأُبعِدَ عن فضل الله، وجُوزِيَ من العليم الحكيم الجزاء العادل ﴿ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الأعراف: 18]، ﴿ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الحجر: 34، 35]، ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [ص: 78]، ﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: 43]، ﴿ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ص: 84، 85].

هذا، ومن العجب كل العجب، ومن الخيبة كل الخيبة: أن يتبع بنو آدم سبيل ذلك العدو المبين، ويدخلوا في حزبه الخاسرين، ويغتروا بأمانيه الكاذبة وغروره الخادع، ويتجنبوا سبيل الله المستقيم، ويبعدوا عن خيرة خلقه من الملائكة المطهرين والأنبياء المخلصين؛ فينصِّبوا أنفسهم مع إمامهم اللعين أعداءً لله رب العالمين، وخصومًا لأرحم الراحمين، ويُكذِّبوا وعده الحق على ألسنة أصدق الصادقين، وصفوة الخلق أجمعين، محمد صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه المرسلين.

ليس المقصود من سياق ذلك القصص في خلق آدم وخلق إبليس، وسياق تلك الأخبار عن الملائكة وقول الله لهم وقولهم لله - أن نعلم كيفية الخلق لهؤلاء وحقيقته؛ وأن يقصر علمنا على ذلك فحسب، فنقصر بحثنا ونقاشنا عليه، ونبذل كل مجهودنا الفكري في تلك الناحية فقط، وإنما القصد الأول في هذا القصص وغيره من قصص القرآن كله أن نعتبر بالعواقب، ونعلم النتائج، ونستفيد من مصائر ذلك، ونعرف العدو كل العداوة فنتقيه كل التقوى، ونتجنبه كل التجنب وكل ما يتصل به بأي سبب؛ ونعرف الحبيب كل المحبة ونصل أنفسنا به كل الاتصال، ونتعلق منه بكل سبب، وتأمل سياق ذلك في سورة الأعراف؛ فإن الله بعد أن ذكر شأن آدم مع الملائكة وإسجادهم له، واستكبار إبليس وكفره، وإسكان آدم وزوجه الجنة، ووسوسة عدوهما لهما حتى أكلا من الشجرة فأُهبطا منها، وقد بدت لهما سوآتهما، وذاقا من ذل معصية الله بطاعة عدوهما ما ذاقا، فنَدِما أشد الندم وأحره، ثم ألهمهما الله التوبة، فقالا: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، فتاب عليهما، ثم حذر بني آدم من ذلك العدو الموصوف لهم أحواله وأعماله، وكيده للأبوين، وكفره بربه؛ فقال: ﴿ يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ﴾ [الأعراف: 26] الآيات.

وقال في سورة الكهف: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا * مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴾ [الكهف: 50، 51]؛ أي: ما أسوق لكم على طريقة المؤرخين الذين يقصدون الإعلام بالحوادث وتواريخها وكيف وقعت، وإنما أسوق لكم ذلك لأكشف لكم عن عدوكم وعدوي؛ فلا تتخذوه وحزبه أولياء من دوني، وبئس لكم بدلاً إذا ظلمتم أنفسكم بذلك، فإنك إن تدبَّرْتَ ذلك وعقلته اتضح لك الحكمة في سوق الله لقصص خلق آدم وزوجه ما إلى ذلك مما يقصد إليه من التحذير والتخويف من العدو القديم إبليس عليه لعائن الله، فاعلم ذلك واشتغل به كل الاشتغال، ولا يخدعنَّك إبليس عنه بالبحث فيما عداه، والجري وراء ما لم تُحِطْ به علمًا، وليس هو من شأنك، وإنما هو شأن الحكيم الخبير.

ذكر الله تعالى خلق آدم وزوجه وما أنعم عليهما به في هذه السورة - سورة البقرة - وقال في سورة آل عمران: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59]، وقال في أول سورة النساء: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ [النساء: 1]، وفي سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13]، وقال في سورة الأعراف: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189]، وقال في سورة طه في المادة التي خلق منها آدم وبنوه: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55]، وقال في سورة الأعراف: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ * وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ * يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ * يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الأعراف: 11 - 36]، وقال في سورة الحجر: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ * وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾ [الحجر: 26 - 48]، وقال في سورة الإسراء: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴾ [الإسراء: 61 - 65].

وقال في سورة طه: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 115- 127]، وقال في سورة ص: ﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ * مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴾ [ص: 67 - 81].

أخبر الله تعالى ملائكته قائلاً لهم: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]، فأعلمهم بما يريد إنفاذه من قضائه في خلق آدم وذريته الذين سيُخلف بعضهم بعضًا، كما قال في سورة الأنعام: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 165]، وقال: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 14]، و﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ﴾ [يونس: 73]، وقال في سورة فاطر: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾ [فاطر: 39]، وقال في سورة الأعراف: ﴿ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129]، وفي سورة النور: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [النور: 55]، وقال في سورة هود: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [هود: 57].

فمن هذه الآيات يُفهَم معنى "خليفة" وأن المراد بها: الإشارة إلى تتابع ذرية آدم جيلًا بعد جيل، وخلفًا بعد خلف.

وقد يجوز أن يكون الله قبل إسكان آدم وذريته الأرض قد أسكن فيها غيرهم ويجوز أن لا يكون، وكلمة (خليفة وخلفًا) وما اشتق منها لا تستلزم أن يكون قبلهم ساكن آخر، والخبر الصادق عن الله ورسوله لم يوجب القول بوجود الحن والبن ونحوهم، وليس لمن قال ذلك حجة توجب الوقوف عندها، وتلزم اتباعها والقول بها؛ والله أعلم أي ذلك كان، وعلم ذلك لا ينفع وجهله لا يضر؛ ولا حاجة تُلجِئُنا إلى القول به واعتقاده، وإنما مرجع تلك الأخبار إلى الإسرائيليات التي أكثرها كذب وقول على الله بغير علم، والله أعلم.

فأخبر الله تعالى الملائكة بخلق آدم واستخلافه وذريته في سُكنى الأرض على سبيل التنويه به، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه، وعادة القرآن الحكيم في القصص أن يَطوي كلامًا وحوادث كثيرة في أثناء السياق يكتفي بالتلميح والإشارة إليها، بما يحضرها عند السامع والتالي إحضارًا يحقق العبرة لمن تدبَّر القول وعقل عن الله، ولا يبسط القول في الحوادث والوقائع؛ لأنه لا قصد إليها، ولا غرض فيها، فمما لا شك فيه: أنه طوى في هذه القصة أنه أخبر الملائكة عن خلق آدم، وتركيبه من الطبائع المختلفة؛ وما تستلزمه وتستوجبه كل طبيعة منها؛ فاستخلصوا من ذلك أن مَن رُكِّب على هذا الخلق والطبائع فلا بد أن يقع بين أفراده من التنازع والتخالف بحسب قوة هذه الطبائع فيه وتغلبها عليه، وأنه سيكون من ذلك *** بعضهم بعضًا وسفك دمائهم وإراقتها بداعي الطمع، وشهوة البغي، لإرضاء هذه الغريزة التي أخبرهم أنها تكون فيه، ويركب عليها، فقالوا له: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا ﴾ [البقرة: 30]، من أولئك الذين وصفت لنا حالهم وطبائع خلقهم ﴿ مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾ [البقرة: 30]، والقول بأن الملائكة قالت ذلك قياسًا على من كان ساكنًا في الأرض من الجن، أو الحن والبن، لا حاجة إليه ولا داعي له مطلقًا إلا تكلف من لم يتدبر سياق قصص القرآن، ومن يحب الإغراب في القول فيلجأ إلى مثل تلك الإسرائيليات التي أفسدت على كثير من الناس فهمَهم للقرآن، قالت الملائكة: ربنا نحن على علم ويقين أنك لا تفعل شيئًا إلا بالحق، ولا تخلق إلا لحكمة؛ وقد خفيت علينا الحكمة في ذلك؛ فنحن الذين تفضلت علينا فخلقتنا على طبيعة الخير، وجبلتنا على تمجيدك وعبادتك ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ﴾ [البقرة: 30]، ننزهك عن كل ما لا يليق بجلالك وكبريائك ورحمتك وعدلك وبرك وفضلك، فنحمدك بجميع المحامد ونثني عليك بما أنت له أهل ﴿ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة: 30] ، نبرئك ونطهرك ونبعد عنك بطاعتنا وتسبيحنا وذكرنا أنواع المذام والنقائص والمعايب التي ينسبها إليك الملحدون الزائغون مع عدوك وعدوهم؛ تعاليت ربنا عن كل ذلك في ذاتك وصفاتك وأفعالك؛ سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدُّك ولا إله غيرك، وروى أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: ((سبوح قدوس، رب الملائكة والروح)).

تقول الملائكة: نحن بهذا الخلق الذي طبعتنا عليه أولى بالخلافة فيما يبدو لعلمنا القاصر؛ ولكننا نقر على أنفسنا بالقصور والعجز، ونطلب منك يا ربنا أن تكشف لنا عن الحكمة في خلق هذا الخلق الجديد واستخلافه في الأرض ﴿ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]، وسأبين لكم ما خفي عليكم من حكمتي في ذلك، وما أعلم عن ذلك الخلق الجديد مما استحق به ما منحته وأعطيته وفضلته، وأني رب كل شيء؛ والشأن لي وحدي أخلق من أشاء كما أشاء، واستخلف من أشاء، وأعز من أشاء وأذل من أشاء بيدي الخير وأنا على كل شيء قدير، وأنا العليم بأوائل الأمور وعواقبها ومبادئها وخواتيمها، ومقدماتها ونتائجها، لا معقب لحكمي وأنا اللطيف الخبير.

﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 31 - 33].

أجاب الله تعالى ملائكته إلى ما طلبوا من بيان الحكمة التي خفيت عليهم في خلق آدم واستخلافه، وأوضح لهم الجواب في هذه الآيات مفصلاً، وساقه مدعمًا بالأسباب القوية التي جعلها في آدم، فميزه بالمزايا، وخصه من أجلها بالخصائص دونهم؛ وهو أسلوب من الإقناع متين، ونوع من الحجة قوي باهر.

﴿ عَلَّمَ ﴾ الله العليم القادر؛ كما يشاء، وبالكيفية التي انطبعت بها صور المعلومات في قلب آدم أبي البشر، وأصل النوع الإنساني، وأول مظهر من مظاهر الكرم الإلهي على الإنسان (الأَسْمَاءَ كُلَّهَا)؛ أي أحضر له المسميات؛ ثم أعلمه أسماءَها، حسبما يقتضيه استعداده وقابليته بفطرته التي فطره الله عليها، والظاهر أنه علمه أسماء الأشياء وخواصها ونعوتها؛ إذ الفضيلة في معرفة حقائق الأشياء أعظم من الفضيلة في معرفة أسمائها فحسب.

وجائز أن يكون التعليم قاصرًا على الأسماء؛ لأنه أول مبدأ العلم ومفتتح المعرفة، والشأن فيه كالشأن في الطفل حين تعرفه أسماء ما يقع عليه بصره من الحيوان والجماد والحروف وغير ذلك، ثم تتدرج به شيئًا فشيئًا حتى يتهيَّأَ لمعرفة خصائصها ومزاياها وصفاتها التي بها فارق بعضها بعضًا، وآدم كان في مثل هذا الدور بالنسبة للإنسانية الأولى؛ ولذلك لم يقل الله: إنه علمه حقائق الأشياء ولا علمه العلوم الكونية ولا الشرعية ولا نحو ذلك مما أحدثه الله بعد ذلك من علوم ومعارف للإنسان، وقد روى البخاري في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية ما يدل على أن آدم عُلِّمَ الأشياء وأسماءها؛ إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: ((يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك))؛ الحديثَ، وكذلك رواه مسلم والنسائي؛ فدل هذا الثابت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله علم آدم أسماء جميع المخلوقات من الحيوان وذريته؛ والنبات والكواكب والملائكة؛ والله على كل شيء قدير ﴿ ثُمَّ عَرَضَهُمْ ﴾؛ أي: عرض هذه المخلوقات، وغلَّب الكامل - وهم العقلاء - على غير العقلاء ﴿ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾، في دعواكم العلم بما يؤول إليه أمر آدم وبنيه من الإفساد في الأرض وسفك الدماء؛ وأنكم أحق بهذه الخلافة، وأولى بهذه الفضيلة منه؛ لأنكم ظننتم أن ذلك يُنال بالعبادة والتسبيح والتحميد والتقديس فقط بدون حاجة إلى العلم الذي يُسدِّد الخليفة في خلافته؛ ويهديه السبيل القويم فيما خوَّله الله وأعطاه؛ فلا يكون من الزائغين الهالكين بما أنعم عليه رب العالمين.

ومن هذا تعلم أن العباد المنقطعين للعبادة، المنقطعين في خلواتهم عن مجالس الناس وما فيها من علم وحوادث، الذين لا يهمهم إلا أنفسهم فلا يفكرون في أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، أولئك لا يصلحون لعمارة الأرض ولا للخلافة فيها، وتعلم - أيضًا - أن العبادة بدون علم لا تصلح، بل قد تكون وبالاً على صاحبها، فإن الشيطان يقوده بزمام الجهل إلى استحسان أعمال لا يحبها الله ولا يرضاها، يزينها له، ويحسنها بأسماء خلابة، لكنها لا تُرجى عند الله؛ لأنه لم يأمر بها ولم يُعلِّمْها أنبياءه، ولم يدلهم على سبيلها فيكون بذلك من ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104].

فلما تبين للملائكة عجزهم عن معرفة أسماء تلك الأشياء ﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ ﴾، ننزهك عما لا يليق بكمالك الأقدس؛ ونُجلُّك ربنا أن تكون خلقتنا على ذلك الخلق الكريم وطهرتنا؛ وأن يكون منا بعد ذلك الاصطفاء منك يا عليم يا حكيم ما ينافي علمك، من دعوانا ما ليس لنا، ودخولنا فيما لم نُحِطْ بعمله، وأن نقول بغير علم ولا هدى ولا نور، بل نحن عند حدِّنا واقفون، وعند اصطفائك لنا واختيارك قائمون، ولا نقول إلا قولة العبد العارف بقدر نفسه المطمئن كل الاطمئنان إلى سيده ومالكه ومدبره، المسلم كل التسليم لفعل ربه وقضائه ومشيته، الراضي كل الرضا عن ربه وحكمته: ﴿ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ وهذا بمثابة الإنابة إلى الله والتوبة مما كان منهم كشأن نوح عليه السلام حين غرق ابنه وهلك مع الكافرين؛ ونادى ربه ﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [هود: 45]، فلامَ الله نوحًا على سؤاله ربَّه عن ابنه بعد عصيانه لأبيه وإصراره على أن يكون مع الكافرين وموته على تلك الحال، وقد تبين لنوح بهذا أنه ليس من أهله الذين يستحقون رحمة الله، فرد الله على نوح في عتاب ولوم شديد: ﴿ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود: 46]، فتاب نوح إلى ربه وأناب إلى مولاه ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47]، وهكذا يكون شأن كل مُوفَّق للخير، مهتد بهداية الله، ملحوظ بعنايته، فإنه يسرع الرجعة إلى ربه، ويبادر الإنابة إليه، ويرد الخطأ إلى نفسه، ويحملها تبعة ما كان منه، بعد أن يوقن أتم اليقين بأن ربه يتنزه عن نسبة ذلك إليه سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: 79].

وفي تبرِّي الملائكة من أن يقولوا في شيء إلا بعلم من الله العليم الحكي،. وفي استعاذة نوح عليه السلام أن يسأل ربه ما ليس له به علم، العبرة لمن يعتبر؛ والذكرى لمن له قلب أو ألقى السمع إلى هادية القرآن وهو شهيد، والتحذير كل التحذير من أن يطيع الإنسان الشيطان الذي يأمرنا أن نقول على الله ما لا نعلم، والتخويف أشد التخويف من أن تتحدث عن الحاضر أو الماضي أو المستقبل أو عن شيء بأي خبر إلا عن علم من الله، وإلا فالويل كل الويل لمن ألقى قلبه وسمعه ولسانه إلى وحي الشيطان: من كل منجم يتحدث عن مستقبل الناس في مرض أو موت أو حياة، وعن مستقبل الدول في حرب أو سلم، ومن كل أفَّاك أثيم يدجل على الناس بزعم أنه يعلم الغيب بصلاحه، أو بتبييته لهم بالليل؛ أو بما يسمونه التنويم المغناطيسي، وهو في الواقع لعب من الشيطان بعقول أولئك العمي القلوب والبصائر الذين أحاطت بهم الجهلة من كل جانب؛ وغشيتهم ظلمات الهوى والجهل من كل ناحية، فهم في ظلمات بعضها فوق بعض، والله يشهد إنهم لكاذبون. وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(قَالَ) الله تعالى بعد ما تبين للملائكة قصور علمهم وعدم استحقاقهم لما أعطى الله آدم، واعترافهم بذلك وإنابتهم إلى ربهم، ﴿ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ﴾ ليعلموا بذلك أنك أهل لما أعطيتك ومنحتك ﴿ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ﴾، وتبينت لهم منزلة آدم التي رفعه الله إليها بالعلم؛ واتضح لهم خطأهم في رمي الإنسان كله بالإفساد في الأرض وسفك الدماء، وأنه سيكون من هذا الإنسان أهل فضل وخير وبر وتقوى، وصلاح واستقامة وإصلاح بما سيؤتيهم الله من العلم الذي يكبح جِماح طبائعهم ويوقفها عند حد الرحمة والحكمة والصلاح، وأذعن الملائكة لذلك؛ واطمأنت نفوسهم به ﴿ قَالَ ﴾ الله مقررًا لتلك الحقائق لملائكته ولغيرهم من بني آدم من باب أولى ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 33]، فاعلموا ذلك واجعلوه دائمًا نصب أعينكم، وسلموا أبدًا الأمر إلى علام الغيوب فإنه العليم الحكيم، وبادروا إلى طاعته واحذروا أن يغويكم الشيطان ويغركم بعقولكم الضعيفة، ويزين لكم أن تقولوا بها في الله وفي دين الله ما لم ينزل به سلطانًا، فإن ذلك أظلم الظلم وأكبر الجرائم.

اللهم، اهدنا بهدايتك، وآتنا من لدنك علمًا، وهب لنا منك رحمة ورشدًا، وأعذنا بفضلك من عدونا وعدوك الشيطان الرجيم، ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وصل اللهم، على أفضل خلقك، وخاتم أنبيائك، ورسلك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30-01-2015, 11:44 AM
kaaty kaaty غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
العمر: 39
المشاركات: 40
معدل تقييم المستوى: 0
kaaty is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرااااااااااااااااااااا
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:11 AM.