|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الفنون التمثيلية في ضوء الفقه الإسلامي
الفنون التمثيلية في ضوء الفقه الإسلامي إن غرس (القِيم الجمالية) في الإنسان المسلم عملية ضرورية لتكوينه التكوينَ السليم. • وفي التصور الإسلامي تنقسم القيم إلى ثلاثة أقسام: روحية، وخلقية، وجمالية، ولئن كانت القيم الروحية والأخلاقية لا يُماري فيها مسلم، فإنَّ شأن القيم الجمالية لا يقل عن شأن القيم الأخرى. • وفي القرآن عبْر مساحة كبيرة ومتنوعة نجد عشرات الآيات القرآنية الدالة على الاهتمام بالقيم الجمالية: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾، ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾، ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾، ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ ﴾، ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا ﴾، ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾. • وفي الحديث الشريف: ((إن الله جميلٌ يحب الجمال)). • وفي حديث آخر: ((إن الله طيِّب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة)). وأبرزُ ما في طبيعة الإسلام أنه يحدث انسجامًا وتوازنًا بين الأقسام المختلفة للقيم، فإن الأشكال المختلفة للفنون الجميلة التي تعتبر ذات تأثير كبيرٍ على الذوق الجمالي، هذه الأشكال لا تكون في مَعزل عن تأثير الأخلاق، فضلاً عن أن تكون منافية لها، وهذه خصيصة في المنهج الإسلامي الذي هو تشريع للدين والدنيا معًا، وللعقل والوِجدان معًا. وفي الحضارة الإسلامية وُجِدت الأُطر الفنية المختلفة متناغمة مع الجانبين الروحي والأخلاقي، وبالتالي بقِي الفن في إطار الأخلاق، ولم يَنحدر إلى السَّفح الماجن المتحلل الذي ساد الحضارة الأوروبية، بحيث أصبح الفن مرتبطًا بال***، وشاعت تحت راية الفن ألوان الفساد، وصحَّ في هذه الفنون مقولة: إن ثمانين في المائة من أفلام اليوم تدور حول الحب ال***ي والجريمة، والاهتمام بالسخرية والاستهزاء، غير مبالية في سُخريتها أن تكون بالله أو بالشيطان. العلاقة بين الإسلام والفنون: إن قضية العلاقة بين الدين والفنون الحديثة من أبرز القضايا التي تَطرَح نفسها على العقل المسلم في العصر الحديث. ومع التطور الهائل في وسائل الإعلام، ولا سيما الشاشة المرئية (التلفزيون، والفيديو والسينما)، لم يعد بالإمكان تجاهُل الوسائل الفنية الحديثة. لقد دخلت هذه الوسائل إلى كل بيت، وأصبحت "منبرًا" لا يسعى الناس إليه، بل يفرض نفسه عليهم بشكل رهيبٍ. وزاد الأمر تعقيدًا أننا نحن - المسلمين - لم يكن لنا دور في تطوير وسائل الإعلام الحديثة، وإنما استوردناها، واستخدمناها دون معاناة حضارية، واستوردنا معها فنون غيرنا، وكل ما عملناه أننا عرَّبنا بعض الاقتباسات، أما المنهج، فقد قُدَّم إلينا بانحراف شديدٍ، فأصبحت هذه الوسائل التربوية الخطيرة وسائلَ ترفيه رخيصٍ، وتسالي غير موجهة، وتكاد معظم الفنون التمثيلية التي تقدم من خلال هذه الوسائل، تنحصر في العلاقة بين الرجل والمرأة، وكأن هذا الجانب من الحياة هو الحياة. وكما هي العادة في تعامل بعضنا مع المنجزات الحضارية، فإما انغماس فيها دون وعي وتبصُّر، وإما رفض لها وتحويلها إلى رجسٍ من عمل الشيطان، لا إبداع من عمل الإنسان! وإذا كانت الصحافة قد وصفت - في يوم ما - بأنها صاحبة الجلالة، فإنني أرى أن (صاحب الجلالة) الحقيقي في عصرنا هو "التلفاز"، ذلك الذي يترك بصماته قوية على أجيالنا المعاصرة. • • • • • إن عودة العلاقة بين الإسلام والفن عمومًا في عالمنا الإسلامي، عودة ضرورية لصياغتنا الحضارية الإسلامية، وهذه العودة من شأنها أن تُعيد للفنان أخلاقه، ودينه، وأصالته وكرامته، ومن شأنها أن تعطي القِيم الإسلامية آفاقًا بعيدة في التأثير على الناس وتوجيههم التوجيه الحميد. وما زلتُ أذكر كلمة كان يُردِّدها المرحوم الدكتور (أحمد الشرباصي) في كتاباته ومجالسه، وتستحق منا أن نُرددها هنا قبل لجوئنا إلى (أهل الذكر) ليقولوا رأيهم في هذه القضية (الفنية) التي نحن بصددها. لقد كان الشيخ الشرباصي يقول: (إذا تديَّن رجل الفن، وتفنَّن رجل الدين، كان من اجتماعهما خيرٌ كبير). فلماذا يُصر بعض إخواننا - هداهم الله - على إبقاء الفن خارج إطار الإسلام؛ فيُبيحون له أن يعمل عمله المخرِّب في أمة الإسلام كلها، وكأنه منشق عن ضوابطها، بضوابط (فنِّية) مزيفة لا بضوابط إسلامية كريمة؟! ولماذا لا نبحث عن حلٍّ لا يكون على أساس فرض رأي واحد، بل على أساس التفاهم بين كل التيارات، وَفْق النصوص والأصول والضوابط الإسلامية، هادفين إلى الوصول إلى كلمة الحق؟! •ويحدِّد الأستاذ (حسين علي محمد) خطوات الطريق للالتقاء بين الإسلام والفن المعاصر من وجهة نظر فنية لا فقهية، فيقول: (من الملاحظ أن علماء الدين لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة في أمر هذا الدين إلا وتناوَلوها، ومع ذلك فإنه من الغريب - وهم يقولون بأن الإسلام منهاج حياة - أن يترك كثير منهم الفنَّ خارج نطاق هذا الدين، مع العلم بأن الفنون ذات أثر كبير على المجتمع). ويقترح الأستاذ (حسين محمد) وضع أُسس للفن الحلال على أساس أربعة أسس ثابتة يلتزم بها الفنان؛ لكي يلتقي مع فقيه الإسلام، وهذه الأسس هي: 1- أن يلتزم الفن بتثبيت التصوُّر الديني للكون والحياة، وبترسيخ هذا التصوُّر. 2- أن يقدم النماذج الطيبة، والقدوة الخيِّرة. 3- أن يطلق حرية المَلَكات الإبداعية، ويدعو إلى العمل الصالح. 4- أن يؤكد إنسانية الإنسان. 5- ونضيف نحن شرطًا آخرَ لهذا اللقاء هو (أن يلتزم الفن والفنانون بضوابط الإسلام فيما حرَّمه وفيما أباحه، فالوسيلة أساسية في التصوُّر الإسلامي، الذي لا يفرق بين الوسيلة الكريمة والغاية الكريمة، ويشترط تناغُم الشكل مع المضمون والتحامهما. ضرورة هذه الشروط لعودة العلاقة بين الدين والفن: إن هذه الشروط التي يتقدم بها أحد المتهمين بالعلاقة بين الدين والفن، تصلح أساسًا لسياسة فنية إسلامية، يجتمع حولها هؤلاء الرجال الذين يَعنيهم إقامة الجسور بين حقائق إسلامنا، وبين الأساليب التعبيرية، وفنون التأثير المختلفة. وهذه الجسور بل هذه العلاقة لا بد أن تعود؛ لأن حياتنا المرتقبة في ظل حضارتنا الإسلامية الحديثة، لا يُتَخيَّل - بل لا يستطاع أن تقوم - في عصر التطور الفنِّي الهائل والسباق الإعلامي الرهيب، دون استخدام الأشكال الفنية في نشْر القِيم الإسلامية (بالمعنى الواسع للإسلامية)، ودون تحويل فنوننا الحديثة إلى طريقٍ آخر غير طريقها الذي تسير عليه، أعني إلى طريق الالتزام بالأسس الإسلامية التشريعية والأخلاقية التي لا يجوز لمسلم (يحمل كلمة الإسلام) أن يستعلن بخروجه عليها، وأن يمارس أشكالاً تأثيرية تُروِّج لقيم التحلُّل والهبوط، وتشيع الفوضى الفردية والاجتماعية.
__________________
|
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|