اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #76  
قديم 09-03-2011, 09:44 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي


توبة شاب بعد سماع شريط ([1])

(إن الشريط الإسلامي وسيلة عظيمة من وسائل الدعوة، وإن استعمالك لهذا الشريط جزء من الدعوة إلى الله عز وجل، فبادر بإسماع هذا الشريط من عرفتَ ومن لم تعرف، فلعل الله أن ينفع به) بهذه العبارة يختم بعض أصحاب التسجيلات الإسلامية مواد أشرطتهم.. وهي عبارة طيبة.. فكم من عاصٍ وعاصية، وكم من مجرم، وكم من فاجر هداه الله وفتح على قلبه بعد سماع شريط، سمع فيه عن الجنة والنار أو القبر وأهوال الآخرة أو غير ذلك مما يحيي القلب، ويوقظ الضمير...
وصاحبنا هذا هو واحد من هؤلاء الغافلين.. درس في أمريكا.. وعاد بقلب مظلم، قد عصفتْ فيه رياح الأهواء والشبهات، فأطفأتْ سراج الإيمان في قلبه، وا***عتْ ما فيه من جذور الخير والصلاح والهدى، إلى أن جاء من بذر، فيه بذرة طيبة، أنبتت نباتاً طيباً بإذن الله.
يقول هذا التائب: لم أكن أطيق الصلاة، وحينما أسمع المؤذن وهو ينادي: حي على الصلاة، حي على الفلاح، أخرج بسيارتي هائماً على وجهي إلى غير وجهةٍ حتى ينتهي وقت الصلاة ثم أعود إلى المنزل، تماماً كالشيطان عندما يسمع النداء للصلاة فيولي وله ضراط، كما ثبت ذلك في الحديث الشريف.
وفي يوم من الأيام خرجتُ كعادتي أهيم على وجهي.. وعند إحدى الإشارات المرورية، وقف بجانبي شاب بهي الطلعة -وكانت أصوات الموسيقى الصاخبة تنبعث من سيارتي بشكل ملفت- .. نظر إليّ مبتسماً ثم سلم عليّ وقال: ما أجمل هذه الأغنية، هل يمكنني استعارة هذا الشريط؟..
عجبتُ لطلبه.. ولكن نظراً لإعجابه بالموسيقى التي أسمعها، أخرجتُ له الشريط وقذفتُ به إليه.. عند ذلك ناولني شريطاً آخر، بدلاً عنه، وقال: استمع لهذا الشريط.
الشريط كان للشيخ ناصر العمر، بعنوان: (السعادة بين الوهم والحقيقة).. لم أسمع باسم هذا الشيخ من قبل.. قلتُ في نفسي: لعله أحد الفنانين المغمورين.. كدتُّ أحذف بالشريط من النافذة، ولكن؛ نظراً لأني قد مللتُ استماع الأشرطة التي معي في السيارة؛ قلتُ: لأستمع إلى هذا الشريط فلعله يعجبني..
وبدأ الشيخ يتكلم.. فحمد الله وأثنى عليه، ثم ثـنّى بالصلاة على رسوله -صلى الله عليه وسلم- .. أنصتُّ قليلاً، فإذا بالشيخ يروي قصصاً عن أشخاص كنتُ أعتقد أنهم في قمة السعادة، فإذا هو يثبت بالأدلة والبراهين أنهم في غاية التعاسة..
كنت مشدوداً لسماع هذه القصص.. وقد انتصف الشريط.. فحار في ذهني سؤال لم أجد له جواباً: ما الطريق إذاً إلى السعادة الحق!!.
فإذا بالجواب يأتي جلياً من الشيخ في النصف الثاني من الشريط.. لا أستطيع اختصار ما قاله الشيخ جزاه الله خيراً، فبإمكانكم الرجوع إلى الشريط والاستماع إليه مباشرةً.
ومنذ ذلك اليوم بدأتُ بالبحث عن أشرطة الشيخ ناصر العمر، وأذكر أنني في ذلك الأسبوع استمعتُ إلى أكثر من عشرة من محاضرات الشيخ ودروسه.. وأثناء ترددي على محلات التسجيلات الإسلاميـة سمعتُ عن المشائخ والعلماء والدعـاة الفضلاء الآخرين -وهم كثير والحمد لله، لا أستطيع حصر أسمائهم-.. فظللتُ أتابع الجديد للكثير منهم، وأحرص على حضور محاضراتهم ودروسهم.. كل ذلك ولم أكن قد التزمتُ بعدُ التزاماً حقيقياً.. وبعد حوالي أربعة أشهر من المتابعة الحثيثة لهذه الأشرطة؛ هداني الله عز وجل..


[1] ) رواها أحد الاخوة وقد سمعها من التائب نفسه.

__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #77  
قديم 09-03-2011, 09:58 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة شاب ذكي من شتم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-([1])
يقول المولى عز وجل في محكم التنـزيل: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم). ]سورة التوبة[ : 100 ([2])
ويقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهباً؛ ما بلغ مُدّ أحدهم، ولا نصيفه) متفق على صحته:
أولئك أتبـاع النبــي وحزبـــه

فلولا هـم ما كان في الأرض مسلـم
ولكـن هـم فيها بدور وأنجـــم

فيـا لائمـي في حبهـم وولائهـم
تأمـل - هداك الله- مَن هـو ألـوَمُ

بأي كتـاب؟.. أم بأيـة حجــة؟
ترى حبهــم عـارٌ علـي وتنقـم

وما العـار إلا بغضهـم واجتنابهـم
وحب عداهـم، ذاك عـار ومأثــمُ


ليس عجباً أن تسمع ملحداً أو يهودياً أو نصرانياً يشتم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وينتقصهم، وإنما العجب أن يحدث هذا ممن يدعي الإسلام، وينطق بالشهادتين، ثم يتخذ من شتمهم وبغضهم ديناً ومذهباً، ولو أعمل هؤلاء عقولهم، وفكروا بتجرد، لعلموا أن الطعن فيهم طعن في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو الذي تولى تربيتهم وإعدادهم، ليكونوا قادة الدنيا وسادتها، فعاشوا في كنفه الدافئ، ونهلوا من معينه الصافي، ولما اختاره الله إلى جواره، وارتدتْ قبائل العرب عن دين الإسلام، قام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- قومته العظيمة، ومعه سائر الصحابة الكرام، وقاتل المرتدين حتى أخضعهم لدين الله، وقال قولته المشهورة: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه. فدانتْ له الجزيرة، وعاد إليها الأمن والأمان بعد حروب طاحنة، استشهد فيها كثير من الصحابة الأطهار رضوان الله عليهم أجمعين، فكيف يقال بعد ذلك إن الصحابة قد ارتدوا جميعاً؟! هذا من أعجب العجب، وأمحل المحال..!
وبمثل هذا لا عجب قص عليّ هذا الشباب قصته فقال:
أنا شاب عربي، أسرتي وقبيلتي كلها تعتنق مذهباً غير مذهب أهل السنة والجماعة، هاجرتُ إلى هذه البلاد للعمل عام 1401هـ، ولم يتجاوز عمري آنذاك الخامسة عشرة.. بدأ التحول في حياتي يوم أن التحقت بإحدى المدارس الليلة لمحو الأمية بمدينه جدة.. لم يكن مدير المدرسة آنذاك يعلم باعتقادي الباطل، فكان يثني عليّ وعلى ذكائي، وبالفعل؛ فقد كان ترتيبي الأول على جميع الطلاب.
كان المدرسون والطلاب يؤدون صلاة العشاء جماعة في ساحة المدرسة، فكنتُ أتهرب، وأتعمد الخروج خفيةً حتى لا يعلم بي أحد..!! وبحكم نشأتي الطائفية فقد امتلأ قلبي حقداً وكراهيةً لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلمني أهلي أن أصحاب المذاهب الأربعة التي تنتسب لأهل السنة؛ كلهم كفرة وخارجون عن الملة.. لا يؤمنون بإمام الزمان!! ولا يدينون دين الإسلام.. ويتخبطون في ظلمات الكفر والضلال.. ولا يهتدون سبيلاً..!! أي والله هذه هي الحقيقة المؤلمة.
كنتُ عندما أشاهد زملائي في المدرسة يصلون، أشعر بإحساس أنهم على الحق، فهم أفضل مني.. يصلون، ويتحدثون عن الدين عن علم ودراية، ومعرفة مقرونة بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، أما أنا...
وفي ذات يوم، قابلني أحد الاخوة الطيبين -وهو زميل لي في الفصل الذي أدرس فيه-قابلني خارج المسجد.. فإذا بضربات قلبي تشتد، ولساني ينعقد عن الإجابة.. ماذا أقول له؟؟ هو يظن أنني على دينه، فبمَ أجبيه في هذا الموقف الحرج؟.. لقد أصابني ذعر شديد لأني لا أملك الحجة لمقارعته، وإذا ذهبتُ معه إلى المسجد فقد يصل الخبر إلى أهلي فيؤذونني، فالمسألة معتقد.
ثم إني لا أعرف من صلاتهم شيئاً، فماذا أصنع لو دخلت المسجد؟!! هذه حقيقة أقولها بكل صدق، أسأل الله أن يغفر لي جميع ذنوبي؟
ولكني لم أجد بداً من الاعتراف أمام ذلك الأخ، فأخبرتُه بأن مذهبنا لا يجيز لي الصلاة خلف (سُني) كما كان يلقنِّني أهلي.. فتعجب ذلك الأخ من قولي، ثم جذبني بقوة، وأدخلني المسجد.. وصليتُ معهم، ولا أدري كيف صليتُ!!!
بعد ذلك، كنتُ أذهب إلى بيت أحد أقربائي فأسأله كثيراً من مذهبنا؛ فوجدته من أجهل الناس، رغم أنه يعتبر من العالمين بذلك الدين أو المذهب.. كان يجيبني ب***، ويكثر من الوقيعة في أهل السنة بأقذع الشتائم والسباب، ويرميهم بأقسى التهم.. مما جعلني أتخذ خطاً معاكساً لما هو عليه.
وتوجهتُ إلى المكتبات، وبدأتُ أقرأ عن الإسلام على خوف، ثم دخلتُ مرحلة من الشك القاتل استمرتْ أكثر من خمس سنوات تقريباً.. لم أذق خلالها طعم النوم إلا قليلاً.. ولا أبالغ إذا قلتُ إن وزني قد انخفض قريباً من خمسة وعشرين كيلو جرام.. فما زلتُ على هذه الحال، حتى توصلتُ إلى اقتناع تام بأن ما كنتُ عليه ما هو إلا باطل وضلال.. فدخلت بعدها مرحلة جديدة من الكتمان الشديد، خوفاً من الأهل ومن بطشهم.. فكنت أذهبُ إلى المساجد للصلاة سراً.. ثم بدأتُ أستمع إلى خطب ودروس بعض الشيوخ الفضلاء، منهم الشيخ حسن أيوب رحمه الله في مسجد العمودي.. وأتابع الجديد من الكتب والأشرطة الإسلامية.. أستمع وأقرأ بشغف.. وحفظتُ من كتاب الله ما شاء الله أن أحفظ.. فدخلتْ السعادة قلبي.. وأصبحتُ أجد طعم النوم والراحة.. وأحسستُ أنه يجب عليّ أن أعمل من أجل تعريف الناس بالدين الصحيح.. لما لاحظتُه من بُعد الكثيرين عن تعاليم هذا الدين.
خلال هذه الفترة لم يعلم بحالي أحد سوى بعض الاخوة الملتزمين من أبناء هذا البلد، إلا أني -وللأسف الشديد- لم أجد منهم رغم التزامهم التشجيع الكافي. (أسأل الله أن يغفر لنا جميعاً).
ثم كانت عودتي إلى بلدي عقب أزمة الخليج.. وهناك؛ كان الزلزال العظيم الذي كان يعصف بي لو لا فضل الله ورحمته، قال تعالى: (الـم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ولقد فتنّا الذين من قبلهم فَلَيعلمنَّ الله الذين صدقوا ولَيَعلمن الكاذبين). سورة العنكبوت:2.. لقد علم أهلي بالأمر.. بل القبيلة كلها.. وكعادة القبائل هناك في التمسك بأعرافها وتقاليدها.. رأوا أنه قد لحقهم العار من جراء ما فعلتُ، فتعرضوا لي بأنواع من الأذى والمضايقات.. ووصل بهم الأمر إلى أن أجبروني على تطليق زوجتي التي رزقني الله منها بولدين.. وجردوني من كل ما أملكه عن طريقها.. هددوني بالضرب مرة.. ومرة بال***.. وأخرى بالطرد من البلاد.. وتحقق لهم ما أرادوا؛ فقد قام والدي بطردي من البلد في يوم عيد الفطر المبارك، وإهدار دمي، لأني لم أصلّ معهم صلاة العيد، وصليتُ مع جماعة المسلمين من أهل السنة.
(وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنَّكم من أرضنا أو لتعودنَّ في ملتنا فأوحى إليهم لنهلكنَّ الظالمين ولَنُسكننَّكم الأرضَ من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد).
وخرجتُ من بلدتي -مسقط رأسي.. ومنشأ صباي- إلى منطقة أخرى جاورتُ فيها أناساً صالحين، لم يدخروا وسعاً في مساعدتي -جزاهم الله عني كل خير-.
هذه هي قصة باختصار شديد.. ولن أتراجع -بإذن الله- عن قراري أبداً، ولقد قلتُ لهم كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لما جاءه عمه أبو طالب يساومه من طرف المشركين لكي يتخلى عن هذا الدين، ويعطونه ما يريد، فقال لهم: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الدين؛ ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك دونه).. لن أساوم رغم المغريات الكثيرة التي قدموها لي.. ورغم مفارقتي لأهلي ووطني، والحالة الاقتصادية السيئة التي أمرُّ بها.. لن أتراجع أبداً، بل سوف أعمل بكل جهد وإخلاص -بمشيئة الله- في الدعوة إلى الله، وكشف أستار الظلام للمسلمين؛ ليروا الطريق الصحيح أمامهم واضحاً... ولقد بدأتُ بالفعل، وكسبتُ بعض الأنصار لشرع الله ولله الحمد، خصوصاً بعد ظهور الصحوة الإسلامية في كل قطر وناحية..
هذا وأسأل الله أن يرزقني وإياكم الإخلاص والتوفيق والسداد.. إنه ولي ذلك..
أخوكم/ أبو صلاح الدين
وبعد، فإني -بهذه المناسبة- أوجه كلمة إلى نفسي، وإلى كل مسلم ومسلمة، بل إلى كل إنسان على وجه الأرض (أياً كان دينه ومذهبه وعقيدته)، أدعوهم فيها إلى التفكير وإعادة النظر فيما يعتقدونه من معتقدات، ويحملونه من أفكار، بتجرد وإخلاص، وبذل الجهد في معرفة الحق حيثما كان، والتحرر من عبودية الهوى والتبعية والتعصب الأعمى، وتقليد الآباء والأجداد: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أوَ لو كان آبائهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون). (البقرة:17) فإن الحق واحد لا يتعدد، ولابدّ للباحث عن الحق من الإطلاع على آراء الآخرين من مصادرها الأصلية، والنظر بتجرد وإخلاص، مع التضرع إلى الله عز وجل وطلب الهداية منه سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلنا وإن الله لمع المحسنين) (العنكبوت: 69).
العلـم يدخـل قلب كـل موفــق

من غيـر بــواب ولا استئــذان
والحق ركــن لا يقــوم لهــدِّه

إحـدٌ ولــو جُمعـت لـه الثقلان
تأمـل -هداك الله- مَن هـو ألـوَمُ

بأي كتـاب؟.. أم بأيـة حجــة؟


[1] ) رواها لي بنفسه.

[2] ) قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير لهذه الآية: (أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذي اتبعوهم بإحسان؛ فيا ويل من أبغضهم أو سبهم، أو أبغض أو سب بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخيرهم وأفضلهم؛ أعني الصدّيق الأكبر، والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة -رضي الله عنه-، فإن بعض الطوائف المخذولة، يُعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم -عياذاً بالله من ذلك-، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبون مَن رضي الله عنهم؟!! وأما أهل السنة، فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدون، ولهذا هم حزب الله المفلحون، وعباده المؤمنون) انتهى كلامه رحمه الله (بتصرف بسيط).
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #78  
قديم 10-03-2011, 05:46 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة شاب ماجن ([1])





الشباب هم عماد الأمة
وذخيرتها الحية، وأملها المرتقب، ومستقبلها المنشود، لذا؛ فإن الأعداء لا يألون
جهداً في تحطيم نفوس الشباب وهدم أخلاقهم بشتى السبل والوسائل.. يقول المستشرق
شاتلي: (وإذا أردتم أن تغزوا الإسلام وتكسروا شوكته، وتقضوا على هذه العقيدة التي
قضتْ على كل العقائد السابقة واللاحقة لها، والتي كانتْ السبب الأول والرئيس لعزة
المسلمين وشموخهم، وسيادتهم وغزوهم للعالم.. إذا أردتم غزو هذا الإسلام، فعليكم أن
توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية؛ بإماتة روح الاعتزاز
بماضيهم وتاريخهم وكتابهم: القرآن، وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة نشر ثقافتكم
وتاريخكم، ونشر روح ال*****ة، وتوفير عوامل الهدم المعنوي، وحتى لو لم نجد إلا
المغفلين منهم والسذج والبسطاء لكفانا ذلك، لأن الشجرة يجب أن يتسبب في قطعها أحد
أغصانها..)(
[2]).


وما كان للأعداء أن يحققوا
شيئاً لو تمسك المسلمون بدينهم وصبروا عليه، لأن الله يقول: (
وإن
تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط
)
(آل عمران: 120)



يقول هذا التائب:


كنتُ
في ضلال وضياع وفجور، تربيتُ كسائر الناس على طاعة الوالدين، لكني لم أكن أعرف
الصلاة وكذلك سائر العبادات إلا رياءً... تعلمتُ التدخين في سن مبكرة، فكنتُ أدخن
كثيراً.. لم أكن أعرف عن قضايا المسلمين شيئاً؛ اللهم إلا القضية الفلسطينية..
وعند دراستي في الجامعة تعرفتُ على شاب أبيض ذي لحية سوداء صغيرة، لا تفارق الابتسامة
محياه.. لا أدري لماذا كنتُ أكرهُ هذا الشابَ وأحقد عليه.. ربما لأنه كان دائماً
ينصحني، ويحثّني على ترك التدخين، وكل ما يُغضب الله..



وفي
يوم من الأيام، حضر إلى الجامعة وبيده بعض المنشورات عن المجاهدين، وما أن اطلعتُ
عليها حتى سَرَتْ في نفسي رعشةٌ وقشعريرةٌ لم أدرِ لها سبباً، لكنها سرعان ما زالت
بعد دقائق معدودة..



وذات
يوم، كان الوقت عصراً وكنتُ أستمع إلى أغنية في المذياع، وصوت المؤذن يجلجل في
الآفاق منادياً لصلاة العصر، ولكن:



فـلا الأذان أذان فــي منارته إذا
تعـالـى، ولا الآذان آذانُ



كنتُ
أنا والجدار متشابهين في القسوة والجمود وعدم الإجابة... وبعد انتهاء الأغنية،
جاءت الأخبار، فأستمع إليها وإلى أخبار المسلمين في البوسنة والهرسك وما يتعرضون
له من ال*** والتشريد؛ فلم ألقِ لذلك بالاً.



وفي
الصباح، ذهبتُ إلى الجامعة كالعادة، فقابلني أحد رفقاء السوء، وعرض عليّ (فلماً)
خليعاً فأخذتُه مسروراً، وسهرتُ تلك الليلة لمشاهدته، وهكذا في كل صباح كنا نتبادل
هذه الأفلام المدمرة بيننا في الجامعة وللأسف الشديد..!! فكيف يمكن للمسلمين أن
يتقدموا على أعدائهم وهذا حال شبابهم.



وجاء
اليوم الموعود، فإذا بذلك الشاب الذي كنتُ لا أطيقه يأتيني ويقول لي: هل تريد
فلماً؟ فقلتُ له متعجباً: أعندك؟!.. قال: نعم. قلتُ: هات.



وأخذتُ
الفلم، وفي الوقت الذي كنتُ أقضيه في السهر لمشاهدة تلك الأفلام؛ سهرتُ على هذا
الفيلم الجديد الذي لا أدري ما محتواه.. كنتُ أظنه كتلك الأفلام التي أعرفها..
ولكن كانت المفاجأة.



تسجيلات
قرطبة الإسلامية تقدم:



الصليــب
يتحـــدى



كان
هذا هو عنوان الشريط..



ثم
توالت بعد ذلك الصور المفزعة.. دماء... أشلاء.. أجساد ممزقة.. أعضاء متناثرة...
نساء ثكالى.. أطفال حيارى... دمار وخراب....




أحـلَّ الكفـر بالإسـلام ضيــماً



يطـول بـه على الديـن النحيـب

فحق ضائــع وحمــىً مبــاح



وسيـف قاطـع ودمث صبيــبُ

وكـم مـن مسلم أمسـى سليبــاً



ومسلمــة لهـا حـرمُ سليــب

وكـم مـن مسجـد جعلـوه ديراً



علـى محرابـه نُسـب الصليــب

أمـور لـو تأملهـــن طفــل



لطفــل في مفارقــه المشيــبُ

أتسبـى المسلمـاتُ بكل ثغـــر



وعيـش المسلميــن إذاً يطيــبُ

أمـا لله والإســلام حـــــقُ



يدافــع عنــه شبــان وشيبُ

فقـل لـذوي البصـائر حيث كانوا



أجيبــوا الله ويحكـم.. أجيبــوا






لم
أتمالك نفسي من البكاء.. أحسستُ برعشة تسري في أوصالي.. كنتُ أتخيل نفسي واحداً من
هؤلاء، وقد ذُبحت من الوريد إلى الوريد، ورُسم على صدري الصليب.. يا إلهي.. ألهذه
الدرجة بلغ الحقد الصليبي على هؤلاء الغُزّل، لا لشيء.. إلا لأنهم مسلمون..؟؟!! (
وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد).


لم
أنم تلك الليلة من شدة الخوف.. استلقيتُ على فراشي وأنا لا أدري ماذا أصنع.. نظرتُ
من حولي، فإذا بضوء القمر الخافت قد تسرب من خلال النافذة، وألقى بأشعته الفضية
على طاولة مكتبي الذي أذاكر عليه.. وإذا بي ألمح مصحفي القديم الذي تقطعتْ بعض
أوراقه من الإهمال.. فأسرعتُ إلى أخذه وبدأتُ أقرأ فيه حتى وصلتُ إلى آية الكرسي
من سورة البقرة.. (
الله لا إله
إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم..
) فتوقفتُ عن القراءة ثم انهمرتْ
عيناي بالدموع، فلم أتوقف عن البكاء إلا على صوت المؤذن وهو يجلجل في الآفاق.. (..
الله أكبر.. الله أكبر..) .. فقمتُ مسرعاً، وذهبتُ إلى المسجد خائفاً ترتعد
فرائصي.. فدخلتُ دورة المياه، فوجدتُ شيخاً كبيراً يتوضأ، فطلبتُ منه أن يعلمني
الوضوء والصلاة، وكانت تلك الحادثة هي نقطة التحول في حياتي..
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #79  
قديم 10-03-2011, 05:49 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

رسائل العائدين
إلى الله






من فلسطين المحتلة.. من جوار بيت
المقدس، كتب إليّ الأخ.... هذه الرسالة:



(أعرفك
على نفسي: شاب مسلم من بيت المقدس، قرأت كتابك:
]العائدون إلى الله] وقد تأثرتُ به كثيراً.. وقصتي تبدأ منذ الصغر، حين
دعاني أبي إلى الذهاب إلى المسجد، حيث تقام دورات رياضية لتقوية أجسام الشباب
المسلم، للدفاع عن أنفسهم في مواجهة بني صهيون، إضافةً إلى الدورات العقدية والإيمانية،
لتقوية الإيمان، الذي هو السلاح الأول في الأزمات.. دعاني أبي إلى المسجد ولم يكن
هو يصلي آنذاك، وكأنه يقول لي: يا بني، لقد مضى زمننا، وهذا زمنكم، وإن المعركة
التي بيننا وبين بني صهيون، معركة عقائدية وليست قومية أو وطنية أو.. الخ، كما
يريد البعض تصويرها، معركة تنطلق من المساجد لا من بيوت الــ...



كان
أبي آنذاك -في الوقت الذي يدعوني فيه إلى الذهاب إلى المسجد- يجلس هو وجميع الأهل،
وأنا معهم في بعض الأحيان، أمام شاشة التلفاز (!!!) وما أدراك ما التلفاز، حتى
اعتادتْ قلوبنا رؤية المنكر، وألفناه.. وحين بلغتُ سن المراهقة ازداد تعلقي
بالمسجد، وأصبحتُ في صراع مرير بين صوت الحق وصوت الباطل، وأثر ذلك في دراستي، حيث
ملأ التفكير ذهني وعقلي..



وفي
ذات ليلة، عدتُّ إلى غرفتي متعباً، فوجدتُّ كتاباً على مكتبي.. مددتُ يدي إليه..
حملته.. قرأتُ عنوانه: العائدون إلى الله.. شدّني هذا العنوان، فما تركته إلا بعد
أن أكملتُ قراءتَه.. والحمد لله، أتتْ من بعده الهداية..



وأنا
الآن وأنا أسطر هذه السطور، قد عقدتُّ النية على الالتزام الحق بإذن الله، وأن
أجاهد نفسي على مرضاة الله، وكل ما أتمناه هو الاستشهاد في سبيل الله على ثرى
فلسطيننا السليبة.



ومن جزائر
الإسلام كتب إليّ الأخ أبو أمامة.. هذه الكلمات:



من
طالب علم يزعم أنه يلبس ثوب الالتزام، وهو خالعه منذ زمان.. من شاب تائه حائر
عبثتْ به الشهوات والملذات، واستدرجه الشيطان؛ حتى كاد يعميه عن نور الإيمان.. إلى
أخ كريم.. أهدي هذه التحية العطرة الحارة التي تسوقها مجاري الدموع عبر موجات
الأثير، إلى هناك.. وما أدراك ما هناك.. حيث مهبط الوحي، ومهوى الأفئدة..



لقد
كنتُ ضالاً فهداني الله.. تربيتُ في أسرة محافظة، ووالدي جزاه الله خيراً كان
إماماً، لكن إسلامي، كان وراثياً، لا يخلو من الشرك والبدع والضلالات.. أسأله الله
أن يغفر لي، لأني كلما تذكرتُّ تلك الأيام، أعض على أصابع الندم..



نشأتُ
وتربيتُ على ذلك، وبعد أن كبرتُ ووصلتُ سن المراهقة؛ بدأتُ أقوم بأعمال قد يستحي
الشيطان من فعلها، ثم زعمتُ أني التزمت بشرع الله، ولكن تلك القبائح بقيتْ معي،
وظلتْ تعيقني، إلى أن أعارني أخ لي قادم من أرض الحرمين الشريفين، سلسلة العائدون
إلى الله، فبدأتُ بقراءتها، فما إن قرأتُ قصتين أو ثلاث حتى شعرتُ أن كياني قد
تزعزع، وبكيتُ بكاءً شديداً على ما فاتني من عمر في معصية الله، وشعرتُ بسعادة
تغمرني من جديد.. أسأل الله أن يثبتني وإياكم على الحق المبين..



ومن الجزائر
أيضاً بعث إليّ الأخ عبد الحميد.. برسالة يقول فيها:



أرفع قلمي وأسطر لكم
هذه الرسالة من كل أعماق قلبي أبشركم فيها بهدايتي إلى الصراط المستقيم بسبب
قراءتي للأجزاء الثلاثة الأولى من هذا الكتاب، وهذه هي القصة:



فأنا شاب جزائري من
هواة المرسلة، مسلم بالوراثة، تعرفتُ على كثير من الشباب والشابات(!!) عن طريق ركن
التعارف في بعض المجلات الساقطة، وشاء الله أن أتعرفَ على شاب من بلاد الحرمين
اسمه غلام حسين، فلأول مرة بعثَ لي بمجموعة من الكتب ومنها كتاب (العائدون إلى
الله)، فبعثتُ له برسالة شكر، ثم بعثَ لي بمجموعة أخرى، فلما رأى ذلك أفراد عائلتي
فرحوا بي كثيراً، وخاصة والدي، فبدأتُ أطالع هذه الكتب وخاصةً (العائدون إلى
الله)، فوجدتُ فيه مفتاح التوبة، وخرجتُ من طريق الظلمات إلى الطريق المستقيم،
وأنا نادم على أيام ماضية قضيتها بعيداً عن الله...










[1] ) رواها أحد
زملائه، وقد سمعها منه بنفسه.







[2] ) انظر: كتاب
(الغارة على العالم الإسلامي).
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #80  
قديم 10-03-2011, 05:59 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة الشيخ محمد جميل زينو
من ضلالات الصوفيّة إلى نور العقيدة السلفيّة


الشيخ محمّد جميل زينو – حفظه الله – عرفناه من خلال مؤلّفاته النافعة التي تُعنى بنشر العقيدة السلفيّة، وبيانها بأسلوب واضح ميسر ، وقد نفع الله بهذه المؤلّفات ، وهدى بها من الضلال بإذنه .. وللشيخ قصّته مع الهداية إلى هذه العقيدة الصحيحة ، وقد رواها بنفسه ([1]) ، فقـال :
ولدتُ في مدينة حلب بسورية .. ولمّا بلغتُ العاشرة من عمري التحقتُ بمدرسة خاصّة تعلّمت فيها القراءة والكتابة ، ثم التحقت بمدرسة دار الحفّاظ لمدّة خمس سنين حفظت خلالها القرآن الكريم كاملاً ولله الحمد ، ثمّ التحقت بما يسمّى آنذاك بالكليّة الشرعيّة التجهيزيّة – وهي الآن الثانوية الشرعيّة – وهي تابعة للأوقاف الإسلامية ، وهذه المدرسة تجمع بين تدريس العلوم الشرعيّة والعصريّة .

وأذكر أنّني درست فيها علم التوحيد في كتاب اسمه : (( الحصون الحميديّة )) والذي يقرّر فيه مؤلّفه توحيد الربوبيّة ، وأنّ لهذا العالم ربّاً وخالقاً !.. وقد تبيّن لي فيما بعد خطأ هذا المنهج في تقرير العقيدة ، فإنّ المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرّين بأنّ الله هو الخالق الرازق : (( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ )) ( الزخرف : 87) ، بل إنّ الشيطان الذي لعنه الله كان مقرّاً بذلك ؛ (( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي )) ( الحجر : 39) .
أمّا توحيد الإله الذي هو الأساس والذي به ينجو المسلم ، فلم أدرسه ولا كنت أعلم عنه شيئاً .

كنت نقشبنديّاً :
لقد كنت منذ الصغر أحضر الدروس وحلقات الذكر في المساجد ، وقد شاهدني شيخ الطريقة النقشبندية فأخذني إلى زاوية المسجد ، وبدأ يعطيني أوراد الطريقة النقشبندية ، ولكن لصغر سنّي لم أستطع أن أقوم بها ، لكنّي كنت أحضر مجالسهم مع أقاربي في الزوايا ، وأستمع إلى ما يردّوونه من أناشيد وقصائد ، وحينما يأتي ذكر اسم الشيخ كانوا يصيحون بصوت مرتفع ، فيزعجني هذا الصوت المفاجئ ، ويسبب لي الرعب والهلع ، وعند ما تقدّمت بي السنّ بدأ قريب لي يأخذني إلى مسجد الحيّ لأحضر معه ما يسمّى بالختم ، فكنّا نجلس على شكل حلقة ، فيقوم أحد الشيوخ ويوزّع علينا الحصى ويقول : (( الفاتحة الشريفة ، الإخلاص الشريف )) ، فنقرأ بعدد الحصى سورة الفاتحة وسورة الإخلاص ، والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة التي يحفظونها ، ويجعلون ذلك آخر ذكرهم . ثم يقول الشيخ الموكّل ، لأنّ الشيخ – بزعمهم – هو الذي يربطهم بالله ؛ فيهمهمون ، ويصيحون ، ويعتريهم الخشوع ، حتّى إنّ أحدهم ليقفز فوق رؤوس الحاضرين كأنّه البهلوان من شدّة الوجد .. إلى آخر ما كانوا يفعلونه من البدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان .

كيف اهتديت إلى التوحيد ؟
كنت أقرأ على شيخي الصوفيّ حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما ، وهو قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : (( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله .. ))
فأعجبني شرح الإمام النوويّ - رحمه الله – حين قال : ( ثمّ إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه ، كطلب الهداية والعلم، وشفاء المرضى، وحصول العافية ، سأل ربّه ذلك . وأمّا سؤال الخلق ، والاعتماد عليهم فمذموم )) .
فقلت للشيخ : هذا الحديث وشرحه يفيدان عدم جواز الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله .
فقال لي : بل تجوز !!
قلت له : وما الدليل ؟ فغضب الشيخ ، وصاح قائلاً : إنّ عمّتي كانت تقول : يا شيخ سعد ( وهو من الأولياء المزعومين الأموات ) فأقول لها : يا عمّتي ، وهل ينفعك الشيخ سعد ؟ فتقول : أدعوه فيتدخّل على الله فيشفيني !!
قلت له : إنّك رجل عالم ، قضيت عمرك في قراءة الكتب ، ثمّ تأخذ عقيدتك من عمّتك الجاهلة !!
فقال لي : عندك أفكار وهّابيّة ! (نسبة إلى الشيخ المجدد محمّد بن عبد الوهّاب رحمه الله ) .
وكنت لا أعرف شيئاً عن الوهّابية إلا ما أسمعه من المشايخ ، فيقولون عنهم : إنّهم مخالفون للناس ، لا يؤمنون بالأولياء وكراماتهم المزعومة ، ولا يحبّون الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلى غير ذلك من التهم الكثيرة الكاذبة التي لا حقيقة لها .
فقلت في نفسي ؛ إن كانت الوهّابيّة تؤمن بالاستعانة بالله وحده ، وأنّ الشافي هو الله وحده ، فلا بدّ أن أتعرّف عليها .
وبحثت عن هذه الجماعة ، فاهتديت إليها ، كان لهم لقاء مساء كلّ خميس يتدارسون فيه التفسير والفقه والحديث ، فذهبت إليهم بصحبة أولادي وبعض الشباب المثقّف .. دخلنا غرفة كبيرة ، وجلسنا ننتظر الدرس ، وبعد برهة من الزمن دخل الشيخ ، فسلّم علينا ، ثمّ جلس على مقعده ، ولم يقم له أحد ، فقلت في نفسي ، هذا الشيخ متواضع ، لا يحب القيام له.
وبدأ الشيخ درسه بقوله : إنّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره .. إلى آخر الخطبة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح بها خطبه ودروسه ، ثمّ بدأ يتكلّم باللغة العربية الفصحى ، ويورد الأحاديث ، ويبيّن صحّتها وراويها ، ويصلّي على النبيّ صلى الله عليه وسلم كلّما ذكر اسمه . وفي ختام الدرس وجّهت له الأسئلة فكان يجيب عليها بالدليل من الكتاب والسنّة ، ويناقشه بعض الحاضرين فلا يردّ سائلاً أو متكلماً ، ثمّ قال في آخر درسه : الحمد لله ، إنّنا مسلمون سلفيون ، وبعض الناس يقولون إنّنا وهّابيون ، فهذا تنابز بالألقاب ، وقد نهانا الله عن ذلك بقوله : (( وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ )) ( الحجرات ك 11) .

ولمّا انتهى الشيخ من درسه ، خرجنا ونحن معجبين بعلمه وتواضعه ، وسمعت أحد الشباب يقول : هذا هو الشيخ الحقيقيّ .
ومن هنا بدأت رحلتي إلى التوحيد الخالص ، والدعوة إليه ، ونشره بين الناس اقتداء بسيّد البشر صلى الله عليه وسلم . وإنّي لأحمد الله - عزّ وجلّ - الذي هداني لهذا ، وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله ، والحمد لله أوّلاً و آخراً .


[1] - انظر : كتابه ( كيف اهتديت ) ، وقد أطال في ذكر قصّته والتعليق على أحداثها ، وقد ذكرتها هنا باختصار وتصرّف يسير .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #81  
قديم 10-03-2011, 06:06 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة مطرب الصومال الأول عبد الله زلفى ([1] )

في إحدى المدارس الابتدائية بمقديشيو تجمّع المعلّمون والإداريّون ، ومعهم مدير المدرسة ، يستمعون بشغف إلى ذلك الفتى الأسمر النحيل وهو يشدو بصوته الساحر ، ويردّد أبياتاً من عيون الشعر العربيّ ..
كانت الصومال وقتها تعيش الحقبة الاشتراكية من عهد الرئيس (( سياد بري )) فكان لا بدّ لموهبة الفتى أن تسخّر في هذا الاتجاه ، فتسابق الشعراء في تنظيم قصائد المدح والإشادة بالرئيس وعهده ، كي ينشدها الفتى الذي ذاع صيته في مدارس العاصمة ، وأصبح محطّ أنظار مسؤولي التعليم .
تقدّم الفتى إلى المرحلة المتوسطة ، ثمّ الثانويّة ، وتقدّمت معه موهبته التي جذبت انتباه وزير التعليم ، فأصدر قراراً بتأسيس فرقة موسيقية تحت إشراف الفتى ...
تلكم كانت بداية عبد الله زلفى مطرب الصومال التائب ، الذي قرّر أن يغرّد خارج سربه بعد أن تبيّن له أنّ السرب يسير نحو الجحيم ..
ذاعت شهرته ، وأصبح يعرفه كلّ صوماليّ وجيبوتيّ ، ولقّبوه بمطرب الصومال الأوّل ، وفي عام 1396هـ شهدت الصومال نقطة تحوّل في توجّهها حيث تمّ طرد الخبراء السوفيت ، واعتماد سياسة الانفتاح ، فكان لا بدّ لمطرب الصومال الأوّل أن يتجاوب مع توجّهات بلاده ، فترك الفرقة الموسيقية الحكوميّة وعمل لحسابه ، وتحوّل من الغناء للاشتراكية ، إلى الغناء للانفتاح ..

يقول عبد الله زلفى :
اشتريت ملهى ليلياً كنت أغنّي فيه ، وكانت فنادق مقديشيو وملاهيها تتسابق لاستضافتي ، فكنت أغنّي في أكبر فندقين في العاصة : ( العروبة وجوبا ) .. كانت مهمّتي تتمشّي مع متطلبّات المرحلة ، فقد كان عليّ إغراق الشباب في اللهو والمجون ، والضرب على غرائزهم ، بحيث لا يفكّرون فيما يحدث لبلادهم من تمزيق ، ولثرواتهم من نهب ..
كان الشباب حولي يرقصون ، فيما كانت مدافع وصواريخ إيثيوبيا تدّك المساجد في ( هرجيسا ) و ( برعو ) وغيرهما من المدن المسلمة ، قدّمتُ السخافات الغربيّة بدعوى : ( الفرانكو أراب )) ، وسافرت إلى لندن وباريس وروما وغيرها من العواصم الأوربيّة والأفريقية لتقديم الفنّ الصوماليّ الحديث !!
وازداد إقبال الشباب علي ّ – والموت في انتظار كلّ من يتحدّث عن الشأن العام – ورافق ذلك إطراء وتهليل من وسائل الإعلام للغناء الذي أقدّمه ، وكان ذلك يعني مزيداً من الأموال تصبّ في جيبي ..
عام 1983م ( 1403هـ ) كان فاصلاً في حياتي ، فقد أراد والدي أن يكملا فرحتهما بابنهما الذي أصبح موضع إعجاب شباب وشابات الصومال ، وقد خشيا أن أتزوّج فتاة لا يعرفونها فأبتعد عنهما ، فرشّحا لي إحدى قريباتي عروساً ، كانت على درجة عالية من الثقافة والجمال ، فوافقت عليها بلا تردّد ، وتوقّعت أن تطير فرحاً بي ، كيف وقد وقع اختياري عليها من بين آلاف الفتيات اللاتي يتمنينني زوجاً ، لكنّ توقّعي خاب ، فمنذ الليلة الأولى لمحتُ في عينيها حزناً دفيناً لم تخفه كاميرات التلفزيون والمصوّرين التي ملأت قاعة الاحتفال .. ظننت أنّ المسألة مجرّد إرهاق أو خجل يعتري الفتيات في مثل هذه المواقف ، ولكنّ الأمر لم يكن كذلك ..
كنت أعود من الملهى قبيل الفجر ، فأجد زوجتي تقرأ القرآن .. وإذا حكيت لها ما حدث لي في عملي تكتفي بتحيّتي ، وتدعو لي بالهداية ، ثمّ تمضي لصلاة الفجر ، وأمضي إلى فراشي .. وكلّما حدّثتها عن عملي أجابتني : (( الرزّاق هو الله )) ولم أكن وقتها أفهم مغزى هذا الكلام فلم نكن نشكو الفقر أو قلّة الرزق .
وبعد خمس سنوات رأت زوجتي أن تواجهني مباشرة ، فعند ما عدت إلى المنزل في أحد الأيّام ، كانت مساجد المدينة تصدح بآذان الفجر.. سألتني مستنكرة : لِمَ لم تدخل المسجد وأنت تسمع آذان الفجر ؟! )) كانت هذه هي المرّة الأولى التي أسمع فيها أنّ بإمكاني أن أدخل المسجد ، وأصبح مسلماً صالحاً ..
كانت تلك بداية معركة في داخلي بين فطرتي التي تدعوني إلى الاستجابة لنصيحة زوجتي ، وواقعي الغارق في وحل الفنّ ، وفي المساء كنت أهندم ملابسي استعداداً للذهاب إلى الملهى فإذا بزوجتي تهمس في أذني برقّة : (( استرح يا أخي ، فالرزّاق هو الله )) ..
خشيت أن أضعف أمامها ، فأسرعت خارجاً من البيت ، لكنّ رحمة الله عزّ وجلّ كانت لي بالمرصاد ، فما إن نزلت من سيّارتي وهممت بدخول الملهى حتّى سمعت المؤذّن ينادي لصلاة العشاء : ( حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله )) .. وكأنّي أسمع هذا النداء للمرّة الأولى .. فما كان منّي إلا أن غيّرت وجهتي .. ودخلت المسجد .. توضأت ، وصلّيت مع المصلّين الذين تجمّعوا حولي يمطرونني بالترحاب ، وقد غطّت وجوههم السعادة ، وأهدي إليّ أحدهم كتاب : ( شرح أحاديث البخاري ) .
خرجت من المسجد ، وركبت سيارتي ، وقفلت عائداً إلى البيت لأبشّر زوجتي بمولدي الثاني ، وتلك كانت منحة في ثوب محنة .
تلك كانت قصّة مطرب الصومال الأول مع الهداية ، وقد برهن على صدق توبته بخطوات عمليّة ، بدأها بالتبرّع بالأجهزة الصوتيّة ، والاستديو الذي يملكه لخدمة الدعوة الإسلامية ، وبدأ دخله يتراجع ، وأمواله تقلّ ، فهو مغنٍ ، وليس له دخل سوى ما يكسبه من هذه المهنة ، فلم يفتّ ذلك في عضده ، وباع سيارته ومنزله الكبير ، وكان عزاؤه في ذلك حلاوة الإيمان التي تغمر قلبه ، والسعادة التي تحيطه بها زوجته وهي تردّد ؛ (( الرزّاق هو الله )) .. لقد أصبح لهذه العبارة الآن معنى ومذاق طالما غاب عن عبد الله قبل ذلك .
ولمّا كان طريق الإيمان والتوبة محفوفاً بالمكاره اختباراً وامتحاناً ، فقد استدعته السلطات وعاتبته على خطواته التي عدّوها (( متهوّرة )) وظنّوا أنّ الأمر لا يعدو مجرّد نزوة من فنّان أراد أن يجذب الانتباه إليه ، لكنّهم وجوده إنساناً آخر غير الذي عهدوه طيلة ثمانية عشر عاماً – عمر مشواره الفنّي - .. هدّدوه ، وطلبوه منه أن يظهر في التلفاز ويعلن أسفه على خطوته تلك ، ويعتذر لمعجبيه من الشباب والشابات ، ويؤكّد لهم أنّه قد غرّر به .. فرفض . فلمّا أدركوا حجم تصميم الرجل لم يجدوا بدّاً من سجنه !!
نعم .. سجنوه لأنّه تخلّى عن دور مهمّ كان يقوم به في تغييب الشباب ، وأصبح قدوة من نوع آخر .. نوع يقلق أهل الباطل ، ويهدّد أركان مشروعهم ..
لم تفلح العصا ، فعادوا يلوّحون بالجزرة .. عرضوا عليه مبلغاً من المال على أن يعود إلى الفنّ ، لكنّه أبى .. اقترحوا عليه أن ينظّموا له حفل اعتزال عسى أن يكون ذلك بداية لاجتذابه إلى الغناء مرة أخرى ، ولكنّه فهم المخطّط ورفض بإصرار ..
يقول عبد الله زلفى : (( كانت عقيدتي قويّة ، وكانت زوجتي تقف معي في محنتي ، فكان قراري الرفض الحاسم للعودة إلى الطرب )) .
وفي عام 1410هـ أراد أن يخرج من جوّ الحصار الذي يحيط به ، والملاحقات المتوالية التي تضغط عليه ، فلم يجد وجهة خيراً من بيت الله الحرام ، وهناك تزوّد بشحنة إيمانيّة جديدة كان لها بالغ الأثر في تثبيته على طريق الإيمان ، فقد تلقّفته الأيدي الطاهرة في مكّة ، وأحاطته بالرعاية حتى أتمّ حفظ عشرة أجزاء من القرآن ، ولمّا دوّت صفّارات الحرب في الصومال ، واشتبكت القبائل والميليشيّات في حرب أهلية طاحنة ، قرّر العودة إلى الصومال حيث يفرّ الناس منه ، فما أحوج الصومال إلى دور عبد الله الجديد داعيةً ومصلحاً .. أراد أن يكفّر عمّا ارتكبه من جرم في حقّ شباب الصومال ، فراح يطوف هناك يحثّ الشباب على الصبر والثبات والسلام ، ويحذّرهم من الانسياق وراء عصابات الحرب والإفساد والدمار ..
فلّما رأى أن الشر قد استفحل ، عاوده الحنين إلى مكّة ، فمن ذاق عرف ، فجاء ملبياً ، وطاب له المقام ، وقطع شوطاً كبيراً في حفظ القرآن الكريم .
والآن عبد الله يعمل داعية إلى الله عز وجل .. دعاه بعض أصدقائه إلى استخدام موهبته في خدمة الدعوة ، فهو صاحب صوت نديّ يمكن أن يشدو به أعذب الأناشيد ، لكنّه رفض ، وقال : أخشى إن دخلت الفنّ مرّة أخرى من باب الأناشيد أن أعود إلى سابق عهدي ، وعندنا مثل في الصومال يقول : اليد التي تسرق القليل مصيرها إلى السرقة ، الفنّ بوصفه الحالي حرام ، ولا يصلح لخدمة الإسلام ، وأنا اخترت مجال الدعوة بعيداً عن الفنّ .. لبعض العلماء فتاوى في جواز الغناء بلا مزامير بهدف بثّ الحماس أو العظة أو التمسك بالدين ، ولكن لا أحبّذ لنفسي ذلك ، ولا أمنع من يرى في نفسه المقدرة على استخدام الفنّ في تربية الروح الإسلامية في نفوس الناس .
إنّ الوضع في الصومال لا يحتاج إلى فنّ ، بل يحتاج إلى دعوات في الثلث الأخير من الليل ، مع الأخذ بالأسباب ، لانتشاله من الوضع المأساويّ الذي يعانيه .
****

[1] - نُشرت هذه القصّة في مجلّة الأسرة ، العدد 63 ( بتصرّف يسير ) .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #82  
قديم 10-03-2011, 06:10 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة الراقصة زيزي مصطفى ([1]) .

عشرون عاماً من عمرها قضتها في حياة الرقص والمجون والعبث ، وفي (( عرفات )) عرفت طريق الحق وذاقت حلاوة الإيمان ، فكانت التوبة :
تقول زينب مصطفى ( زيزي مصطفى سابقاً )) في بداية حديثها :
ظروفي الماديّة العصيبة هي التي جعلتني أعمل في هذا المجال حوالي عشرين سنة ، فأنا أعول أمّي المريضة ، وأخواتي البنات ، وليس لي مصدر آخر للرزق ([2]) .
ثمّ لم أكن أدري أنّ هذا العمل حرام! ولم يكلّمني أحد في ذلك ، وظللت على هذه الحال حتّى أنجبت ابنتي الوحيدة .
ثمّ تضيف :
بعد إنجابي لابنتي هذه حدثت تحوّلات جذريّة في حياتي ..
فجأة ، ودون سابق إنذار بدأت أصلّي وأشكر الله على هذه النعمة – نعمة الإنجاب - ، ثمّ بدأت أفكّر لأوّل مرّة أنّه لا بدّ أن أنفق على ابنتي من حلال ، ولا أدري من أين جاءني هذا الشعور ، الذي يعني أنّ عملي حرام ، وأنّ المال الذي أجنيه من ورائه حرام .
وبدأت أشعر بتغيّرات نفسية دون أن أدري مصدرها .
وشيئاً فشيئاً بدأت أتوضّأ ، وأنتظم في أداء الصلاة ، وبدأت أدخل في نوبات بكاء حادّ ومتواصل أثناء صلاتي ، دون أن أدري لذلك سبباً .ومع كلّ هذه البكاء ، وتلك الصلاة ، كنت أذهب إلى صالة الرقص ، لأنّني ملتزمة بعقد ، وفي مسيس الحاجة إلى ما يدرّه عليّ من دخل .
وظللت على هذه الحال : أصلّي ، وأبكي ، وأذهب إلى الصالة ، حتّى شعرت بأنّ الله – سبحانه وتعالى – يريد لي التوبة من هذا العمل ، عندها أحسست بكرهي الشديد للبدلة التي أرتديها أثناء عملي .
كنت كثيراً ما أستفتي قلبي : هل بدلة الرقص التي أرتديها يمكن أن أنزل بها إلى الشارع ؟ فكنت أجيب نفسي ، وأقول : طبعاً لا ، وبعد عشرين سنة من الرقص ، لم يمنعني عملي المحرّم أن أميّز بين الحلال والحرام . إنّ الحلال والحرام بداخلنا ، ونعرفهما جيداً حتّى دون أن نسأل أهل العلم .
لكنّ الشيطان يزيّن لنا طريق الحرام حتّى يغرقنا فيه .
كانت هناك رسائل ذات معنى أرسلها الله سبحانه لي حتّى أستيقظ من الغفلة التي أحاطتني من كلّ جانب .
كان الحادث الذي تعرّضت له هو أوّل هذه الرسائل .. وبسبب هذا الحادث قُطع الشريان الذي بين الكعب والقدم ، وقال لي أحد الأطباء : بحسب التقرير ، وحسب العلم الذي تعلّمناه ، سوف تعيشين بقيّة حياتك على عكّاز .
وبعد فكّ الضماد وجدتني أسير بطريقة طبيعية وسليمة مع تساوي قدميّ كما أفادت التقارير الطبيّة .
اعتبرت ذلك رسالة لها معنى من الله – سبحانه وتعالى – وأنّ قدرته المعجزة فوق كلّ شيء ،فقد نجوت من موت محقّق ، ونجوت من عمليّات كثيرة في قدمي كان من الممكن أن أعيش بعدها عاجزة .
أمّا الرسالة الثانيّة فقد كانت أشدّ وضوحاً ، أرسلها الله إليّ عن طريق صديقة ابنتي في المدرسة عند ما عيّرتها بمهنتي ، وجاءت ابنتي تبكي ، فبكيت معها ، وتأكدّ لي أنّ مهنتي غير مقبولة في المجتمع .
ثم جاءت الرسالة الثالثة ، وكان لها صوت عالٍ بداخلي ، فكثيراً ما كنت أحدّث نفسي أنّني أريد أن أربّي ابنتي من مال حلال ، وأن أعلّمها القيم والمثل والأخلاق الفاضلة ، وكنت أسخر من نفسي ، وأقول : وأيّ قيم سوف أعلّمها ابنتي وأنا أقوم بذلك العمل .
ثمّ مرضت ابنتي ، فكنت أهرع إلى سجّادة الصلاة .. أركع ، وأسجد ، وأدعو الله أن يشفيها . وبعد أن شفيت ، كان لا بدّ من التفكير في الاعتزال النهائي ، لأنّه لا يجتمع في قلب المؤمن إيمان وفجور ، ولأنّ الصورة أصحبت واضحة تماماً أمامي ، ولا تحتاج إلى تفسير آخر .
وفي الأيّام الأخيرة كنت أشعر شعوراً حقيقيّاً بالشوك يشكّني في جسدي كلّما ارتديت بدلة الرقص ، وفي مرّة من المرّات كنت أصلّي ، وأبكي ، وأدعو الله أن يتوب عليّ من هذا العمل الذي يبغضه ، وفجأة .. وأثناء دعائي وتضرّعي بين يدي الله قمت من فوري لأتوجّه إلى خزانة ملابسي ، وفتحتها ، ونظرت إلى بدل الرقص باحتقار شديد ، وقلت بصوت عالٍ أشبه بالصراخ : لن أرتديكِ بعد اليوم . وكرّرت هذه الجملة كثيراً ، وأنا أبكي كما لم أبكِ من قبل . وبعد هذه النوبة البكائية شعرت براحة نفسيّة عجيبة ، تسري في أنحاء جسدي ، وتُدخلني في حالة إيمانية أخرى مكّنتني من التخلّص من حياتي السابقة بيسر وسهولة ، ولو كنت في أمسّ الحاجة إلى المال الذي أعول به نفسي ، وأمّي ، وأخواتي ، وابنتي .
لقد جاء قرار الاعتزال من أعماقي ، وسبقه وقت أمضيته في التفكير والبكاء ، ومراجعة النفس ، حتّى رسوت على شاطيء اليقين بعد حيرة وعذاب ، وشهرة زائفة ، وعمل مُرهِق مجرّد من الإنسانية والكرامة ، كلّه ابتذال ومهانة وعريّ ، وعيون شيطانيّة زائغة تلتهم جسدي كلّ ليلة ، ولا أقدر على ردّها .
هذه الرجعة إلى طريق النور منّة من الله – سبحانه وتعالى – وحده ، فهو الذي امتنّ عليّ بها ، وليس لأحد من الخلق أيّ فضل فيها .
ثمّ أديت العمرة مرّتين ، وفي المرّة الثانية بعد أن عدت إلى بلدي ، قرّرت الاعتزال النهائي ، وبعدها بشهرين فقط كتب الله لي الحجّ ، وفهمت بأنه مكافأة من الله عزّ وجلّ ، وفي الحجّ ، ونحن على صعيد عرفات الطاهر ، بكيت بكاء أشبه بالهستيريا ، حتّى بكى لبكائي جميع من في الخيمة ، ثمّ عدت من الحجّ بحجاب كامل ، أدعو الله أن يغفر لي ، وأن يسامحني ، لأنّني كنت في غفلة ، لا أدرك ما أعمله حرام ، ولم يعظني أحد في ذلك .
لم يعجب اعتزالي أولئك المهتمّين بالفن ، وبدأت العروض المغرية تنهال عليّ بأكثر ممّا أتوقّع ، واعتقدت في نفسي أنّ هذه العروض ما هي إلا اختبارات حقيقيّة من الله تعالى ليختبر صدق إيماني ؛ هل أنا صادقة في توبتي أم أنّها لحظات مؤقّتة ، وأعود بعدها لأنجذب من جديد لهذه العروض الشيطانية ، ووقفت أتحدّاهم بالرفض ، وأتحدّى نفسي ، وأوّل هذه العروض التي رفضتها كانت بمبلغ ضخم للعمل في مسرحية مع ممثل مشهور تستمّر عروضه المسرحية لسنوات عديدة . وثاني هذه العروض جاءني من شركة سياحية لا أعرف لحساب من تعمل . إذ عرضت عليّ أن أذهب إلى ألمانيا لتعليم الرقص الشرقي بمبلغ عشرة آلاف دولار شهريّاً ، وسيّارات أحدث موديل ، وشقّة فخمة في حي راقٍ بألمانيا . رفضت كلّ ذلك ولم يصدّقوا ، فاتّصلوا بي وأملوا حججهم : كيف ترفضين عرضاً كهذا ؟ فسوف تعملين بالحجاب ، ثمّ إنّ الفتيات اللاتي ستقومين بتعليمهنّ لسن على دينك ، فلماذا ترفضين ؟! وكان ردّي : إنّ كلّ بنت صغيرة ، أو فتاة يافعة سوف أقوم بتعليمها سوف آخذ وزرها حتى لو كانت غير مسلمة .
أمّا السؤال الأكثر وقاحة ، الذي لم أكن أتوقّعه ، فقد قيل له : إذا كنت اعتزلتِ ، حذا حذوك راقصات ، فأين يذهب الرقص الشرقي ؟! ([3]) .
وأسئلة أخرى أكثر سخافة وفضوليّة ، مثل : من أين تدبّرين أمورك ؟ وتربيّن ابنتكِ ؟ فأجبتهم بالرفض القاطع من أجل أن أعيش بقية عمري تحت مظلّة الإيمان ، وقلت : أنا سعيدة بوضعي الجديد ، وقانعة به ، وسوف يرزقني ربّي ، ولن يتخلّى عنّي بعد أن منّ عليّ بالتوبة .
أمّا العرض الأكثر إغراء الذي لم أتوقَّعه في حياتي البتّة ، فقد تلقّيته من أحد الغيورين (!) على اندثار الرقص الشرقيّ بخمسين ألف دولار نظير إحياء ليلة واحدة من الرقص ، أحييه وسط النساء فقط ، ولمدّة ساعتين ، وكان جوابي الصارم : لا ، وألف لا ، لأنّ هذه المحاولة دوافعها مفهومة لي ، فإذا كان أكبر أجر تلقّيته في حياتي أثناء عملي في دول أوربيّة كان ألفين أو ثلاثة أو أربعة آلاف دولار ، نظير عقد كامل لمدّة معينة ؛ فلماذا يعرض عليّ هذا المبلغ نظير إحياء ليلة واحدة ؟! المقصود هو إخراجي من حجابي ، ومن دائرة إيماني التي ولجت فيها عن صدق ويقين .
بعد هذا الرفض الأخير أصابهم اليأس ، وتوقّفوا عن محاولاتهم الدنيئة لإغرائي بالابتعاد عن طريق النور الذي سلكته و رضيته ، والحمد لله على كلّ حال ..
***

[1] - مجلّة الأسرة ، العدد : 50( بتصرّف يسير )) .

[2] - يقول تعالى : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب .. ) ( الطلاق : 2، 3) وفي المثل : تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها .

[3] - فليذهب إلى الجحيم .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #83  
قديم 10-03-2011, 06:14 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة الممثلة هدى رمزي ([1]) .

الطريق إلى الله عز وجل مفتوح أمام التائبين ، ومهما كانت الذنوب والآثام فرحمة الله قد وسعت كلّ شيء ، وهو القائل سبحانه : ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))( الزمر : 53) .
هكذا بدأت الممثلة التائبة هدى رمزي حديثها للمجلّة ، أمّا رحلتها إلى الهداية فترويها بقولها :
منذ نشأتي الأولى وأنا في الوسط الفنّي ، فوالدي كان منتجاً ومخرجاً ، وشقيقي الأكبر كذلك ، وبعد تخرّجي من كليّة الإعلام – قسم الإذاعة والتلفزيون ، سلكت طريق الفنّ لعدّة سنوات ، ظللت خلالها أفكّر كثيراً في جدوى هذا العمل المليء بالذنوب .
كنت في رحلة بحث متواصلة عن الفضيلة ، وتزوجت عدّة مرّات بحثاً عن تلك القيم الزائفة ، المفقودة في حياتي ، ورحت أقرأ واستمع كثيراً لشتّى الآراء والأفكار ، حتى شاهدت حديثاً لأحد المشايخ المعروفين في التلفزيون ، ومن فرط تأثّري به حاولت الاتصال بهذا الداعية الجليل .. وبالفعل أعطاني عدّة كتب ، وحدّثني كثيراً عن قيم الإسلام السامية دون أن يصرّح ، ومن تلقاء نفسي وجدت أنّ حظيرة الإسلام هي أفضل ما يمكن اللجوء إليه ، وبعد قراءات واتّصالات مع الشيخ قررّت اعتزال هذا العفن نهائياً ، وإعلان توبتي إلى الله – عزّ وجلّ- ، واكتشفت أنّ هذا التصرّف هو ضالّتي المنشودة التي كنت أبحث عنها منذ سنوات ، ثم وجدتها والحمد لله .
وأنا الآن أقضي معظم وفتي في قراءة القرآن وكتب الفقه حتّى أعوّض ما فاتني من علوم الدين الضرورية التي لا يسع مسلم الجهل بها .
أمّا ما أنوي عمله – إن شاء الله – فهو تأسيس دار لتشغيل الفتيات المسلمات ، وتعليمهن أصول دينهنّ ودنياهنّ أيضاً حتى يستطعن مواجهة الحياة وتربية النشء ، كما أنوي أيضاً – إن شاء الله – تأسيس دار للأيتام ورعايتهم ، لأنّ كافل اليتيم له أجر عظيم عند الله تعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين )) وأشار بأصبعه ؛ السبّابة والتي تليها وأنا أطمع في تلك المكانة الرفيعة .
أما رأيها في الفنّ بشكله الحالي ، فتقول :
إنّ الوضع القائم الآن باسم الفنّ حرام بكلّ المقاييس ، ولا يمكن أن يسمّى فنّاً ، بل هو عفن وفساد ، ومجون واختلاط ، ودمار للأخلاق والمجتمعات ، فهو لا يخدم المجتمع ، ولا يقدّم قيماً ولا مثلاً للشباب ، فيكف يكون حلالاً . نحن نقول حرام بعد أن خضنا تجربته ، وعندنا الدليل والحجّة على ذلك ، فما يجري فيما يسمّى بالوسط الفنّي حالياً لا يمكن أن يمتّ للدين بصلة ، فالإسلام يحضّنا على الالتزام والصدق والنقاء والفضيلة ، والفنّ اليوم يدعو إلى ضدّ ذلك .
وفي نصيحة للاتي لا زلن في ذلك الوسط تقول :
أقول لهنّ : إنّ الطريق إلى الله خير وأبقى ، وهو دائماً مفتوح للتائبين ، وحين ترجعن إلى حظيرة الدين ستعلمن أنّ ما يقدّم باسم الفنّ ما هو إلا عفن ، ولا علاقة له بالدين ، بل هو من المحرّمات والفساد المنهي عنه ، لأنّه علاوة على كونه لهواً لا يفيد شيئاً فهو أيضاً يعتمد المحرّمات سبيلاً ، ويكرّس الخطيئة ، ولا يهدف إلى الصالح العام، فتبن إلى الله ، فهو توّاب رحيم .
أمّا اللاتي تبن ثمّ عدن إلى غيّهن ، فأقول لهن ما قاله الله – عزّ وجلّ – في سورة التوبة : (( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) ( التوبة : 115) .
فهؤلاء كان في نفوسهن مطمع ومرض ، ولما لم يمكنهن مما أردن ، عدن إلى الشيطان )) .
هذا ما قالته الفنانة سابقاً هدى رمزي عما يسمى بالوسط الفني ، وهو كلام قيم يبين حقيقة ما يجري في ذلك الوسط العفن الذي تتحدث عنه كثيراً وسائل الإعلام ، وتلمع أهله !ّ!


[1] - مجلّة الدعوة ، العدد : 1507 ( بتصرّف ) .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #84  
قديم 10-03-2011, 06:18 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة الممثلة سهير البابلي (([1]))

من الفنانات اللاتي التحقن مؤخراً بركب الإيمان ، الممثلة سهير البابلي ، تحدّثنا عن رحلتها إلى الإيمان فتقول :
منذ خمس سنوات أحسست بأنّ في حياتي شيئاً خاطئاً ، ولكن حبّي لعملي كان كبيراً ، فطغى على هذه الأحاسيس في داخلي ، فكانت تطفو على السطح بين آن وآخر، ، وزادت تلك الأحاسيس عمقاً في داخلي منذ عامين ، فبدأت أغيّر أنماط حياتي بالمزيد من التقرب إلى الله ، فحاولت التعرف على كتاب الله أوّلاً ، وأخذت أقرأ ، وأستفسر ، وأعمل بقول المولى الكريم ، (( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) ( النحل : 43) . فكنت ألجأ إلى العلماء لأستفسر عمّا يستعصي عليّ فهمه من آيات وأحاديث ، فاكتشفت أنه ليس هناك ما هو أجمل ولا أفضل من التقرّب إلى الله ، وبكيت ودعوت الله أن يهديني ، ويأخذ بيدي إلى طريق الحقّ ، حتّى كان يوم من الأيّام التي لا أنساها ، كنت على موعد مع درس من دروس الإيمان من أحد الدعاة ، فإذا باللقاء يمتدّ لأكثر من ثلاث ساعات ، شعرت فيها بشعور يصعب عليّ تفسيره . وعدت إلى منزلي ، وصليت الظهر ، وبكيت كما لم أبكِ من قبل ، ودعوت الله أن يلهمني رشدي ، وأن يباعد بيني وبني الشيطان .
وأمسكت بالمصحف ، وقرأت قوله تعالى : (( سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) ( النور : 1 )
فكان قرار الحجاب الذي نبع عن عقيدة وعزيمة ، بعد ما علمت بفرضيّته ، ودون مناقشة ، امتثلت لأمر الله .
أما زملائي سابقاً في الوسط الفني فأقول لهم بإحساس إيماني صادق ، إنّ طريق الإيمان هو ثمرة الدنيا والآخر ، وإن طاعة الله خير من الدنيا وما فيها .
وأقول لهم أنتم تعيشون في تيه وضياع ، وتعايشون الغفلة والدمار ، وإني أدعو لهم بالهداية .
****

[1] - مجلّة الدعوة ، العدد الصادر في : 2/ 3/ 1414هـ ، وجريدة المسلمون ، العدد : 439( بتصرف ) .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #85  
قديم 10-03-2011, 06:24 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة رجل عاصٍ على يد ابنه الأصم ([1])

هذه القصة من عجائب القصص، ولو لا أن صاحبها كتبها لي بنفسه ، ما ظننت أنها تحدث..
يقول صاحب القصة ، وهو من أهل المدينة النبوية :
أنا شابّ في السابعة والثلاثين من عمري ، متزوّج ، ولي أولاد ارتكبت كل ما حرم الله ، من الموبقات . أما الصلاة فكنت لا أؤديها مع الجماعة إلا في المناسبات فقط مجاملة للآخرين ، والسبب أنّي كنت أصاحب الأشرار والمشعوذين ، فكان الشيطان ملازماً لي في أكثر الأوقات .
كان لي ولد في السابعة من عمره ، اسمه مروان ، أصمّ أبكم ، لكنّه كان قد رضع الإيمان من ثدي أمّه المؤمنة .
كنت ذات ليلة أنا وابني مروان في البيت ، كنت أخطط ماذا سأفعل أنا والأصحاب ، وأين سنذهب .
كان الوقت بعد صلاة المغرب ، فإذا بابني مروان يكلّمني ( الإشارات المفهومة بيني وبينه ) ويشير إلي : لماذا أبتِ لا تصلّي ؟! ثم أخذ يرفع يده إلى السماء ، ويهدّدني بأن الله يراك ، وكان ابني في بعض الأحيان يراني وأنا أفعل بعض المنكرات ، فتعجبت من قوله .
وأخذ ابني يبكي أمامي ، فأخذته إلى جانبي لكنّه هرب منّي ، وبعد فترة قصيرة ذهب إلى صنبور الماء وتوضأ ، وكان لا يحسن الوضوء لكنه تعلم من أمه التي كانت تنصحني كثيراً ولكن بدون فائدة ، وكانت من حفظة كتاب الله .
ثم دخل عليّ ابني الأصم الأبكم ، وأشار إليّ أن انتظر قليلاً .. فإذا به يصلّي أمامي ، ثم قام بعد ذلك وأحضر المصحف الشريف ووضعه أمامه وفتحه مباشرة دون أن يقلّب الأوراق ، ووضع أصبعه على هذه الآية من سورة مريم : (( يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً )) ( سورة مريم : 45)) . ثم أجهش بالبكاء ، وبكيت معه طويلاً ، فقام ومسح الدمع من عيني ، ثم قبّل رأسي ويدي ، وقال لي بالإشارة المتبادلة بيني وبينه ما معناه : صل يا والدي قبل أن توضع في التراب ، وتكون رهين العذاب ..
وكنت – والله العظيم – في دهشة وخوف لا يعلمه إلا الله ، فقمت على الفور بإضاءة أنوار البيت جميعها ، وكان ابني مروان يلاحقني من غرفة إلى غرفة ، وينظر إلىّ باستغراب ، وقال لي : دع الأنوار ، وهيّا إلى المسجد الكبير – ويقصد الحرم النبويّ الشريف – فقلت له : بل نذهب إلى المسجد المجاور لمنزلنا ، فأبى إلا الحرم النبوي الشريف ، فأخذته إلى هناك ، وأنا في خوف شديد ، وكانت نظراته لا تفارقني ألبتة ، ودخلنا الروضة الشريفة ، وكانت مليئة بالناس ، وأُقيم لصلاة العشاء ، وإذا بإمام الحرم يقرأ من قول الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) ( النور : 21)
فلم أتمالك نفسي من البكاء ، ومروان بجانبي يبكي لبكائي ، وفي أثناء الصلاة أخرج مروان من جيبي منديلاً ومسح به دموعي ، وبعد انتهاء الصلاة ظللت أبكي وهو يمسح دموعي ، حتّى إنّني جلست في الحرم لمدّة ساعة كاملة ، حتّى قال لي ابني مروان : خلاص يا أبي ، لا تخف .. فقد خاف عليّ من شدّة البكاء ..
وعدنا إلى المنزل ، فكانت هذه الليلة من أعظم الليالي عندي، إذ ولدتُ فيها من جديد ..
وحضرت زوجتي ، وحضر أولادي ، فأخذوا يبكون جميعاً وهم لا يعلمون شيئاً مما حدث ، فقال لهم مروان : أبي صلّى في الحرم ، ففرحت زوجتي بهذا الخبر إذ هو ثمرة تربيتها الحسنة ، وقصصت عليها ما جرى بيني وبين مروان ، وقلت لها : أسألك بالله ، هل أنت أوعزتِ له أن يفتح المصحف على تلك الآية ، فأقسمت بالله ثلاثاً أنّها ما فعلت ، ثم قالت لي : احمد الله على هذه الهداية ، وكانت تلك الليلة من أروع الليالي .
وأنا الآن – ولله الحمد – لا تفوتني صلاة الجماعة في المسجد ، وقد هجرت رفقاء السوء جميعاً ، وذقت طعم الإيمان ، فلو رأيتني لعرفت ذلك من وجهي .
كما أصحبت أعيش في سعادة غامرة وحبّ وتفاهم مع زوجتي وأولادي وخاصّة ابني مروان الأصمّ الأبكم الذي أحببته كثيراً ، كيف لا وقد كانت هدايتي على يديه .
أخوكم / أبو مروان - المدينة المنورة .

[1] - كتبها لي بنفسه .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #86  
قديم 10-03-2011, 06:28 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة شاب يمني( [1])

يقول الحق تبارك وتعالى : (( وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ))( يوسف : 105، 106) .
وصدق الله العظيم ، فإن من تأمل حال الناس اليوم ، رأى مصداق هذه الآية ماثلاً للعيان ، فما أكثر المسلمين اليوم ، وأما أقل الموحدين منهم ، ومن أراد الدليل والبرهان فليطف ببعض مساجد المسلمين ليرى العجب العجاب من التعلق بالقبور والأموات والغائبين ، وهذا من أعظم أسباب تخلف المسلمين ، وتأخرهم . فإن للتوحيد الصحيح أثراً عظيماً في بث روح العزة والأنفة في نفس صاحبه ، فلا يركع إلا لله ، ولا ينحني لغيره ، ولا يدعو إلا إياه ، ولا يدع فعل الأسباب المشروعة بحجة التوكل ، لأن توحيده الصحيح يقول له : إن التوكل الحق لا ينافي فعل الأسباب ، بل لا بنفك عنها ، وإلا صار تواكلاً لا توكلاً ، ولعل في قصة هذا الشاب اليمني أوضح مثال لما أقول :
يقول هذا الشابّ :
أنا شابّ من إحدى قرى اليمن ، نشأت منذ نعومة أظافري على المحافظة على الصلوات ، وحبّ المساجد ، فكنت – ولله الحمد – أقوم بالاعتناء بالمساجد وكنسها وتنظيفها .. وعلى الرغم من كثرة تردّدي عليها ، لم أجد من يقف بجانبي ، أو يعلّمني حتّى كيف أتوضّأ، فقد كنت لا أحسن الوضوء .
المساجد كانت مليئة بالمصلّين ، لكنّها مليئة بالجهل والشرك والأفّاكين ، كيف وإمام المسجد الذي كنت أصلّي فيه كان من كبار الصوفية الذين يجوّزون دعاء الموتى والالتجاء إليهم في الملمّات ([2]) . ، ومن الذين يقولون بأن الله – جلّ جلاله موجود في كلّ مكان بذاته العليّة – تعالى الله عن ذلك – فالله عزّ وجلّ – بنصّ القرآن وإجماع السلف – في السماء مستوٍ على العرش استواء يليق بجلاله ، من غير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل : (( َيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) ) الشورى : 11 ) .
وكذلك كانت القرية مليئة بالسحر والشعوذة ، فمنهم من يدّعي علم الغيب ، ويستعين بالشياطين لمعرفة بعض المغيّبات الحادثة ، أمّا المستقبلية فلا سبيل إلى معرفتها ، ومنهم من يقوم بالشعوذة ورقية المرضى ، بالرقى الشركية الشيطانية ، ومنهم السحرة الذين يفرّقون بين المرء وزوجه ، ولكن ، حسبنا هذا الجزاء من الآية الكريمة ( وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ )) ( البقرة : 102) .

. نشأت وترعرعت ، والجهل مخيّم على هذه القرية ، كنّا – أنا وأفراد أسرتي – نقوم بزيارة بعض القبور المعروفة ، وكذا دأب الأسر الأخرى ، فكنّا نطلب من الأموات ما لا يقدر عليه إلا الله ، والله أعلم هل هؤلاء الموتى من أهل الجنّة أم من أهل النار ، وكنّا نأتي في كلّ عيد نسلّم على هذه الأحجار ، ونقبّلها ، وبينما أنا في هذه الحال ، أتخبط في لجج الظلام ، إذ أتى شهر رمضان المبارك من عام 1412هـ ، وكنت في قرية أخرى غير قريتي ، فدخلت أحد المساجد السلفية ، فلفت نظري دولاب صغير قد وضعت فيه بعض الكتيّبات للاستعارة ، فاستعرت بعضها ، ثمّ أعدت الكرّة ، حتّى قرأتها جميعاً في فترة وجيزة جدّاً ، وكان معظمها يتحدّث عن الشرك ، والتحذير من دعاء غير الله من الأموات والغائبين ، وبيان حقيقة التوحيد ومعنى لا إله إلا الله ، فإذا بأنوار التوحيد تحرق لجج الظلام في قلبي ، وت***ع الشرك من جذوره ، ومنذ ذلك الحين وأنا أحرص على قراءة الكتب النافعة ، وسماع الأشرطة المفيدة ، وأعبّ منها عبّاً ، كالذي وجد الماء الزلال بعد عطش شديد كاد يودي بحياته .
ثمّ بدأت أحضر حلقات العلم في المساجد ، وأتعلّم العقيدة السلفية النقيّة على يد من نذروا أنفسهم لنشر التوحيد، ومحو الشرك ، وكما جرت سنّة الله عزّ وجلّ في سائر العصور أن كلّ من دعا إلى التوحيد الخالص لا بدّ أن يؤذي ويُفترى عليه ، وتوجّه إليه التهم ، فقد أُوذينا في الله ، وواجهنا كثيراً من المصاعب ، وكانت الأعين تراقبنا ، والدعايات الكاذبة تلاحقنا من قبل أهل الأهواء والبدع ، فقد كان شغلهم الشاغل هو : ماذا يشيعون علينا من أخبار سيئة ، وافتراءات أثيمة ، فلم نأبه لهذه الافتراءات بل بدأنا – ولله الحمد – ننتشر في مساجد القرية ، ونقيم الدروس والمواعظ المختصرة بقدر ما فتح الله علينا من العلم ، وبدأ أنصار التوحيد والسنّة يتزايدون ، ثمّ بدأنا بالدعوة الفردية لأعيان البلد من أهل الشرك والشعوذة والسحر الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ، فأخذتهم العزّة بالإثم ، وقابلوا النصح والتذكير بالسبّ والشتم والتهديد ، بل بعضهم هدّد بال*** ، وهكذا وقف الجميع ، إلا من رحم الله – في وجه هذه الدعوة ، حتّى أُدخلنا السجن في بعض الفترات ، وأراد منّا من يدّعي الإصلاح أن نتأسف لمن نصحناه ، ونقبّل يده وركبته (!) ، فامتنعنا أشدّ الامتناع ، وقلنا بكلّ وضوح : لا دناءة في دين الله .
ومع هذا كلّه ، فلله الحمد والشكر ، فقد أدّت هذه النصائح ثماراً طيبة ، فقد قبلها بعض الناس ، وترك ما هو فيه من ضلال وشرك . وما زلنا – ولله الحمد – ندعو إلى الله عزّ وجلّ بما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعا إليه سلف الأمّة رضوان الله عليهم ، نسأل الله أن يثبتنا على دينه .
أخوكم أبو عبد الله من اليمن .

[1] - كتبها لي بنفسه .

[2] - يقول تعالى ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) [ ( الأحقاف : 5) .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #87  
قديم 10-03-2011, 06:37 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة مدمّر الأصنام ([1]) .
إنّه شاب نيجيري ، تبدو على وجهه علامات القوّة والشكيمة ، بدأت رحلته من الإسلام الوراثي المغلوط ، إلى النصرانية المحرّفة ، ثم إلى الإسلام من جديد ، ولكنّه الإسلام الصحيح .
أمّا تفاصيل رحلته فيرويها بنفسه ، يقول :
تعرّفت على الإسلام منذ طفولتي المبكّرة ، وهذا أمر بدهي بحكم إسلام الأسرة الوراثي ، وبدأت تجربتي مع الإسلام تقريباً في أوّل مرحلة للتعليم ، كنت في التاسعة من العمر حين التحقت بالمدرسة الإسلامية الصغرى في نيجريا بناء على رغبة والدي الذي كان يشجعني يحدّثني عن الإسلام ، ويقول لي : إنّ الدين الإسلاميّ عُني بالحياة كلّها ، وبكلّ ما يمتدّ على أديم الأرض المضطرب ، وتشرّبتُ المعاني التي لقّنني إيّاها ، ورسخت في ذهني ، فقد تعلّمت منه أنّ الإسلام جعل لكلِّ مشكلة حلاً ، ولكلّ عملٍ صالحٍ ثواباً ، ولكلّ عملٍ سيءٍ عقاباً ، ولكلّ مستغفر وتائب أجراً ، وهذه القناعات لم تفارقني حتّى داخل الكنيسة يوم أن لبست ثوب النصرانية المحرّفة .
ثمّ في عام 1390هـ التحقت بمدرسة ثانويّة حكوميّة ، وكانت تجربة مثيرة ، التقيت خلالها بالكثير من الطلاب المسلمين الذين على ديني ، وكوّنت علاقات طَوّرت معرفتي بالعبادات ، فكنّا نحيي ليالي رمضان بالقيام وتلاوة القرآن ، وننظّم برامج دينيّة ورحلات وزيارات في عيدي الفطر والأضحى ، وأدركت في تلك المرحلة أنّ الإسلام دين حنيف ، وهو دين الرحمة والقوّة والمحبّة .
ربّما سألني سائل فقال : إذن ، لماذا تنصّرت ؟
فأقول : إنّ هذا السؤال يذكّرني بجملة قرأتها لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، معناها : يجب علينا أن نعبد الله بالذوق والوجدان والقلب والروح والضمير .
أمّا لماذا تنصّرت ، فأقول : تنصّرت عند ما لاحظت أنّ كثيراً ممّن حولي من المسلمين لا يأبهون بدينهم من ناحية الشعائر والسلوك والمعاملات ، وأنّ كثيراً منهم يتّجهون وجهة مغايرة لدينهم ، إنّهم يتزيّون فقط بزيّ الدين ، والإسلام عندهم اسم فقط ، تبيّن أنّ أعمالهم تناقض عقيدتهم في أصولها وقواعدها ومظاهرها ، نفاق ، وحقد ، وحسد ، وإخلاف للوعد ، ونقض للعهد .. ولهذا تركت بعضهم فوراً ، وتعرّفت على زملاء نصارى في المدرسة نفسها ، وصاحبت بعضهم ، ونمت علاقاتي معهم ، وقويت جداً ، وبعد فترة شعرت أن الشباب النصراني أحسن معاملة ، وأكثر وعياً ورحابة صدر ، وانتماؤهم إلى دينهم كان أقوى من انتماء المسلمين إلى دينهم ([2]) . علاوة على المساعدات الماديّة والمعنوية التي تلقّيتها منهم ([3]) . ، ولذا قبلت الدعوة إلى اعتناق النصرانية المحرفة فور أن وجّهت إليّ .
نعم .. لقد أخرجني سلوك المسلمين من الإسلام ، وأدخلني سلوك النصارى إلى النصرانية !! وبالطبع ، لو كنت على علم بالعقيدة الصحيحة وأصولها لكان إيماني بها قوّياً ، ولما تنصّرت . ولعلّي أذكر هنا مقولة مشهورة لأحد كبار المفكرين الذي اعتنق الإسلام مؤخّراً والتي تبيّن أثر السلوك في تحويل عقيدة الفرد ، حيث قال : (( الحمد لله الذي هداني للإسلام قبل أن أعرف سلوك المسلمين )) .
لكنّي منذ أن تنصّرت وأنا مضطرب الوجدان ، ويسكن في داخلي خوف كبير ، خوف لا تحدّه حدود ، وتنتابني حالات من القلق والأرق ولا أدري كنهها .. كنت أهرب إلى الكنيسة بحثاً عن السلوى واليقين ولكن هيهات .. وضاعف هذا الخوف إحساسي بالتمرّد على والدي ، وزعزعة استقرار الأسرة ، وكلّما تذكّرت والدي انتابتني حالة من الفزع والخوف ، وعلمت أنّ والدي لم يتخلّ عنّي ، ولم ييأس ، بل كان يبحث بشتّى الطرق إمكانية إعادتي إلى الإسلام .. لقد كانت لديّ قناعة تامّة بأنّ دعاء والدي سيكون هو السبب في أن يهديني ، وأعود إلى الإسلام من جديد .
وبعد خمس سنوات عشتها في ظلام النصرانية وضلالها ، أسلمت مرة ثانية ، ودرست الإسلام دراسة حقيقية وعميقة ، فعدت إليه بقوّة حتّى حصلت على لقب ( مدّمر الأصنام ) ، وذلك لجهودي التي لم تتوقّف في تدمير الأصنام في قريتي والقرى المجاورة ، وكنت أفعل ذلك بعون من الله ، ودون خوف من وثنيّات أو عرقيّات ، وبسبب ذلك بُذلت محاولات جادّة للنيل منّي ، ولكنّ الله جلّت قدرته أيّدني بنصره ، فأصبحت ظاهراً عليهم ، وأنا فخور بهذا اللقب الذي أطلقه عليّ أستاذي الجليل .
ثمّ حصلت على الثانوية الإنجليزية ، وشهادة معهد اللغة العربية ، والتحقت بعد ذلك بكليّة الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض .
عملت بعد ذلك في مجال الدعوة بقوّة ، فأسلم على يديّ سبعون شخصاً قبل دخولي الجامعة وبعده ، وفي العطلة الماضية فقط استطعت إقناع ثلاثة وعشرين نصرانياً بالإسلام ، فأسلموا ، وشهاداتهم معي الآن في الرياض ، ثمّ افتتحت مكتباً للدعوة الإسلامية في نيجيريا ، ومعهداً لتعليم الدراسات الإسلامية والعربية ، وأصبحنا ننظّم قوافل دعويّة بالتعاون مع الندوة العالمية للشباب الإسلاميّ ، وركّزنا جهودنا على العمل في أوساط الشباب النصرانيّ ، وكانت لنا مصادمات مع أساطين التنصير هناك ، اتّبعنا فيها أسلوب التأنّي والحكمة والموعظة الحسنة حتّى لا يتصوّر ضعاف النفوس أنّ الإسلام دين *** وإرهاب ، ويحتاج العمل الدعوي هناك إلى زيادة عدد الدعاة ففي نيجيريا ثلاثون ولاية ، لا يتجاوز عدد الدعاة فيها جميعاً المائتي داعية .
أما الكنيسة في أفريقية فلها دور بنّاء وفعّال في عملية التنصير في كلّ قارات العالم كما هو معروف ، ومن تجربتي مع النصارى أدركت أنّهم يستغّلون الكنيسة بزينتها وزخرفتها وأثاثها الفاخر في جذب قلوب الضعفاء باعتبارها مقرّ عبادة أفضل وأرقى من المسجد ، ومكان اجتماع الفقراء حيث يتلقون الهدايا والهبات ، ويمارسون الرياضات ، فيشعرونهم براحة نفسية آنية ، وسعادة كاذبة ، كما أنّهم يرسلون الصغار والشباب إلى المدارس بملابسهم الأنيقة ، على أنغام الطبول والدفوف .
والكنيسة ذكية في التعامل مع المواطنين ، فهي توزّع الأموال على الفقراء ، ولا تفرّق بين الأبناء هناك من حيث اللون أو العرق أو الجنس .
وبتجربتي أحسّ بأنّ لليهود دوراً كبيراً في عملية التنصير ، بدليل أنّ الكنيسة تعلّم روّادها أن يحبّوا إخوانهم اليهود ! وإذا سئلوا : لماذا ؟ قالوا : إنّ اليهود أبناء الله ، كما كان عيسى ابن الله ! وصدق الله القائل : (( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ )) ( المائدة : 51) .

***

[1] - رسالة الجامعة ، العدد 554( بتصرف ) .

[2] - هذا الكلام فيه نطر ، فالنصارى في نيجيريا كغيرهم من الأقليات في البلاد الإسلامية ، تحسن أخلاقهم مراعاة للأكثرية المسلمة وليأمنوا على أنفسهم ، في الوقت الذي يشتد فيه انتماؤهم لدينهم لشعورهم بالغربة في المجتمع المسلم ، والدعاة منهم يحسنّون أخلاقهم ليصطادوا الشباب المسلم الجاهل الذي لا يفرّق بين الإسلام بنقائه وصفائه وبين أهله الذين لا يحملون منه إلا مجرد الاسم وبعض الطقوس الظاهرة ورثوها عن الآباء .

[3] - هذا هو مربط الفرس ، كفانا الله فتنة المال .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #88  
قديم 10-03-2011, 06:41 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة شاب مستهتر

روى لي قصّته بنفسه فقال :
يظلّ هذا الإنسان على مفترق طرق كلّها في النهاية تعود إلى طريقين لا ثالث لهما : طريق الأخيار ، وطريق الأشرار .. هذا الإنسان وإن عاش طويلاً فإنّ الأعمال كأنّها لمح بصر .
فرق بين شابّ نشأ في طاعة الله ، وشابّ نشأ على المسلسلات والأفلام ، بين شابّ إن حضر في مجلس أنصت إليه الناس لكي يسمعوا منه كلمةً من قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، وشابّ إن حضر أو لم يحضر فزملاؤه قائمون على الاستهزاء به ، والضحك منه .
كنت في الصفّ الثاني الثانوي ، فبدأت حياتي تتغيّر إلى الأسوأ ، وتنقلب رأساً ، على عقب ، بدأت لا أصلّي ، ولا أشهد الجماعة في المسجد .. أخذت حياتي تتغيّر حتّى في مظهري الخارجي ... تلك قَصّة شعر فرنسية ، وأخرى إيطالية .. وملابسي لم تعد ثوباً وغترة ، بل أصبحت لباساً غريباً فاضحاً .. وجهي أصبح كالحاً مكفهرّاً .. وفارقت الابتسامة شفتاي .
مرّت سنة وسنتان وأنا على تلك الحال ، حتّى جاء اليوم الموعود ..
كنت جالساً مع (( شلّة )) ([1]) . لا همّ لهم إلّا الدندنة والعزف على العود ، ودقّ الطبول إلى آخر الليل .. شلّة فاسدة لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً ، بل تحثّ على المنكر ، وتأمر به .
وبينما نحن في لهونا وغفلتنا ، إذ أقبل علينا ثلاثة نفر من الشباب الصالح ، كنت وقتها أكره الملتزمين كرهاً شديداً لا يتصوّره أحد .. أقبل أولئك النفر ، فسلّموا علينا ، وجلسوا بيننا بعد أن رحبنا بهم مجاملة .. كنّا عشرة ، وكنت أنا أشدّ هؤلاء العشرة في الردّ على أولئك الأخيار وتسفيههم كلما تكلموا ، كنت أقول لهم : أنتم لا تعرفون أساليب الدعوة ، ولا كيف تدعون .. إلخ
دار النقاش بيننا وبينهم لمدّة ساعة كاملة كنّا خلالها نستهزئ بهم ، وكانوا يقابلون ذلك بالابتسامة والكلام الطيّب .. ولمّا حان وقت الانصراف صافحني أحدهم وقال لي : إنّ لك شأناً عظيماً ..
مرّ أسبوع على هذه الحادثة وحالتي لم تتغيّر .. من معصية إلى أخرى ، وفي ليلة من الليالي عدت إلى المنزل بعد منتصف الليل ، بعد سهرة مع تلك الشلّة الفاسدة .. كنت متعباً ، فألقيت بنفسي على الفراش ، ورحت أغطّ في سبات عميق ، فرأيت فيما يرى النائم أنّني أمام حفرة بيضاء لم أر مثلها قط ، فسجدت لله شكراً حيث نجّاني من تلك الحفرة السوداء المظلمة ، فقمت من نومي فزعاً ، فإذا بشريط حياتي الأسود يمرّ أمامي .. لا أدري ما الذي أصابني .. قلت في نفسي : لو أنّى متّ في تلك اللحظة هل تشفع لي حسناتي في دخول الجنّة ؟ .. هل تنفعني تلك الشلّة الفاسدة التي لا همّ إلا السهر إلى آخر الليل ، والتفكّه بأكل لحوم البشر .. فعاهدت الله على الالتزام بمنهج الله ومنهج رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وعلى تطليق تلك الشلّة الفاسدة ، ومن ترك شيئاً لله ، عوّضه الله خيراً منه .
أخوكم محمد
الرياض


[1] - الشلّة : الجماعة .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #89  
قديم 10-03-2011, 06:46 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة شاب بعد إصابته بمرض الإيدز

(( الإيدز )) اختصار لمرض : فقدان المناعة المكتسبة بحيث يصبح المصاب به بلا مناعة تقيه من الأمراض ، وسببه ارتكاب الفواحش المحرّمة ، ولم يكتشف الأطباء له علاجاً إلى هذه اللحظة ، فهو عقوبة إلهية لأهل الخنا والفجور لعلّهم ينتهون .
أما قصّة هذا الشاب فيرويها لنا ، فيقول :
أنا شاب بحرينيّ ، اكتشفت عن طريق المصادفة أنّني أحمل فيروس مرض الإيدز .. فكان ذلك سبباً في إعادتي إلى رشدي ، أمّا كيف حصل ذلك فإليكم القصّة :
بعد أن أنهيت دراستي الثانوية ، عملت موظّفاً في إحدى الشركات التجارية ، وقد فصلت من العمل لكثرة تغيبي ، عملت بعدها أعمالاً مختلفة من بناء وتجارة وغيرها ، حتّى استطعت أن أكوّن نفسي وأجمع مبلغاً من المال ، كنت أساعد والدي أحياناً وهو في الحقيقة غير محتاج إلى مساعدتي .
وفي أحد الأيّام عرض عليّ أحد الشباب فكرة السفر إلى إحدى الدول الآسيوية ، وكان يروي لي مغامراته ومشاهدته في سفرته السابقة ، ويحدّثني كثيراً عن المتع المحرّمة التي كان يمارسها ، وكأنّه يغريني بالسفر ويستنهض همّتي إليه ، حتّى عزمت على السفر ، فكان أوّل المرحبين بذلك ، بل إنّه تكفّل لي بشراء تذكرة السفر ، على أن أتكفل أنا هناك ببقية المصاريف ...
وسافرنا وكانت البلاد تعجّ بالعرب ، وبالخليجيين على وجه الخصوص ، وجلّهم ليس له همّ إلا البحث عن المتعة الحرام ، كنت أنا مع مجموعة من شباب الخليج ، وقد خضنا في تلك الوحول القذرة حتّى بلغنا الحضيض .. وعدنا إلى البحرين ، وبعد فترة وجيزة جمعنا مبلغاً آخر من المال ، وسافرنا ، ولكن هذه المرّة إلى دولة آسيوية آخرى لا تقل فساداً عن الأولى ، وجرّبنا كلّ شيء ..
وفي إحدى الليالي ، رفض أحد الشباب إعطائي الحقنة المعهودة من المخدّرات ، فخرجت من الفندق ، وقابلت مجموعة من المروّجين فدعوني إلى مقرّهم ، وعرضوا عليّ أنواعاً متعدّدة من المخدرات كنت أجهل بعضها ، ومدى تأثيرهم على الجسم ، وبعد تناولها دعاني أحدهم إلى الغرفة المجاورة لممارسة البغاء بعد أن أمرني بالدفع أوّلاً ، وكنت في سكر شديد ، فقبلت العرض ، ولم أدر أنّ في ذلك حتفي . .
ثمّ عدت إلى البحرين ، ومارست حياتي الطبيعية ، لكنّ شبح المخدّرات كان يطاردني في كلّ مكان ، وقد نصحني بعض المخلصين بالتوجّه إلى مستشفى الطبّ النفسي لتلقّي العلاج ، فوعدتهم بالذهاب ،لكنّي لم أذهب .
وتوالت السفرات إلى تلك البلاد الموبوءة ، لممارسة تلك الأعمال المشينة التي أصبحت جزاءً لا يتجزأ من حياتي البائسة ، حتّى نفدت النقود ، فاحترفت السرقة ، فكنت أسرق من المدن الكبيرة هناك ، للحصول على متعي المحرّمة .
وفجأة .. شعرت بوعكة صحيّة ، فذهبت إلى المركز الصحّي بحثاً عن العلاج ، وبعد تحليل عيّنة من دمي أخبروني بأنّي .. حامل لفيروس الإيدز ..
يا للهول ، ويا للمصيبة .. لقد ذهبت تلك اللذات ، وانقضت المسرّات ، فلم يبق لي منها إلّا الآلام والحسرات ، وإلا الآثام والأوزار والسيّئات ..
تفني اللذاذة ممّن ذاق صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعارُ
تبقى عواقب سوءٍ في مغبّتها لا خير في لذّة من بعدها النارُ
هذه حكايتي باختصار ، وكلّ ما أعرفه أنّني مصاب بهذا المرض ، وعلى الرغم من أنّي أسير إلى الموت سريعاً ، فلا بأس فقد أفقت من غفوتي ، وأنصح كلّ شاب عاقل بالالتزام بتعاليم الدين الحنيف ، تلك التي كنت أسمعها لكنّي لم أتّبعها ، وإنّما اتبعت نفسي الأمّارة بالسوء ، وقد خاب من أتبع نفسه هواها ، وتمنّى على الله الأمانيّ . ..

أقول للشباب : احذروا من المخدّرات والفواحش فإنّها الهلاك الماحق ، واحذروا رفقاء السوء فإنّهم جنود إبليس اللعين ، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، فلعلّكم تقرؤون كلماتي هذه وأنا رهين التراب ، قد فارقت الروح الجسد ، وصعدت إلى بارئها ، فاللهم يا من وسعتْ رحمته كلّ شيء ، ارحم عبدك الضعيف المسكين ..
يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأنّ عفوك أعظمُ
إن كان لا يرجوك إلّا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرمُ
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثمّ إنّي مسلمُ

أخوكم / ......
البحرين
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #90  
قديم 10-03-2011, 06:51 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

توبة امرأة أوشكت على الهلاك ([1])

تقول هذه المرأة :
نشأت في أسرة عربية مهاجرة ، مكوّنة من أب وأم وأربع بنين وبنتين ، كنت أنا أصغرهم .. وفي أحضان هذه الأسرة ترعرعت وتربيت ..
أبي وأمّي يصليّان والله الحمد ، لكنّي لم أرهما يوماً ما يأمران أحداً منّا بالصلاة ، أمّا أنا فقد ألهمني ربّي – ولله الحمد- المحافظة على الصلاة وأنا في السابعة من عمري ، وأواظب عليها . وارتديت الحجاب وأنا في العاشرة من عمري ...
كنت أقوم من الليل ، وأحافظ على نوافل الصلوات والصيام ، وأحيي رمضان وحدي .. ظللت على هذه الحال حتّى التحقت بالمرحلة الثانوية ، فأحسست بشيء من الفتور في العبادة ، وبخاصة النوافل ، وكذا الخشوع في الصلاة ، وتلاوة القرآن ، مع محافظتي على الفرائض .. فكنت إذا ما جنّ الليل أحاسب نفسي ، وأبكي على حالي ، فإذا ما أصبح الصباح نسيت حالي ، وألهمتني مشاغل الحياة ..
وظللت على هذه الحال حتّى أنهيت المرحلة الثانوية وما بعدها ..
ثمّ تقدّم لخطبتي رجل طيّب ، يعمل في أمريكا ، فوافقت عليه وتزوّجنا .. كان – ولله الحمد – خيّراً ، فكان يشجعني على لبس الحجاب حتّى ونحن في وسطٍ كافر ، على الرغم من أنّه في تلك الفترة لم يكن محافظاً على الصلاة والصيام ، وقد طلبت منه صيام شهر رمضان معي ، فصامه والله الحمد ، ودعوته إلى الصلاة فوعد خيراً ، ومع ذلك كلّه كنت متعلّقة بسماع الغناء ، والخروج إلى الأسواق ، فلم تكن صلاتي تنهاني عن كثير من المنكرات والذنوب ، فالقلب لم يزل في أسر المعاصي .
وذات يوم خرجت من الحمّام بعد أن اغتسلت ، كانت الريح شديدة وقويّة ، وكانت نافذة المطبخ مفتوحة ، فاتّجهت لإغلاقها ، فأحسست بلفحة هواء ، وبعد فترة قصيرة أحسست بصداع شديد في رأسي ، فتناولت دواءً لتخفيف الصداع ، ولكن دون جدوى ، فبدأ الألم يزداد ، والحالة تتطوّر من صداع إلى حرارة ثمّ رعشة قويّة ، فلمّا حضر زوجي – وكان طبيباً – أعطاني دواء آخر فهدأ جسمي قليلاً لمدّة دقائق ، ثمّ عادت الرعشة من جديد ، فمكثت في البيت على هذه الحال خمسة أيّام مع تناول الدواء ، لكنّ الدواء لم يؤدّ مفعوله .. ثمّ تطوّرت الحال إلى الأسوأ ، حيث أصبت بتورّم في القدمين ، وعدم القدرة على الحركة إلّا قليلاً ، فقرّر زوجي نقلي إلى المستشفى ، وفي الصباح الباكر تركت أطفالي عند جارة لي مسلمة كانت لهم خير أمّ جزاها الله خيراً ..
فلمّا دخلت المستشفى ، ورأى الطبيب حالتي ، أسرع بي إلى قسم الطوارئ . . لقد كنت من قبل أرى مثل هذا المنظر في التلفاز ، ولم أكن أتوقّع في يوم من الأيّام أن أكون أنا صاحبة هذا المنظر .. فترى الممرّضات يضعنني على السرير المتحرّك ، ويسرعن بي إلى غرفة الإنعاش، ثمّ تأتي أخرى فتغرز في يدي إبرة التغذية – وذلك أنّ جسمي كان قد هزل من قلّة الأكل ، لأنّني في تلك الفترة كنت كلّما أكلت شيئاً ولو يسيراً استفرغته .. وأخرى تقوم بقياس الضغط ، وثالثة تسرع لإحضار حقنة لتسحب من دمي وتفحصه .. كأنّي تماماً في مشهد تمثيلي تلفزيوني لا حقيقيّ ...
كنت وقتها لا أملك إلّا نظرات شاردة ، فلساني قد ثقل عن الكلام بسبب الحرارة العالية ، والرعشة القويّة ، وقدماي قد ثقلت عن الحركة بسبب الأورام ، والأعضاء منّي قد سكنت إلّا من قلب واهن ينبض ببطء ، فلم أجد ما أعبّر به عن آلامي في تلك اللحظات إلّا بقطرات من الدموع خرجت بصعوبة بالغة ، ومع ذلك لم أستطع مسحها ، لأنّ يديّ كانتا غير قادرتين على الحركة .
وفي صباح اليوم التالي قام الأطبّاء بإجراء فحوصات شاملة لسائر أعضاء الجسم للتعرّف على سبب الحرارة والعمل على خفضها ، إذ هي سبب المشكلة ، فقاموا بفحص القلب والرحم والعظام والدم ، وعمل أشعّة للدماغ والجسم كاملاً ، فكانت النتائج كلّها سليمة !!
فاحتار الأطبّاء في أمري ، حيث عن عجزوا معرفة مسببات الحرارة في جسمي ، فقاموا باستدعاء أطبّاء آخرين من ولاية أخرى ، فاقترحوا أن يستمرّ فحص الدم يومياً لاحتمال وجود جرثومة فيه ، فكانوا يوميّاً يأخذون عينة من دمي ، والنتيجة : لا شيء . فأصبحت في حال لا يعلمها إلا الله ..
أمّا الممرضات المشرفات على حالتي فكنّ يواسينني ، ويطمئنني ، على الرغم من علمهنّ بحالتي شبه الميؤوس منها ، فكنّ يقلن لي : إنّك سوف تخرجين ، وترين أولادك ، وتلاعبينهم .. وذلك أنّني منذ دخلت المستشفى لم أرهم ، لأنّ الزيارة كانت ممنوعة عنّي .
وذات مرّة قامت رئيسة الممرّضات بغسل شعري وتسريحه ، فسرح ذهني بعيداً ، وتذكّرت هادم اللذات : الموت ، وقلت في نفسي: الآن يغسلون شعري ، وغداً يغسلون جسمي ، ويحنّطونه ، ويكفّنونه ، ويصلّون عليّ ، ويدفنوني تحت التراب ، ويفارقني الأحباب ، فأكون رهينة الحساب ..
فبكيت كثيراً ، والممرّضة بجانبي لا تعلم ما يجول في خاطري ، فكانت تواسيني ، وتعدني بالشفاء والخروج من المستشفى ..
وبعد أن فَرَغَتْ من تسريح شعري ، وترتيب ملابسي ، أعادتني إلى غرفتي ، وقالت : أتركك الآن لترتاحي قليلاً .. فكنت أدعو لها بالهداية ، جزاء ما فعلته بي .
كان تفكيري لا يزال متعلّقاً بذكر الموت ، فقلت في نفسي : يا نفس : ها أنت تموتين رويداً رويداً ، فماذا قدّمتِ من صالح الأعمال ؟ وبدأت في محاسبة نفسي .. فتذكّرت سيّئاتي من سماع الغناء صباح مساء ، ومشاهدة التلفاز ، وما أدراك ما التلفاز وما فيه من المسلسلات والأفلام .. لدرجة أني كنت أؤدي الصلاة بسرعة حتّى لا يفوتني شيء منها .. ناهيك عن حبّ الأسواق وغيرها من الأماكن المختلطة التي كنت أخرج إليها مع زوجي ..
وبكيت وبكيت ، حتّى أنّى من شدّة البكاء ومحاسبة نفسي نسيت أنّي مريضة ..
وفي اليوم التالي ، وهو اليوم الحادي عشر من تاريخ دخولي المستشفى ، جاء الاطبّاء لرؤيتي ، فلم يلحظوا أيّ تحسّن ، بل لم تزدد حالتي إلا سوءاً ، وأعلن الأطبّاء يأسهم من حالتي ، وقالوا لزوجي : إن كان لزوجتك أهل وأقرباء هنا في أمريكا فليأتوا لرؤيتها ، قبل ألّا يتمكّنوا من ذلك .
كنت أسمع ما يقولون وأفهمه لكنّي لا أتمكّن من الكلام ولا حتّى الحركة .
ثمّ خرج الجميع من عندي ، وكانت ساعة المغرب ، فلم يزدني ذلك إلا بكاءً .. لا أبكي لأني سأفارق أولادي وزوجي ، وإنّما أبكي خوفاً من ذنوبي ، فبمَ أقابل ربّي إن أنا متّ على هذه الحال ؟
وعدت إلى محاسبة نفسي ، فقلت : هل لي من حسنات ألقى الله بها ؟
وتذكّرت ، فقلت : يا ربّ : إنّي كنت بارّة بوالديّ حتّى سافرت إلى هذه البلاد ، ومنذ سنين عديدة لم أرهم ، ورغم البعد عنهم فإنّي أدعو لهم ، وأسألك يا ربّ أن تعينني على البرّ بهم دائماً .
أمّا جيراني وصديقاتي فلا أذكر أنّني آذيت أحداً منهم يوماً ما ، بل كنت بينهم محبوبة مألوفة ..
فقلت في نفسي : وهل يغفر الله لي بهذا العمل ما حصل منّي من تقصير وذنوب ؟
فما زلت على هذه الحال من المحاسبة الشديدة والبكاء ، وتذكّر الجنّة والنار ، وما فيهما من النعيم ، والجحيم والأغلال ، حتّى دخل وقت صلاة الفجر ، وعيناي تذرفان الدموع ، وفي ختام هذه المحاسبة ، وبعد استسلامي لأمر الله وقضائه ، دعوت الله عزّ وجلّ بالدعاء المأثور : (( اللهمّ أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفّي إن كانت الوفاة خيراً لي .. )) .
غبت بعدها عن الوعي، فلم أشعر بنفسي إلّا والممرّضة تضع يدها على كتفي ، لتوقظني وتدعوني لتناول الدواء ، وفتحت عيناي ، فإذا بها تنظر إليّ بدهشة بالغة ، وتخرج مسرعة إلى باب الغرفة لتتأكّد من الاسم .. فهل يعقل أن تكون هذه هي المرأة التي عجز الأطباء عن علاجها بالأمس ، بل أعلنوا يأسهم من شفائها ؟!! إنّها الآن في حال مختلف ..
يا إلهي .. ما الذي حدث ، هل أنت حقّاً فلانة ؟!! ، قالت الممرضة بلهجتها الأمريكية ، فنهضتُ ، وجلستُ ، وأخذتُ منها بيدي حبّة الدواء وتناولتها ، فشربت عليها الماء ، ثمّ فتحت حقيبتي وأخرجت منها المصحف فاحتضنته بقوّة وأنا أبكي ، ثمّ قرأت منه بعض الآيات بتدبّر وخشوع .. فإذا بالممرضة تصرخ ، وتنادي الأطباء والممرّضات لينظروا إليّ ، فجاؤوا مسرعين ، وقد ظنّوا أنّي قد فارقت الحياة ، فلمّا دخلوا الغرفة ، ورأوني على تلك الحال ، أصيبوا بالدهشة ، ومن الممرّضات من لم تتمالك نفسها فأجهشت بالبكاء ، وتساءلوا جميعاً .. ماذا جرى ؟ .. وما الذي حدث ؟ .. وكيف حصل الشفاء ؟! ..
فأجبتهم بأنّ الله عزّ وجلّ هو الشافي . ألم يقل سبحانه : (( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )) ( النمل : 62) .
وقال سبحانه : (( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ )) . ( الأنعام : 17) .
المهم هو صدق اللجوء إلى الله والتوجّه إليه سبحانه ، وعدم استعجال الشفاء مهما طالت المدّة ، مع بذل ما يمكن من الأسباب ..
وبعد خروجي من المستشفى قامت إحدى الصديقات بزيارتي ، وأخبرتني عن حلقة أسبوعية لبعض الأخوات العربيات المسلمات ، يتذاكرن فيها العلم ، فوفّقني الله لحضور هذه الحلقة ، ومع أنّ مقرّها يبعد عنّا مسافة خمس وأربعين دقيقة ، إلّا أنّ زوجي كان يوصلني إليها جزاه الله خيراً ..
ثمّ بدأت بالمواظبة على الحضور ، ثمّ المشاركة ببعض الموضوعات ، وبعد سنة من حضوري والتزامي انتخبوني رئيسة للحلقة ..
وبعد سنتين شاء الله عزّ وجلّ أن نغادر بلاد الكفر ، إلى خير البقاع وأطهرها ، هذه البلاد الطيبة ، فقد وُفّق زوجي إلى عقد عمل مع أحد المستشفيات هنا ولله الحمد ، وقد كتب الله لنا أداء فريضة الحجّ ، والاعتمار ثلاث مرّات ولله الحمد والمنّة ..
هذه قصّة هدايتي منذ بدايتها ، وقد مرّ الآن على تلك الحادثة التي أيقظتني من غفلتي ستّة أعوام ، واليوم أسأل الله عزّ وجل أن يثبتني وجميع المسلمين على الدين القويم حتى نلقاه على ذلك ، فإنّ الأعمال بالخواتيم .
أختكم التائبة
أم يوسف

[1] - كتبتها لي بنفسها .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:17 PM.