|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#31
|
||||
|
||||
الصلاة وبر الوالدين والجهاد من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى : الصلاة وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله. فعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: {الصلاة على وقتها} قلت: ثم أيٌّ ؟ قال: {بر الوالدين} قلت: ثم أيُّ؟ قال: {الجهاد في سبيل الله} ([119]) أولاً: الصلاة على وقتها · الصلاة لغة للصلاة في اللغة معان كثيرة ، أهمها: الدعاء، يقال: صلّيت عليه ، أي دعوت له، ومنه قوله -عليه الصلاة والسلام-:{إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، وإن كان صائماً فليصلِّ}([120]) أي: ليدع لأهله ([121]) ومنه –أيضاً- قوله تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ 3 ) ([122]) قال ابن كثير –رحمه الله-: « ... ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) أي : ادع لهم واستغفر لهم، كما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بصدقة قوم صلى عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى» ([123]) وقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ([124]) جاء في تفسير ابن كثير عقب هذه الآية : «قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء» ([125]) وقال بعضهم: أصل الصلاة من الصِّلاء، ومعنى صلَّى الرجل أي أزال عن نفسه بهذه العبادة الصِّلاء الذي هو نار الله الموقودة ([126]) وقيل: أصلها التعظيم، وسميت الصلاة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرب تعالى وتقديسه ([127]) · وشرعـاً وأما تعريفها في الشرع فهي: «التعبد لله بأقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم» ([128]) . قال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز- يرحمه الله-: «... الصلاة عبادة ذات أقوال وأفعال أولها التكبير وآخرها التسليم» ([129]) وقد أمر الله المسلمين بالمحافظة عليها وإقامتها في أوقاتها فقال سبحانه ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) ([130]) فلا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا لعذر قدره الشرع من نوم أو نسيان وما يلحق بهما من إغماء وغيره قال الله تعالى ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً )([131]) قال ابن عباس رضي الله عنه : «أي مفروضاً، وقال: إن للصلاة وقتاً كوقت الحج» ([132]) |
#32
|
||||
|
||||
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية –قدس الله روحه- يقول:
« ... فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لجنابة ولا لحدث ولا لنجاسة ولا غير ذلك، بل يصلي في الوقت بحسب حاله؛ فإن كان محدثاً وعدم الماء أو خاف الضرر باستعماله، تيمم وصلى، وكذلك الجنب يتيمم ويصلي إذا عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله لمرض أو لبرد، وكذلك العريان يصلي في الوقت عرياناً، ولا يؤخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت في ثيابه، وكذلك إذا كان عليه نجاسة لا يقدر أن يزيلها فيصلي في الوقت بحسب حاله، وهكذا المريض يصلي على حسب حاله في الوقت... وهذا كله لأن فعل الصلاة في وقتها فرض والوقت أوكد فرائض الصلاة» ([133]) وقال – أيضاً-: «فالمريض له أن يؤخر الصوم باتفاق المسلمين ، وليس له أن يؤخر الصلاة باتفاق المسلمين» ([134]) وجاء الأمر في القرآن الكريم بإقامة الصلاة وليس بالصلاة فقط: قال الله تعالى ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ ) ( [135]) وقال : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ([136]) وقال : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) ([137]) وقال : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) ([138]) وقال : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ) ([139]) وقال : ( فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ 4 ) ([140]) وقال : ( وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) ([141]) وقال : ( وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ ) ([142]) وقال : ( فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ ) ([143]) وقال : ( فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) ([144]) وقال : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً 4 ) ([145]) وقال : ( وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 4 ) ([146]) وأكثر من ذلك فإنه لم يرد في القرآن الكريم ذكر الصلاة –غالباً- إلا مقترنة بلفظ الإقامة أو ما اشتق منها، ومن ذلك قوله تعالى: ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة ) ([147]) وقوله ( يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) ([148]) وقوله ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) ([149]) وقوله ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) ([150]) وقوله ( ) وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ) ([151]) وقوله ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى ) ([152]) وقوله ( وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) ([153]) وقوله ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ ) ([154]) وإذا أطلق لفظ الإقامة في القرآن الكريم فإنه يراد به الصلاة، من ذلك قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً ) ([155]) قال ابن كثير –يرحمه الله- : «... يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يترك التزمل وهو التغطي في الليل وينهض إلى القيام لربه عز وجل ... وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتثلاً ما أمره الله به من قيام الليل...»([156]) وقوله تعالى ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ) ([157]) وقوله ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) ([158]) قال الضحاك – رحمه الله-: «أي إلى الصلاة» ([159]) وقوله ( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ) ([160]) وقوله ( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ) ([161]) ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) ([162]) · المراد بإقامة الصلاة والمراد بإقامتها: إتمام قراءتها وإتمام ركوعها، وإتمام سجودها، وحضور القلب فيها وكل ذلك في خشوع وخضوع لله رب العالمين. قال الضحاك : عن ابن عباس –رضي الله عنهما- «إقامة الصلاة إتمام الركوع والتلاوة والخشوع والإقبال عليها» وقال قتادة : «إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها» ([163]) والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرَّغ قلبه لها، واشتغل بها عمّا سواها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون الصلاة راحة لبدنه، وقرة لعينه، وطمأنينة لفؤاده وسكينة لقلبه كما قال صلى الله عليه وسلم : {حُبِّبَ إليّ الطيب والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة} ([164]) |
#33
|
||||
|
||||
وكثير من الناس - إلا من رحم الله- لا يحققون الصلاة بهذا المفهوم فإذا دخل المرؤ في الصلاة أقبل عليه الشيطان بخيله ورجله وأخذ يوسوس له، ويصرفه عن الصلاة ويشغله بأمور الدنيا، ويجعله يكثر من الحركة والالتفات حتى أنه لم يعقل من صلاته شيئاً، فالمصلون كثير والمقيمون قليل، وكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «الحاج قليل والركب كثير»
وهذا أمر خطير يئن منه كثير من المصلين، ونحن نوصي أنفسنا ونوصيك أيها القارئ الكريم الحبيب بأن يجاهد كل منا نفسه حتى يتخلص من هذا الأمر، ويحقق إقامة الصلاة كي يتحقق لنا جميعاً الفلاح والفوز والسعادة في الدارين. قال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) ([165]) ولأبي حامد الغزالي –رحمه الله- كلام طيب يساعد على الخشوع في الصلاة فاقرأه –يرحمك الله- بتدبر وإمعان، يقول: «...اعلم أن الصلاة إنما هي ذكر وقراءة ومناجاة ومحاورة، وذلك لا يكون إلا بحضور القلب، وتمامه يحصل بالتفهيم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء، وعلى الجملة كلما ازداد العلم بالله زادت الخشية وحصل الحضور، فإذا سمعت المؤذن ينبغي أن تستحضر القلبَ هول النداء يوم القيامة، وتتشمر بظاهرك وباطنك للإجابة والمسارعة، فإن المسارعين إلى هذا النداء هم الذين ينادون باللطف يوم العرض الأكبر، فإن وجدت قلبك مملوءاً بالفرح والاستبشار ومشغوفاً إلى الابتدار فسيكون ذلك في ذلك النداء، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: {أرحنا بها يا بلال} إذ كانت قرة عينه في الصلاة. فالطهارة طهارة السرِّ عما سوى الله، فبها تتم هذه الصلاة، فإنك إن سترت العورة بالثياب فما الذي يستر عورتك في الباطن عن الله ؟ فتأدب بين يدي الله، واعلم أنه يطلع على سرِّك فتواضع بظاهرك وباطنك وانظر لو قمت بين يدي الملك كيف تكون ؟ ولا نسبة بينه تعالى وبين الملوك، والكل عبيده، فإذا فعلت ذلك فلا تكون كاذباً في قولك «وجهت وجهي» وفي قولك «حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين» وقولك «إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين» فانظر فلا ينبغي أن يكون هذا كذباً فيكون سبب هلاكك، وينبغي أن تذكر كبرياء الله وعظمته عند ركوعك وسجودك، وتعلم ذلك بصغارك ، والله برحمته أهَّلك لمناجاته فلا أقلّ من التأدب والحضور بقلبك بين يديه. قال صلى الله عليه وسلم {إن الله يُقبل على المصلي ما لم يلتفت} فاحفظ ظاهرك وباطنك عن الالتفات قال عليه الصلاة والسلام : {إن العبد ليصلي ولا يكتب له من صلاته لا نصفها ولا ثلثها ولا ربعها ولا خمسها ولا سدسها ولا عشرها، وإنما يكتب للرجل من صلاته ما عقل منها} وقال بعضهم: إن العبد يسجد السجدة ، وعنده أنه تقرب بها إلى الله تعالى ولو قسمت ذنوبه في سجدته على أهل مدينته لهلكوا، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يكون ساجداً عند الله تعالى وقلبه مُصْغٍ إلى هوى، ومشاهد لباطل قد استولى عليه ...» ([166]). فاسْتِحْضَارُ القلب، والتدبرُ في القراءة، وَتَذَكّرُ عظمة الله وكبريائه، يساعد على ترك الانشغال في الصلاة وترك الالتفات وترك الحركة فيها، ويجلب الخشوع والخضوع والطمأنينة في الصلاة. |
#34
|
||||
|
||||
من فوائد الصلاة للصلاة فوائد كثيرة، وفضائل جليلة، نذكر منها – بإيجاز واختصار: لقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) ([167]) وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن فلاناً يصلي بالليل، فإذا أصبح سرق، فقال: {إنه سينهاه ما تقول} ([168]) وقال أبو العالية : «إن الصلاة فيها ثلاث خصال، فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذا الخصال فليست بصلاة: الإخلاص، والخشية، وذكر الله؛ فالإخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر الله يأمره وينهاه»([169]) وقال ابن عوف الأنصاري : «إذا كنت في صلاة، فأنت في معروف، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر» ([170]) لقوله تعالى ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ([171]) ولقوله سبحانه ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) ([172]) لقوله تعالى ( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) ([173]) وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {خمس صلوات افترضهن الله، من أحسن وضوءهن وجاء بهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، وإن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه } ([174]) ولقوله عليه الصلاة والسلام أيضاً: {الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر} ([175]) وحديث عثمان رضي الله عنه في صحيح مسلم {ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة وذلك الدهر كله }([176]) وقال صلى الله عليه وسلم { أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا} ([177]) وهذا يدعوك أخي الحبيب إلى المحافظة على الصلاة في أوقاتها بخشوع وخضوع لله رب العلمين، حتى يغفر الله لك ذنبك، ويمحو خطأك، ويرفع عنك وزرك، وما أحوجنا لهذا فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) ([178]) وقوله تعالى ( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ( [179]). وفي الجنة نعيم مقيم ففيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقد وصف ابن القيم بعض نعيمها في نونيته المشهورة فقال: يا خاطب الحور الحسان وطالبـــاً لو صالهن بجنة الحيـــوان لو كنت تدري من خطبت ومن طلبت بذلت ما تحوي من الأثمـان أو كنت تدري أين مسكنها جـعلت السعي منك لها على الأجفان ولو وصفت طريق مسكنها فإن رمت الوصال فلا تكن بالواني أسرع وحث السير جهدك إنما مسراك هذا ساعة لزمــان ([180]) ثم قال: هي جنة طابت وطاب نعيمهـا فنعيمها باق وليس بفــان دار السلام وجنة المأوى ومنـزل عسكر الإيمان والقـــرآن فالدار دار سلامة وخطابهــم فيها سلام واسم ذي الغفران ([181]) نسأل الله أن يجعلنا وإياك والمسلمين من الذين يقال لهم ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ) ([182]) ولهذا وغيره الكثير كانت الصلاة على وقتها من أحب الأعمال إلى الله تعالى كما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . |
#35
|
||||
|
||||
بر الوالدين
من مبادئ الإسلام السامية «مبادلة الإحسان بالإحسان» قال الله تعالى ( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ ) ([183]) انطلاقاً من هذا المبدأ الكريم حثت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الأولاد على الوفاء لوالديهم والاعتراف بفضلهم والبر بهم ورغبت في ذلك. وبر الوالدين معناه التوسع في الإحسان إليهما وذلك بطاعتهما وإكرامهما والتواضع لهما والشفقة عليهما والتلطف بهما بأن يقول لهما قولاً حسناً وكلاماً طيباً مقروناً بالاحترام والتعظيم. فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما قالت: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ومعه شيخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : {من معك؟ فقال: أبي، قال: لا تمش أمامه، ولا تقعد قبله، ولا تدعه باسمه، ولا تستسب له ([184])} ([185]) وقد قرن الله سبحانه برَّ الوالدين بعبادته لبيان حقهما على الولد إذ أنهما السبب الظاهر لوجوده في الحياة الدنيا قال الله تعالى: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) ([186]) وقال تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) ([187]) . كما قرن سبحانه شكرهما بشكره فقال : ( أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )([188]) . وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- أنه قال: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تُقْبَل منها واحدة بغير قرينتها؛ إحداها: قوله تعالى ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ س) ([189]) فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه. الثانية : قوله تعالى ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) ([190]) فمن صلى ولم يزَّكِ لم يقبل منه. الثالثة: قوله تعالى ( أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ) ([191]) فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه ([192]) والحق تبارك وتعالى أمر الأولاد بالبر بوالديهم، والرفق بهم، وخفض الجناح لهم، ولين القول والمؤانسة، والرحمة والملاطفة، والدعاء لهم والصدقة عنهم، وهذه آيات الإسراء تحدد النهج الذي يجب اتباعه في معاملة الوالدين ومعاشرتهما والتوصية بهما وخصوصاً حين يضعفان ويمرضان ويكبران ويحتاجان إلى العناية والخدمة.
والحياة دين ووفاء فمن برَّ والديه برّه أبناؤه قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : {عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ومن أتاه أخوه متنصلاً فليقبل ذلك محقاً كان أو مبطلاً، فإن لم يفعل لم يرد عليّ الحوض}([194]) واعلموا أيها الأبناء أن الله قد جعل لكل من الوالدين باباً من الجنة يتفتّح بالخير على الولد كلما خرج يسعى لهما، وتنـزل عليه رحمة الله ما دام حريصاً على إرضائهما، فإن أغضب أحدهما غضب الله عليه وأغلق دونه باب الخير وإن كان الولد مظلوماً ([195]) روى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتبساً إلا فتح الله له باببين من الجنة وإن كان واحد فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه، قيل: وإن ظلماه، قال: وإن ظلماه}([196]) برّ الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله برّ الوالدين فرض عين على أولادهما، والجهاد فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين- إلا إذا غزى العدو بلاد المسلمين واغتصب أرضهم فإنه يصبح فرض عين، وفي هذه الحالة لا يجب على الولد أن يستأذنهما . وفرض العين مقدم على الكفاية لذا قُدِّم برّ الوالدين على الجهاد، والأحاديث في ذلك كثيرة تذكر منها: عن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: {أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد} ([197]) فمع عظم فضل الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة فقد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم برّ الوالدين وطاعتهما عليه حيث قال للرجل {ففيهما فجاهد} أي ابذل غاية جهدك في خدمتهما، واعمل أقصى ما تستطيع لإرضائهما. وعنه رضي الله عنه قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال –أي النبي صلى الله عليه وسلم: {فهل من والديك أحد حيّ؟ قال –أي الرجل-: نعم، بل كلاهما. قال: أفتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما} ([198]) ما أحسن قول النبي صلى الله عليه وسلم {فأحسن صحبتهما}! ففيه حث على برهما وطاعتهما والتلطف بهما وخفض الجناح لهما وهذا يعدل أجر المجاهد في سبيل الله. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليمن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : {هجرت الشرك ولكنه الجهاد، هل باليمن أبواك؟ قال: نعم، قال: أذنا لك؟ قال: لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارجع إلى أبويك فإن فعلا و إلا فبرهما} ([199]) . ومقتضى هذا الحديث أنه لا يجوز للأبناء أن يخرجوا للجهاد ولا للسفر ولا لغيرهما إلا بإذن الآباء والأمهات. وهنا نوجه دعوة للشباب الذين غُرِّر بهم وخُشِيت عقولهم بآراء منحرفة، وأفكار غريبة ، أن يقرءوا هذا الحديث ويعملوا به ويستأذنوا آباءهم وأمهاتهم قبل أن يخرجوا من بيوتهم لارتكاب أعمال التخريب والتفجير التي روّعت الآمنين وأفزعت المواطنين والمقيمين، وأزهقت أرواحاً، وأراقت دماء، وأهدرت أموالاً، وخربت دياراً. فإن آباءهم سوف يبينون لهم الطريق ويهدونهم سواء السبيل، ويوضحون لهم الحق من الباطل، ويأخذون على أيديهم حماية لأنفسهم أولاً ثم لوطنهم ثانياً. فأول ذنب ارتكبه هؤلاء هو عقوق الوالدين، والعاق في النار، فعن عليَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {من أحزن والديه فقد عقها} ([200]) وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {بكاء الوالدين من العقوق} ([201]) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة؛ مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يُقرّ الخبث في أهله} ([202]) وإذا كانت الجنة محرمة عليه فإن النار هي مصيره وبئس المصير. |
#36
|
||||
|
||||
برّ الوالدين مقدم على رضى الزوجة
حفظ الإسلام للزوجة حقوقها وصان لها كرامتها وأوجب على الرجل الإنفاق عليها، وأمره بحسن معاشرتها قال الله تبارك وتعالى ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) ([203]) وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : {خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي} قال ابن كثير –رحمه الله-: «... وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها- يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال {هذه بتلك}([204]) ...» ([205]) ومع هذا فقد قُدِّم برّ الوالدين على رضى الزوجة لما لهما من فضل على الولد، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه : كانت تحتي امرأة، كنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلقها، فأبيت، فأتى عمرُ النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {طلقها}([206]) . ففي ذلك تقديم لبرّ الوالدين على الزوجة في أمر خطير ألا وهو طلاقها، وإنهاء حياتها معه، وإخراجها من عصمته، مع أنه يحبها ويريدها، وعلى العكس من ذلك سأذكر لك أيها القارئ الكريم قصة عجيبة من عصرنا الحاضر تبكي العين، وتُدمي الفؤاد، وتحزن القلب لما فيها من تفضيل للزوجة على الأم. وهذه القصة رواها الشيخ علي القرني عن أحد بائعي المجوهرات في محاضرة له بعنوان «كل يغدو». يقول البائع للشيخ : «جاءني في أحد الأيام الأخيرة من شهر رمضان رجل وزوجته وأمه وابنه، وكانت الأم على حياء ومعها ابن هذا الرجل، فوقفت به في جانب المحل، وجاءت زوجته وأخذت من الذهب ما يعادل العشرين ألف ريال، ثم تقدمت الأم وأخذت خاتماً واحداً من الذهب قيمته مائة ريال وعندما جاء الابن ليدفع الحساب دفع العشرين ألف ريال، فقلت: بقي مائة ريال ، فقال الابن: لأي شيء؟ فقلت: لهذا الخاتم الذي أخذته أمك، فقال الابن: العجائز ليس لهن ذهب، وأخذ الخاتم من يدها ورماه على الطاولة، فما كان من الأم إلا أن تجرعت غصصها وأخذت ابنه بين يديها وخرجت إلى السيارة، فأنبته زوجته قائلة: لماذا فعلت ذلك؟ ستخرج أمك من عندنا، من سيمسك ابننا بعد ذلك؟ فأخذ الخاتم وذهب به إلى أمه، فقالت الأم: والله لن ألبس ذهباً ما حييت أبداً، ما كنت أريد سوى هذا الخاتم لأفرح به يوم العيد مع الناس، فقتلت هذه الفرحة في نفسي فسامحك الله ([207]). هذا الولد أبكى بفعلته هذه قلب أمه، ولو أدرك ما يحل به من الخسران والندامة في الدنيا والآخرة لأسعدها قبل أن يسعد زوجته ويرضيهما. وقد ذكرتُ هذه القصة بعد قصة عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- ليتبين لنا الفرق بين البر والعقوق، ولأخذ العبرة، والعظة فالسعيد من سعد بغيره والشقي من شقي بنفسه. |
#37
|
||||
|
||||
برّ الوالدين بعد موتهما من الوفاء أن لا ينسى الإنسان المعروف ولا يجحد الفضل، وفضل الآباء على الأبناء عظيم ولذلك لم تكتف آيات الإسراء بالأمر بالإحسان إلى الوالدين في الدنيا فحسب بل بعد موتهما أيضاً ( وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) ([208]) وقد بينت السنة المطهرة الطرق التي يستطيع الإنسان أن يبرّ والديه بعد موتهما من خلالها، حدّث مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله هل بقي عليّ من برّ أبويّ شيء بعد موتهما أبرّهما به ؟ قال : {نعم خصال أربع: الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنقاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهو الذي بقي عليك بعد موتهما} ([209]) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:{رفع للميت بعد موته درجته فيقول: أي ربي أي شيء هذا؟ فيقول له: ولدك استغفر لك} ([210]) فاستغفر أيها القارئ لوالديك أو لمن مات منهما وردد قائلاً ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ) ([211]) ، ( وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) ([212]) وأكثر من الدعاء لهما فلقد انقطع عملهما من الدنيا إلا من ثلاثة أنت واحد منها، قال سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم : {إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له} ([213]) فلا تبخل أُخيّ على والديك بعد موتهما بالدعاء لهما والاستغفار، واستمطار الرحمة عليهما والرضوان، وتحرى أوقات الاستجابة والغفران. ثم عليك أيضاً إنفاذ وصيتهما والصدقة عنهما، عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أن رجلاً قال: إن أمي توفيت ولم توص أفينفعها أن أتصدق عنها؟ {قال : نعم}([214]) وعن سعد بن عبادة قال: {قلت يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي صدقة أفضل ؟ قال: سقي الماء} ([215]) ولا يتوقف البر بهما عند الدعاء والاستغفار والصدقة بل يمتدّ أيضاً ليشمل أموراً أخرى كثيرة منها: - قضاء النذر عنهما فلقد روي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أن سعد بن عبادة استفتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر، فقال: {اقضه عنها} ([216]) - ومنها قضاء الصوم عنهما، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من مات وعليه صوم صام عنه وليه} ([217]) وعن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: {نعم فدين الله أحق أن يقضى} ([218]) - ومن ذلك أيضاً الحج عنهما فعن ابن عباس –رضي الله عنهما- أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفحج عنها؟ قال: {حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا دين الله ، فالله أحق بالوفاء} ([219]) - ومن ذلك صلة أصدقائهما فعن ابن عمر –رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن أبرّ البرّ أن يصل الرجل أهل وُدِّ أبيه} ([220]) فمن قصر في بر والديه في حياتهما وندم على ما فرط في حقهما وخاف عاقبة العقوق فلا ييأس من روح الله ولا يقنط من رحمته، وليعلم أن باب الإحسان إليهما مفتوح على مصراعيه، فليدخل منه داعياً ومستغفراً لهما، وصائماً عنهما وحاجاً لهما وواصلاً أهل ودّهما، وإنما يتقبل الله من المتقين. ثمرات بر الوالدين لبرّ الوالدين ثمرات كثيرة منها: · تفريج الكروب وذهاب الهموم والأحزان ([221]). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هبينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر فمالوا إلى غار في الجبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة، فادعوا الله بها لعله يفرجها، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالديّ أسقيهما قبل ولدي، وإنه ناء بي الشجر فما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومما , وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما ، والصبية يتضاغون عند قدمي. فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج لنا فرجة نرى منها السماء ففرج الله فرجة فرأوا منها السماء؛ وقال الثاني : اللهم إنه كان لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمئة دينار، فسعيت حتى جمعت مئة دينار فلقيتها بها فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم، فقمت عنها. اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج لنا منها ففرج لهم فرجة. وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً يفرق أرزاً، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي فعرضت عليه حقه فتركه ويرغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً وراعيها، فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني وأعطني حقي، فقلت: اذهب إلى ذلك البقر وراعيها، فقال: اتق الله ولا تهزأ بي، فقلت: إني لا أهزأ بك فخذ ذلك البقر وراعيها فأخذه فانطلق بها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج ما بقي ففرج الله عنهم}([222]) فبر الوالدين كما جاء على لسان الصادق المصدوق -في هذه القصة- المبلغ عن ربه الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سبب في حلول الفرج إذا بلغت الشدة غايتها، وسبب في تيسير العسر إذا استحكمت عقده. · الزيادة في العمر والبركة فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من بر والديه طوبى له زاد الله في عمره}([223]) وقال أيضاً: {وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر} ([224]) فما أحلى الحياة إذا طال فيها العمر، وكثر فيها المال الحلال؛ وما أهنأ العيش إذا رافقته طمأنينة النفس وراحة الضمير ومحبة الناس. ولك أُخيَّ أن تتأمل معي هذا الحديث الشريف الذي رواه أنس رضي الله عنه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {من سرّه أن يمد له في عمره، ويزاد له في رزقه فليبرّ والديه وليصل رحمه} ([225]) · إجابة الدعوة فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص ، فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برّ لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك الله فافعل} ([226]) فلأويس بن عامر فضل كبير ومنـزلة عالية عند الله تعالى حتى أنه لو أقسم على الله لأبر الله قسمه، وذلك لبرهّ بأمه وإكرامه لها. · مغفرة الذنوب وقبول التوبة روي عن يحيى بن أبي بكر، قال: لما قدم أبو موسى الأشعري وأبو عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلما، قال: {ما فعلت امرأة منكم تدعى كذا وكذا؟ قالوا: تركناها في أهلها، قال: فإنه قد غُفِر لها، قالوا بما يا رسول الله؟ قال: كانت لها أم عجوز كبيرة، فجاءها النذير، إن العدو يريد أن يغير عليكم، فجعلت تحملها على ظهرها، فإذا أعيت وضعتها ثم ألزقت بطنها ببطن أمها، وجعلت رجليها تحت رجلي أمها من الرمضاء حتى نجت} ([227]) · قبول الأعمال ودخول الجنة. في سورة الأحقاف آيات تحدثت عن صنف من الناس عرف حق الله تعالى عليه فشكره، وعرف حق والديه فأحسن إليهما وأطاع أمرهما، واجتهد في برهما، وعرف حق ذريته فأحسن تربيتها ودعا لها بلإصلاح والتوفيق، وسأل الله تعالى التوبة والمغفرة، فتقبل الله عمله، وغفر له ذنبه، ووعده بالجنة، قال الله تعالى وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) ([228]) وهكذا فليكن الأبناء: حبٌّ للآباء، وبرٌّ بهم، واعتراف بفضلهم، وطاعة لهم، وتقديمهم على النفس والأهل والولد، خفض الجناح لهم، ولين الكلام معهم، ثم الدعاء والاستغفار لهم بعد وفاتهم. وأختم هذا الموضع بأبيات تبين حقوق الأم وفضلها، يقول الشاعر: لأمك حق لو علمت كبـــير كثيرك يا هذا لديه يســيرُ فكم ليلة باتت بثقلك تشتــكي لها من جواها أنّة وزفيــرُ وفي الوضع لو تدري عليها مشقة فمن غصص منها الفؤاد يطير فكم غسلت عنك اللأذى بيمينها وما حجرها إلا لديك سرير وتفديك مما تشتكيه بنفسهــا ومن ثديها شرب لديك نمير وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها حنواً وإشفاقاً وأنت صغير فآه لذي عقل ويتبع الهــوى وآه لأعمى القلب وهو بصير فدونك فارغب في عميم دعائها فأنت لما تدعو إليه فقــير ([229]) |
#38
|
||||
|
||||
المداومة على الطاعات
من أحب الأعمال إلى الله المداومة على الطاعات، جاء في صحيح مسلم: حدثنا ابن مخير حدثنا أبي حدثنا سعد بن سعيد أخبرني القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلّ} قال: وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته ([265]) الإسلام دين الوسطية والاعتدال في الأقوال والأفعال، ولذلك ينبغي للمسلم أن يتوسط في العبادة، ولا يحمّل نفسه ما لا تطيق فإنه إذا أجهدها ملّت وكلت وانقطعت عن العبادة. فقليل العبادة الدائم خير من كثيرها المنقطع ، قال تعالى ( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً ) ([266]) هذا مثل قرآني لمن نقض عهده بعد توكيده. قال شيخنا محمد بن عثيمين –يرحمه الله-: «...العمل وإن قلّ إذا داومت عليه كان أحسن لك، لأنك تفعل العمل براحة وتتركه وأنت ترغب فيه، لا تتركه وأنت تمل منه» ([267]) وكانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وخطبته «قصداً» أي بين الطول والقصر - فعن أبي عبد الله جابر بن سمرة السوّائي قال : {كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً} ([268]). وقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلوا حبل زينب من المسجد فعن أنس رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبل ممدود بين الساريتين قال: { ما هذا الحبل؟ قالوا هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حُلُّوهُ ! ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد} ([269]) والعمل القليل المستمر أفضل من العمل الكثير الذي تمل به النفس وتسأم منه، ثم تتركه وتنقطع عنه ، وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- قال: لأصومنّ النهار، ولأقومنّ الليل ما عشت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : {اأنت الذي قلت ذلك؟ قال: نعم يا رسول الله، قال -أي النبي صلى الله عليه وسلم -: إنك لا تطيق ذلك، فصم وأفطر ثم نم وقم،صم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود صلى الله عليه وسلم وهو أعدل الصيام، فقلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولا أفضل من ذلك} ([270]) وكبر عبد الله بن عمرو ، وصار يشق عليه أن يصوم يوماً ويترك يوماً، فقال: ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صار يصوم خمسة عشر يوماً سرداً، ويفطر خمسة عشر يوماً سرداً ([271]) والاقتصاد في العبادة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم فعن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أُخبروا، كأنهم تقالّوها وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما انا فأصلي الليل أبداً، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر أبداً ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: {أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني} ([272]) وعلى العاقل أن يكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من مطعم ومشرب وغيرهما، وهذا معنى ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم حنظلة رضي الله عنه فعن أبي ربعيّ حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب، أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنها رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسناَ ([273]) الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، قال أبو بكر رضي الله عنه : فوالله إنا لنلقى مثل هذا؛ فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما ذاك؟} قلت: يا رسول الله! نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عليه عندي وفي الذِّكْرِ، لصافحتكم الملائكة على فراشكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعة} ثلاث مرات ([274]) فالحمد الله الذي أراد بنا اليسر ولم يرد بنا العسر ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ ) ([275]) وصدق رسول الله القائل : {إن الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة ([276]) والروحة ([277]) وشيء من الدلجة ([278])} آثار المداومة على الأعمال الصالحة للمداومة على الأعمال الصالحة آثار كثيرة منها : · دوام اتصال القلب بخالقه وذلك يكسبه قوة ويقيناً وثباتاً وتعلقاً بالله سبحانه وتوكلاً عليه ومن ثم يكفيه الله همه قال تعالى ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ 4)([279]) · أنها سبب محبة الله تعالى للعبد وولاية العبد لله، قال الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ([280]) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {إن الله قال:من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطيه ، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته}([281]) · أنها سبب في محو الذنوب والخطايا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا}([282]) فالمداومة على الصلوات الخمس في أوقاتها حيث ينادي بهن، وكثرة الخطا إلى المساجد يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب والآثام، ويرفع به الدرجات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة؛ فذلكم الرباط، فذلكم الرباط} ([283]) · أن المداومة على الأعمال الصالحة سبب لحسن الخاتمة، حيث أن في المداومة جهاد للنفس ودفع للشيطان قال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) ([284]) · أن المداومة على العمل الصالح سبب لطهارة القلب من النفاق، ونجاة صاحبه من النار. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان ؛ براءة من النار وبراءة من النفاق}([285]) · أنها سبب لدخول الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة، وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان. فقال أبو بكر رضي الله عنه : ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم} ([286]) لهذا كان دوام العمل من أحب الأعمال إلى الله كما أخبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم . |
#39
|
||||
|
||||
تقوى الله الحمد لله رب العالمين له النعمة و له الفضل و له الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم و الملائكة المقربين على نبينا محمد أشرف المرسلين و على جميع إخوانه من النبيين و المرسلين و على ءاله الطاهرين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً و أنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، أما بعد: فقد قال الله تبارك و تعالى:﴿ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾، الله أمر عباده بالتقوى، و التقوى هي أداء ما فرض الله و اجتناب ما حرم الله، من جملة ما فرض الله تعلم علم الدين عقيدة أهل السنة و الأحكام على مذهب إمام من الأئمة، إن كان على مذهب الإمام الشافعي أوعلى مذهب أبي حنيفة أو على مذهب مالك أو على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، هذا من جملة التقوى، التقوى لا تكون بدون تعلم علم الدين الضروري الذي هو فرض على كل إنسان العلم الذي تعرف به عقيدة أهل السنة الإيمان بالله و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره. أصول الإيمان ستة، معرفة هذه الأصول ثم معرفة الأحكام أحكام الصلاة و الصيام و معرفة ما يحل و ما يحرم من الأكل و الشرب و اللباس و المال و ما يحرم على القلب و ما هو واجب على القلب و نحو ذلك هذا الذي هو فرض على كل مسلم فإذا تعلم الإنسان عقيدة أهل السنة و الأحكام ثم عمل كما تعلم عمل بكل ما فرض الله و تجنب كل ما حرم الله عندئذ الله تعالى يعطيه العلم الّلدني لأن قلبه صار منوراً، الله تعالى يعطيه علماً غير مكتسب هذا معنى ﴿ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾. ليس كما يظن بعض الناس، بعض الناس يظنون أنهم إذا صلوا و صاموا و ترددوا إلى المساجد و أكثروا من الذكر و أخذوا بعض الطرق كالطريقة القادرية أو الرفاعية أو غيرها يظنون أن هذا يكفيهم يظنون أنهم بهذا فقط ينالون ذلك العلم الذي يعطيه الله لمن يشاء بدون تعلم من الخلق هذا محال، ذلك العلم لا يأتي إلا بعد معرفة العلم الضروري و العمل به عندئذ يأتي ذلك العلم و إلا فهو طلب المحال، ثم الذي تعلم علم الدين الضروري و أكثر من السنن فعندئذ يصير ولياً من أولياء الله. ثم إن الولي قد يكون مشهوراً بين الناس الله تعالى يجعل له ظهوراً بين الناس و قد لا يكون له ظهور بين الناس يكون من الأخفياء كثير من الأولياء هكذا أخفياء لا يظن بهم أنهم أولياء ليس شرط الولي ان يكون شيخ طريقة أو ءاخذاً الطريقة من شيخ ثم يكون له ظهور بين الناس ليس شرطاً بل أكثر الأولياء أخفياء ليسوا ظاهرين بين الناس لا يعرفونهم الناس بل بعضهم كثير من الأولياء الناس لما يرونهم يظنونهم مجانين لكن هم عند الله لهم درجة عالية و في الملائكة معروفون. هو الإنسان لما يصير ولياً الله تعالى يأمر جبريل بأن ينادي بين الملائكة: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، كل الملائكة يسمعون يعرفون هذا الإنسان في السماء قبل أن يشتهر أمره، قبل أن يشتهر أمره في الأرض يعرفونه بإسمه، بين البشر إن عرفه مائة ألف مائتا الف مليون مليونان ثلاثة ملايين أو أكثر من ذلك فهذا قليل بالنسبة لشهرته بين الملائكة لأن الملائكة أكثر من البشر و من الجن و الوحوش و البهائم و الطيور و عدد أوراق الأشجار، أكثر من هذا الخلق الملائكة، فهذا الإنسان الذي صار ولياً يكون معروفاً بين هؤلاء الملائكة الذين لا يعلم عددهم إلا الله، فإن عرف في الأرض عند الصالحين فذلك فضل من الله تعالى و إن لم يعرفه إلا قليل إلا الصالحون كذلك فهو على خير كبير، كثير منهم يأوون إلى الخراب و الكهوف الأولياء كثير منهم لا يحبون أن يعرفهم الناس يأوون إلى الخلوات بعضهم يسكن الكهوف لا يستوحشون إن سكنوا الكهوف لأن قلوبهم معمورة بذكر الله، بعضهم الوحوش تأنس إليه لا تؤذيه بعض هؤلاء الوحوش لا تؤذيهم الأسد، النمر، و غير ذلك لأنهم لما أنسوا بالله تعالى الله تعالى كفاهم أمر الخلق فلذلك مطلوب تحسين الظن بالمسلم، إذا رأينا مسلماً و لم نرى منه شيئاً من المعاصي يجوز أن نحسن به الظن بل مطلوب أن نحسن به الظن و لا نحتقره و لو كانت ثيابه رثة كثير منهم من شدة الفقر تكون ثيابهم رثة حتى يظنهم بعض الناس مجانين من شدة رثاثة الهيئة لكن عند الملائكة معروفون لا يضرهم كونهم عند الناس غير معروفين لا يضرهم الملائكة عرفوهم و هم أكثر خلق الله، يكفيهم ذلك. |
#40
|
||||
|
||||
ثم إن الذي يعمل العبادات بدون علم قد يظن أنه جمع حسنات كثيرة و هو في الحقيقة ليس له شىء من هذه الحسنات التي هو ظن أنه صار بها في مرتبة عالية لذلك الرسول قال:" رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر و رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و العطش"، هذا معناه أن الشخص إما أن يكون ما تعلم كيف تصح الصلاة و كيف تفسد و كيف يصح الصيام و كيف يفسد. ما تعلم، يعمل صورة الصلاة و يعمل صورة الصيام يكثر من الصلاة بالليل و الناس نائمون و يصوم رمضان و غير رمضان كثيراً، هو على حسب ظنه صار له حسنات كثيرة عند الله لكن هذه الحسنات عند الله غير مقبولة لماذا ؟ لأنها ما وافقت شريعة الله صلاته لم تكن على حسب الشريعة و صيامه لم يكن على حسب الشريعة، لذلك فهي كالعدم عند الله أما هو يظن أنها ثبتت له و أنه صار في درجة عالية بسبب الجهل. ما تعلم كيف تصح الصلاة و كيف يصح الصيام، ما تعلم، إنما يصوم على حسب ما يرى الناس يصوم و يصلي و هذا الصنف كثير من الناس هؤلاء يوم القيامة خائبون يتبين لهم أن صلواتهم تلك لا شىء و أن صيامهم الكثير الذي كانوا يصومونه لا شىء، في الآخرة يعرفون، و بعض الناس كانوا يصلون و يصومون لكنهم تعلموا لكن ليس على الإخلاص لله بل كانوا يكثرون الصلاة و الصيام ليمدحهم الناس. هؤلاء أيضاً صلواتهم الكثيرة و صيامهم الكثير كالعدم كأنه لم يفعل فبالآخرة يندم لا يجد شيئاً من تلك الأعمال لا يجد لها أثراً ثم من جملة المحرمات التي هي كبائر عند الله و عند كثير من الناس كأنه ليست معصية الذهاب إلى الكهان و العرافين لسؤالهم عن شىء مفقود أو عن غائب أو للسؤال عن مستقبل الشخص ماذا يكون مستقبلي؟ يسألهم، هذا من الكبائر، حتى الذين يعملون بالسبحة إستخارة هؤلاء ذنبهم كبير. بعض الناس يمسكون قطعة من المسبحة من غير أن يعدوا هذه القطعة ثم يبدأون و يقولون: إفعل لا تفعل إفعل لا تفعل إفعل لا تفعل و هكذا، إذا وقف على لا تفعل يقول هذه الحاجة لا تنجح إن كان شراءً و إن كان بيعاً و إن كان سفراً و إن كان زواجاً يتركون و إن وقفوا على إفعل يقولون هذه ناجحة هذه الحاجة تنجح فيمضون فيما أرادوا هذا من الكبائر ذنب كبير عند الله. كذلك بعض الناس يعملون بطريقة أخرى يمسكون قطعة من المسبحة ثم يقولون: الله، محمد، علي، أبو جهل و هكذا، فإن وقف عند اسم علي يقول كذلك تنجح و إن وقف عند أبي جهل يقول هذه الحاجة لا تنجح فيتركها و هذا أيضاً حرام، وهناك طرق أخرى طرق عديدة، و كذلك بعضهم يفتحون المصحف و يعدون سبعة أسطر فإن وجدوا السطر السابع فيه تبشير بالجنة أو بغير ذلك يقولون هذه الحاجة تنجح فيمضون فيها و إن وقف على ءاية عذاب يقول لا تنجح هذه الحاجة فيتركها و هذا أيضاً حرام من الكبائر، الإنسان إذا أصابته مصيبة فقد شيئاً من ماله أو ضاع له ولد لا يجوز الذهاب إلى هؤلاء، هذا الشىء لا يرد له ما فقده إنما هذا علمه عند الله فإن كان الله شاء أن يرجع له هذا الذي فقده من مال أو ولد يرجع له من غير أن يذهب إلى هؤلاء من غير أن يعمل هذه الأشياء ثم من شأن الشخص أن يتوكل على الله، الله تعالى أمر عباده المؤمنين بالتوكل عليه فمن أصابته مصيبة فليفزع إلى الله يصلي تهجداً بالليل و يسأل الله يفرج كربه هذا الطريق هو الطريق السالم الناجح بدل أن يذهب إلى هؤلاء الدجالين و يطلب منهم تفريج الكرب، ثم الرسول عليه السلام علمنا ما ينفعنا قال عليه الصلاة و السلام:" الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ "، معناه الإصابة بالعين حق موجود لو كان شىء يغلب قدر الله لغلبته العين لكن لا يغلب شىء قدر الله ، معنى ذلك العين لما تصيب إنما تصيب بمشيئة الله لا تصيب إلا بمشيئة الله أما إذا لم يشأ الله في الأزل أن تصيب هذه العين الشىء الذي نظرت إليه لا تصيبه هذا معنى قول الرسول " الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ " أي لا شىء يغلب قدر الله و علمنا ما ينفعنا لإصابة العين، من جملة ما جاء في الحديث عن رسول الله أن الشخص إذا أعجبه شىء فنظر إليه أن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله فلا يصيبه لا يضره.
هذا الذي من عادته أن يصيب بعينه إذا نظر إلى شىء فأعجبه إذا قال هو هذا الذي يصيب بالعين ما شاء الله لا قوة إلا بالله اللهم بارك فيه و لا تضره إذا قال هذا يسلم الشخص المعيون ثم إن الرسول عليه السلام قال:" إن فناء أكثر أمتي بالأنفس" أي أكثر أمتي سبب موتهم بالأنفس أي بالعين بإصابة العين هذه الأمراض المستعصية التي الأطباء لا يؤثرون عليها ترجع إلى إصابة العين " إن فناء أمتي بعد كتاب الله و قدره بالأنفس" أي مع قدر الله أكثر سبب موت أمتي العين، الله تعالى جعل سبب ذلك العين لا شىء يؤثر بدون مشيئة الله لا العين تؤثر إلا بمشيئة الله الأزلية و لا النار تحرق إلا بمشيئة الله و لا الخبز يشبع إلا بمشيئة الله و لا الماء يروي إلا بمشيئة الله و لا السم يضر إلا بمشيئة الله و لا الدواء ينفع إلا بمشيئة الله، الله تعالى هو يخلق الإحراق و الشبع و الري و الشفاء كل هذا بخلق الله، بعض أولياء الله يقضون زماناً طويلاً بدون أكل و لا شرب و صحتهم تامة لا ينقص ذلك من صحتهم شيئاً، كان قبل عشرين سنة شيخ في سورية إسمه الشيخ محمد طوقان خمسة عشرة سنة لا يأكل و لا يشرب ثم هو صحته تامة كاملة يتجول كثير الأسفار فهذا يدل على أنه لا أحد يخلق الأسباب و المسَبَّبات إلا الله، و الله تعالى أعلم و أحكم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. |
#41
|
||||
|
||||
تقوى الله : قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الحديد:28) قال الإمام ابن القيم رحمه الله : [ فضمن لهم سبحانه بالتقوى ثلاثة أمور : ( أحدها ) أعطاهم نصيبين من رحمته نصيبا في الدنيا ونصيبا في الآخرة وقد يضاعف لهم نصيب الآخرة فيصير نصيبين ( الثاني ) أعطاهم نورا يمشون به في الظلمات ( الثالث ) مغفرة ذنوبهم وهذا غاية التيسير فقد جعل سبحانه التقوى سببا لكل يسر وترك التقوى سببا لكل عسر ] التبيان في أقسام لقرآن (1/36 ) |
#42
|
||||
|
||||
اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك إن مما يتمناه كل مؤمن في هذه الدنيا التيقن من حب الله عز وجل ، فتجده في كل مواقف حياته يتلمس هذا الحب ويبحث عنه ، فإذا وقع في أمرٍ ما تدبّره وحاول الوقوف على خفاياه باحثاً دون ملل عن أثر حب الله له ، فإذا أصابته مصيبة صبر لله تعالى واستشعر لطف الله عز وجل فيها حيث كان يمكن أن يأتي وقعها أشد مما أتت عليه ، وإذا أصابته منحة خير وعطاء شكر الله سبحانه وتعالى خائفاً من أن يكون هذا العطاء استدراجاً منه عز وجل ، فقديماً قيل : " كل منحة وافقت هواك فهي محنة وكل محنة خالفت هواك فهي منحة ". لهذا فإن المؤمن في حال من الترقب والمحاسبة لا تكاد تفارقه في نهاره وليله، ففيما يظن الكافر أن عطاء الله إنما هو دليل محبة وتكريم ، يؤمن المسلم أن لا علاقة للمنع والعطاء بالحب والبغض لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لايحب ولا يعطي الدين إلا من يحب " رواه الترمذي . بل إن حب الله لا يُستجلب إلا بمتابعة منهجه الذي ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، فإن اتباع هذا المنهج هو الذي يوصل إلى محبته تعالى : "لأن حقيقة المحبة لا تتم إلا بموالاة المحبوب ، وهي موافقته في ما يُحب ويُبغض ما يبغض ، والله يحب الإيمان والتقوى ويبغض الكفر والفسوق والعصيان " طب القلوب، ابن تيمية ، ص183. والوصول إلى محبة الله عز وجل يستوجب أيضاً أن يترافق حب العبد لله مع حبه لرسوله عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى : " قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله " آل عمران ، 31. التماس حب الله عز وجل يستطيع المؤمن الذي اتخذ من القرآن والسنة منهجاً لحياته أن يتلمس أثر حب الله ورضاه في نفسه ، وذلك بطرق مختلفة اهمها رضاه عن الله عز وجل ، فمن كان راضياً عن الله عز وجل كان ذلك من أبلغ الدلائل على رضا الله عنه . وقد أكّد ابن قيم الجوزية ان العبد يستطيع أن يتلمس أثر حب الله في قلبه في مواطن عديدة منها : "الموطن الأول : عند أخذ المضجع حيث لا ينام إلا على ذكر من يحبه وشغل قلبه به . الموطن الثاني : عند انتباهه من النوم ، فأول شيء يسبق إلى قلبه ذكر محبوبه. الموطن الثالث : عند دخوله في الصلاة ، فإنها محكُ الأحوال وميزان الإيمان … فلا شيء أهم عند المؤمن من الصلاة ، كأنه في سجن وغمّ حتى تحضر الصلاة ، فتجد قلبه قد انفسح وانشرح واستراح ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال : "يا بلال أرحنا بالصلاة ". الموطن الرابع : عند الشدائد والأهوال ، فإن القلب في هذا الموطن لا يذكر إلا أحب الأشياء إليه ولا يهرب إلا إلى محبوبه الأعظم عنده " . وتزداد الحاجة إلى الثبات في هذا الموطن الأخير لكون المؤمن أشد عرضة للبلاء من غيره من البشر ، خاصة إذا أراد أن يصل إلى الحب المتبادل بينه وبين الله عز وجل . فوائد حب الله عز وجل إن أول فائدة تعود على المؤمن الذي يحبه الله عز وجل هي أن يجعله من عباده المخلصين ، فيصرف بذلك عنه السوء والفحشاء ، قال تعالى : " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين " يوسف : 24. وهذا الإخلاص يحصل للمقربين الذين جاهدوا في الله حق جهاده ، أما المؤمن فينال من هذا الإخلاص على قدر قربه من الله ، إلا أن علامات حب الله عز وجل ان يجعل الله له المحبة في أهل الأرض ، جاء في صحيح مسلم تعليقاً على قوله تعالى : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً " مريم ، 96. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية : " إذا أحب الله عبداً نادى جبريل : إني احببت فلاناً فأحبه فينادي في السماء ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض " ومن فوائد حب الله عز وجل التي يجنبها المؤمن في الآخرة غفران الذنوب ، لقوله تعالى : " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم " آل عمران ، 31. ومنها الفوز والنجاة من عذاب يوم القيامة ، يروى انه سئل يعض العلماء أين تجد في القرآن ان الحبيب لا يعذب حبيبه ؟ فقال في قوله تعالى : " وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ " المائدة ، 18. لهذا أدرك علماء الإسلام اهمية حب الله عز وجل فكانوا يسألونه تعالى هذا الحب في دعائهم ، ومن أدعيتهم في هذا المجال : " اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك ، اللهم ما رزقتني مما احب فأجعله قوة لي فيما تحب ، وما زويت عني مما أحب فأجعله فراغاً لي فيما تحب ، اللهم اجعل حبك أحبّ إليّ من أهلي ومالي ومن الماء البارد على الظمأ ، اللهم حببني إلى ملائكتك وانبيائك ورسلك وعبادك الصالحين ، اللهم اجعلني أحبك بقلبي كله وأرضيك بجهدي كله ، اللهم اجعل حبي كله لك ، وسعيي كله من مرضاتك ". فليس بعد هذا الدعاء إلا التأكيد على أن من لم يكفه حب الله فلا شيء يكفيه ، ومن لم يستغن بالله فلا شيء يغنيه . |
#43
|
||||
|
||||
بسم الله الرحمن الرحيم *********** رحم الله بن تيمية الذي قال عندما حبسوه : ما يفعل أعدائي بي ؟ .. أنا جنتي و بستاني في صدري .. أين ما رحت فهي معي .. إن حبسي خلوة .. و نفيي سياحة .. و قتلي شهادة .. المأسور من أسره هواه .. و المحبوس من حبس قلبه عن ربه "ولكل ٍ وجهة ٌ هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأتِ بكم الله جميعا إن الله على كل شئ قدير" "ومن حيث خرجت فولِ وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون" "ومن حيث خرجت فول ِ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس حجة عليكم إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهمواخشونِ ولاتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون |
#44
|
||||
|
||||
|
#45
|
||||
|
||||
صلاة الجمعة تجب صلاة الجمعة على كل ذكر مسلم مكلف حر لا عذر له، ولا تجب على امرأة ولا عبد ولا مسافر. من خصائص يوم الجمعة: 1 . يوم الجمعة خير يوم: عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها ). رواه مسلم. 2. إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: قال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة ) أخرجه البيهقي. وحسنه الشيخ: شعيب الأرناؤوط. وعن أوس بن أوس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ ) رواه أبو داود. وصححه الألباني. 3. الدعاء في ساعة الإجابة وشرط قبولها: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا، إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها ) متفق عليه. وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة ) رواه مسلم. 4. تلاوة سورة الكهف: لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، سطع له نورٌمن تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين ) أخرجه البيهقي والحاكم: وصححه شعيب الأرناؤوط. فضل صلاة الجمعة: عن سلمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدّهن من دهنه، أو يمسّ من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ) رواه البخاري. عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى، فكأنما قرّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرّب بيضة، فإذا خرج الإمام، حضرت الملائكة يستمعون الذكر ) متفق عليه. وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى، فقد لغا ) رواه مسلم. وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) رواه مسلم . وعنه وعن ابن عمر، رضي الله عنهم، أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليختمنّ الله على قلوبهم ، ثم ليكوننّ من الغافلين ) رواه مسلم . شروط صحة الجمعة: 1- دخول الوقت. 2- تقدم خطبتين. 3- أن تكون بقرية . فلا يلزم البدو الرحل أهل الخيام. 4- حضور العدد المعتبر وهو ما تنعقد به الجماعة، وذهب الجمهور إلى اشتراط عدد معين، قيل أربعون ،وقيل ثلاثون في قول أخر، أو اثنا عشر في قول ثالث. أركان الخطبتين: 1- حمد الله. 2- الصلاة على رسول الله. 3- قراءة آية من كتاب الله. 4- الوصية بتقوى الله. 5- موالاة الخطبتين مع الصلاة. 6- الجهر بالخطبتين. سنن الخطبتين: 1- الطهارة. 2- كونها على منبر. 3- أن يسلم على الناس إذا صعد المنبر. 4- إسماع القوم الخطبة. 5- أن يجلس بينهما قليلا. 6- أن يعتمد على سيف أو عصا. 7- أن يقصر الخطبتين. 8- الدعاء للمسلمين. ويحرم الكلام والإمام يخطب، والسنة أن يصلي بعدها ركعتين في البيت، أو أربعاً في المسجد. لما ورد في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته ) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات ). |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الله, الصالح, العمل, ايمان |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|