#1
|
||||
|
||||
السقا شربة
السقا شربة
جيهان مأمون يجوب السقا الشوارع حاملا قربته الجلدية فوق ظهره المحنى من ثقل وزنها ، من الحسين إلى الجمالية إلى بوابة المتولي لحارة السقائين ... ظهرت مهنة السقا فى العصور الإسلامية و لعب السقاة دورا محوريا فى حياة الناس لإن مدينة القاهرة قد شيدت على بعد كيلو مترا واحد من نهر النيل فى حدها الغربى و اعتمديت اعتمادا كليا على ماء النهر للشرب لإن مياه الآبار الموجودة بداخل القاهرة كانت تميل للملوحة فاستخدمها أهل القاهرة لسقاية الدواب و لسائر الاغراض المنزلية و اعتمدوا على ....السقا .....لتوفير مياه الشرب... كان السقايين يقومون بنقل مياة نهر النيل إلى المنازل و الدكاكين مقابل أجر معين ، و كانت القرب الكبيرة تصنع من جلد الماعز وتغلق بسدادة خشبية وتعطر بالمستكة و ماء الورد وأحيانا بالنعناع ... كان للسقا زى مميز سروال أزرق قصير و يدندن السقا بأغنيته المشهورة و هو يملأ قربته بالماء (يا عطشان الله سبيل المغفرة و الجنة) ..... يصعد السقا إلى الطوابق العليا من المنازل و بعد صب الماء كان بيقوم بنقش علامة على لوح معلق على باب المنزل بعدد القرب التى أحضرها و أحيانا كان يستخدم عقد من الخرز لكل قربة خرزة و بإنتهاء حبات العقد يسوى الحساب ... و على الرغم من أجره البسيط إلا أنه يكان يحتسب من وراء مهنة السقاية الثواب العظيم.... يقول المؤرخ المعروف إدوارد لين الذى عاش فى القاهرة فى القرن ا19 الميلادى :" و لا يربو ما يحصل عليه السقا مقابل قربة ماء يحملها من مسافة ميلين على القرش ، و من السقاة من يروى ظمأ المارة فى الشوارع و يعرف بالسقا شربة و تكون قربته مزودة ببوز نحاسى طويل و هو يصب الماء فى قدح نحاسى أو قلة خزفية للراغب فى شربة ماء ." و يروى الرحالة الفارسى ناصر خسرو الذى زار القاهرة فى العصر الفاطمى من ألف عام أنه كان يوجد بها (52,000) جمل يحمل عليها السقاؤن الروايا .... سكن السقائون فى مكان يسمى كفر الشيخ ريحان والذي أطلق عليه حارة السقائين لكن لم تكن حارة السقايين هى المكان الوحيد الذى أقام فيه السقاؤن وإستمر إسم الحارة حتى نهاية القرن التاسع عشر... كان للسقائين أربع طوائف بيرأسهم شيخ ، أول طائفة هى طائفة حاملى المياة على ظهور الحمير و مقرهم يكمن عند المدخل الغربى للقاهرة من ناحية باب البحر و باب الشعرية، أما الطائفة الثانية فمقرها حى باب اللوق ، و الطائفة الثالثة تقيم فى حارة السقائين و الطائفة الرابعة تقيم فى قناطر السباع.... لم يقتصر دور السقائين على حمل المياه وتوصيلها للمنازل فحسب، بل لعبوا دورا كبيرا في إخماد الحرائق كلما دعت الحاجة إلي ذلك ليلا أو نهارا.... و جزء كبيرا من المياة التى يجلبونها كانت تذهب إلى الأسبلة حيث يستطيع الفقراء و عابرى السبيل أن يحصلوا عليها كصدقة .... خضعت وظيفة السقاية للرقابة الحكومية تحت إشراف المحتسب و كان لها قواعد دقيقة نظرا لتأثيرها على الصحة العامة ، فألزم المحتسب السقاة بنظافة قربهم و بجلى الكيزان النحاسية التي يسقون بها الناس، كما أمرهم بنظافة أزيارهم وتغطيتها، وعدم إستخدام نفس الكيزان لأصحاب الأمراض المعدية .... أمدتنا كتب الحسبة على الشروط العديدة التي يجب أن تتوافر في السقا بأن يكون أمين ، عفيف ، على دين و خلق يحترم حرمة البيوت و لاينظر لأبعد من موضع قدميه ، و يجب على السقائين تجنب ملأ القرب من المواضع القريبة من الشاطئ الذى يغلب عليها العكارة ، و من الممنوع أن تتم عملية ملء القرب فى الليل حتى لا تقع أى فضلات غير مرئية بالماء. كما إشترطت كتب الحسبة أن يعلق السقا حول أعناق الحيوانات الحاملة لقرب الماء أجراس لتنبيه الناس فى الطرقات .... ظل السقاؤن يقومون بدورهم فى مد أهالى القاهرة بالمياة حتى النصف الثانى من القرن التاسع عشر حين قام الخديوى إسماعيل بمنح إمتياز ضخ المياة إلى شركة أوروبية (1865م) بموجب عقد إمتياز ينتهى فى عام (1969م) و أقيمت محطة ضخ المياة بالقرب من القصر العينى عند فم الخليج ، ثم مدت المواسير تحت الشوارع و توفرت المياة العذبة لكل الأحياء ، و اختفت مهنة السقا ولكن تبقى صورته محفورة إلى الأبد فى ذاكرة التاريخ.... و عمار يا مصر |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|