#1
|
|||
|
|||
في نور آية كريمة.. "الله الصمد"
"اللَّهُ الصَّمَدُ" (2) الإخلاص آية عظيمة فريدة، سميت بها السورة التي تعدل ثلث القرآن. حيث تتجلى البلاغة والإعجاز في كلمتين اثنتين. "الله الصمد". فالمأثور أنها تسمى سورة الصمد مثلما تسمى سورة الإخلاص، حيث لم يرد هذا الاسم العظيم لله عز وجل إلا فيها. * والآية الكريمة تتضمن اسمين عظيمين لله رب العزة، وقد جاءت السورة بالكلية لتصف الرب سبحانه وتعالى لخلقه، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "أخرج البيهقي في " كتاب الأسماء والصفات " بسند حسن عن ابن عباس أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا صف لنا ربك الذي تعبد، فأنزل الله عز وجل قل هو الله أحد إلى آخرها، فقال: "هذه صفة ربي عز وجل" وعن أبي بن كعب قال: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك، فنزلت سورة الإخلاص الحديث". * "الله" فأما الاسم الأول في الآية الكريمة: "الله"، فهو اسم الله العظيم، وقيل الأعظم، قال ابن القيم في "مدارج السالكين": "اسم "الله".. دال على جميع الأسماء الحسنى، والصفات العليا (..)، فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له، مع نفي أضدادها عنه. وصفات الإلهية: هي صفات الكمال، المنزهة عن التشبيه والمثال، وعن العيوب والنقائص. ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله تعالى: "ولله الأسماء الحسنى"، ويقال: الرحمن والرحيم (...) من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن ولا من أسماء العزيز ونحو ذلك؛ فعلم أن اسمه "الله" مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دال عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية، التي اشتق منها اسم "الله"، واسم "الله" دال على كونه مألوهاً معبوداً تألهه الخلائق محبة وتعظيماً وخضوعاً، وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب". * * "الصمد" وأما الاسم الثاني في الآية الكريمة: "الصمد"، ففي معناه أقوال كثيرة، لكن الأشهر في معناه قولان، قال ابن تيمية في "رسالة في تفسير سورة الإخلاص": "الاسم " الصمد " فيه للسلف أقوال متعددة قد يظن أنها مختلفة، وليس كذلك، بل كلها صواب. والمشهور منها قولان: أحدهما: أن الصمد هو الذي لا جوف له. * والثاني: أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج والأول هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة. والثاني قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين والآثار المنقولة عن السلف بأسانيدها في كتب التفسير المسندة وفي كتب السنة وغير ذلك. (...) * وتفسير "الصمد" بأنه الذي لا جوف له معروف عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا وعن ابن عباس والحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك والسدي وقتادة وبمعنى ذلك قال سعيد بن المسيب قال: هو الذي لا حشو له. وكذلك قال ابن مسعود: هو الذي ليست له أحشاء وكذلك قال الشعبي: هو الذي لا يأكل ولا يشرب (...) * * وأما تفسيره بأنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج فهو أيضا مروي عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا فهو من تفسير الوالبي عن ابن عباس. قال: "الصمد السيد الذي كمل في سؤدده" وهذا مشهور عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : هو السيد الذي انتهى سؤدده. (...) وعن عكرمة: الذي ليس فوقه أحد (...) وعن السدي أيضا: هو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب. وعن أبي هريرة رضي الله عنه "هو المستغني عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد"، وعن سعيد بن جبير أيضا: الكامل في جميع صفاته وأفعاله. وعن الربيع الذي لا تعتريه الآفات. وعن مقاتل بن حيان الذي لا عيب فيه. وعن ابن كيسان هو الذي لا يوصف بصفته أحد. قال أبو بكر الأنباري: لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم. وقال الزجاج هو الذي ينتهي إليه السؤدد فقد صمد له كل شيء أي قصد قصده ". * * وخلاصة القول في ذلك، ما قاله ابن باز عن هذين القولين الأشهر: "المقصودان صمد؛ لأنه يقصد في طلب الحاجات، والله سبحانه هو الذي يقصد من جميع الخلائق لطلب الحاجة، هو سبحانه صمد لا يطعم ولا يحتاج إلى طعام ولا إلى شراب وليس من *** المخلوقين يجوع أو يحتاج إلى كذا، بل هو الغني عن كل ما سواه، يُطعم ولا يَطعم سبحانه وتعالى". * * هذا الاسم يعني أن الله سبحانه وتعالى هو المقصود بالحاجات لأنه السيد الذي تنتهي إليه العظمة والسؤدد وهو يُطعِم ولا يُطعَم، لا يحتاج لخلقه بل جميعهم يقصدونه في حاجاتهم. * * وبهذا الوصف لله عز وجل في السورة الجليلة، بجميع آياتها، وهذا البيان، عدلت ثلث القرآن، وحيز لقائليها ومتدبريها فضل عظيم، جمعه ابن رجب في تفسيره، بما يمكن اختصاره في قوله: "أما فضائلها فكثيرة جدا: منها: أنها صفة الرحمن، وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ قل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "سلوه: لأي شيء يصنع ذلك؟ "، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخبروه أن الله يحبه". * ومنها: أن حبها يوجب محبة الله، لهذا الحديث المذكور آنفا (...) ومنها: أن حبها يوجب دخول الجنة. ذكر البخاري في صحيحه تعليقا (..) عن أنس قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به، افتتح بـ قل هو الله أحد حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، وذكر الحديث، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا فلان، ما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ " فقال: إني أحبها، فقال: "حبك إياها أدخلك الجنة". (...) * ومنها: أنها تعدل ثلث القرآن ففي صحيح البخاري (...) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن". * * ومن نافلة القول، أن السورة الكريمة، بآياتها القليلة والقصيرة، ومنها الآية العظيمة التي سميت باسمها السورة، قد ردت على فرق ضالة كثيرة، وملل شتى، وقعت في بدع التمثيل والتشبيه والمشاكلة، وقدحت في وحدانيته سبحانه وتعالى وفي صفاته العلى، أن "ليس كمثله شيء" جل جلاله وتقدست أسماؤه. هذا الإعجاز في تلك الكلمات القليلة هو أحد شواهد معجزة هذا القرآن وخلوده وبقائه راداً على كل فرقة ضالة فيما سبق أو فيما يُستقبل، تبياناً وتفصيلاً لكل شيء وهدى ورحمة للمؤمنين. * وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أمير سعيد
__________________
|
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|