#16
|
||||
|
||||
قصة بناء السد العالي
بقلم : سامي شرف قصة بناء السد العالى مشروع السد العالي هو مشروع قديم يرجع الفضل في طرحه إلى المهندس اليوناني “دانينيوس”، وقد سبق أن تقدم به لأكثر من حكومة مصرية قبل الثورة، ولكنه لم يكن يلقى أدنى استجابة حتى على سبيل الوعد ببحث المشروع وجدواه الاقتصادية، وفي عام 1953 تقدم بمشروعه من جديد إلى مجلس قيادة الثورة، ولكنه هذه المرة حظي باهتمام كبير من جانب القيادة الثورية وكلف قائد الجناح جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة بتولي مسؤولية هذا المشروع إلى جانب الفنيين في المجالس والهيئات المتخصصة الذين سيتولون البحث والدراسة الخ. لقد سبق أن وضعت القيادة الثورية التي تولت السلطة بعد يوليو/ تموز 1952 قضية التنمية على رأس اهتماماتها وفي مقدمة جدول أعمالها، وحرصت على إزالة أية عقبات كانت تعترض مساهمة رأس المال الوطني أو الأجنبي في التنمية، كما أصدرت القانون رقم 213 لسنة 1952 في أكتوبر/ تشرين الأول 1952 الذي تم بموجبه إنشاء المجلس الدائم للإنتاج كهيئة مستقلة تتبع لرئاسة مجلس الوزراء ويتولى مهمة بحث ودراسة المشروعات الاقتصادية الكبرى التي يكون من شأنها تنمية الإنتاج على المستوى القومي، ووضع مخطط وطني متكامل للتنمية الاقتصادية. وبدأ هذا المجلس في وضع الدراسات التفصيلية لعديد من مشروعات التنمية في قطاعات الري والتوسع الزراعي وتكرير البترول وخطوط أنابيب البترول وتنمية الثروة المعدنية والمواصلات وغيرها من القطاعات في إطار رؤية بعيدة المدى للاقتصاد المصري. وبالتالي كان من الطبيعي أن يلقى مشروع السد العالي الاهتمام الواجب في مجلس الإنتاج بعد أن تحمست له قيادة الثورة على المستوى السياسي، وبالفعل تم تشكيل لجنة فرعية تضم عددا من أعضاء مجلس قيادة الثورة وعدداً من أعضاء مجلس الإنتاج من الخبراء والفنيين برئاسة جمال سالم لإجراء مزيد من البحث والدراسة لهذا المشروع، وعقدت اللجنة عدة اجتماعات في مقر مجلس قيادة الثورة بالجزيرة، حضر بعضها المهندس اليوناني دانينيوس، وإنتهت بعد دراسات مستفيضة إلى الإقرار بجدوى المشروع وضرورة تنفيذه وقدمت أيضا توصيات بهذا المعنى لمجلس قيادة الثورة الذي وافق من حيث المبدأ على تنفيذ المشروع والبدء في اتخاذ الخطوات العملية في هذا الشأن. وكانت الخطوة الأولى هي تنظيم سلسلة من المحاضرات عن السد العالي، وبدأت بمحاضرات وندوات في نادي ضباط الجيش بالزمالك تحدث فيها عدد من المهندسين المتخصصين وشرحوا أبعاد المشروع وما ينتظر منه من عائد، كما عقدت سلسلة محاضرات أخرى في نقابة المهندسين، وفي جمعية المهندسين المصرية استهدفت كلها تهيئة الرأي العام على المستويات العلمية والسياسية والشعبية لهذا المشروع. لقد تمثل العائق الأساسي الذي حال دون بحث أو تنفيذ مشروع بهذا الحجم في عهود ما قبل الثورة هو غياب الاستقرار السياسي، على سبيل المثال فقد كان هناك مشروع كهربة خزان أسوان وهو مشروع كان محل مزايدة بين الأحزاب في برامجها، وتستخدمه كأداة للدعاية ووسيلة للوصول إلى السلطة ثم سرعان ما يطاح بها ويطوى المشروع في غياهب النسيان لتأتي حكومة حزبية أخرى تجدد نفس السيناريو، فلما جاءت الثورة قامت بتنفيذ فوري لمشروع كهربة خزان أسوان، وعملت في الوقت نفسه على إشراك مكاتب استشارية أجنبية في دراسة مشروع السد العالي إلى جانب الخبراء المصريين الذين يمتازون بقدرات وكفاءات كبيرة وعالمية أيضا في هذا المجال، وكل الدراسات أكدت سلامة المشروع من حيث الجدوى الاقتصادية لمستقبل مصر، وكان من بين من تولى دراسة المشروع بصورة رسمية البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وقد أعد بالفعل دراسة قدمها يوجين بلاك، كان ملخصها أن حالة الاقتصاد المصري تسمح بإتمام مشروع السد العالي. كما جاء خبراء من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الغربية وفرنسا للتنسيق مع المجموعة المكلفة ببحث المشروع، وتولى كل من المهندسين محمد صدقي سليمان و محمود يونس وسمير حلمي وأحمد عبده الشرباصي وإبراهيم زكي قناوي وموسى عرفة وآخرين التنسيق مع هؤلاء الخبراء وتقديم التسهيلات اللازمة لهم لوضع الدراسات المطلوبة حول المشروع. ان مشروعا بهذا الحجم كان في حاجة إلى قرار سياسي جريء، وكان جمال عبدالناصر يتمتع برؤية إستراتيجية بعيدة المدى ولم يكن يتخذ القرار المتسرع ولم تكن مواقفه نابعة من رد الفعل، ومن ثم فقد استوعب كل النتائج التي توصلت إليها الدراسات الفنية المتخصصة لمشروع السد العالي وسعى إلى تحويله إلى “حلم قومي” يستحق أن تجند له كل الطاقات والخبرات لوضعه موضع التنفيذ وبدأ يضعه في جدول أعماله في مناقشاته واجتماعاته مع كل المسؤولين العرب والأجانب كما تداول بشأنه في حواراته المستمرة مع الرئيسين تيتو ونهرو، وأخذ يبحث عن مصادر لتمويله، وبدا بعرضه على البنك الدولي للإنشاء والتعمير الذي أكد في تقرير نشره في شهر يونيو/ حزيران 1955 سلامة المشروع، وورد بهذا التقرير أيضاً “أن مصر اعتمدت ثمانية ملايين دولار لتنفيذ بعض الأعمال التحضيرية للمشروع وتشمل إنشاء خطوط للسكك الحديدية، ومساكن للعاملين في الموقع”، وفي أغسطس/ آب من نفس العام أصدر البنك تقريرا آخر يؤكد قدرة الاقتصاد المصري على تنفيذ المشروع، وفي سبتمبر/ ايلول 1955 أعلنت بعض الشركات الألمانية الغربية والفرنسية والبريطانية تقدمها بعروض للمشاركة في تنفيذ المشروع في شكل “كونسورتيوم”. لقد بدا أن المشروع يحظى باهتمام في الدوائر السياسية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وقد اعتبروه فرصة للربط بين دعم خطط التنمية التي بدأتها الثورة من جانب، وإقامة نظام إقليمي يضمن المصالح الغربية ويفتح الطريق للتسوية مع “إسرائيل” من جانب آخر. وبدأ الاتحاد السوفييتي يدخل كطرف ثالث في التنافس خاصة بعد عقد صفقة الأسلحة التشيكية ففي سبتمبر/ ايلول عام،1955 وفي نفس وقت إعلان أنباء الصفقة صرح السفير السوفييتي في القاهرة أن بلاده مستعدة للمساهمة في بناء السد العالي،وحدد هذه المساهمة بالمعونة الفنية والمعدات وأموال يتم تسديدها بسلع خلال خمسة وعشرين عاما، وأدى ذلك إلى فزع كبير في الغرب، وتحركت بريطانيا لتحذير واشنطن من التهديد السوفييتي القادم. وقد اختار عبدالناصر أن يختبر نوايا الغرب مرة أخرى بعد أن فشلت محاولات الحصول على السلاح منه فبدأ الدكتور عبدالمنعم القيسوني وزير الاقتصاد سلسلة من الزيارات للعواصم الغربية وجرت العديد من المفاوضات، أسفرت عن اتفاق من حيث المبدأ أعلنته الخارجية الأمريكية في 16ديسمبر/ كانون الأول 1955 ويقضي بأن يتولى كل من البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تمويل مشروع السد العالي بتكلفة تبلغ 1،3 مليار دولار يتم توزيعه كالتالي: 1- تقديم 70 مليون دولار للمرحلة الأولى في المشروع (تقدم الولايات المتحدة مبلغ 56 مليون دولار، وتقدم بريطانيا مبلغ 14 مليون دولار). 2- تقديم 200 مليون دولار للمرحلة الثانية في صورة قرض من البنك الدولي بالإضافة إلى 130 مليون دولار أخرى كقرض من الولايات المتحدة الأمريكية ومبلغ 80 مليون دولار قرضا من بريطانيا، على أن تدفع في صور أقساط سنوية بفائدة 5% تسدد على مدى أربعين سنة. 3- باقي المبلغ تتحمله مصر بالعملة المحلية. 4- يضاف إلى ذلك منحتان الأولى من الولايات المتحدة وقدرها عشرون مليون جنيه والثانية من بريطانيا وقدرها خمسة ملايين ونصف المليون جنيه. وفي الوقت الذي كانت فيه المفاوضات حول تمويل السد العالي تتخذ هذا المسار الإيجابي على السطح كانت العلاقات السياسية بين مصر من جانب وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا من جانب آخر تتخذ مسارا مختلفا بسبب معركة الأحلاف وصفقة الأسلحة والاعتداءات “الإسرائيلية” على غزة وغيرها كما أوضحت، وقد بدا واضحا حرص الدولتين على امتلاك أوراق ضغط على ثورة يوليو تتعارض والإستراتيجية التي انتهجتها الأخيرة بشأن استقلالية قرارها والإصرار على استكمال التحرر من أية ضغوط أجنبية 0 وجاءت الشروط التي وضعتها الدولتان لتنفيذ اتفاق تمويل السد العالي مؤكدة لهذا الاتجاه، فقد اقترن العرض السابق بالشروط التالية: 1- أن تركز مصر برنامجها التنموي على السد العالي بتحويل ثلث دخلها القومي ولمدة عشر سنوات لهذا المشروع مع فرض رقابة على المشروعات الاقتصادية الأخرى. 2- وضع ضوابط للحد من زيادة التضخم والإنفاق الحكومي، وفرض رقابة على مصروفات الحكومة المصرية وعلى الاتفاقيات الأجنبية أو الديون الخارجية. وألا تقبل مصر قروضا أخرى أو تعقد اتفاقيات في هذا الشأن إلا بعد موافقة البنك الدولي. 3- الاحتفاظ بحق إعادة النظر في سياسة التمويل في حالات الضرورة. وأثارت هذه الشروط غضب الرئيس عبدالناصر، فقد كانت أشبه بالوضع الذي كان سائدا في عهد الخديوي إسماعيل، وأنتج ذلك كله حالة فقدان الثقة في إمكانية معاونة الولايات المتحدة في تنفيذ المشروع، وانتهى الرئيس إلى تقدير موقف اقتنع به بهذا المعنى، لكنه حرص على تفادي المواجهة لآخر لحظة حتى يتكشف الموقف الأمريكي بوضوح وجلاء وصراحة في ضوء الرسائل المتكررة التي حملتها القنوات الخلفية والزيارات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين، والتي أكدت حقيقة واحدة هي إصرار الجانب الأمريكي على التحكم في سياسات الثورة ودفعها إلى مسار يخدم الإستراتيجية الأمريكية ومصالح الغرب في الأساس، وخاصة فيما يتعلق بالتفاهم مع “إسرائيل”، وكان ذلك يجري بتنسيق محكم مع الجانب البريطاني تكشفت أبعاده في أكثر من مناسبة وكما كشفته الوثائق الأمريكية والبريطانية التي نشرت مؤخرا. وفي هذا الإطار استقبل الرئيس جمال عبدالناصر يوجين بلاك رئيس البنك الدولي، وبعد مفاوضات وافق عبدالناصر فقط على أن يكون للبنك الدولي حقوق معقولة في تفقد الإجراءات التي سوف تتخذها مصر للحد من التضخم عقد اتفاق أعلن في 8 فبراير/ شباط 1956 يقدم البنك بموجبه قرضاً قيمته مائتا مليون دولار على أن يتوقف تنفيذه على التوصل إلى اتفاق آخر مع لندن وواشنطن حول الشروط التي أعلنوها لتقديم المساعدة. وفي الأسبوع الأول من يوليو/ تموز 1956 استقبل الرئيس عبدالناصر السفير أحمد حسين سفير مصر في واشنطن في استراحة برج العرب غرب الإسكندرية، ودار الحديث حول الموقف الأمريكي من تمويل مشروع السد العالي، وكان أحمد حسين معروفا بميوله الأمريكية ومن أنصار تطوير العلاقات والتعاون مع واشنطن وقد حاول في هذا الاجتماع أن يبرر موقف جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي الذي اتسم بالمماطلة والتعنت وأخذ يسهب في تفسير الضغوط التي يتعرض لها من الدوائر الصهيونية وبعض رجال الكونجرس الأمريكي. ولكن عبدالناصر كان يدرك في قرارة نفسه أن الأمر لا يخرج عن حدود المناورة، وأن أمريكا لن تقدم على المساهمة في تنفيذ المشروع، وتمسك أحمد حسين بموقفه ومحاولاته للتفسير والتبرير، وبعد أن استمع له عبدالناصر مطولا بادره قائلاً: “حسنا (قالها بالإنجليزية All Right) سأعطيك الفرصة لكي تثبت شيئا من أجل مصر يا أحمد، ترجع لدالاس وتقول له إنك قبلت بجميع شروطه، ثم لاحظ ردود فعله، وحانشوف إيه اللي حا يجري بعد كده؟”. وأسقط في يد أحمد حسين واستفسر من الرئيس عما إذا كان لا يريد أن يعدل من الشروط الأمريكية. فقال له عبدالناصر: “لا تعديل في الشروط، وأنت مفوض تفويضا كاملا ومعا” “Carte blanche”، وتقول لدالاس: “إنني قبلت بشروطكم وبأن يتجدد الالتزام الأمريكي تجاه السد العالي سنويا، لكني أحذرك يا أحمد إياك أن تقول أو تفعل أي شىء يمس كرامة مصر وهذا لسبب واضح تماما هو أننا لن نحصل على السد العالي من الأمريكان”. وتوجه أحمد حسين إلى واشنطن عن طريق لندن، وعلى خلاف اتفاقه مع الرئيس عبدالناصر أدلى بتصريحات دلت على تخاذل لا مبرر له على الإطلاق فقد قال: “إن مصر تقبل بجميع المقترحات المقررة بشأن السد العالي، وأنها ترجو مساعدتها في بناء السد العالي، وتعتمد على هذه المساعدة وتطلبها”. كنا في هذه الأثناء في صحبة الرئيس جمال عبدالناصر في زيارة رسمية ليوغوسلافيا عندما أدلى أحمد حسين بهذه التصريحات وأعرب الرئيس عن ضيقه إذ شعر أن مصر قد أهينت وما كان لأحمد حسين أن يصرح بكلمة قبل أن يقابل دالاس حسب التعليمات ويفاجئه بموقفه. ذكّرت الرئيس بما لدينا من معلومات مسبقة بشأن أحمد حسين وتزايد ارتباطاته في هذه الفترة 1955-1956 مع بعض الجهات في أمريكا وقد رأيت هذا التصريح بمثابة تسريب للموقف المصري بشكل مفصل ويحمل معنى التخريب في سياستنا، خاصة وأن الرئيس قد حذره من عدم الإقدام على أي قول أو فعل يترتب عليه المساس بكرامة مصر. فلماذا تطوع أحمد حسين بهذا الموقف ؟ ولماذا في لندن بالذات؟ ولماذا قبل اجتماعه بدالاس في واشنطن؟ خاصة وأنه سمع تقديراً محدداً من جمال عبدالناصر يعرب فيه عن اعتقاده الجازم بأن أمريكا لن تقدم السد العالي لمصر. كان رأي أحمد حسين الذي عبر عنه فيما بعد، أنه قصد المناورة وممارسة الضغط على الجانب الأمريكي خاصة وأنه ألمح في تصريحاته إلى استعداد الاتحاد السوفييتي لتقديم المساعدة في بناء السد العالي. والحقيقة أنه لم يجر أي اتصال من جانب مصر مع الاتحاد السوفييتي حول هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد إلا بعد سنة ،1957 وكل ما حققه التصريح هو إعطاء الفرصة لدالاس لأن يعد نفسه جيدا. وما أن وصل أحمد حسين إلى واشنطن حتى تتابعت الأحداث على النحو التالي: - عندما تسلم دالاس تصريح احمد حسين سارع بإبلاغ أيزنهاور الذي كان متواجدا في كامب ديفيد اثر إصابته بأزمة قلبية، ولإحساس دالاس أنه سيواجه حرجا شديدا إذا ما أبلغه أحمد حسين رسميا قبول مصر للشروط الأمريكية، أبلغ أيزنهاور بأن المصريين لا يتجاوبون معه البتة، وأنه يقترح سحب عرض المساعدة في بناء السد العالي.. ورد أيزنهاور بأنه يفوضه للتصرف بحرية مطلقة وفق ما يراه. - تحدد ظهر يوم 19 يوليو/ تموز 1956 موعدا لاستقبال دالاس لأحمد حسين في مبنى وزارة الخارجية الأمريكية، وبعد دخوله مكتب دالاس بدقائق معدودة أصدر المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية “لينكولن وايت”، بيانا يعلن فيه سحب العرض الأمريكي لتمويل مشروع السد العالي، وكان ذلك قبل أن يبدأ الحديث بين أحمد حسين وجون فوستر دالاس. وقد بعث أحمد حسين بتقرير إلى الرئيس عبدالناصر عن اللقاء جاء فيه: - أن دالاس فاجأه عندما هم بالجلوس بقوله أن الولايات المتحدة الأمريكية يا سيادة السفير ستصدر بيانا الآن، وأننا نأسف لأننا لن نساعدكم في بناء السد العالي وأن بلاده قد قررت سحب عرضها لأن اقتصاد مصر لن يستطيع تحمل هذا المشروع. وهنا حاول السفير أحمد حسين أن يحتج لكن دالاس واصل قراءة ما هو مكتوب أمامه والذي أعد مسبقا حيث استطرد قائلا: - إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد أن من يبني السد العالي -أياً كان- ****ب كراهية الشعب المصري لأن الأعباء المترتبة عليه ستكون مدمرة وساحقة، وأضاف انه ليس في وسع الشعب المصري أن يتحمل عبء تنفيذ هذا المشروع الضخم، فمتطلباته تتجاوز ما تستطيع مصادر مصر احتماله خاصة بعد التزامها بشراء الأسلحة (يقصد صفقة الأسلحة التشيكية)، وإننا في الولايات المتحدة الأمريكية لا نريد أن نكون مكروهين في مصر، وسوف نترك هذه المنفعة للاتحاد السوفييتي إذا كان يعتقد أنه يريد أن يبني السد العالي. - ويضيف دالاس ان بلاده تعتقد أن الاتحاد السوفييتي لا يملك المصادر الكافية لإنجاز المشروع ولو تعهد بتنفيذه فإن الدول التابعة له ستتمرد عليه حيث أنهم يساعدون مصر بينما يرفضون تقديم المساعدات المماثلة التي تطلبها هذه الدول. - يؤكد دالاس أن صفقة الأسلحة التشيكية التي عقدتها مصر ستسبب للحكومة الأمريكية حرجا في شأن استمرار مساعدتها الاقتصادية لمصر لأن كرامة أمريكا أصبحت الآن في التراب بسبب مزاعم بعض الأصوات في أمريكا بأن وسيلة مصر للحصول على المساعدات هي التشهير بالسياسة الأمريكية ومعارضتها. - أنه منزعج شخصيا من صفقة الأسلحة خاصة وأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قد أثبتت في السنوات الأخيرة صدق نيتها في مساعدة مصر كما لعبت دورا مهما في التوصل لاتفاقية الجلاء، والتزمت موقفا غير منحاز بين العرب و”إسرائيل”، بل ومارست الضغط على “إسرائيل” عندما حاولت تنفيذ مشروعاتها في بحيرة طبرية برغم قرار مجلس الأمن بإيقاف هذه المشروعات. وقال أيضا أن ممثلي “إسرائيل” صرحوا له بأن “إسرائيل” لا يمكن أن تنتظر حتى يكمل العرب استعدادهم للقضاء عليها، كما ذكر النتائج الخطيرة التي تترتب على تمكين الشيوعية من بترول البلاد العربية وحرمان الدول الغربية منه، وأنه شخصيا يجد نفسه محرجا ومركزه صعب لأن “إسرائيل” ستطالب ولا شك بالحصول على الأسلحة وبضمانات أمريكية وستستخدم في سبيل تحقيق مطالبها كل وسائل الضغط التي إن نجحت فسوف تسيء لأمريكا عند العرب. وفي رد عاجل على هذه الآراء أوضح أحمد حسين ما يلي: - أنه نقل إلى وزير الخارجية الأمريكي تأكيد الرئيس جمال عبدالناصر بأن صفقة الأسلحة التشيكية ما هي في الواقع إلا صفقة تجارية لا تحمل في طياتها أي طابع آخر. - أن مصر لن تسمح بتسرب أي نفوذ أجنبي إليها وتحرص كل الحرص على مقاومة الشيوعية، وأنها قبلت بالعرض التشيكي نتيجة الصعوبات التي واجهتها في الحصول على السلاح من الدول الغربية. - ويضيف أحمد حسين أنه دلل في هذه المناسبة على سياسة مصر الواقعية والبناءة مذكرا بالدور الكبير الذي قام به الفنيون المصريون لمساعدة إيريك جونستون في وضع مشروعه الخاص بنهر الأردن، وان الرئيس عبدالناصر نفسه قد عبر للوفود العربية الأخرى عن تأييده للمشروع وهو ما ساعد جونستون على إقناع بعضها بجدوى المشروع وسلامته. - كما تطرق إلى المساعدات الاقتصادية الأمريكية في العام الحالي، وأوضح أن مصر تريد التقدم بطلب 360 ألف طن من القمح الأمريكي وفقا للقانون “480 ب”. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية صممت على رفضها تمويل مشروع السد العالي كما توقع الرئيس جمال عبدالناصر. هكذا لم تكن القضية التي تشغل بال المسؤولين الأمريكيين أو الخارجية الأمريكية على وجه الخصوص هي قدرة الاقتصاد المصري أو الآثار السياسية أو الاقتصادية المترتبة على مشروع السد العالي بل تكمن الأزمة الحقيقية في عدم قدرة الإدارة الأمريكية على تقبل الأوضاع الجديدة في المنطقة التي ترتبت على قيام ثورة يوليو ،1952 وعدم قدرتها على التعامل مع القوة الجديدة بما طرحته من أهداف تحمل في طياتها من وجهة النظر الأمريكية تحديا لكل الثوابت التي أرستها القوى الاستعمارية في الشرق الأوسط على مدى السنوات الطويلة السابقة، وكان على مصر الثورة أن تقبل التحدي، وتواصل خططها في البناء والنمو والتنمية، وتعتمد في ذلك على مواردها، فكان تأميم شركة قناة السويس. كلفت السد بلغت 400 مليون جنيه ولو بني اليوم سيتكلف 18 مليار جنيه بدأ التفكير في المشروع في نهاية سنة 1952 المهندس اليوناني المصري دانينيوس. بدأ تنفيذ المشروع في 9 يناير/ كانون الثاني 1960. انتهت المرحلة الأولى في منتصف مايو/ أيار 1964 بتحويل مياه النهر إلى قناة التحويل. في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 1967 ارتفع جسم السد إلى منسوب 172 متراً، وانطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالي في 9 يناير/ كانون الثاني 1969 بتشغيل ثلاثة توربينات. في يوليو/ تموز 1970 اكتمل المشروع بتشغيل 12 توربيناً. بلغت تكلفة بناء السد العالي حوالي 400 مليون جنيه، ولو أردنا بناءه اليوم سيتكلف 18مليار جنيه. (حسب تقدير شيخ المهندسين إبراهيم زكي قناوي). السد بناء من رخام الجرانيت والرمال والطمي تتوسطه طبقة صماء من الطين الأسواني. السد يغلق مجرى النهر على مسيرة حوالي سبعة كيلومترات إلى الجنوب من سد أسوان القديم ويحول المياه إلى مجرى جديد عبارة عن قناة مكشوفة تتوسطها ستة أنفاق متصلة في نهايتها بمحطة كهرباء مزودة باثنتي عشرة وحدة. سعة بحيرة ناصر 164مليار متر مكعب منها 30 مليار متر مكعب لاستيعاب الطمي بعد استمرار رسوبه لعدة قرون، و37 مليار متر مكعب لمواجهة الفيضانات العالية، و97 مليار متر مكعب تمثل السعة الحية للخزان التي تضمن تصرفاً سنوياً ثابتاً مقداره: 84 مليار متر مكعب يخص مصر منها 5ر55 مليار ويخص السودان 18،5 مليار، والباقي 10 مليارات مقدر أن يفقد من حوض الخزان بالتبخر والتسرب. عرض مجرى النهر عند موقع السد 205 أمتار. طول السد عند القمة 3820 متراً. أقصى ارتفاع للسد 111 متراً. عرض قاعدة السد 980 متراً. عرض الطريق فوق السد 40 متراً. * البحيرة: - طول البحيرة 500 كيلومتر. - متوسط عرض البحيرة 11،8 كيلومتر. - مساحة سطح البحيرة 5900 كيلومتر مربع. - أقصى سعة للتخزين في البحيرة 164 مليار متر مكعب. * مجرى التحويل: - الطول الكلي لمجرى التحويل 1950 متراً. - طول القناة الأمامية المكشوفة 1150 متراً. - طول الأنفاق شاملا محطة توليد الكهرباء 315 متراً. - طول القناة الخلفية المكشوفة 485 متراً. - طول النفق 282 متراً. - عدد الأنفاق 6. - أقصى تصرف يمكن تمريره بمجرى التحويل 11000 متر مكعب/ ثانية. - القطر الداخلي للنفق 15 متراً. * محطة توليد الكهرباء: - مجموع القوة المركبة 2،1 مليون كيلووات. - عدد الوحدات الكهربائية 12. - قوة كل وحدة 175000 كيلووات. - الضاغط التصميمي 57،5 متر. القطاع العام والسد العالي * المقاولون العرب: حجم الأعمال التي أوكلت لشركة المقاولون العرب في بناء السد العالي لم تتعد نسبة 12% بميزانية لم تتعد 40 مليون جنيه من جملة التكاليف التي بلغت 330 مليون جنيه. و”المقاولون العرب” قامت بأعمال حفر وهدم. ولم يشرف عثمان أحمد عثمان على أي عملية بل كان المشرفون هم أمين عمر وأحمد عوض. * مصر للأسمنت المسلح: كان حجم أعمالها 60 مليون جنيه بنسبة 18% وهو يعادل مرة ونصف حجم الأعمال الذي أنجزته “المقاولون العرب”. وأهم الأعمال كالتبطين للأنفاق وبناء محطات الكهرباء والستارة الرئيسية للحقن قامت بها شركة مصر للأسمنت المسلح والهيئة العامة للسد العالي. من كتاب سنوات وايام مع جمال عبد الناصر الفريق سامى شرف وزير شئون رئاسة الجمهورية الأسبق وسكرتير الرئيس جمال عبد الناصر للمعلومات
__________________
|
#17
|
||||
|
||||
لوحة توضيحية ومعلومات عن السد
رمز الصداقة تخليداً للتعاون الروسي المصري اقيم ليس ببعيد عن السد العالي صرح يمثل رمز الصداقة الروسية المصرية وعليه كتابة بالعربية واخرى بالروسية تؤكد الصداقة بين مصر وروسيا قبة الصرح حيث تلتقي اعمدته الخمسة عند هذه القبة المفتوحة نقشت عليه "وجعلنا من الماء كل شيء حي" في الأعلى منقوشة على جدار أحد ألأعمدة رمز الصداقه المصري السوفيتي بناء علي شكل زهره لوتس خماسيه بطول 76 متر يربط اعلاها ترس و تطل علي السد العالي الجدران مزينه برسوم ترمز للخير و الزراعه و التعليم ودي الصور اللي هتوضح ده صور حديثة للسد العالى عبر الاقمار
__________________
|
#18
|
||||
|
||||
بحيرة ناصر
نشأت بحيرة ناصر بعد بناء سد اسوان في مصر عام 1970 وهي تمتد الى السودان اجبر بناء سد اسوان حوالي 90 الف شخص على هجر قراهم وجاءت مكانهم انواع كثيرة من الحيوانات والطيور للعيش في بحيرة ناصر. يقول ملتقط هذه الصور محمد الحبيشي ان التماسيح في بحيرة ناصر تخشي الانسان، فهذا التمساح لم يلبث اكثر من 30 ثانية قبل الاختفاء تحت الماء يعتبر تمساح النيل اكبر تمساح في افريقيا ووجوده الآن مقتصر على بحيرة ناصر بعدما كان متواجدا بكثرة في كل النيل وزة مصرية حتى ثعالب الصحراء استقرت على ضفاف البحيرة السمكة المنتفخة تضخم جسمها فجأة لاخافة من يتربص بها ابو ملعقة طائر مائي ذو منقار ملعقي الشكل اقامة شتوية للرئيس انور السادات لكنه اغتيل قبل ان تتم اشغال البناء سائح امريكي يتجول مع المصور يتباهى بسمكة الفرخ الضخمة التي اصطادها
__________________
|
#19
|
||||
|
||||
قصه أنقاذ أثار النوبه كما يرويها د. ثروت عكاشه
مقدمه : لا يمكن لأحد أن ينكر الدور المشرف والعظيم الذى قام به الدكتور ثروت عكاشه على الساحه الثقافيه المصريه فهو اول وزير لوزارة الثقافه المصريه التى نشأت عام 1958 وقد تم فى عهد الكثير من المشروعات الثقافيه الهامه نذكر منها على سبيل المثال : أنشاء أكاديميه الفنون (بمعاهدها المختلفه) - أنشاء دار الكتاب والوثائق المصريه الجديده – تأسيس فرقه الموسيقه العربيه والفرقه القوميه للفنون الشعبيه - أنشاء مشروع الصوت والضوء فى (الهرم و الكرنك والقلعه ) وغيرها الكثير من المشروعات الثقافيه التى تبنها ورعاها فى تلك الفتره حتى اصبح وبحق أحد افضل من تولى مهام وزارة الثقافه المصريه أن لم يكون حقاً أهم وزير ثقافه مصرى. اما دوره فى انقاذ اثار النوبه فيرويه فى كتاب (أنسان العصر الحديث يمجد رمسيس) الذى أصدرته هيئة الأثار المصريه عام 2008 ويروي قصة الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة, كما يتضمن أيضا جزءا مهما وإن كان مجهولا عن جهود اخري لمصر في مجال انقاذ الآثار في العالم وهي تلك الحملة الخاصة بانقاذ مدينة البندقية التاريخية( فينسيا) بايطاليا, والتي قادها أيضا الدكتور ثروت عكاشة والذى ننقل منه هذا الجزء الموجود بالكتاب المذكور تحت عنوان (كنت شاهد على أنقاذ أثار النوبه ) ______________________________________________ كنت شاهد على أنقاذ أثار النوبه بقلم د. ثروت عكاشه بعد أن اتخذت مصر قرارها الجسور بإنشاء السد العالي في أسوان عام 1954, كانت إقامة هذا السد إيذانا بخلق بحيرة فسيحة من المياه تغمر منطقة النوبة الزاخرة بآثار حضارتنا التي شدت إليها عيون العالم على مر العصور. وفي أواخر عام 1958 كنت أحمل مهام وزارة الثقافة التي كان من مسئوليتها الأولى الحفاظ على آثارنا القديمة بوصفها جزءا مهما من تراث الحضارة الإنسانية. وفي شهر نوفمبر زارني السفير الأمريكي يصحبه مدير متحف المتروبوليتان بنيويورك الذي بادرني قائلا: جئت أشتري واحدا أو اثنين من معابد النوبة المحكوم عليها بالغرق بعد بناء السد العالي. وقد أثارتني هذه الرغبة المفاجئة وضقت بأن يدور بخلد أحد أن يكون تراث أسلافنا مما يباع ويشترى. لذا سارعت بالقول معاتبا: كان جديرا بمتحف المتروبوليتان أن يبادر بالعون العلمي لإنقاذ هذا التراث الإنساني بدلا من التفكير في شرائه. وكان هذا اللقاء على قصره بداية ارتباطي بآثار النوبة. فرأيت أن أزورها مصطحبا معي الدكتور أحمد بدوي أحد كبار العلماء الأركيولوجين وأحد كبار مهندسي الآثار وأمضينا في هذه الرحلة أسبوعين. ولشد ما فزعت عندما اكتشفت أن ما كان يجري على أرض النوبة كان مقصوراً على تسجيل وتوثيق هذه المعابد على أساس أن هذا الجهد هو كل ما تتسع له إمكانات الدولة حينذاك. أحسست بهول المأساة وانتابني الذعر, إذ كيف يترك هذا التراث لتغمره مياه النيل ؟ كانت وزارة الثقافة في مصر بعد وليدة لايتجاوز عمرها ثمانية شهور, وكان إنشاؤها علامة من علامات الحيوية في نظام حكمنا الذي خص الثقافة بهذه الرعاية. لذا كان تفريطها في العمل على إنقاذ تلك المعابد يعد سُبة لايغتفرها التاريخ لنا.. وكان معي خلال تلك الجولة كتاب شائق للأديب الفرنسي الشهير بيير لوتي عضو الأكاديمية الفرنسية, كنت قد اشتريته منذ بضع سنين في باريس, جذبني إليه عنوانه الآسر (موت فيله) وكونه الطبعة الأولى الصادرة عام 1907, فكنت أقضي نهاري في مشاهدة أوابد العبقرية, وليلى تؤنسنا بصوت لوتي وهو يحدث عنها. وإذا أنا أجد الكاتب ممن يهيمون بتراث مصر ويقدسونه, وإذا هو يفزع لما نال هذا التراث من غمر المياه له بعد أن شيد خزان أسوان في مطالع القرن, وإذا هو يناشد المثقفين المصريين بأن يهبوا للذود عن تراثهم متخذا من غرق جزيرة فيله لؤلؤة مصر وإحدى عجائب الدنيا رمزاً لموت مصر القديمة وإيذانا بنهاية هذه الأمة التي خلقت أول حضارة في العالم وأروعها. على أنه أنهى كتابه بصرخة فاجعة يتمنى فيها على المصريين أن يهرعوا إلى الحفاظ على تراثهم الخالد. كان المفروض أن تقوم وراء السد العالي بحيرة صناعية فسيحة تمتد حوالي ثلاثمائة كيلو متر في أرض مصر وحوالي مائة وسبعة وثمانين كيلومترا في أرض السودان, ويرتفع منسوب المياه إلى مائة وثمانين مترا فوق سطح البحر. وكان معنى هذا أن تغمر مياه البحيرة الجديدة جميع آثار بلاد النوبة المصرية والسودانية إلى الأبد. ولم يكن مقدرا لمعبدي أبوسمبل وهما أكثر معابد المنطقة ارتفاعا أن يفلتا من هذا المصير الموجع, فقد كانت مياه التخزين وراء خزان أسوان لاتتخطى مائة وواحدا وعشرين مترا وهو نفس مستوى أرضية المعبد الكبير الذي يبلغ مائة وأربعة وعشرين مترا بينما كان متوقعا أن ترتفع مياه بحيرة السد العالي إلى مستوى مائة وثلاثة وثمانين مترا أي بزيادة ارتفاع قدره اثنان وستون مترا على مستوى بحيرة خزان أسوان, وهو ماكان يعني غمر المعبدين تماما. وهكذا ضمت بلاد النوبة أملاً وقلقاً: أملا يتمثل في سد عال يوفر لشعب مصر الخصب والرخاء, وقلقاً على تراث حضاري عال مهدداً بالغرق والفناء. ولم يعد من الممكن أن نقصر تفكيرنا على بناء السد وحده, بل كان من الواجب أن يمتد تفكيرنا إلى إنقاذ آثار النوبة ومعابدها السبعة عشر. هكذا كانت الصورة في أواخر 1958: خطوات جادة تجري لإنشاء السد العالي وتسجيلات لآثار النوبة, وأيد مكتوفة أمام الخطر المحدق بآثار النوبة الغالبة, وحيرة عميقة في النفوس أمام هذا التساؤل: كيف لثورة يوليو 1952 أن تشتري رخاء المستقبل بالتفريط في معالم خالدة من تراث الماضي ؟ وكيف يكون مستقبلنا مشرقا إلا إذا كان امتدادا لماضينا العريق ؟ وهل يمكن أن يتحقق النمو الاقتصادي دون وعي ثقافي ؟ وهل يكتمل الوجه الحقيقي لثورة يوليو إذا شيدت السد العالي الذي يهدف إلى رفع مستوى معيشة الإنسان المعاصر في بلادنا دون أن تحافظ على أسمى ما أبدعه الإنسان في تاريخه البعيد ؟ وهل يتألق وجدان إنسان الحاضر إذا وجد مايشبعه من ماديات دون أن يجد إلى جانبه مايشبع حسه من روحانيات ؟ ومع كل يوم كان يقترب فيه وداع آثار النوبة كان الإحساس يتضاعف بوجوب عمل شيء من أجل إنقاذها حتى لايأتي هذا اليوم أبدا.. فما أجدرها أن تعيش آلافا أخرى من الأعوام. وحين وقفت استعرض آثار النوبة متطلعا إلى معبدي أبوسمبل المنحوتين في جوف الجبل, متأملا معابد فيله ومتخيلا المياه وقد ابتلعت هذه الآثار أحسست حسرة شاملة تملأ نفسي وتدفعني إلى التشبث بهذه الآثار, وراودني مايشبه الحلم الأسطوري, وتراءى لي وأنا موزع النفس بين عالمي الصحوة والغفوة أن يداً عملاقة تندس في أعماق التربة وتزحزح هذه المعابد الشامخة من مرقدها وتصعد بها إلى قمم الجبال حولها, وتترك لمياه السد مكانا تتماوج فيه على هواها. ومع ثقتي في أن حكومتنا مشغولة بهموم فك قيود الفقر عن ملايين المواطنين بما لاتحتمل معه أن توفر من مالها وطاقتها المحدودين ماينقذ للبشر تراث أسلافهم, أخذت نفسي تسترجع ذكريات فترة أثيرة من حياتي حين أمضيت ماينوف على سنوات ثلاث أعمل ملحقاً حربيا بباريس كنت أتابع خلالها بشغف وإعجاب نشاط منظمة اليونسكو الوليدة, والتي كانت تشغل وقتذاك مبنى قريبا من سفارتنا, مؤمنا إيمان المتفائل بما يمكن أن تحققه هذه المنظمة السامية الأهداف من خير للبشرية في ميادين الفن والثقافة والجمال. وتساءلت بيني وبين نفسي هل يمكن لليونسكو أن يكون لها دور في إنقاذ آثارنا ؟ فقد رسخ في يقيني أن هذه المنظمة التي ينص ميثاقها على السهر على صيانة الآثار الفنية ذات الأهمية التاريخية هي الباب الوحيد المتاح الذي لامناص من أن نطرقه أملا في إنقاذ تلك الروائع على الصعيد الدولي, فهي القادرة على تفهم المخاطر الجدية على هذا المستوى من الرصيد الثقافي للإنسانية. وإذ كنت وقتها أعيش في عذاب القلق الذي يبعثه الإحساس بمواجهة (المستحيل) تساءلت لماذا لانمنح المستحيل فرصة كي يصبح محتملا.. أو أملاً ؟ فعزمت على أن أتصل لساعتي بمدير منظمة اليونسكو لأستوضحه الرأي وأشركه معي فيما أتردى فيه من حيرة, علي أجد عنده ما ينقذني منها, وأعلم منه مدى العون الذي تستطيع المنظمة أن تمنحنا إياه فيما إذا قدر لنا أن نأخذ في إنقاذ هذه المعابد. وإذا بي أعلم أن مساعد المدير العام لليونسكو المسيو رينيه ماهيه موجود في أديس أبابا فاتصلت به لتوي ليلقاني في طريق عودته إلى باريس, فحدد لي موعدا في مطلع شهر يناير 1959 ليلقاني بالقاهرة بين موعد طائرتين نظرا لارتباطه بالتزام رسمي في اليوم التالي بمقر المنظمة في باريس. استقبلته بالمطار في الثامنة مساء لأصطحبه إلى مكتبتي بقصر عابدين, وكنت قد أشرت بإعداد خريطة ضخمة لمجرى النيل من وادي حلفا جنوبا حتى أسوان شمالا مبينا عليها المعابد السبعة عشر المنتثرة على ضفتي النيل لتكون تحت بصره. وكذا عرضنا صوراً فوتوغرافية مكبرة بارتفاع الحائط لكل معبدعلى حدة كي تكشف له عن أهمية الدور الذي يمكن أن تؤديه منظمة اليونسكو إذا ما شاركت في تنفيذ مشروع قد يغدو أعظم إسهاماتها في الميدان الثقافي. مضيت أشرح له قضية إنقاذ آثار النوبة, وكنت شديد القلق بينما أقترح عليه أن تعد منظمة اليونسكو حملة دولية لإنقاذ هذه الآثار تجمع فيها المساهمات المادية والعلمية التي لم أشك في أن الهيئات الثقافية في العالم ستبادر بتقديمها, موضحا له استعداد حكومة مصر لتحمل نصيب مناسب في هذه العملية الإنشائية التي تفوق الخيال. وكان مما أثار حماسته وإقناعي له بأن مقترحاتي هذه تكاد تكون بمنزلة (هدية) إلى اليونسكو تذيع معها ـ لو أنها تبنتها ـ شهرة المنظمة لتتطرق إلى وجدان كل فرد من أفراد البشر. ثم هي لاشك سابقة للمنظمة سيكون لها ماوراءها. وهذا ماحدث فعلا إذ ما كادت منظمة اليونسكو تفرغ من هذا المشروع حتى شاركت في غيره. ودارت المناقشة ساعات ثلاث, وإذا هو يبعث في نفسي الأمل حين همس في أذني بالمثل القائل: إن الحياة إلى زوال ولكن الفن خالد. فعقبت عليه أقول: ولكن ألا ترى أن أسلافنا كانوا يؤمنون بأن الحياة والفن متلازمان لا بقاء لأحدهما إلا ببقاء الآخر؟ وبتلك النظرة من السلف إلى الفن نتقدم إلى اليونسكو بهذا المشروع الذي هو أكبر من أن تضطلع به دولة بمفردها, لاسيما وهي تمر بفترة تنمية تواجه فيها هموما أساسية ينبغي عليها تذليلها, وليس أمامنا غير التعاون الدولي. وحين وجدت منه استجابة لما عرضت وإحساسا منه بمخاوفي ردت إليّ طمأنينتي. ولقد قدرت له قلقه هو الآخر على ضياع تلك الآثار في غمرة الغرق وإيمانه بضرورة مد يد المنظمة لتشارك في تحقيق الأمل. هنا أيقنت أن العناية الإلهية وحدها هي التي أتاحت لي أن ألتقي هذه الشخصية التي تجمع بين الود الصادق والفكر الثاقب. لقد غمرتني فرحة أيما فرحة حين وجدت منه ذلك الاستعداد المبدئي للمشاركة. ليس ذلك فحسب بل إنه بدا ـ تواضعاً منه ـ وكأنه الشاكر لا المشكور, وكأنه في هذا يردد قول الشاعر: شكرا لك يا أخي إذ منحتني دفء أخوتك شكرا لك إذ أزكيت شجاعتي بثقتك شكرا ليس فوقه شكر, إذ أتحت لبرهة من حياتي أن تنبض بحلم كبي شكرا لك إذ هيأت لي فرصة مساعدتك فوهبتني منحة الخلاص صحبت رينيه ماهيه إلى المطار حيث استقل طائرته في الثانية صباحا, ومضى إلى باريس بعد أن استمهلني ثمان وأربعين ساعة ليعرض فيها اقتراحي على السنيور فيتورينو فيرونيزي المدير العام لليونسكو ويخطرني بعدها بما يستقر عليه الرأي. وهمست في أذنه مودعا على باب الطائرة وأنا أعطيه نسختي من كتاب (موت فيله) لبيير لوتي الذي كنت قد حملته معي لكي يقرأه, مؤمنا أنه هو الآخر داعية قدير لنفس القضية التي باتت أهم ما يشغلني على المستويين الحضاري والوظيفي. همست في أذنه: فلتتضافر أيدينا كي نسحب المياه من تحت قدمي إيزيس, عسى أن نضيف يوما خاتمة لكتاب (موت فيله) بعنوان (بعث فيله). ولم تكد تمضي اثنتا عشرة ساعة حتى سمعت رنة الهاتف, وما كدت أرفع السماعة حتى فاجأني صوت رينيه ماهية يحدثني من باريس بأنه قد عرض اقتراحي على المدير العام. وما انتظر ردي المتلهف على سماح النتيجة حتى تابع حديث بقوله: إليك هو ليحدثك بنفسه. فاستمعت إلى السنيور فيرونيزي يزف إلي نبأ اقتناعه بالمشروع, وبأنه على استعداد لعرضه على المجلس التنفيذي لليونسكو إذا ما تسلم طلبا رسميا من الحكومة المصرية. ومالبثت أن تسلمت رسالة من رينيه ماهية في أواخر شهر يناير 1959 يبلغني فيها رسميا استعداد منظمة اليونسكو للقيام بدراسة الوسائل العلمية لحماية تلك الكنوز الفنية والتاريخية طالبا التفاصيل الخاصة بكلفة المعونة المطلوبة. كانت هذه الخطوات السالفة كلها من وحي ضميري ومن وازع نفسي لا أستملي فيها عن أحد, فلقد كان الله من ورائي في جميع خطواتي يسددها ويوفقني إلى مافيه الخير. وجدتني لابد لي قبل البدء فيما أنا مقدم عليه من أن أظفر بموافقة رئيس الجمهورية وتأييده, فأسرعت لكي ألقى الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله, الذي أنصت إليّ طويلا وكأنما أحدثه عن حلم عصي على التحقيق, ثم التفت إليّ مبتسما وهو يخال أن ما حدثته به خيالاً وجموحا وشططا, وإذا أنا يتمثل أمامي لحظتها إقدامه على بناء السد العالي, فقلت له: ياسيادة الرئيس إن ثورة مصر التي تمضي في جرأة وشجاعة لبناء المستقبل يجدر بها أيضا أن تلتفت إلى آثار الماضي فتحميها وتحفظها.. وإذا أنا أرى على وجهه مسحة من الطمأنينة, وإذا هي تغشي صوته, فيتساءل عما يكون من ضمان للتعاون الدولي وسط الظروف السياسية العاصفة التي كنا نمر بها وقتذاك. وحين أحس مني رحمه الله إيماني الصادق العميق بما في الإنسانية من كرم ينبعث دوما مع القضايا النبيلة, وبأنه مما لاشك فيه أن منظمة اليونسكو ستضطلع بعبئها في إنقاذ تلك الآثار الإنسانية التي تعني العالم أجمع على أي صورة كانت وفي أي بلد قامت, بدأ حديثي يستميله, وأخذ يسألني ترى كم سيكون نصيب مصر في هذا المشروع ؟ فأجبته أن هذا السؤال سابق لأوانه, إذ لم تحدد بعد نوعيات مشروعات الإنقاذ وتكاليفها, ولكن مانستطيع أن نفعله الآن هو أن نتعارف على نسبة معقولة تكون من نصيب مصر, لكي يرى العالم أننا جادون في إنقاذ تراثنا, وأننا لن نكون عالة على غيرنا. وانتهينا أخيراً إلى أن تكون نسبة إسهام مصر في حملة الإنقاذ هي الثلث. ولم يلبث بعد أن عرف تفاصيل المشروع أن باركه, فما إن سمعت هذه الموافقة اطمأننت الاطمئنان كله ودعوته لزيارة معبدي أبوسمبل, وعرضت الأمر على المجلس الأعلى للآثار الذي سرعان ماظفرت بتأييده وتشجيعه. تلك كانت بداية القصة, فلقد كانت الجهود كلها قد انتهت إلى الاكتفاء بتسجيل آثار النوبة ومعابدها فحسب, فإذا هذا المشروع الجديد الذي أقدمت عليه وغامرت به تحت إلحاح من إحساسي بالمسئولية يتناول شيئا لم يكن, فقلب الأمور رأسا على عقب, وإذا هو مشروع للإنقاذ لا للتسجيل, ومشروع لحفظ الآثار ظاهرة على وجه الأرض لامودعا إياها لتبتلعها المياه وتصبح أثرا بعد عين. ألا ما أكثر التحديات التي واجهتنا عند تنفيذ هذا المشروع فلم تثننا عن المضي فيما أخذنا فيه عقبات كثيرة يضيق بها الحصر, بدءاً بالظروف الدولية العسيرة التي اكتنفت الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة, والصراع المرير بين الكتل الدولية في العالم, وإصرار مصر على استقلالية مواقفها إزاء الأحداث السياسية العالمية, ثم اعتماد الحملة الدولية على المساهمات الاختيارية وتركها الأمر لكل دولة لتقرر موقفها منها, وما يثقل كاهل بعض الدول من التزامات, وماتتعرض له بعضها من أزمات. ثم ضخامة المشروع نفسه والتحدي الذي انطوى على تغيير شامل في طبيعة المنطقة, وانتزاع معبد كامل من بطن الجبل ومن زحف مياه النيل عليه والارتفاع به أكثر من ستين مترا, وإعادة إقامته في مكانه الجديد, ثم إحاطته بهضبة جبلية ليعود أقرب مايكون إلى طبيعته الأولى, ثم احتياج المشروع إلى أعلى كفاية فنية للإشراف عليه والاطمئنان إلى سلامة تنفيذه, وارتياب دول العالم في إمكان تنفيذ ذلك على الوجه المرضي حتى ولو كان واقعا في أرض دولة من الدول المتقدمة, ثم الظروف الشاقة التي تركت فيها منطقة النوبة بعد تهجير أهلها واستحالة الحياة فيها إلا بجهد كاد أن يكون أسطوريا, ثم تيسر ظروف العمل والحياة لآلاف من الفنيين, بينهم عدد كبير من الأجانب. وفضلا عن ذلك كله بعد الشُّقة وقسوة الطبيعة وسوء الأحوال الجوية في شهور الصيف القائظة مع برنامج صارم لتنفيذ مراحل السد العالي لاينى أو يتراخى. وإلى جوار هذا أيضا مواقف دولية في المساهمة مترددة, وكثير منها وعود, وعملات حرة مطلوبة بلا رصيد أحيانا. كل ذلك كان يمثل عقبات لابد من أن تكون في الاعتبار أثناء المضي في المشروع. لكن مصر صمدت أمام جميع تلك العقبات والمصاعب التي اعترضتها, فلقد كانت بين يدي تجربة تمس كرامتها وعزتها وتستنفر عراقتها, ومضت الأعمال منذ اللحظة الأولى لاتتوقف, في القاهرة حيث مركز التوجيه, وفي أنحاء النوبة وفي أبوسمبل خاصة حيث العمل يجري في سباق مع الطبيعة والنيل, والثقة تملأ قلوب العاملين, فلم يتوقف العمل لحظة حتى إبان محنة يونيه 1967 إلى أن كللت الجهود الصادقة بالنجاح وتم إنقاذ المعبدين. ففي يوم 22 سبتمبر 1968 شاعت في سماء مصر وأرضها أنسام فرحة غامرة, فرحة النجاح في انتزاع أجمل آثار حضارتنا القديمة من يد الفناء والصعود بمعبدي أبوسمبل إلى منصة الخلود, تلك المنصة التي التقت على صنعها أياد من مختلف أنحاء العالم ضمها تعاون صادق وإيمان عميق بقيمة الثقافة وأهمية الأوابد الفنية, والتقاء روحي حار يذوب معه اختلاف اللغات والأجناس والأديان, ولايطل فيه غير وجه الإنسان بنقائه وسموه. ولولا ما كان يشوب نفوسنا من مرارة هزيمة يونيه 1967 لجاءت فرحتنا كاملة بهذا النصر الثقافي الشامخ. على أن إنقاذ معبدي أبوسمبل لم يكن هو كل ماحدث في بلاد النوبة حيث تناثر التراث الأثري في كل مكان من هذه الساحة الشاسعة. ولكن الشيء الجدير بالتسجيل هو أنه قد تم إنقاذ معابد النوبة السبعة عشر جميعا وأعيدت إقامتها في مواقع متفرقة. على أن مصر تعرف أيضا كيف ترد الجميل فإذا هي تهدي معبد دابود لحكومة إسبانيا ومعبدطافا لحكومة هولندا ومعبد الليسيه لحكومة إيطاليا ومعبددندور لشعب الولايات المتحدة الأمريكية تقديراً لما نالته من مساهمة كبرى على أيديه. ومن قبيل قدرة مصر على رد الجميل لمن يسدي يداً إلى تراثها العريق ولتقيم بهذا الدليل الحي على حضارتها في أراض متفرقة من الدنيا وبين شعوب مختلفة من العالم, أنها كانت صاحبة المبادأة بين الدول الأعضاء في اليونسكو التي نادت بضرورة إنقاذ مدينتي البندقية وفلورنسا وماتحويان من كنوز إزاء المخاطر التي تعرضت لها. بل ولقد كان الرئيس عبد الناصر وفياً عندما أذن لي قبل أن أعلن هذه المبادرة في المجلس التنفيذي لليونسكو الذي كنت أتشرف بعضويته لثمان سنين بأن مصر تضع تحت تصرف المديرالعام لليونسكو أول مبلغ تلقته المنظمة الدولية لإنقاذ آثار فلورنسا عام 1967 تلاه مبلغ آخر في عام 1969. وحين انتخبت بعد ذلك نائبا لرئيس اللجنة الدولية لإنقاذ البندقية لم أتردد لحظة في القبول وتطوعت للعمل بها ما ينوف على سنوات عشرا. وحين أصدرت منظمة اليونسكو لحسابتها كتابي (رمسيس يتوج من جديد) باللغة الفرنسية الذي تناول فيه بالشرح والتحليل جميع مراحل حملة إنقاذ آثار النوبة تنازلت بدوري عن جميع حقوقي المادية والأدبية لمصلحة مشروع إنقاذ مدينة البندقية, فمصر تؤمن بأنه مما يثري حضارة أمة قدرتها على الأخذ والعطاء معا. وحسبي أن أتلو فقرة من خطاب مدير عام اليونسكو في مؤتمر الدول المشتركة في إنقاذ معابد فيله بالقاهرة في 19 ديسمبر 1970 بلور فيها قيمة الحملة الدولية فإذا هو يخاطبني قائلا: (والآن التفت إليك لأقول لقد كنت أنت صاحب فكرة الحملة الدولية التي تقودها منظمة اليونسكو, وكان ذلك في شهر يناير 1959 عندما حدثتني عنها لأول مرة, فأيقنت عندها أن الأمر بالنسبة لك لم يكن يعني فقط ـ أو حتى أساسا ـ مجرد وسيلة لجمع الأموال اللازمة, بل إن الأهم في نظرك ـ وفي نظري أنا الآخر ـ هوالدلالة المعنوية للمشروع, والقيمة الثقافية العالية لمصلحة الإنسانية جمعاء. ومنذ ذلك الوقت وعلى مدى أحد عشر عاما ذلل تصميمك كل العقبات ومكننا إيمانك بالتعاون الدولي من القيام معا بهذا المشروع, ومن إتمام ما كان يبدو لأول وهلة يوتوبياً. وأنا لا أعني الأحجار العريقة التي تم إنقاذها بقدر ما أعني الاستجابات الجديدة التي تشكلت في عقول الناس وفي قلوبهم. لقد أصبح الحلم حقيقة وفكرة التراث الثقافي المشترك للإنسانية ـ تلك الفكرة التي كانت بالأمس مجرد تصور غامض ـ اتخذت منذ هذه اللحظة فصاعدا شكلا أكثر تحديداً في الضمائر بينما أعطى التعاون العالمي برهاناً ساطعا على فعاليته). ألا ما أبعد هذه الصورة الرفافة بعد إنقاذ معبد فيله ـ آخر معابد النوبة ـ عن الوضع الذي شهده بيير لوتي في مطلع هذا القرن حين ظنها تسلم أنفاسها الأخيرة, والماء يعلو رويدا رويدا ليبتلع كل يوم مزيدا من جسدها العملاق. غير أن ثورة يوليو 1952 التي أقامت السد العالي لم تشأ لهذا الجزء من حضارة الوطن أن يندثر أو أن يتخطفه ملك الموت في زحمة انشغالها بهموم المصريين. فلم يكد جسد السد العالي يكتمل حتى هرعت نفس الأيادي وبنفس الحماسة لتركز أسوار الحديد الهائلة حول الجزيرة لتعصمها من الطوفان, ثم لتسحب المياه من تحت قدمي إيزيس وتصعد بها بعد ذلك إلى قمة جزيرة إيجيليكا كي ترفرف من جديد راية من رايات الحضارة الإنسانية خالدة. ليت بيير لوتي يبعث من موته ليشهد بعينيه كيف بعثت إلى الحياة معابد فيله, وإذن لأضاف إلى كتابه ـ كما تنبأت ـ خاتمة بعنوان (بعث فيله), فلم تكن اللحظة التي شاهدها لوتي هي لحظة (موت فيله) بل كانت لحظة التأهب للعودة إلى الحياة من جديد. كم أحس اليوم بالرضا كله حين أرى هذا المشروع الضخم الذي سعيت إليه يوما, والذي استغرق أعواما أحد عشر ينتهي إلى ما انتهى إليه من نجاح. لقد كان من بين مشروعات الوزارة كلها أكثرها إلحاحا عليّ, حتى لقد كان طوال هذه السنوات محط اهتماماتي, فكانت كثرة أسفاري في مناحي العالم المختلفة من أجله, وأكثر لقاءاتي مع أهل الثقافة والسياسة العالميين في سبيله. لم تشغلني مشكلات الحقل الثقافي رغم إلحاحها وكثرتها وتعقدها عنه, ولم تصرفني ليلة عن متابعة خطواته, فقد جعلت منه مسئوليتي الأولى بقدر ما كان أملي الذاتي. وكنت شديد الإيمان بالنجاح يشدني إلى ذلك إصرار بأن عليّ واجبا يدفعني مع غيري لأن نحفظ للأجيال القادمة أثراً من أعظم ما أنجزته أيدي آبائنا الأولين, أقاموه يوم كانت البشرية تتلمس طريقها نحو مأوى تسكنه في كهوف الجبال, وكانت مصر تنحت للخلود معابد تسكن فيها الروح وتحيل الصخر إلى متحف للفن والجمال. وما من شك في أن هذا المعنى هو الذي حدا بمن تعاونوا معنا لبذل أقصى التضحيات لتحقيق هذا الأمل النبيل
__________________
آخر تعديل بواسطة محمد محمود بدر ، 25-07-2015 الساعة 11:42 AM |
#20
|
||||
|
||||
معجزة إنقاذ معبدي أبو سمبل
الكاتب: رياض توفيق خمسون عامًا على إنقاذ آثار النوبة بمناسبة مرور خمسين عامًا على إنقاذ آثار النوبة, أقيم إحتفال كبير فى الفترة من 21 حتى 25 مارس 2009م بمتحف النوبة فى أسوان حضره الدكتور د. زاهى حواس, الذى أنابه السيد وزير الثقافة, لتكريم الحاضين. وكان هذا الاحتفال تحت رعاية هيئة اليونسكو برئاسة, الدكتور طارق شوقى, والذى بذل جهودًا مضنية فى تقديم الأداء المميز للحفاظ على التراث الحضارى بالنوبة. وقد حضر الإحتفال حشد من المسئولين والمتخصصين من مسئولى الآثار واليونسكو, والذين شاركوا فى الإحتفالية بمجهوداتهم المخلصة التى آلت إلى نجاح هذا الاحتفال. وتقول تستنزا الخبيرة الإيطالية بهيئة اليونسكو إنها تشكر كل من شارك فى هذه الإحتفالية لأنهم أساس هذا النجاح الذى توج كل من ساهم فيه, كما أضافت: “بهذه المناسبة يسعدنى أن أقول أنه خلال مسيرتي الطويلة فى مجال التشييد والبناء الهندسي أدهشنى أنه في بعض الأحيان تتزاحم عدسات المصورين وتنهال أقلام المفكرين لتسجيل حدث معين أو إعلان عن الإنتهاء من احد المشاريع, ثم بعد ذلك يتضاءل بريقه رويدًا رويدًا حتى يصبح فى طى النسيان. ولكن على النقيض, هناك أحداث وأعمال نجد أنها لا تتوارى أبدًا, سواء كانت فى الماضى أو الحاضر, ذلك لأنها تعبر لنا عن الأسلوب الأمثل والأداء المتميز لتحقيق هدف مرموق. هذه الأحداث هي التي يسجلها التاريخ, ويشهد على عظمتها الأجيال، ولحسن الحظ اننا أمام أحد هذه المعجزات, ألا وهى عملية نقل معبدى أبو سمبل من الموقع الأصلي إلى الموقع الحالي, والذي تم خلال الستينيات.” والسؤال الذى يطرح نفسه هنا أنه إذا كان هناك تميز قد حدث فى بناء هام منذ قديم الزمان، فكيف, وأين, ومتى يكون التميز المستجد فيه الآن؟ .. وللإجابة عن هذا السؤال يسعدنا أيها القارىء العزيز أن نصحبك فى رحلة عبر هذا التميز بالكلمة والصورة لمشاهدة التحدى والإعجاز الخاص بمشروع نقل معبدي أبو سمبل. نبذة عن معبدى أبو سمبل يقع المعبدان, المحفوران داخل جبلين شامخين, على الضفة الغربية لنهر النيل بجمهورية مصر العربية جنوب مدينة أسوان على بعد حوالى 300 كيلو متر, شيده الملك رمسيس (الأسرة التاسعة عشر) معبدي أبو سمبل فى مكانين متقاربين, يطلان على نهر النيل فى مواجهة فلكية لشروق أشعة الشمس, وقد تم تشييد إحدهما للملك والآخر لزوجته, الملكة نفرتارى. وقد تم إكتشاف معبدي أبو سمبل سنة 1813م حيث كانت الرمال تغطيهما إلى قمتيهما فى منطقة أبو سمبل ببلاد النوبة. فن هندسة الواجهات تم إنشاء الواجة بتشكيل رائع من التماثيل والنقوش التى تعبر عن مدى رقي وتطور الفنون في هذا الوقت. ويتميز المعبد الكبير, المخصص للملك, بواجهة عريضة طولها 35 مترًا تتضمن أربع تماثيل للملك رمسيس الثانى بإرتفاع عشرين مترًا ووزن 1000 طن للتمثال الواحد. ويقع المدخل الرئيسى للمعبد بين التمثال الثاني والثاني حيث ستبهرك مدى ضخامة تماثيل الواجهة, المحفورة فى مقدمة الجبل, ولكن مع الأسف, فقد سقط التمثال الثالث بفعل الزلازل, تركا فراغا كبيرا. يشهد هذا العمل على قدرة الفنانون والمهندسون, فى ذلك الوقت, على تشكيل الحجارة والضخور بزوايا ومناسيب وارتفاعات, بدقة بلغت حد الإعجاز، حيث تبرز هذه المهارة الفائقة فى إختلاف التعبير على وجوه التماثيل الأربعة والتدرج فى ملامحهم, حيث ترى الصرامة فى وجه التمثال الأول ثم تنفرج سماته بدرجات متفاوتة حتى تصل إلى الإبتسامة على وجه التمثال الأخير, فبالرغم من أن الشكل واحد, إلا إن التعبير مختلف. ومن طرائف معبدي أبو سمبل أن يعلوه 24 قردا, يقال انهم وضعوا فى هذا المكان المرتفع لإستقبال شمس كل صباح, فيقوموا بالتصفيق والتهليل إبتهاجا بميلاد يوم جديد. المعبد من الداخل المعبد تم حفره داخل جبل من الحجر الرملى, وهو مكون من صالات وحجرات ضخمة نقشت على جدرانها الأحداث التاريخية التى عايشها الملك فى لوحات فنية زخرفية ذات ألوان جميلة ونقوش جذابة. كما توجد ثمانية تماثيل, كل منهم بارتفاع عشرة أمتار, مصفوفة بالصالة الكبيرة عند المدخل, تم نحتهم في جسم المعبد. وهذا, ويقع قدس الأقداس على بعد 65 مترًا من المدخل حيث يتصدرها تماثيل للملك رمسيس الثانى. ولقدس الأقداس قيمة دينية وأسطورية هامة, حيث يقام بها طقوس خاصة عند دخول أشعة الشمس من فتحة في واجهة المعبد لمدة دقائق محدودة, في يومان محددان كل سنة خلال شهري أكتوبر وفبراير. وهنا لنا وقفة مع هذا الإعجاز، فالمعجزة الفلكية لا تقل أهمية عما قام به المهندسون المعاصرون لإنقاذ معبدى أبو سمبل من الغرق, والحفاظ على الأسطورة التاريخية لدخول الشمس بنفس الزوايا, وفى نفس اليومين رغم تغيير مكان الموقع. كيف تحققت معجزة الإنقاذ؟ ولماذا؟ تنفيذ هذا المشروع جاء نتيجة إنشاء مشروع السد العالى وما ترتب عليه من خطورة إرتفاع منسوب المياه المخزنة خلفه، حيث نما الخوف من أن يؤدى ذلك إلى غرق معبدى أبو سمبل وعليه كان هذا هو الدافع الرئيسى لإنقاذهما خلال الستينيات حيث تكلف المشروع حينذاك حوالى 40 مليون دولار أمريكي. ومن أجل الحفاظ على هذا التراث الثمين, والذى يعتبر ملكا للجميع, بادرت هيئة اليونسكو بحملتها الدولية لدعم مشروع إنقاذ معبدى أبو سمبل ومساندته والجانب الهندسى. وقد لخص المهندس مدحت عبد الرحمن إبراهيم, أحد مستشاري المشروع, طبيعة وتحديات المشروع بقوله “كيف تستخرج معبد منحوت داخل جبل، وتشيد جبل آخر يتضمنه من الداخل؟” طبعا هذه معجزة فى حد ذاتها حققها المهندسون الذين دأبوا على دراسة الحلول وطرح بعض الأفكار. أحد هذه المقترحات كان نقل المعبد كتلة واحدة على غرار المعابد الصغيرة عن طريق تحزيمها بالجسور الخرسانية ورفعها بواسطة روافع هيدروليكية ونقلها إلى الموقع الجديد, وقد تم رفض هذه الفكرة نظرا لتكاليفها الباهظة. الأقتراح الأخر كان تفريغ وإزالة ما حول المعبد من مكونات الجبل الحجرية والترابية, ثم تقطيع السقف والحوائط بسمك معين إلى كتل يتم ترقيمها وتحميلها على سيارات بعناية تامة وتخزينها فى مكان أمين ثم إعادة بنائها فى الموقع الجديد مع الحفاظ على شكل ومكونات الجبلين شاملا المعبدين, مع المحافظة على أسطورة دخول أشعة الشمس فى مواعيدها بالموقع الجديد, وقد حازت هذه الفكرة على القبول. ولكن كيف؟ إعادة البناء حفاظا على سلامة العمل من خطر إرتفاع مفاجئ في مخزون المياه السد العالي, أنشأ سد واق بطول حوالى 370 مترًا وإرتفاع حوالى 30 مترًا حول منطقة العمل حيث كان بناء هذا السد سباقا من الزمن. أول خطوة كانت تغطية واجهة المعبد بكثبان رملية ناعمة لحماية التماثيل من تأثيرات عمليات حفر الجبل, هذا وقد تم حفر نفق للدخول والخروج من المعبد, بالإضافة إلى نظام صرف تتجمع فيه مياه الرشح ثم تضخ خارجا. ثم تم تحميل السقف على سقايل هيدروليكية, مع تغطية أعلاى هذه السقايل بعوازل لحماية الرسومات من التلف. جرت أعمال الحفر فوق المعبد بواسطة المعدات الثقيلة, مثل البلدوزرات, ولكن قبل اقتراب الحفر من سقف المعبد بثمانية أمتار, تم استخدام آلات الحفر اليدوية , مثل الشواكيش الكهربائية, لإستكمال الحفر, ذلك لحماية طبقات السقف, المطلوب تقطيعها, من الإنهيار بسبب إرتفاع وزن المعدات الثقيلة. وعند الوصول إلى سمك 80 سم من أسفل السقف, تم استخدام المناشير الكهربائية لبداية عملية تقطيع سقف المعبد إلى كتل بعمق70سم, وبسمك 4 مم, ثم أستخدمت مناشير الصلب اليدوية لقطع الجزء المتبقى من كتل السقف بعمق 10 سم وسمك 1مم, حرصا على ان يكون خط القطع المار بالرسومات والزخارف ضئيلا جدا. وبعد تقطيع الأسقف إلى كتل متماثلة الحجم, تم ترقيمها ونقلها إلى أماكن التخزين. وقد تم تحديد 80 سم لسمك الحوائط, حيث تم حفر وتفريغ ما خلفها وترقيمها بنفس الطريقة المتبعة فى تقطيع كتل السقف. وقد بلغ عدد الكتل بالمعبد الكبير حوالى 800 قطعة والمعبد الصغير حوالى 200 قطعة, تراوحت أوزانها بين 20 طنا إلى 30 طنا للكتلة الواحدة. الموقع الجديد على إرتفاع 70 مترا, وإمتداد افقي بلغ مائتي متر من الموقع الأصلى، أختير موقع المعبد الجديد, بعد أن أعدت الدراسات الخاصة بالتربة والتوجيه السليم وفقا للمحاور الأصلية التى تلتقى مع أشعة الشمس. وقد بنيت الحوائط أولا ثم غلفت من الخلف بغطاء من الخرسانة المسلحة لتقوية تماسكها, ثم وضعت كتل السقف وغلفت, بعد إعادة بنائها, بغطاء من الخرسانة المسلحة مثل الحوائط تماما, وذلك لضمان متانة البناء الجديد, حيث تم ربط الكتل الحجرية, سواء كانت كتل السقف أو الحوائط, مع الخرسانة المغلفة لها بواسطة أسياخ حديدية تم زرعها فى الكتل الحجرية بواسطة مادة الايبوكسى. وقد روعيت فى أعمال الترميم أهمية الحفاظ على الرسومات والزخارف المنقوشة, كما أضيف مسحوق ناعم من مخلفات تقطيع الكتل الحجرية لمواد الترميم, لتكسب اللحامات اللون الأصلى، حيث أن الناظر لن يستطيع التعرف على أماكن التقطيع. معجزة تشكيل الجبل طبعا لا يمكن إعادة وضع الكتل الجبلية مرة أخرى فوق سقف المعبد الجديد لأنه لن يتحملها, لذا أحيط جسم المعبد بقبة خرسانية مسلحة بسمك 1.4 متر لتتحمل وجود ثقل الجبل فوقها, وقد تم صب الخرسانة المسلحة للقبة على أجزاء صغيرة لتقليل تأثير الضغوط الحرارية, والإنكماش, ثم تم إضافة الأتربة, والحجارة, لتكون شكلا مشابه للشكل الأصلى. وقد تم توصيل أسلاك تمتد لداخل القبة, تصل إلى نقطة القياس محددة, لمراقبة أنواع الضغوط والتمدد ومدى استقرار القبة ودرجة الحرارة داخها. أما بخصوص تشكيل الواجة الجديدة, فقد تم استقطاع واجة الجبل الأصلية بسمك 80 سم, تم تغليف واجهة المعبد الجديد بها، وذلك للحفاظ على الشكل العام كما كان الوضع السابق. هذا, وأعيد تركيب وبناء تماثيل الواجهة الأصلية ثم جرى تقويتها من الداخل بالخرسانة المسلحة, مع ترميم خطوط القطع الخارجية بنفس طريقة الحوائط والأسقف. إن القبة الخرسانية التى تم تنفيذها تعد أكبر قبة خرسانية مسلحة فى العالم, فهى بسمك 1.4 متر فى أعلى نقطة, تصل إلى 2.1 متر عند القاعدة. اما قواعد الأساسات الخرسانية المحيطة بالمعبد أسفل القبة الحاملة يبلغ عمقها 17 مترًا تحت الأرض. وقد بدأ العمل فى المشروع فى نوفمبر 1963م وإنتهى فى سبتمبر 1968م
__________________
|
#21
|
||||
|
||||
المصور أنطون ألبير يحمل كاميراه، ويجوب بين آثار معبد أبوسمبل لتلقط عينه الخبيرة ما يحتاج إلى التوثيق، وما تركه الأقدمون رغم مرور آلاف السنين، كأنها تعلم الأحفاد كيفية الصمود - حركة دءوب تجتاح المكان فى مشروع بناء السد العالى نراها فى العمال والمهندسين فى الأسفل، وكذلك فى الموثق أنطون ألبير الذى يبحث عن لقطة جديدة - والحقيقة أن كل الصور الوثائقية التى تناولت النوبة فى بعض مراحلها المختلفة بدءا من ما قبل التهجير، ومرورا بعملية التهجير ذاتها، ووصولا إلى الاستقرار فى القرى الجديدة بمنطقة كوم امبو، كل ذلك نتاج رحلة شاقة قام بها المصور الفنان أنطون ألبير إلى بلاد النوبة، استخدم فيها وسائل المواصلات المتاحة سواء كانت مواصلات برية أو نيلية، وهو يرتجل فى بلاد لم يألفها من قبل. وكما نرى أمامنا المصور فى ضيافة أحد أعيان النوبة، فى لحظة استراحة لينطلق بعدها إلى ربوع القرية ليسجل بالكاميرا ما قد يعجز عن وصفه القلم.•
__________________
|
#22
|
||||
|
||||
أنقاذ آثار النوبة من الغرق.. أضخم عملية انقاذ للآثار في التاريخ
تعرضت آثار النوبة للغرق ثلاث مرات قبل بناء السد العالي، المرة الأولى عند بناء خزان أسوان سنة 1902 وتبع ذلك ارتفاع منسوب المياه بشكل هدد الآثار والمرة الثانية سنة 1912، والثالثة في سنة 1932. وفي كل مرة كان يتم عمل مسح للمواقع الأثرية، ويتم تسجيلها وعمل الخرائط اللازمة لها. وعندما تقرر إنشاء السد العالى أصبح واضحًا أن جنوب الوادي سيتعرض لارتفاع منسوب المياه بشكل دائم ومن ثم أصبح من الضروري العمل لتلافي مخاطر ارتفاع منسوب المياه على المواقع الأثرية. وبعد مبادرة من مصر قامت هيئة اليونسكو بإصدار نداء دولي لأضخم عملية إنقاذ للآثار في التاريخ. واشترك في هذه العملية أكثر من أربعين دولة تقدمت إما بالمساعدة المالية أو المشاركة العملية، وتكفل كل فريق من هذه الدول بمسئولية ذات مهام محددة. المهام التي قامت بها هيئة اليونسكوقام المجلس التنفيذي لهيئة اليونسكو بدارسة تقرير قام بإعداده مجموعة من الخبراء الدوليين، ودار موضوع التقرير حول جدوى إنقاذ أثار النوبة ومن ثم أصدرت هيئة اليونسكو نداءًا هامًا إلى العالم للمشاركة المالية والفنية لإنقاذ آثار النوبة. وصدر هذا النداء في الثامن من مارس سنة 1960 وكان بداية لمشروع غير مسبوق في التاريخ، وكانت المصاعب عديدة منها أن علماء الآثار يسابقون الزمن لإجراء الحفائر التي تمت في ظروف مناخية غير مواتية وكان عليهم التغلب على ذلك بشكل أو بآخر، وكان هناك العديد من المشاريع الضخمة التي يستلزم دراستها بهدف إنقاذ الآثار وتحسبًا لآية مشاكل هندسية ربما تظهر فيما بعد.واستمرت جهود الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة قرابة العشرين عامًا ولكن مع مرور الزمن تحققت أهدافها، وقام ما يقرب من أربعين بعثة أثرية من دول العالم المختلفة بعمل الدراسات العلمية للمواقع الأثرية، تم خلال ذلك فك ما يقرب من اثنين وعشرين أثر ونُقلوا إلى مواقع جديدة.وتشهد قائمة المعابد التي تم نقلها على ضخامة العمل الذي تم في إنقاذ آثار النوبة ومن المعابد التى تم نقلها: معبدى "أبو سمبل"، ومعابد فيلة، معبد دابود، كلابشة، وادى السبوع، دندور، عمدا، الليسية، بيت الوالى، دكة، المحرقة، الدر، بوهن وغيرها. ولقد اكتمل العمل في إنقاذ هذه المعابد على الوجه الأكمل في الوقت الذى بلغ ارتفاع منسوب المياه في بحيرة ناصر الحد الذي كان يُخشى منه لو ظلت الآثار قائمة في مواقعها السابقة. نبذه عن أثار النوبه التى تم أنقاذها : معابد فيلة تقع جنوب مدين اسوان امام خزان اسوان وتم نقل مجموعة المعابد الي جزيرة ذات منسوب مرتفع عن المياه وتم النقل ضمن مشاريع انقاذ اثار النوبة يرجع اسم فيلة الي اللغة اليونانية التي تعني " الحبيبة " او "الحبيبات " ام الاسم العربي لها فهو انس الوجود نسبة لاسطورة انس الوجود في قصص الف ليلة وليلة اما الاسم المصري القديم والقبطي فهو "بيلاك" او بيلاخ ويعني الحد او النهاية لانها كانت اخر حدود مصر في الجنوب ومجموعة المعابد كرست لعبادة الاله ايزيس غير ان الجزيرة احتوت علي معابد لحتحور وامنحتب وغيرها من المعابد التي اضيفت في عصور مختلفة وهي من اجمل مناطق الزيارة في اسوان للضامة المعمارية والاضافات المختلفة الطراز مثل ( كشك تراجان – وبوابة هادريان – والمعبد الروماني – وبيت الولادة – والقرية المسيحية ) وتم انقاذ معابد فيلة بالتعاون المصري الايطالي في اطار الجهود الدولية لانقاذ اثار النوبة خلال الفترة من 1972 حتي 1980 معبد كلابشه هذا المعبد من افخم معابد بلاد النوبه وهو على بعد 55كم من خزان اسوان وقد عرف قديما باسم تالميس وعلى الرغم من ان تاريخه يرجع الى اوائل العصر الروماني الا انه يعتبر بحق اعظم واجمل المعابد في بلاد النوبة بعد معبدى ابى سمبل وهي اقدم الاثار الموجود بها امنحتب الثاني وتحتمس الثالث وتبلغ مساحته (74 * 33متر ) وشارك في بناءها كاليجولا والامبراطور تراجان واغسطس وكرس لعباده الاله ((ماندوليس )) بالاضافه الى اوزوريس وايزيس ويزخر المعبد بنقوش مسيحية بعدما تحول الي كنيسة يوجد بجانبها حاليا معبد بيت الوالي في المنطقه المرتفعة على مقربه من معبد كلابشه وهو بيت الوالي الذي يرجع تاريخه الى عصر الملك رمسيس الثاني وكرس للاله خنوم امون وعنقت والمعبد مكون من فناء وصالة وقدس الاقداس استخدم المعبد ككنيسة في العصر المسيحي وهو منحوت في الصخر وتم جمع معبد كلابشه ومعبد بيت الوالي بالقرب من السد العالي. معبد الدكه يقع على بعد 20كم جنوب جرف حسين اى نحو 110كم من خزان اسوان وشيد من قبل الملك النوبي اجفر امون في عصر البطالمه 250 ق.م وترجع الاصول الاولي للمعبد الي الدولة الحديثة اسماء حتشبسوت وتحتمس الثالث وسيتي الاول ومرنبتاح وقد ساهم العديد من الملوك في اقامة ونقش هذا المعبد مثل بطليموس الرابع و الثامن والامبراطور الروماني اغسطس وقد تم فك هذا المعبد بين عامى 62-1968 ونقل الى مكانه الجديد بالقرب من السبوع . معبد الدر وبها المعبد الوحيد المحفور باكمله في الصخر يقع على مسافة 206كم من خزان اسوان بناه رمسيس الثاني في منطقة النوبة على الضفه اليمني للنيل تم تكريسه للالهين بتاح امون ورمسيس الثاني نفسه تزخر جدران المعبد بحملات رمسيس الثاني نفسه علي بلاد النوبة وقد تم فك ونقل هذا المعبد الى مكانه الجديد بالقرب من عمدا في عام 1976 وهو يشبه في عناصره المعماريه ونقوشه معبد ابو سمبل الكبير ما عدا تماثيل الواجهة منطقة السبوع وعمدا السبوع يقع في منطقة وادى العرب على بعد 158كم جنوب خزان اسوان على الضفه الغربيه للنيل ويعتبر ثاني اضخم المعابد بعد ابو سمبل عرف بهذا الاسم نتيجة لوجود مجموعة من التماثيل علي هيئة ابو الهول وكرس المعبد للاله امون رع حور اختي ورمسيس الثاني نفسه و يوجد المعبد بين معبدين من الدوله الحديثه او لهما بناه امنحتب الثالث وهومعبد صغير يبدو ان المعبد كان مكرسا لعباده الالهة المحلية على شكل حورس ومثل في اماكن اخرى على شكل امون . اما المعبد الاخر فهو معبد ضخم بنى في عهد رمسيس الثاني ويبعد حوالي 150م من الشمال الشرقي للمعبد الاول والجزء الامامي منه مبني من الحجر الرملي اما بقيه اجزاؤه فقد نحتت في الصخر وقد نقل المعبد خلال عمليات انقاذ اثار النوبة الي موقعه الجديد الذي يبعد حوالي 4كم الى الغرب من الموقع القديم. معبد عمدا يقع على بعد20كم من مجموعة السبوع بني في عصر كل من تحتمس الثالث وامنحتب الثاني وقد كرس لعباده كل من امون رع ورع حوار اختي ثم اضيفت له صالات احتفالات في عصر تحتمس الرابع وفي عصر العديد ملوك الاسره التاسعة عشر وخاصة سيتي الاول رمسيس الثاني تم عمل بعض الترميمات لهذا المعبد واضيفت له العديد من النقوش وكرس لعبادة الالهين امون رع وحور اختي وتم نقله في الفترة من 1964الي عام 1965 الي موقعه الجديد. المحرقه يقع على بعد 115كم من خزان اسوان بني في العصر الروماني ويتكون من قاعة واحدة محاط من ثلاث جوانب باعمدة ذات تيجان نباتية مركبة وكان مخصصا للاله سرابيس. اثار ابريم بعد مسافة لا تزيد علي سبعة عشر كم جنوب الدر أى بعد 225كم من خزان اسوان توجد اثار قصر ابريم ويمكن تقسيمها نوعين :اولهما قلعة قصر ابريم والثانية هياكل قصر ابريم. ويرجع تاريخ اثار ابريم الي العصور القديمة ولكن لم تلعب دورا خطيرا في تاريخ هذه المنطقه الا منذ العصر الروماني وتقع فوق ربه شاهقة من الضفه القابلة لبلده عنيبه. وقد ذكرت هذه القلعة كثيرا في تاريخ الحروب وكانت ضمن المناطق التي حرص السلطان سليم الاول علي احتلالها وارسل حامية من اهل البوسنة وقد وجد في هذه القلعة كنيسة ومعبد متاخر وللاسف ان هذا كله اصبح مهدم وليس بها الان الا اثار بسيطة مقبرة بنوت تقع علي بعد 205 كم جنوب السد العالي وكانت هذه المفبرة بنوت الذي كان من كبار الموظفين في عهد الملك رمسيس الثاني في عنيبة واوصي بان يدفن في بلاد النوبة تتكون المقبرة من غرفة مستطيلة تنتهي بنيش تتضمن ثلاث تماثيل مهمشة سجلت علي جدران المقبرة اوضاع تعبدية وجنائزية ومحكمة اوزوريس مقبرة أبوعوده يرجع انشاؤها الي عام 1325 قبل الميلاد علي الشاطي الشرقي للبحيرة امام مدينة ابوسمبل معبد ابو سمبل الكبير واجهة المعبد بها اربعة تماثيل ضخمة للملك رمسيس الثاني جالسا علي عرشه مرتديا التاج المذدوج لمصر العليا والسفلي تتوسطها بوابة المعبد وقد خصص هذا المعبد لعبادة الاله "رع حور اّختي " اله الشمس المشرقة وتصور احدي اللوحات الضخمة معركة قادش بين رمسيس الثاني والحيثيين وفي نهاية المعبد علي عمق 65 مترا يوجد قدس الاقداس بها اربعة تماثيل للآلهة رع حور اّختي – امون رع – بتاح والملك رمسيس الثاني ومن المعجزات الفلكية دخول اشعة الشمس لتشرق علي هذه التماثيل مرتين كل عام الاولي 22فبراير بمناسبة جلوسه علي العرش والثانية 22اكتوبر بمناسبة ذكري مولده معبد ابو سمبل الصغير ويطلق عليه ايضا معبد حتحور الهة الحب والموسيقي والجمال ولقد بناه رمسيس الثاني تخليدا لزوجته المحبوبة نفرتاري ويمتاز المعبد بجمال رسومه ووضوح الوانه رغم صغر حجمه مقارنة بالمعبد الكبير – والمعبد عبارة عن صالتين وفي نهاية المعبد قدس الاقداس وكان به تمثال للالهة حتحور علي شكل بقرة وتمثالا لرمسيس الثاني ونفرتاري تحطما ولم يبق منهما شي وفي واجهة المعبد يوجد 6 تماثيل ضخمة لرمسيس الثاني وتمثالان لنفرتاري معابد تم انقاذها واهديت لدول ساهمت في الحملة الدولية لانقاذ اثار النوبة 1 – معبد طافا وقد تم اهداؤه لهولندا 2 - معبد دندور وقد تم اهدوه لامريكا 3 – معبد الليسيه وقد تم اهداؤه لايطاليا 4 – معبد دابود وقد تم اهداؤه لأسبانيا
__________________
|
#23
|
||||
|
||||
نقل معبد ابو سمبل
اعجاز هندسى تم عمله نظرا لتحدى بناء السد لا يفوتكم هذا الفيلم التسجيلى عن نقل معابد ابو سمبل https://www.youtube.com/watch?v=EKhb-7QO1oY
__________________
|
#24
|
||||
|
||||
أخر مشاركاتنا فى هذا الموضوع الخاص بالسد
عدد من الفيديوهات الخاصة بالسد العالى منها ما هو نادر جدا https://www.youtube.com/watch?v=7EKw...42gas4p7RV8YwR https://www.youtube.com/watch?v=1X9B...42gas4p7RV8YwR https://www.youtube.com/watch?v=_P4A...RV8YwR&index=4 https://www.youtube.com/watch?v=Kb8M...RV8YwR&index=5 https://www.youtube.com/watch?v=2YTq...42gas4p7RV8YwR https://www.youtube.com/watch?v=QiPR...RV8YwR&index=7 https://www.youtube.com/watch?v=UtLn...42gas4p7RV8YwR https://www.youtube.com/watch?v=-bSH...42gas4p7RV8YwR https://www.youtube.com/watch?v=Wvq5...V8YwR&index=10 نرجو ان يكون الموضوع قد حاز اعجابكم المجهود فى الموضوع كبير لذا لا تبخلوا علينا بالرد والتقييم شكرا على المتابعة جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم
__________________
|
#25
|
||||
|
||||
تم التقييم أستاذنا
وإن كان الموضوع يستاهل مليون نجمة مش خمسة بس جزاكم الله خيراً وبارك فيكم
__________________
|
#26
|
||||
|
||||
اقتباس:
جزيل الشكر والتقدير لحضرتك
أشكرك على التقييم والمتابعة أتمنى من الله ان يكون الموضوع قد نال اعجابكم جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم
__________________
|
#27
|
||||
|
||||
الى حضراتكم هديتنا الحصرية للبوابة
كتاب قصة السد العالى طاهر ابو فاشا فى المرفقات
__________________
|
#28
|
|||
|
|||
السد العالى كبيييييييييييييييييييييييييير
|
#29
|
||||
|
||||
ما شاء الله موضوع أكثر من رائع
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك |
#30
|
|||
|
|||
تحياتي للموقع .. فعلا انتم ناس محترمين .. بمجرد ما سجلت عرفت أحصل على نسخة الكتاب من غير تعب واحالة لصفحات تانية وأشياء من هذا القبيل ..
شكرا جزيلا |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
المصرية, المعجزة, الخالدة, امشي, الغالى |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|