اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > رمضان كريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-06-2015, 01:28 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 60
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي لعلكم تتقون


لعلكم تتقون

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن التقوى من أهم الصفات التي يحرص الإسلام على تحلِّي المسلمين بها؛ لما لها من أثر عظيم على حياة المسلم في الدنيا، ولما يناله بسببها من خيرات الآخرة وكرامتها، لذلك كان المقصد الأعظم والهدف الأسمى من كل التشريعات هو الوصول بالمسلم إلى منزلة المتقين. ونحن حين ننظر فيما أمر الله - تعالى - به أو نهى عنه؛ سواء ما كان متعلقاً بالقلب أو بالجوارح، نجد النصوص الواردة فيها كلها تؤكد على تلك الحقيقة.

والتـقوى حالة قلبـية ومنزلة إيمانية رفيعة، ومرتقى عالٍ لا يُنال إلا بالمجاهدة والمصابرة؛ فهي تطبع صاحبها بطابَع الخشية لله في السر والعلن، كما تحمله على المراقبة الدائمة لأقواله وأفعاله ومقاصده، وتتعاهد قلبه حتى لا يعكر صفـو إيمـانه شيء مما يدخل به الشيطان على النفوس، فلا يكاد يُدخِل الشيطان عليه شيئاً من باطله إلا انتبه له. فالتقوى تجعل للمسلم حاسة قوية يدرك بها كيد الشيطان؛ فإذا مر به الخاطر الشيطاني فإن تقواه تعصمه منه حتى يصير مسـتبصراً مستـيقظاً وعارفاً بمداخله وضلالاته كما قال الله ـ - تعالى -ـ: إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ [الأعراف: 201]، فتجعل التقوى من داخل المسلم على نفسه حسيباً رقيباً، يمسك بزمامها ويقهرها قهراً على فعل الطيبات وترك المنكرات، حتى تلين ويسلس قيادها له، فلا تعود تأمره إلا بخير ولا تدله إلا على خير، وتلتصق التقوى به التصاقاً حتى تصير له بمنزلة اللباس الذي لا يفارقه. قال ـ - تعالى -ـ: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف: 26]، فكما أن اللباس كان زينة الظاهر فإن التقوى زينة الباطن ولا تكمل الزينة إلا بوجود الزينتين.

وقـد أظلّتـنا المنحة السنوية والنفحة الربانية، فأقبل علينا شهر رمضان الذي كتب الله علينا صيامه وسن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيامه؛ حتى نحقق فيه التقوى ونتحلى بها. قال الرازي في تفسير قوله ـ - تعالى -ـ: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ: «الصوم يورث التقوى؛ لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى؛ فإنه يردع عن الأشَر والبطَر والفواحش، ويهوِّن لذّات الدنيا ورياستها؛ وذلك لأن الصوم يكسـر شهوة البطن والفرج، وإنما يسعى الناس لهذين؛ فمن أكثرَ الصوم هان عليه أمر هذين وخفَّت عليه مؤنتهما، فكان ذلك رادعاً له عن ارتكاب المحارم والفواحش، ومهوِّناً عليه أمر الرياسة في الدنيا، وذلك جامع لأسباب التقوى، فيكون معنى الآية: فرضت عليكم الصيام لتكونوا به من المتقين الذين أثنيت عليهم في كتابي، وأعلمت أن هذا الكتاب هدى لهم».

فليس المقصود من الصيام الجوع والعطش المجردين من تأثيرهما على المسلم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامه وشرابه». والزور يشمل الكذب والجهل والسفه، وقد بين الله ـ - تعالى -ـ أن القصد من كل ما شرعه سواء في العقيدة أو الشريعة أن تصبح التقوى صفة لازمة للمسلم؛ ففي ستة مواضع من القرآن يعقِّب الله ـ - تعالى -ـ على التشريع بقوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183]، وفي ستة مواضع أخرى بلفظ: لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، ولذلك جـاء الأمر بالتقوى والوصاية بها لكل من أرسل الله ـ - تعالى -ـ لهم الرسل، فقال - تعالى -: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء: 131]، وكانت وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لبعض أصحابه الأمر بالتقوى، فقال لأبي ذر - رضي الله عنه - : «اتقِ الله حيثما كنت». وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: «صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح فوعظنا موعظة بليـغة ذرفـت منـها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع؛ فأوصنا! فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة...».وقال أنس - رضي الله عنه - : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! أريد سفراً فزوّدني! فقال: «زوّدك الله التقوى».. الحديث؛ فأول ما بدأ به التقوى. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميراً على سرية أو جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً. وكان الأمر بالتقوى وصية الرسل لأقوامهم؛ فها هو ذا نوح وهود وصالح ولوط - عليهم السلام - كل منهم يقول لقومه: أَلا تَتَّقُونَ. وكانت وصية أصحـاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مـن بعـد ذلك؛ فـها هـو ذا أبو بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ خطـب في المـسلمين، فقال: «أوصـيكم بتـقوى الله»، وهـا هـو ذا عـمـر بـن الخـطـاب - رضي الله عنه - يقول: «أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله»، «وكُنَّ ـ نساء أهل المدينة ـ إذا أردن أن يبنين بامرأة على زوجها، بدأن بعائشة فأدخلنها عليها، فتضع يدها على رأسـها تدعـو لها، وتـأمرها بتقوى الله وحق الزوج»، وها هو ذا عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - يكتب لبعض عماله فيقول: «أوصيك بتقوى الله». والأحاديـث والآثـار في ذلك كثــيرة جـداً لا يمكن أن نستقـصـيها هـنا. وقـد جـاء الأمـر بالتـقوى في كـتـاب الله - تعالى - في أكثر من ستين موضعاً، كما وردت مادة (التقوى) وما تفرّع منها في أكثر من مائة وتسعين موضعاً مما يدل على الأهمية الكبرى للتقوى في ميزان الإسلام.

وبجولة يسيرة على آيات الكتاب العزيز نجد أن المراد من المأمور به أو المنهي عنه تحقيق التقوى. قال الله - تعالى - فـأصل الأمر بالإيمان: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِيـنَ مِـن قَبْلِكُـم لَعَلَّكـُمْ تَتَّـقُونَ [البقرة: 21]، وقــد بــيّـن الله - تعالى - حكمته في الأمر بالقصاص فقال: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 179]، وقال عندما أمر عباده بالصيام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183]، ولما أمر عباده باتباع الصراط المستقيم والبعد عن الطرق المخالفة له. قال - سبحانه - : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153]، وعـندما نهى المسلمين عن مباشرة النساء في الاعتكاف قال: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْـمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187].

ويقول الله - تعالى - عندما أمر عباده ببعض مناسك الحج التي منها *** الهَدْيِ: لَن يَنَالَ اللَّهَ لُـحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ [الحج: 37].

وقد تكلم أهل العلم عن حد التقوى؛ فعن علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: «التقوى الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضى بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل». وعن أبي هـريرة ـ رضـي الله تعالى عــنه ـ: «أن رجلاً قال له: ما التقوى؟ قال: هل وجدت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم! قال: فكيف صنعتَ؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه. قال: ذاك التقوى»، وقال ابن القيم: «وأصل التقوى معرفة ما يتقى ثم العمل به؛ فالواجب على كل عبد أن يبذل جهده في معرفة ما يتقيه مما أمره الله به ونهاه عنه، ثم يلتزم طاعة الله ورسوله»، وقال: «وأما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله إيماناً واحتساباً أمراً ونهياً، فيفعل ما أمر الله به إيماناً بالأمر وتصديقاً بوعده، ويترك ما نهى الله عنه إيماناً بالنهي وخوفاً من وعيده، كما قال طلق بن حبيب: إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى! قالوا: وما التقوى؟ قال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، وهذا أحسن ما قيل في حد التقوى».

• بعض فضائل التقوى:

وقد بيّن الله - تعالى - أن خير ما يتزود به الإنسان في سفره إلى الله والدار الآخرة هو التقوى، فقال - تعالى -: وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة: 197]، وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - «أنه خرج إلى المقابر، فلما أشرف على أهل القبور رفع صوته فـنادى: يا أهـل القبور! أتخـبروننا عنـكم أو نخبـركم خـبر ما عـندنا؟ أما خبر ما قِبَلَـنا فالمال قـد اقـتُسِمَ، والنـسـاء قـد تزوجــن، والمسـاكن قـد سكنـها قـوم غيركم، هذا خبر ما قِبَلَنا، فأخبرونا خبر ما قِبَلَكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: أمَا واللهِ لو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا: لم نرَ زاداً خيراً من التقوى»، ويقول ابن القيم: «فكما أنه لا يصل المسافر إلى مقصده إلا بزاد يبلِّغه إياه، فكذلك المسافر إلى الله - تعالى - والدار الآخرة لا يصل إلا بزاد من التقوى؛ فجمع بين الزادين».

وقد ربط الله الفلاح بالتقوى فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة: 189]، فالذي يُرجى فلاحه هو المتقي. وكانت مـن أعظـم المــنة على المتصفين بصفة التقوى أن الله - تعالى - لم يجعل له أولياء غيرهم فقال - تعالى -: إنْ أَوْلِيَاؤُهُ إلاَّ الْـمُتَّقُونَ [الأنفال: 34]، وحصر قبول الأعمال فيهم فقال - تعالى -: إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْـمُتَّقِينَ [المائدة: 27]، حتى يقول أبو الدرداء: «لَأَن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحب إليّ من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْـمُتَّقِينَ».

وكان مطرف بن عبد الله يقول: «اللهم تقبل مني صلاة يوم، اللهم تقبل مني صوم يوم، اللهم اكتب لي حسنة، ثم يقول: إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْـمُتَّقِينَ».

وقد خصهم الله - تعالى - بمعيّته التي لا يضام من كان معه فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْـمُتَّقِينَ [البقرة: 194] قال قتادة: «من يتقِ الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تُغـلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل».

وجعل لهم محبته فقال: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْـمُتَّقِينَ [آل عمران: 76]، ومن كرمهم على ربهم أنهم يُحشرون إليه وفداً: يَوْمَ نَحْشُرُ الْـمُتَّقِينَ إلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا [مريم: 85]، قال علي - رضي الله عنه - : «لا، واللهِ ما على أرجلهم يُحشَرون، ولا يحشر الوفد على أرجلهم، ولكن بنوق لم يرَ الخلائق مثلها، عليها رحائل من ذهب، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة». وجعـل للمتقين بصيرة نافذة تـورثـهـم فرقــانــاً يفـرقــون بـه بـين الحق والبـاطـل. قال - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال: 29]. وبالتـقوى يحفـظ المسـلم ذريـته بعد موتـه؛ فمن أهمّه أمـر ذريـته بعـد الموت فليتق الله ربه؛ قال - تعالى -: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا [النساء: 9].

وكانت تقوى الله - تعالى - هي المخرج للمسلم من المضايق الدنيوية والأخروية، وهي السبيل إلى سعة الرزق حيث يأتيه الرزق من حيث لا يتوقع. قال الله - تعالى -: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2 - 3]، وفي تقواه - تعالى - تكفير السيئات وتكثير الأجر وتعظيم الثواب. قال - تعالى -: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق: 5]، وكانت تقوى الله مما ييسر للعبد أمور دينه ودنياه؛ كما قال ـ - تعالى -ـ: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق: 4]، قال ابن القيم: «فالمتقي مُيَسَّرة عليه أمور دنياه وآخرته، وتاركُ التقوى وإن يُسِّرَت عليه بعض أمور دنياه تعسر عليه من أمور آخرته بحسب ما تركه من التقوى، وأما تيسير ما تيسر عليه من أمور الدنيا فلو اتقى الله لكان تيسيرها عليه أتم، ولو قدر أنها لم تتيسر له فقد يسر الله له من الدنيا ما هو أنفع له مما ناله بغير التقى؛ فإن طيب العيش ونعيم القلب ولذة الروح وفرحها وابتهاجها من أعظم نعيم الدنيا، وهو أجلُّ من نعيم أربـاب الدنـيا بالشـهوات واللذات». وجعل للمتقين أعظم الانتـفاع والاهـتداء بكـلامه فقال: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2]، ومن كرامتهم عليه فقد أعدَّ لهم جنـات عريـضة لا يقـدرها حـق قـدرها إلا الذي خلقها، فقال: وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133]، وجعل لهم العاقبة الباقية وخصهم بها فعُقباهم خير وأمرهم لا يؤول إلا إلى خير، فـقال: وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128]. وعندما يَرِدُ الـناس علـى الصـراط فلا ينجو مما هم عليه إلا المتقون. قال - تعالى -: ثُـمَّ نُنَـجِّـي الَّذِينَ اتَّـقَــوْا وَّنَـذَرُ الظَّــالِـمِـينَ فِيـهَا جِثِـيًّا [مريم: 72].

هـذه منح عظيـمة وعطايا ربـانـية لا يقـدر أن يحدها حادّ، وها هو ذا شهر الصيام، شهر التقوى والقيام ومدارسة القرآن، شهر الجود والإحسان، أقبل علينا بخيره ومِنَحِه وبركاته، فهل من إقبال صادق على الله يقدِّر هذا الشهر حقه وقدره، وأوبة وتوبة يمحو الله بها الخطايا ويقيل بها من العثرات ويقي من الزلل، ونكون بها من المتقين؟ اللهم اكتب لنا ذلك واجعلنا من الذين يتقونك حق التقوى.

----------------------------------------

[1] مفاتيح الغيب، للرازي، في تفسير قوله - تعالى -: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ... الآية.

[2] أخرجه البخاري: كتاب الصوم، رقم 1903.

[3] أخرجه الترمذي: كتاب البر، رقم 1987، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال الألباني: حسن، وفي رواية أنه من مسند معاذ.

[4] الترمذي: كتاب العلم، رقم 2676، وقال: هذا حديث صحيح.

[5] الترمذي: كتاب الدعوات، رقم 3444، وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال الألباني: حسن صحيح.

[6] أخرجه مسلم: كتاب الجهاد، رقم 1731.

[7] مصنف ابن أبي شيبة: 8/144.

[8] مصنف ابن أبي شيبة: 8/577، السنن الكبرى للنسائي: 6/485.

[9] مصنف ابن أبي شيبة: 3/398.

[10] الإبانة الكبرى، لابن بطة.

[11] فتح القدير: 1/52.

[12] الرسالة التبوكية، ص 10.

[13] التمهيد لابن عبد البر: 20/242.

[14] إغاثة اللهفان: 1/58.

[15] تفسير ابن كثير: 3/85.

[16] مصنف ابن أبي شيبة: 8/245.

[17] حلية الأولياء: 2/340، جامع العلوم والحكم: شرح الحديث التاسع عشر.

[18] رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند، رقم 1335.

[19] التبيان في أقسام القرآن، ص 36.
مجلة البيان
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:22 AM.