#1
|
||||
|
||||
مظاهر الإعجاز في التربية القرآنية
مظاهر الإعجاز في التربية القرآنية
محمد سلامة الغنيمي تعانى المجتمعات الإسلامية اليوم من التخبط والتذبذب فى اختيار منهج يصلح للحياة، بعدما حادت عن منهجها انتكست تلهث خلف كل ناعق، أصابها تيه بني إسرائيل ولكن التيه هنا فكريا، فتراها تارة تسلك المنهج الاشتراكي وتارة الرأسمالي وهكذا كلما رأت مجتمعا متفوقا ويبنى حضارة انبهروا به واخذوا منه. مما حدا بمصمي البرامج الإصلاحية والتربوية في العالم الإسلامي بموالاة الكفار والتطبيق الحرفي للنظريات والأفكار والإيديولوجيات الأجنبية، غير مكترثين بظروف المجتمعات وخصوصياتها وخلفياتها الثقافية والدينية، وان ما يصلح لمجتمع ما ربما لا يصلح للآخر، لاسيما مجتمعنا الإسلامي. وفى ظل انبهارهم بالغرب نسوا أو تناسوا مناهجهم الإسلامية النابعة من كتاب الله وسنة نبيه، التي راعت جميع جوانب الإنسان ب***يه على المستوى الفردي والجماعي، لا تهتم بجانب على آخر، فقامت عليها الحضارة بشقيها المادي والمعنوي، قادت البشرية ألف ومائتي عام، لم يظلم في ظلها أحد، فشهد لها الغرب والشرق، والعدو والصديق. لذلك سنحاول من خلال هذه الكلمات إلقاء الضوء على أهم مظاهر وسمات الإعجاز التربوي في القرآن الكريم كلام الله المعجز وكتاب التربية الأول والأخير للبشرية لاسيما المسلمون، الذي ينبغي أن تستقى منه مناهجها وأساليب حياتها. 1- الربانية: أول هذه المظاهر ومصدرها، فالإنسان من صنعه فليس هناك من هو أعلم من الله بمفاتيح قطره الإنسان ودوائه وعلاجه، لان كل صانع أدرى بصنعته قال - تعالى -: ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) (الإسراء: 82)، كما قال - تعالى- أيضاً: ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء: 9). ويراد بالربانية أمران: 1- ربانية المصدر 2- ربانيه الغاية وإذا كان ربانيه المنهج تعني أنه منهج سماوي وضعه خالق الإنسان، إذاً هو منهج لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، منهج تدل به جبريل على الأمين، وهذا المنهج الرباني لا يعنى تعطيل لجهود البشر عن الاجتهاد والتفكير في هذا الكون والمعرفة بأسراره، بل العكس فالقرآن يأمر ويحض على التدبر والتفكير و التعقل، فهو يضع أمام البشرية حقائق وأُصول وصور العبادات، وأنماط المعاملات والصفات التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان، أما ما يتعلق بالعلم وتطبيقاته، ووسائل النهوض بالمجتمع وطرق المعيشة فهي متروكة للبشر ما دامت لا تخرج عن المبادئ والأصول التي وضعها القرآن. لذلك فإن المنهج القرآني لا يقف حجر عثرة في سبيل تقدم البشرية وازدهارها، كما هو حال الديانات الوضعية والرسالات المحرفة، بل يحث على الاجتهاد ويضع له معايير، ويلوم ويذم عدم إعمال العقل والتفكير في الكون الفسيح، لذلك فلن تجد البشرية الرشد ولا الهدى ولا الراحة ولا السعادة إلا حين ترد الفطرة البشرية إلى الربانية. وإذا نظرنا في تاريخ البشرية لوجدنا أن المنهج القرآني قد تسلم قياده البشرية بعد ما فسدت الأرض وظهر الفساد، وقال - تعالى-: ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41)، وأُنظر إلى المجتمع الجاهلي الذي كانت تشيع فيه مكارم الأخلاق والفرقة وروح العصبية والنزعة القبيلية التي كانت تؤدى إلى القتال وما كانوا عليه من التخلف العقلي الذي أدى بهم إلى السجود لحجر لا يعز ولا ينفع، فحينما تسلم المنهج القرآني القيادة تحولوا في مدة زمنية قليلة جداً من مجتمع جاهلي إلى مجتمع يكاد يتصف بالمثالية، أدى به الحال أن يقود البشرية ما يقرب من ألف عام في ظل هذا المنهج الرباني. فلقد سقطت أمام هذا المنهج الفريد كل المناهج التي وضعها الإنسان لتربيه الإنسان على مر العصور وتهافتت البشرية على هذا المنهج الرباني القويم فدخل الناس في دين الله أفواجاً، ليتخلوْا عن الظلم والقهر والفساد ألم به من المناهج الوضعية، وعندما تخلى المسلم عن منهجه الرباني وتتطلع إلى المناهج الوضعية تخلف وتأخر عن ركب الحضارة، وأطلق على دوله دول العالم الثالث وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: (( يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) (1). 2- الشمول: تشمل التربية القرآنية الفرد في حياته الدنيوية وكذلك حياته الأخروية، وحياته الخاصة والعامة، كما تشمل المجتمع في علاقة أفراده بعضهم وعلاقتهم بالمجتمعات الأخرى وكذلك علاقة المجتمعات ببعضها البعض، كما تشمل الإنسان بكيانه الجسد والروح قال - تعالى -: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائده: 3). يتجلى من خلال التربية القرآنية شملت الإنسان في كل تصرفاته وحركاته وسكناته، فكل ما يتعلق بالفرد قد وضعت له التربية القرآنية ما يصلحه، وما فيه سعادته في دنياه وآخرته، قال - تعالى -: ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) (القيامة: 36)، بل تعاملت معه في حدود إمكاناته وقدراته التي خلقه الله بها ولم تكلفه فوق ما يطيق. قال - تعالى -: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الإنعام: 38)، أي لم يترك الله - سبحانه - في الكتاب شيئاً لم يبينه، وإنما اشتمل القرآن على شيء، وكل ما من شأنه صلاح البشرية وهاديتهم، اعتمد في ذلك على الدليل والبرهان المستمد من العقل. 3- التكامل: - يقصد بالتكامل، أن التربيه القرآنيه ذات منهج متكامل فى كل مناحى الحياه، أخلاقيه أو إقتصاديه أو سياسيه أو دينيه إلى غير ذلك، يتحقق من خلال هذا التكامل التوازن والتوافق بين الانسان و نفسه، وبينه وبين المجتمع الذى يعيش فيه، وبين المجتمعات بعضها لبعض، قال - تعالى -: " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (المائده: 3). كما أن التكامل يعنى أن إتجهات التربيه القرآنيه فى مجالات العقيده والعباده والسلوك الفردى والاجتماعى ترتد كلها فى وحده محكمه وفى صوره شاماه للحياه كلها أى وحده المصدر وهو الله، وكذلك إلى وحده الموضوع وهو الانسان، وأيضاً وحده الغايه وهى العبوديه لله الواحد الاحد، قال - تعالى -: " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا " (النساء: 82)، يستنكر القرآن فى هذه الايه عدم تدبر المنكرين له فى تشريعاته و أحكامه و توجيهاته وأوامره ونواهيه، ولو كان من غير الله لوجدو فيه إختلافاً كثيراً فصلا عن الاختلاف القليل، ولكن لانه من عند الله وحده تنزه عن كل ذلك بل لو فعلوا لوجدوه متكاملاً متناسقاً متناغماً يكمل ويؤكد ويوضح بعضه بعضاً. 4- الوسطية: - وهذه الوسطية لاتعنى وسطاً حسابياً أو معيارياً، إنما هى إعتدال وقسط قال - تعالى -: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ " (البقره: 143)، فكلمة وسطاً تعنى الافضل وهو التوسط بين الاطراف، لاتفريط ولا مغالاه وهذه المعانى توفرت فى هذه الامه الرائده لتكون شهيده على الناس أمام الله. وإذا كان الانسان يتكون من جسد وروح، ولكل منهما حاجاته ومتطلباته، فإن منهج التربيه القرآنيه قد راعى ذلك بشكل متوازن، بحيث لايطغى الاهتمام بجانب على حساب الاخر، ولكنها أولت كل من الجسد والروح من العنايه والاهتمام ما يصلحهما معاً، فلا هى إهتمت بالجسد بالجسد على حساب الروح كما فعل اليهود، ولا الروح على الجسد كما فعل النصارى، لذلك تعتبر التربيه القرآنيه حسنه بين سيئتين، وفضيله بين رزيلتين، وهى بذلك تقف موقفاً وسطاً بين تطرف الماديين وتشدد الرهبانين قال - تعالى -: " وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " (القصص: 77)، وقال - تعالى -: " يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " (الاعراف: 31). لقد نهت التربيه القرآنيه عن التشدد والرهبانيه، وذلك يبدو جلياً من خلال قوله -صلى الله عليه وسلم- " هلك المتنطعون وكررها ثلاثاً " كما نهت أيضاً عن البخل لأنه يفرط فى حق النفس والاخرين والنهى عن التبذير لأنه إفراطاً فى الانفاق، قال - تعالى -: " وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا " (الاسراء: 29)، وقال - تعالى -: " وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا " (الفرقان: 67). 5- الواقعيه: - تنطلق التربيه القرآنيه من منهج واقعى فى النظر إلى الطبيعه الانسانيه من خلال كون البشر مختلفون فيما بينهم، متنوعون فى صفاتهم، متعددون فى فصائلهم، قال - تعالى -: " وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ " (الروم: 22)، فهذا المنهج التربوى الواقعى يتعامل مع الفرد على أساس إحتمال الخطأ والاصابه بعيداً عن المثاليه والكمال، فالكمال لايكون إلا لله - عز وجل -، فهى ليست تتعامل مع مثاليات لاوجود لها فى عالم الواقع، فهى تبغى الوصول بالفرد المؤمن، إلى ذلك الفرد الذى يأتمر بما أمره به ربه وينتهى عما نهاه عنه قال - تعالى -: " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ " (البقره: 286). يقول محمد قطب: إن الاسلام يأخذ الكائن البشرى بواقعه الذى هو عليه، يعرف حدوده وطاقاته، ومطالبه وضروراته، ويقرر هذا وتلك، ويعرف ضعفه إزاء المغريات وضعفه إزاء التكاليف ويعرف كل هذا فيساير فطرته فى واقعها ولا يفرض عليه من التكاليف ما نبؤ به كاهله ويعجز عن أدائه، ويجعل الملزمه فى حدود الطاقه الممكنه، ولكن مع ذلك لايتركه لفطرته الضعيفه دون تقويم. 6- الوضوح: - يتسم منهج التربيه القرآنيه بالوضوح، لايشوبه نقص، ولا يعتر به شك، ولا يدخله الغموض والابهام، فأوامره ونواهيه وتوجيهاته ومواعظه واضحه جليه، قال - تعالى -: " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " (المائده: 15-16)، به يبصر العبد إلى الصلاح والفلاح قال - تعالى -: " وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " (الاعراف: 203). 7- اليسر والسهولة: - تتسم التربية القرآنية بسهولة مبادئها وتعاليمها، وعدم الارهاق والمشقة فى الالتزام بها فهى تسير فى حدود الطاقه البشريه، قال - تعالى -: " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ " (البقره: 286)، وقال - تعالى -: " يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا " (النساء: 28). 8- الايجابية العملية [الفعالية]: - من سمات التربية القرآنية، فهي لا تطلب من الفرد أن يتعلم العلم سواء دنيوياً أو دينياً فقط، ولكنها تطلب منه العمل بالعلم وعدم كتمانه، بل تُحرم عليه كتمانه، قال - تعالى -: "أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" (البقره: 140). لذلك هذا المنهج يحث على العلم والعمل والتعليم، فلابد من الإتيان بالثلاثة معاً مجتمعين فكل من يتربى على المنهج القرآنى فلابد أن يكون إيجابياً فعالاً مع نفسه، ومع مجتمعه يعمل بما تعلم حتى يكون مؤمناً، قال - تعالى -: " ً مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "(النحل: 97)، وقال - تعالى -: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ " (الصف: 2-3) وتدبر مدى التحذيرمن الانزواء على النفس قال - تعالى -: " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ " (هود: 28)، قال مصلحون ولم يقل صالحون، أى أن الصلاح الشخصى لايمنع عنهم شيئاً، وعلى ذلك فالتربيه القرآنيه تتطلب من الفرد أن يكون صالحاً مصلحاً، وراشداً مرشداً. 9- التدرج فى التربية: - يقرر القرآن الكريم أن التربية ليست عملية تحول مفاجئ فى السلوك، وإنما هي عملية تحتاج إلى تدرج فى التوجيه شيئاً فشيئاً، حتى تأتى هذه العملية ثمارها المرجوة. وهذا التدرج قد إختاره الله - تعالى -لنفسه فى إنشاء هذا الكون، فإن الله - سبحانه وتعالى - مع قدرته وحوله لم يخلق الكون دفعة واحدة ولا حتى الإنسان الضعيف وإنما هى سنته فالتدرج مع إنه - سبحانه - قادراً على أن يقول لشئ كن فيكون، ولكنها حكمته - سبحانه - فى خلقه، قال - تعالى -: " مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ - سبحانه - إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " (مريم: 35). لذلك فإن من طبع الانسان أنه لايتغير فجأه، إنما يحتاج إلى تقديم وتقريب وتجريب وحث على التغير حتى يغير من سلوكه، قال الشاعر: ومكلفَّ الأشياء فوق طباعها *** متطلب في الماء جذة نار وقد راعت التربية القرآنية التدرج، والتأمل في القرآن الكريم يرى أن أول ما نزل من القرآن كان في العهد المكي، حيثُ لم تثبت أركان الدعوة بعد، لذلك إذا نزل الأمر بالعبادات وتحريم المنكرات إذا لارتاب المؤمنون ولزداد الكافرون كفراً وصداً عن سبيل الله، ولكن هذا المجتمع يحتاج إلى إقناع ودعوة إلى هذا الدين الجديد، لذلك كان أول ما نزل من القرأن كان تبشير وتحزير وتنبيه إلى عاقبة السابقون من الأمم الذين كفروا بروسلهم، ثم بعد هذه المرحلة ومع بداية العهد المدنى نزلت الأوامر بالعبادات وتحريم المنكرت مع مراعاه التدرج. ومن مظاهر هذا التدرج تحريم الخمر، كان الناس قبل بعثه النبى -صلى الله عليه وسلم- يشربون الخمر ويحبونها وظل هذا الامر مستمراً حتى بعد بعثه النبى -صلى الله عليه وسلم- ولكن بعد بعثه النبى -صلى الله عليه وسلم- وبعد تثبيت أركان لدوله الاسلاميه، كان لابد من تحريم الخمر والتى كان لها مفاسد ينؤ المقام عن ذكرها ولكن لو نزل الامر مباشراً بالتحريم دون تدرج مع هؤلاء الناس الذين آلفوها وعدوها جزءاً من حياتهم، لحدث ما لا يحمد عقباه، ولكن الله - تعالى -هو خالقها واعلم بما يصلح لهم، فبين - سبحانه - أن الخمر فيها منافع ولكن إثمها أكبر من نفعها، قال - تعالى -: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ " (البقره: 219)، فكانت هذه الآيه تحذيراً لهم وتنبيهاً على خطرها، ثم نزل بعد ذلك التحريم في أثناء الصلاة تدرجاً معهم، قال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) (النساء: 43)، وكان هذا أمراً بتحريمها نهائياً قال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائده: 90 -91) ــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه الترمذى " 2/308 " ، و أخرجه الطبرانى " 2680 " ، وأخرجه الالبانى فى السلسله الصحيحه " 4/355 ". |
#3
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا
|
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|