#1
|
||||
|
||||
ولا يزالون مختلفين
ولا يزالون مختلفين فاطمة عبدالمقصود لم يخلُ وجهُ الأرض يومًا من محبي الخير ودعاة الإصلاح، الذين يدعون الناس إلى الوقوف معهم صفًّا من أجل سعادة البشرية وصلاح حالها، ومع أن دعاة الخير في زماننا كُثُر، إلا أنك لا تجد أحدًا لم يختلف عليه الناس إلا فيما ندر، فمن أفراد إلى جماعات ومؤسسات وهيئات، بل إلى أحزاب ودول، كلهم يزعم أنه على صواب، وأنه متبع للحق، وأنه يدعو إلى خير، ويعمل لصلاح حال الأمة والبشرية من بعدها. وقد يهاجم البعضُ البعضَ الآخر، وقد ينأى آخرون تاركين من أعمالهم ما يدل عليهم، وحتى هؤلاء يختلف الناس في تقدير أعمالهم، وهل يراد بها الشهرة والصفقات المربحة، أو حقًّا يبغون بها وجه الله...؟ وفي غمرة تلك الاختلافات الواسعة، وفي لحظة من لحظات التيه الفكري، تمنيتُ لو ينكشف لي الغيبُ لأعلم من عند الله هو الأصوب؟ ومن صاحبُ الجزاء الأوفى عند خالقه ومليكه؟ ولكنني، وفي نفس اللحظة، تدافعت على مسامعي كلماتُ الحق: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118 - 119]، {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 93]. وصار واضحًا أمام ذهني أن اختلاف الناس سنة قضتها حكمةُ الله وعلمه بخلقه، وبدأت أفهم أن لذلك الأمر غاياتٍ وحِكَمًا تتطلب منا الوقوف أمامها؛ لكي نسعد بها ونحسن التعامل معها، ومن ذلك أنني شعرت أن سنة الاختلاف تُظهر جليًّا قدرةَ الله في خلق أفهام مختلفة ونفسيات مغايرة لبعضها، وقد يكون الاختلاف بينها كالاختلاف بين السماء والأرض. واختلافُ هؤلاء الدعاة ومريدي الإصلاح اختبارٌ وابتلاء؛ ليبذل كل مؤمن محب من عقله وفكره وجهده ما يبقيه على الطريق الصحيح، وما يجعله يختار النهج الأمثل أو الأقرب إلى الغاية. وليعلم هذا السالكُ أيضًا أن اختياره هو خطوة على طريق تربية نفسه وتهذيبها، إذ هو مع هذا الاختيار مطلوب منه أن يتكامل مع المناهج والأساليب الأخرى التي تهدف إلى الغاية نفسها، وتسعى إلى الهدف نفسه، وهو إصلاح البشرية، وألا ينظر إليها نظرة استعلاء وتحقير، بل يراها داعمة له، ورفيقة على درب لا يصبر عليه الكثيرون. ولعل هذا الاختلاف بين العاملين ودعاة الخير يفيد كثيرًا أيضًا إذا اختار أحدُنا الأخذ بأفضل ما عند الجميع، فينتقي أطايب الثمر من تلك الأشجار المثمرة ويهديها للناس، فنكون قد فعلنا الخير للدعاة وللناس كذلك، بدل أن نظل كثيرًا نرقب عورات هذا وذاك، وننقب عن السيء هنا وهناك، أو نحزن لأجل هذا الحال دون فعل شيء ذي قيمة، وقد علمنا أن الجميع يخطئ ما دام بشرًا، أفلا نرحم ضعفنا وبشريتنا ونقبل الجيد ونلقي بالرديء؟.. لسنا نأمُل انتهاءَ الخلافات؛ لأننا قد علمنا أنها من سنن الحياة، ولكننا نأمل فهم هذه الاختلافات وتخطيها لتكون جسرًا يعبر بنا إلى إصلاح الأرض وتعميرها بالخير.. نأمل ألا يكون همنا هو إظهار خلافاتنا ومعاركنا التي لن تفيد العموم شيئًا، بل يكون همنا هو تقديم ما ينفع الناس ويصلحهم ويحببهم في سلوك طريق الخير واتباع الحق الذي أنزله الله. |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|