#1
|
||||
|
||||
القسم بركوب طبق عن طبق
القسم بركوب طبق عن طبق (1)
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة من الإشارات الدالة على غزو الفضاء في القرآن، نتخير إشارتين: 1- الإشارة الأولى: ركوب طبق عن طبق: ذكرت مادة ركب خمس عشرة مرة في القرآن الكريم؛ لتعبر عن ركوب السفينة والفلك، وأمثال الفلك المشحون، والأنعام، والخيل، والحمير، والبغال وما لا نعلم، ومن بين تلك الآيات التي وردت فيها مادة "ركب" نشير على وجه الخصوص إلى موضعين وثيقي الصلة بموضوع الإعجاز العلمي للقرآن، وهما قول الله تعالى: ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 8]. 2- والإشارة الثانية: جواب القسم في الآية 19 من سورة الانشقاق؛ حيث يقول تعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ﴾ [الانشقاق: 16 - 19]. آيات القسم: يقول تعالى: ﴿ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴾ [الطور: 5]. ويقول تعالى: ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ﴾ [الانشقاق: 19]. يقول تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125]. يقول تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 32]. أولاً: أطباق السماء: ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ﴾ [الانشقاق: 19]. أتى عصر الفضاء، واجتاز الإنسان أجوازه، وحلَّق في أجواء السماء مستخدمًا المنطاد والطائرات الشراعية، ثم الطائرات بأنواعها المختلفة، ثم وصل إلى القمر بواسطة المحطات الفضائية، وها هو يستعد لرحلة الهبوط على كوكب المريخ، وسيحاول الإنسان في المستقبل أن يسافر بين النجوم، وحينما فعل الإنسان ذلك وجد القرآن أمامه يشير إلى ركوب الأطباق واجتياز الآفاق؛ حيث يقول تعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ﴾ [الانشقاق: 16 - 19]. تفسير الآية: 1- تفسير الطبري: وَقَوْله: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق، اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَته، فَقَرَأَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْن مَسْعُود وَأَصْحَابه، وَابْن عَبَّاس وَعَامَّة قُرَّاء مَكَّة وَالْكُوفَة: "لَتَرْكَبَنَّ" بِفَتْحِ التَّاء وَالْبَاء، وَاخْتَلَفَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضهمْ: لَتَرْكَبُنَّ يَا مُحَمَّد أَنْتَ حَالًا بَعْد حَال، وَأَمْرًا بَعْد أَمْر مِنْ الشَّدَائِد، ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ، عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق"، قَالَ: مَنْزِلًا بَعْد مَنْزِل، عَنْ عَلِيّ، عَنْ اِبْن عَبَّاس، فِي قَوْله: ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾ يَقُول: حَالًا بَعْد حَال عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله: "لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا بَعْد طَبَق" قَالَ: أَمْرًا بَعْد أَمْر، وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ هَذِهِ الْمَقَالَة، وَقَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَة عُنِيَ بِذَلِكَ: لَتَرْكَبَن أَنْتَ يَا مُحَمَّد سَمَاءً بَعْد سَمَاء، أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب، قَالَ: قَالَ اِبْن زَيْد، فِي قَوْله: ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾، قَالَ: الْآخِرَة بَعْد الْأُولَى، وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَة: إِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَتَغَيَّر ضُرُوبًا مِنْ التَّغْيِير، وَتُشَقّ بِالْغَمَامِ مَرَّة، وَتَحْمَرّ أُخْرَى، فَتَصِير وَرْدَة كَالدِّهَانِ، وَتَكُون أُخْرَى كَالْمُهْلِ، فَالصَّوَاب مِنْ التَّأْوِيل قَوْل مَنْ قَالَ: "لَتَرْكَبُنَّ " أَنْتَ يَا مُحَمَّد حَالًا بَعْد حَال، وَأَمْرًا بَعْد أَمْر مِنْ الشَّدَائِد، وَالْمُرَاد بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَاب إِلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مُوَجِّهًا، جَمِيع النَّاس، أَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ مِنْ شَدَائِد يَوْم الْقِيَامَة وَأَهْوَاله أَحْوَالًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: عُنِيَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا، أَنَّ الْكَلَام قَبْل قَوْله: ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾ جَرَى بِخِطَابِ الْجَمِيع، وَكَذَلِكَ بَعْده، فَكَانَ أَشْبَه أَنْ يَكُون ذَلِكَ نَظِير مَا قَبْله وَمَا بَعْده، وَقَوْله: طَبَقًا عَنْ طَبَق مِنْ قَوْل الْعَرَب: وَقَعَ فُلَان فِي بَنَات طَبَق: إِذَا وَقَعَ فِي أَمْر شَدِيد. 2- تفسير القرطبي: قَرَأَ أَبُو عُمَر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَة وَمَسْرُوق، وَأَبُو وَائِل وَمُجَاهِد وَالنَّخَعِيّ، وَابْن كَثِير وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ "لَتَرْكَبَنَّ" بِفَتْحِ الْبَاء خِطَابًا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَيْ: لَتَرْكَبَن يَا مُحَمَّد حَالًا بَعْد حَال، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس. والشَّعْبِيّ: لَتَرْكَبَنَّ يَا مُحَمَّد سَمَاءً بَعْد سَمَاء، وَدَرَجَة بَعْد دَرَجَة، وَرُتْبَة بَعْد رُتْبَة، فِي الْقُرْبَة مِنْ اللَّه تَعَالَى. اِبْن مَسْعُود: لَتَرْكَبَنَّ السَّمَاء حَالًا بَعْد حَال، يَعْنِي: حَالَاتهَا الَّتِي وَصَفَهَا اللَّه تَعَالَى بِهَا مِنْ الِانْشِقَاق وَالطَّيِّ، وَكَوْنهَا مَرَّة كَالْمُهْلِ، وَمَرَّة كَالدِّهَانِ، فَالْخِطَاب لِلْإِنْسَانِ الْمَذْكُور فِي قَوْله: " ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ ﴾ [الانشقاق: 6]، هُوَ اِسْم لِلْجِنْسِ، وَمَعْنَاهُ النَّاس، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " لَتَرْكَبُنَّ " بِضَمِّ الْبَاء، خِطَابًا لِلنَّاسِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم، قَالَ: لِأَنَّ الْمَعْنَى بِالنَّاسِ أَشْبَه مِنْهُ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَمَّا أَقْوَال الْمُفَسِّرِينَ، فَقَالَ عِكْرِمَة: حَالًا بَعْد حَال، فَطِيمًا بَعْد رَضِيع، وَشَيْخًا بَعْد شَبَاب، قَالَ الشَّاعِر: كَذَلِكَ الْمَرْء إِنْ يُنْسَأْ لَهُ أَجَل يَرْكَبْ عَلَى طَبَقٍ مِنْ بَعْدِهِ طَبَق وَعَنْ مَكْحُول: كُلّ عِشْرِينَ عَامًا تَجِدُونَ أَمْرًا لَمْ تَكُونُوا عَلَيْهِ: وَقَالَ الْحَسَن: أَمْرًا بَعْد أَمْرٍ، رَخَاء بَعْد شِدَّة، وَشِدَّة بَعْد رَخَاء، وَغِنًى بَعْد فَقْر، وَفَقْرًا بَعْد غِنًى، وَصِحَّة بَعْد سَقَم، وَسَقَمًا بَعْد صِحَّة. سَعِيد بْن جُبَيْر: مَنْزِلَة بَعْد مَنْزِلَة، قَوْم كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُتَّضِعِينَ فَارْتَفَعُوا فِي الْآخِرَة، وَقَوْم كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُرْتَفِعِينَ فَاتَّضَعُوا فِي الْآخِرَة: وَقِيلَ: مَنْزِلَة عَنْ مَنْزِلَة، وَطَبَقًا عَنْ طَبَق. وَالْعَرَب تَقُول لِمَنْ وَقَعَ فِي أَمْر شَدِيد: وَقَعَ فِي بَنَات طَبَق، وَإِحْدَى بَنَات طَبَق، وَمِنْهُ قِيلَ لِلدَّاهِيَةِ الشَّدِيدَة: أُمّ طَبَق، وَإِحْدَى بَنَات طَبَق: وَأَصْلهَا مِنْ الْحَيَّات؛ إِذْ يُقَال: لِلْحَيَّةِ أُمّ طَبَق لِتَحْوِيهَا، وَالطَّبَق فِي اللُّغَة: الْحَال كَمَا وَصَفْنَا. وَيُقَال: مَضَى طَبَق مِنْ اللَّيْل، وَطَبَق مِنْ النَّهَار؛ أَيْ: مُعْظَم مِنْهُ، وَالطَّبَق: وَاحِد الْأَطْبَاق، فَهُوَ مُشْتَرَك، وَقُرِئَ "لَتَرْكَبِنَّ" بِكَسْرِ الْبَاء، عَلَى خِطَاب النَّفْس و" لَيَرْكَبَنَّ " بِالْيَاءِ عَلَى لَيَرْكَبَنَّ الْإِنْسَان. 3- تفسير ابن كثير: عن ابن عباس (بعد التلخيص): قَالَ الْبُخَارِيّ: أَخْبَرَنَا سَعِيد بْن النَّضْر أَخْبَرَنَا هُشَيْم أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر عَنْ مُجَاهِد قَالَ: قَالَ اِبْن عَبَّاس: " لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق " حَالًا بَعْد حَال قَالَ هَذَا نَبِيّكُمْ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعَنْ مُجَاهِد أَنَّ اِبْن عَبَّاس كَانَ يَقُول:" لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق"، قَالَ: يَعْنِي نَبِيّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: حَالًا بَعْد حَال، وَيُؤَيِّد هَذَا الْمَعْنَى قِرَاءَة عُمَر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعَامَّة أَهْل مَكَّة وَالْكُوفَة لَتَرْكَبَن بِفَتْحِ التَّاء وَالْبَاء. وعَنْ الشَّعْبِيّ ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾ قَالَ: لَتَرْكَبُنَّ يَا مُحَمَّد سَمَاءً بَعْد سَمَاء، يَعْنُونَ لَيْلَة الْإِسْرَاء، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَالسُّدِّيّ عَنْ رَجُل عَنْ اِبْن عَبَّاس ﴿ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾ مَنْزِلًا عَلَى مَنْزِل، وَقَالَ السُّدِّيّ نَفْسه: ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾ أَعْمَال مِنْ قَبْلكُمْ مَنْزِلًا بَعْد مَنْزِل، قَالَ مَكْحُول فِي قَوْل اللَّه ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾ قَالَ: فِي كُلّ عِشْرِينَ سَنَة تُحْدِثُونَ أَمْرًا لَمْ تَكُونُوا عَلَيْهِ، قَالَ عَبْداللَّه ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾ قَالَ: السَّمَاء تَتَشَقَّق ثُمَّ تَحْمَرّ، ثُمَّ تَكُون لَوْنًا بَعْد لَوْن، وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ قَيْس بْن وَهْب عَنْ مُرَّة عَنْ اِبْن مَسْعُود ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾ قَالَ: السَّمَاء مَرَّة كَالدِّهَانِ وَمَرَّة تَنْشَقّ، وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾ قَالَ: قَوْم كَانُوا فِي الدُّنْيَا خَسِيس أَمْرهمْ، فَارْتَفَعُوا فِي الْآخِرَة، وَآخَرُونَ كَانُوا أَشْرَافًا فِي الدُّنْيَا، فَاتَّضَعُوا فِي الْآخِرَة، وَقَالَ عِكْرِمَة ﴿ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾: حَالًا بَعْد حَال؛ فَطِيمًا بَعْدَمَا كَانَ رَضِيعًا، وَشَيْخًا بَعْدَمَا كَانَ شَابًّا، وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ: ﴿ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾ يَقُول: حَالًا بَعْد حَال؛ رَخَاءً بَعْد شِدَّة، وَشِدَّة بَعْد رَخَاء، وَغِنًى بَعْد فَقْر، وَفَقْرًا بَعْد غِنًى، وَصِحَّة بَعْد سَقَم، وَسَقَمًا بَعْد صِحَّة. " قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾ قَالَ: حَالًا بَعْد حَال، ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ قُدَّامكُمْ لَأَمْرًا عَظِيمًا لَا تَقْدِرُونَهُ فَاسْتَعِينُوا بِاَللَّهِ الْعَظِيم؛ هَذَا حَدِيث مُنْكَر وَإِسْنَاده فِيهِ ضُعَفَاء، وَلَكِن مَعْنَاهُ صَحِيح، وَاَللَّه - سُبْحَانه وَتَعَالَى - أَعْلَم. ثُمَّ قَالَ اِبْن جَرِير بَعْدَمَا حَكَى أَقْوَال النَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ الْقُرَّاء وَالْمُفَسِّرِينَ: وَالصَّوَاب مِنْ التَّأْوِيل قَوْل مَنْ قَالَ لَتَرْكَبَنَّ أَنْتَ يَا مُحَمَّد حَالًا بَعْد حَال، وَأَمْرًا بَعْد أَمْر مِنْ الشَّدَائِد، وَالْمُرَاد بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْخِطَاب مُوَجَّهًا إِلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - جَمِيع النَّاس، وَأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ مِنْ شَدَائِد يَوْم الْقِيَامَة وَأَحْوَاله أَهْوَالًا. 4- تفسير الجلالين: ما يفيد أن القسم لعامة الناس؛ حيث يقول: ﴿ لَتَرْكَبُنَّ ﴾ أَيّهَا النَّاس أَصْله تَرْكَبُونَنَّ حُذِفَتْ نُون الرَّفْع لِتَوَالِي الْأَمْثَال، وَالْوَاو لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ﴿ طَبَقًا عَنْ طَبَق ﴾ حَالًا بَعْد حَال، وَهُوَ الْمَوْت ثُمَّ الْحَيَاة، وَمَا بَعْدهَا مِنْ أَحْوَال الْقِيَامَة من المؤكد أن البشرية لم تجتز أجواء الفضاء إلا بعد اختراع المناطيد والطائرات منذ ما لا يزيد عن مائتي سنة، ولم تعرف البشرية أيضًا ما يسمى بالأطباق الطائرة إلا منذ قرابة خمسين سنة ماضية، في وقت لم يركب الإنسان الفضاء إذا بنا نجد في القرآن إشارات حول غزو الفضاء. ملخص آراء المفسرين: ويمكن تلخيص آراء المفسرين في الآيات السابقة في النقاط التالية: 1- في قوله تعالى: ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 8]: اختلف المفسرون ما بين الخلق، وما أعده الله في الجنة والنار، وأشياء غيبية أخرى، إلا أن سيد قطب في ظلال القرآن يشير إلى تقبل أنماط جديدة من أدوات الحمل والنقل والركوب والزينة، لا يعلمها أهل هذا الزمان. في قوله تعالى: ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾: اختلف المفسرون أيضًا على عدة وجوه: 1- فمنهم من قال: خطاب موجه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعنى ((لتركبن)) بفتح الباء يا محمد سماءً حالاً بعد حال، وحالات السماء هي الانشقاق والطي، وكونها كالمهل وحمرة كالدهان. 2- ومنهم من قال: خطاب موجه إلى الإنسان ((لتركبن)) - بفتح الباء - أي: لتركبن أيها الإنسان حالاً بعد حال. 3- ومنهم من قال: خطاب موجه إلى الناس ((لتركبن)) بضم الباء: قوم كانوا في الدنيا خسيس أمرهم فارتفعوا في الآخرة، وآخرون كانوا أشرافًا في الدنيا فاتضعوا في الآخرة، أو فطيمًا بعد ما كان رضيعًا، وشيخًا بعد ما كان شبابًا، رخاءً بعد شدة، وشدة بعد رخاء، وغنًى بعد فقر، وفقرًا بعد غنى، وصحة بعد سقم، وسقمًا بعد صحة. 4- ومنهم من قال: منزلة عن منزلة، من كان على صلاح دعاه إلى صلاح فوقه، ومن كان على فساد دعاه إلى فساد فوقه. 5- ومنهم من قال الشدائد والأهوال؛ حيث يقال للداهية الشديدة: أم طبق، وأصلها الحيَّات. ركوب الأطباق وارتياد الفضاء: يقسم تعالى في كتابه العزيز في مطلع سورة الانشقاق بالشفق بلونه الأحمر البهيج، وبالليل وظلامه، وبالقمر واكتماله، ويأتي جواب القسم من أربع كلمات "﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾"، وجاء لفظ "طبق" يحمل إعجازًا قرآنيًّا، لم تعرف البشرية حقيقته إلا في القرن العشرين، بعد أن تمكن الإنسان من ارتياد الفضاء، وكانت إشارة القرآن لغزو الفضاء قبل محاولة إخوان رايت التحليق في الهواء في بداية القرن الماضي، وقبل اختراع الطائرات المروحية، والطائرات النفاثة، وأردَا آنذاك تصور قدرة الإنسان على اجتياز الفضاء. وتمثل الإشارة إلى اجتياز الفضاء عند نزول القرآن، في الوقت الذي لم يتمكن فيه الإنسان من غزو الفضاء إلا في القرن الماضي - نبوءةً من نبوءات القرآن، وصدق تعالى حيث يقول: ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾ [ص: 88]. وأيضًا يمثل وصف القرآن للسماء فوقنا بأنها طبقات متتالية إعجازًا علميًّا، وقد أثبت العلم الحديث أن الغلاف الجوي يمثل سقفًا متعدد الطبقات، وأن لكل طبقة خصائصها التي تميزها (شكل4-1)، وتلك هي أغلفة بالغلاف الجوي للأرض. أولاً: التروبوسفير الذي يعلو فوق رؤوسنا، وتسود فيه الظروف الجوية المختلفة من رياح وسحاب ومطر ورعد وبرق.. إلخ. ثانيًا: الغلاف المتطبق أو الاستراتوسفير (Stratosphere): ويحوي ما بين ارتفاعي 20 و 30 كم فوق مستوى سطح البحر طبقة الأوزون، ويتميز هذا الغلاف بالاستقرار التام للجو، وامتصاص قدر كبير من الأشعة فوق البنفسجية، ولولا طبقة الأوزون، لأصبحت الحياة مستحيلة على الأرض، كما أن الشهب والنيازك تحترق في هذا النطاق. ثالثًا: النطاق المتوسط (Mesosphere): ويعمل هذا الغلاف على احتراق الشهب والنيازك ومخلفات المركبات الفضائية. رابعًا: الغلاف الحراري أو الثرموسفير(Ionosphere): ويوجد بذلك النطاق نطاق التأين عند ارتفاع 400كم فوق مستوى سطح البحر، ويعمل الغلاف عل ضبط الحرارة عبر كل طبقات الغلاف الجوي، ويحمي الأرض من الأشعة الكونية وأشعة X، والرياح الشمسية، كما تعكس أشعة الراديو وتلعب دورًا هامًّا في الاتصالات اللاسلكية. شكل (4-1 ): طبقات الغلاف الجوي التي ركبها الإنسان تحقيقا لنبوءة القرآن الكريم خامسًا: النطاق الخارجي الإكسوسفير(Exosphere): وتدور في هذا الغلاف الأقمار الصناعية والمكونات الفضائية حول الأرض. سادسًا: نطاق الماجنيتوسفير(Magnetosphere): ويوجد به زوج من الأحزمة ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ [الطارق: 11] المغناطيسية، ويمثل الغلاف مصيدة للجسيمات الذرية عالية الطاقة القادمة من الفضاء. |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|