فالمسلم يطلب الدرجات العلى والكمال في الأعمال الصالحة، ويحرص على أن يحفظ القرآن، والذي يحرص في أول حياته في حفظ القرآن والمداومة عليه والمراجعة سوف يجد هذه الثمرة بعدما تتقدم به السن والعمر، بعد أن يتجاوز الأربعين أو الخمسين أو الستين، فلا يجد فراغًا في وقته أصلاً، بل يحب أن يقرأ القرآن ويطلع على تفاسيره ومعانيه وأحكامه، لكن المعرض عن القرآن يشقى -في الغالب- في حياته.
أحب أن أضيف هنا ما يتعلق بالمراجع التي ترجعون إليها في معرفة مراتب التلاوة، فيُرجع في كتب التجويد إلى كتاب "التمهيد في علم التجويد" لابن الجزري(99)، وكتاب "التحديد" لأبي عمرو الداني(100) المتوفى سنة أربع وأربعين وأربع مئة، فهو محرر فن القرآن، وكتاب "الموضح" للقرطبي(101) في التجويد، وكتاب "زاد المعاد" الجزء الأول، حيث ذكر ابن القيم(102) خلاف أهل العلم في مراتب التلاوة وبينها بالأدلة، وأيضًا "فتح الباري" الجزء التاسع في فضائل القرآن الكريم، في باب: كم يقرأ من القرآن؟ عندما ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ووصية النبي -عليه الصلاة والسلام- له(103)، ويرجع أيضًا إلى كتاب النشر لابن الجزري في المجلد الأول؛ لأنه مجلدان، فيرجع إلى المجلد الأول ففيه بيان لهذه المراتب بالتفصيل عند أئمة القراء السبعة.
س:هل الذي حفظ القرآن ولم يتقنه يذكر يوم القيامة ما حفظه أم لا؟ وهل من نسي حفظه في الدنيا يكون القرآن حجة عليه؟
ج:الذي يحفظ القرآن وينساه هذا ذنب عظيم، وعليه أن يتدارك نفسه، فالذي حفظه وضيعه إثمه أشد ممن لم يحفظه ولم يضيعه؛ لأن هذه نعمة آتاك الله إياها، ولكنك فضلت غيرها عليها، فكيف تنسى القرآن الكريم؟! لكن إذا كان النسيان في الجبلة الإنسان فهذا الإنسان معذور فيه، وأما لو تركه وأهمله ولم يراجع القرآن ولا يقرأه فهذا عرض نفسه للخطأ، وحرم نفسه من الخير، فلا شك أنه على خطر عظيم إذا كان قد حفظ القرآن وقرأه ثم ضيعه، وعليه أن يبادر ويسارع إلى اغتنام ما فات من الوقت.
س:هل في حديث عبد الله بن عمرو أنه « يقال لصاحب القرآن»(104) هل خاص بالحفظ فقط أم أنه شامل لكثرة القراءة وإن لم يحفظ، مع الدليل لما تختار؟
ج:ذكر العلماء أن حفاظ القرآن لهم خاصية دون غيرهم، فالذي يقرأ القرآن وليس بحافظ له فالحافظ في درجة أعلى؛ لهذا لما قال: « إِنَّ للهِ أَهَالِينَ...»(105)، قال العلماء هم الذين يحفظون القرآن، وحفظ القرآن مزية وفضل عظيم، قال -تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾(106)، يعني: يحفظونه حفظًا، فلا شك أن الذي يحفظ القرآن أعلى ممن لم يحفظه، فالأجر يتفاوت في هذا الأمر.
س:ما فضل تعلم اللغة العربية؟ وهل الإكثار منها يسهل تحصيل للعلوم الشرعية؟
ج:تعلم العربية إما أن يكون تعلم النطق، فالكل ينطق العربية، وكل ناطق بالعربية يحرص على أن يتعلمها، وإما أن يتعلم علوم العربية كالنحو والصرف والبلاغة، فهذا علم فيه فائدة ومنفعة يدله إلى معرفة كنوز القرآن وعجائبه وأسراره وتفسيره، لكنه لا ينسى نفسه من القرآن الكريم، فتعلم اللغة العربية فيه خير وفضل عظيم؛ لأنه خدمة لكتاب الله -تعالى، صلى الله وسلم على نبينا محمد.