|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#31
|
||||
|
||||
هل تحقق مبادرة مرسي اختراقا في أزمة سوريا؟
هل تحقق مبادرة مرسي اختراقا في أزمة سوريا؟ طرح الرئيس محمد مرسي أثناء مشاركته في قمة مكة التي عقدت في 15 أغسطس 2012، مقترحا خاصا بالصراع في سوريا، يقوم على فكرة تشكيل "رباعية إقليمية" تضم كل من مصر والسعودية وايران وتركيا، يكون هدفها تحقيق التسوية السلمية للصراع هناك. بحيث تقوم كل من مصر والسعودية بدور"المراقب"، و"الوسيط"، إذا تطلب الأمر ذلك،إيمان رجب - باحثة متخصصة في الخليج في حين تقوم تركيا بممارسة الضغوط على المعارضة، من أجل تقديم تنازلات بهدف التقريب بينها والنظام السوري، وتقوم إيران بالضغط على الأسد من أجل تقديم تنازلات من جانبه من أجل التقريب بينه والمعارضة. وبالتالي يتبنى المقترح المصري، الحل الإقليمي، القائم على الحوار كمدخل لتسوية الصراع في سوريا، تسهله وترعاه وساطة إقليمية تقودها الدول الأربع الرئيسية في الإقليم، على نحو يقترب من السيناريو اليمني. -دلالات طرح المبادرة: - طرحت مصر هذه المبادرة في الوقت الذي لم يتضمن فيه بيان قمة مكة، أي إشارة إلى الصراع في سوريا، باستثناء ما توصل إليه اجتماع وزراء الخارجية في اجتماعهم الذي سبق القمة، والخاص بتعليق عضوية سوريا في المنظمة. في حين كانت عدة مصادر سعودية، قد أشارت قبل عقد القمة، إلى وجود مبادرة سعودية سيتم طرحها في القمة، تضمن تحقيق الانتقال السلمي للسلطة في سوريا، من خلال تنحي بشار الأسد وخروجه من سوريا، إلى جانب ضمان حقوق الأقليات في سوريا، وتنظيم انتخابات حرة، ودخول قوات دولية، تشارك فيها قوات من دول إسلامية، تشرف على الأمن. - يبدو أن إيران لم تؤيد هذا المنحى، خاصة وأنها لم توافق على تعليق عضوية سوريا، وهذا يعني استمرار الخلاف السعودي-الإيراني حول الصراع في سوريا. وبالتالي، يمكن القول بأن هذا المقترح هو محاولة للالتفاف على فشل القمة في طرح وتبني المبادرة السعودية التي تم الترويج لها قبل القمة. - يعكس هذا المقترح نوعا من التنسيق ما بين السعودية ومصر حول الموقف من الصراع في سوريا، خاصة وأنه لم يطرح إلا بعد لقاء الرئيس مرسي بالملك عبدالله بن عبد العزيز، كما أنه يعكس توافق هاتين الدولتين على أهمية مشاركة إيران وتركيا في أي تسوية للصراع في سوريا، وهو توافق "واقعي" بالنظر إلى تعقيدات الصراع السوري، وذلك على عكس الموقف الأمريكي الرافض لمشاركة إيران في أي مؤتمرات خاصة بسوريا. - يضمن هذا المقترح دورا ما لمصر في الصراع في سوريا، لا يتعارض مع ما استقرت عليه السياسة المصرية طوال الفترة الماضية، والقائمة على أولوية الحل السلمي، ورفض التدخل الدولي. ولكن تشير ردود فعل قوى الإسلام السياسي في مصر، إلى وجود ضغوط من أجل تغيير هذه السياسة، باتجاه تبني الدعوة القطرية القائمة على تسليح المعارضة. حيث إن هناك رفضا سلفيا لمشاركة إيران في هذه المجموعة، نظرا لموقفها الداعم لبشار الأسد، حيث طالب هشام كمال، المسئول الإعلامى للجبهة السلفية باستبعاد إيران من المجموعة، ودعم المعارضة والجيش الحر بالسلاح. -هل تنجح المبادرة؟ من غير الواضح مدى جدية الرئيس مرسي في تفعيل هذه المبادرة، ولكن من المتوقع أن تترجم إلى تشكيل مجموعة اتصال مصغرة حول سوريا، تلتقي بانتظام لمناقشة الوضع هناك، في صيغة أقرب لمجموعة الاتصال الخاصة بسوريا والمشكلة في إطار الجامعة العربية، وتلك الخاصة بعملية السلام والمشكلة في إطار الأمم المتحدة، وبالتالي قد لا تحقق مبادرة مرسي اختراقا في الصراع السوري، وذلك لعدة عوامل : - أنه من غير الواضح حجم التأييد الذي حظي به المقترح في قمة مكة، خاصة من قبل الأطراف المشاركين في المجموعة، حيث عرض أثناء الجلسة المغلقة في القمة. - رغم أن هذا النوع من المقترحات، لم يشكل مشكلة كبيرة لإيران، منذ بدء الصراع في سوريا، خاصة وأنه لا يحمل نظام الأسد مسئولية تسوية الصراع، كما أنه لا يدعو إلى تدخل دولي، وهي من المحظورات بالنسبة لإيران. إلا أن تصريحات القيادات الإيرانية بعد القمة، تشير إلى اتجاه إيران لتبني استراتيجيات "الملفات الإقليمية"، حيث تحدث رامن مهناباراست المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عن ترحيب إيران بأن تشمل مهام هذه المجموعة كافة القضايا الإقليمية الساخنة، وليس سوريا فقط. - لم تعلن تركيا حتى الآن عن تأييدها لهذا المقترح، وما إذا كانت متمسكة بالحلول الإقليمية للصراع، خاصة وأنها حاليا تتجه للتنسيق مع فرنسا من أجل إنشاء مناطق عازلة، يتم فيها إيواء اللاجئين السوريين، في حال تخطى عددهم 100 ألف لاجيء. - لا يزال موقف القوى الدولية من هذا المقترح، وتحديدا الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا "حذرا"، فعلى سبيل المثال، رحبت فرنسا بالمقترح المصري، ولكنها أكدت ضرورة تحديد علاقته بالمبادرة المطروحة من قبل الجامعة العربية، وتلك المطروحة من قبل الأمم المتحدة، وبمجموعة عمل "أصدقاء سوريا"، ومجموعة "العمل من أجل سوريا"، خاصة وان هذه المجموعات تشارك فيها الدول المقترحة باستثناء إيران. - من غير الواضح حجم "الاستياء" القطري من عدم ضمها في الرباعية الإقليمية، حيث لم يتضمن المقترح أي إشارة لقطر، التي تعتبر أكثر الدول الخليجية نشاطا في القضية السورية، كما أنها تحتفظ بعلاقات خاصة مع الأخوان في مصر وغيرها من دول الربيع العربي. وبالتالي، لم يكن متوقعا استبعادها. كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت قطر ستتجه للضغط من أجل إفشال هذا المقترح أم لا. تعبر المبادرة المصرية عن إعادة تشكل الموقف المصري من القضية السورية، وغيرها من القضايا الإقليمية، ونزوعها للتنسيق مع القوى الرئيسية الكبرى في الإقليم، وهذا التوجه سيضر بالدرجة الأولى الدول الأصغر التي استفادت من فراغ القوة الذي أحدثته الثورات العربية طوال الفترة الماضية، وتحديدا قطر، والتي قد يكون رد فعلها غير متوقع، ورغم الطابع الإقليمي لهذه المبادرة، إلا أن نجاحها يتطلب دعما دوليا، خاصة من قبل واشنطن وموسكو وفرنسا، وذلك في الوقت الذي لم تحسم فيه هذه الدول بعد موقفها من تسوية الصراع في سوريا. |
#32
|
||||
|
||||
اهتزاز إقليمي
اهتزاز إقليمي أثار نبأُ وفاة رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوى ردود فعل متباينة، كما لقي اهتمامًا إقليميًّا ودوليًّا واسعًا، وذلك بسبب المخاوف من نشوب صراع حادٍّ داخل الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية (PRDF) الحاكمة، بالرغم من التأكيدات من داخل الحزب بأن القائم بأعمال رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالجن سيظل على رأس الحكومة حتى الانتخابات المقررة في 2015،تحديات صعبة تواجه إثيوبيا بعد رحيل زيناوي صلاح خليل - باحث سوداني في الشئون الأفريقية وأنه لا توجد أزمة داخل الجبهة في اختياره. بيد أن ثمة تحديات تواجه إثيوبيا في مرحلة ما بعد زيناوي، لن تقتصر على تفاعلات السياسة الداخلية؛ وإنما ستمتد إلى القرن الإفريقي، لا سيما في ظل التشابك الإثني الذي قد يفجر النزعات الانفصالية في المنطقة. تحديات داخلية داخليًّا، فإن غياب زيناوي قد يقود إلى تخفيف قبضة إثنية "التيجراي" وبالتالي الحكومة على السلطة؛ مما يغرى الإثنيات الأخرى خاصة الأورومو والأمهرة، فضلا عن سعي إقليم الأوجادين نحو المزيد من السلطات، أو الانفصال تمامًا عن الدولة الأم، خاصة وأن الدستور يُتيح له هذا الحق. كما أن الاشتباكات القبلية التي بدأت تطفو على السطح في جنوب البلاد والتي أدت إلى تدفق آلاف اللاجئين إلى كينيا؛ قد تتفاقم بسبب اضطراب الأوضاع في أديس أبابا، وقد تتمدد لتغطي مناطق أخرى في البلاد. هذا بالإضافة إلى حالة التذمر التي بدأت تتزايد مظاهرها في أوساط المسلمين، لا سيما بعد أن شهدت العاصمةُ أديس أبابا في الأشهر الأخيرة مواكب ضخمة يطالب فيها المسلمون بالمزيد من الحقوق، ورفض تدخل الدولة. وهو ما تخشى الحكومة أن تمتد تلك الاحتجاجات إلى بقية الإثنيات والقوميات. ومما يضاعف من مشاكل الحزب الحاكم في إثيوبيا بعد غياب زيناوي؛ أنه يواجهُ معارضة شديدة من جانب إثنيتي "الأرومو" و"الأمهرة" اللتين تملكان اتصالاتٍ مع المنظمات الحقوقية للضغط على الحكومة في أديس أبابا. فضلا عن أن تيارات انفصالية قوية تتحرك تحت السطح في عدد من الأقاليم الإثيوبية مثل: "الأرومو" و"الأجاودين" و"بني شنغول" بالإضافة إلى بعض القوميات في جنوب إثيوبيا. وبالرغم من أن زيناوي قاد النمو الاقتصادي لبلاده بمعدلات في خانة العشرات؛ حيث تبنى سياسة تمزج بين الإنفاق الحكومي المرتفع والاستثمار الأجنبي الخاص، مع التركيز مؤخرا على مشروعات الطاقة والبنية التحتية؛ إلا أن الكثير من الإثيوبيين يشكون من أنه على الرغم من بناء علاقات اقتصادية قوية مع قوى اقتصادية مثل الصين؛ فلم يترجم ذلك إلى زيادة في فرص العمل للإثيوبيين، وعلى الرغم من ازدهار الطبقة الوسطى في المدن فإن نحو ثلاثة أرباع السكان ما زالوا يعيشون على أقل من دولارين يوميا. تحديات خارجية المخاوف الإقليمية والدولية تنبع من أن زيناوي الذي صعد إلى سدة الحكم في عام 1991 مثَّل حليفًا إستراتيجيا للولايات المتحدة، ولعب أدوارا في القضايا المختلفة في القرن الإفريقي سواء ما يتعلق منها بالصومال أو السودان أو أوغندا. فالصومال يشكل تحديًا كبيرا للدور الإقليمي لإثيوبيا في القرن الإفريقي، خاصة وأن ثمة احتمالا لتغير المعادلة بعد رحيل زيناوي، فالقوات الإثيوبية تمثل العمود الفقري الداعم لحكومة شيخ شريف في مواجهة حركة شباب المجاهدين، وهو ما قد يدفع الجبهات المتقاتلة في الصومال إلى الاستفادة من فراغ السلطة في إثيوبيا، والضغط على الحكومة. وبعد رحيل زيناوي؛ قد تستغل أوغندا الفرصة بحكم تحالف موسيفيني مع الولايات المتحدة، لأن تكون اللاعب القوي في القرن الإفريقي وخاصة في مواجهة الحركات المتطرفة كالقاعدة والجماعات في الصومال، حتى لا تتمدد داخل أوغندا، حسب ما أشار موسيفيني نفسه في بعض كتاباته. وبالرغم من أن البعض يرجح تغير علاقات مصر بإثيوبيا بعد رحيل زيناوي على اعتبار أن رئيس الوزراء القائم بأعمال رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالجن له تصريحات هادئة تجاه مصر؛ إلا أن المتوقع أن تكون الحكومة الجديدة أكثر صرامة فيما يتعلق بملف المياه أو سد النهضة الذي يمثل أحد مداخل الشرعية لرئيس الوزراء الجديد، فالالتزام الإثيوبي باللجنة الثلاثية المكونة من (مصر، والسودان، وإثيوبيا) والمختصة بالجوانب الفنية لسد النهضة، هو شفهي وليس مكتوبا، وهو ما يفرض على الجانب المصري إعادة تأسيس العلاقة مع أديس أبابا على أسس جديدة تضمن الاستقرار والمنفعة للجميع. ولعل القاهرة يمكنها استثمار عودة الدفء للعلاقة بين الكنيستين الأرثوذكسيتين المصرية والإثيوبية والتي ظهرت مؤخرا بعد الزيارات المتبادلة بين الراحلين البابا شنودة ونظيره الأنبا باولوس، والتي عززت توطيد العلاقات بين البلدين والشعبين، فضلا عن المشاركة المتبادلة لوفد الكنيستين في جنازتي شنودة وباولوس. إضافةً إلى أن الدورَ الإثيوبي في السودان والذي تمدد على حساب الدور العربي والمصري بخاصة؛ سيتأثر كثيرا بغياب زيناوي الذي لعب دورا في المفاوضات بين السودان وجنوبه بعد انفصال الأخير، كما شاركت إثيوبيا بقوةٍ قوامها يفوق الأربعة آلاف جندي في منطقة أبيي، بالإضافة إلى ذلك؛ استضافت إثيوبيا محادثات سلام بين الحركات المسلحة في دارفور والحكومة السودانية، والقضايا العالقة بعد اتفاق نيفاشا بين كل من حكومتي الخرطوم وجوبا. ولعلَّ العلاقات الإثيوبية – الأريترية التي شهدت مواجهات مسلحة وحروب هي الأكثر تأثرا؛ إذ ثمة توقع بتجدد التوتر بين البلدين بسبب الأزمة الحدودية في (بادمي وزالمبسا)، لا سيما في ظل غياب الرجل القوي زيناوي، بما قد يضرب الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي. إن هذه المخاوف والتحديات تواجه إثيوبيا في مرحلة ما بعد زيناوي.. فهل تستطيعُ القيادةُ الجديدة للبلاد مواجهة تلك التحديات؟، لا سيما وأن انفجار أي صراعات داخلية في إثيوبيا سيهز الاستقرار الهش في منطقة القرن الإفريقي، فضلا عن المصالح الدولية المتغلغلة في المنطقة. آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 27-08-2012 الساعة 02:21 PM |
#33
|
||||
|
||||
وبالرغم من أن البعض يرجح تغير علاقات مصر بإثيوبيا بعد رحيل زيناوي على اعتبار أن رئيس الوزراء القائم بأعمال رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالجن له تصريحات هادئة تجاه مصر؛ إلا أن المتوقع أن تكون الحكومة الجديدة أكثر صرامة فيما يتعلق بملف المياه أو سد النهضة الذي يمثل أحد مداخل الشرعية لرئيس الوزراء الجديد، فالالتزام الإثيوبي باللجنة الثلاثية المكونة من (مصر، والسودان، وإثيوبيا) والمختصة بالجوانب الفنية لسد النهضة، هو شفهي وليس مكتوبا، وهو ما يفرض على الجانب المصري إعادة تأسيس العلاقة مع أديس أبابا على أسس جديدة تضمن الاستقرار والمنفعة للجميع.
جزاك الله خيرا وبارك فيك
__________________
|
#34
|
||||
|
||||
تعبر المبادرة المصرية عن إعادة تشكل الموقف المصري من القضية السورية، وغيرها من القضايا الإقليمية، ونزوعها للتنسيق مع القوى الرئيسية الكبرى في الإقليم، وهذا التوجه سيضر بالدرجة الأولى الدول الأصغر التي استفادت من فراغ القوة الذي أحدثته الثورات العربية طوال الفترة الماضية، وتحديدا قطر، والتي قد يكون رد فعلها غير متوقع، ورغم الطابع الإقليمي لهذه المبادرة، إلا أن نجاحها يتطلب دعما دوليا، خاصة من قبل واشنطن وموسكو وفرنسا، وذلك في الوقت الذي لم تحسم فيه هذه الدول بعد موقفها من تسوية الصراع في سوريا.
جزاك الله خيرا وبارك فيك
__________________
|
#35
|
||||
|
||||
شكراً ع التوبيك
__________________
the child in me will never go .. ! Closed نـــاس بترقص .. ونــاس بتموت .. وأعلي صوت ف الحفله صوت السكوت!
|
#36
|
||||
|
||||
كيف يديرُ الرئيس مرسي العلاقات مع طهران؟
كيف يديرُ الرئيس مرسي العلاقات مع طهران؟ يتوجه الرئيس المصري محمد مرسي إلى إيران يوم 30 أغسطس الحالي للمشاركة في قمة عدم الانحياز، وذلك في أول زيارة يقوم بها رئيس مصري إلى إيران بعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ أكثر من ثلاثين عاما. ومن المعلوم أن إيران التي أشادت بالثورة المصرية واعتبرتها مناهضة للغرب ومستلهمة ثورتها الإسلامية في عام 1979 تضع آمالا عريضةًرضوى عمار - باحثة سياسية بشأن مستقبل علاقاتها مع مصر، خاصة وأن الرئيس المصري ذو خلفية إسلامية. وهو ما تعتبره إيران يحقق تغيرات رئيسة في معادلات القوة القديمة، وبداية نموذج سلوك جديد new behavior modelفي الإقليم. ويرى البعض أن حضور الرئيس محمد مرسي يعني بشكل أو آخر إيذانا بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وهو ما يثير التساؤل حول ماهية هذه العلاقات في ظل ما تحمله من تناقضات ومعوقات بل ومخاوف من تأثير مثل هذه العلاقة على مسار التفاعلات في الإقليم، وخاصة تجاه إسرائيل. العلاقات المصرية الإيرانية ما بين المد والجزر بدأ التوتر والفتور في العلاقات المصرية الإيرانية مع قرار الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978، والذي تم بالفعل عام 1979؛ حيث انتهت العلاقات الدبلوماسية رسميا في يونيو 1979. وازدادت العلاقات سوءا عندما عرض السادات حق اللجوء السياسي على شاه إيران محمد رضا بهلوي وعائلته. إلا أنه وبعد موت آية الله الخميني، ونهاية الحرب الإيرانية العراقية؛ قللت النخب السياسية الإيرانية من حدة الخطاب الثوري، حيث عمدت إلى تحسين علاقاتها الخارجية في التسعينيات، وهو ما انعكس في استئناف البلدان العلاقات على مستوى بعثات رعاية المصالح في مارس عام 1991 . وسعى رؤساء إيران هاشمي رافسنجاني، ومحمد خاتمي، والرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد إلى استعادة العلاقات مع الحكومة المصرية. فعلى سبيل المثال، إبان فترة رئاسة الرئيس محمد خاتمي؛ وافق مجلس بلدية طهران عام 2004، على تسمية الشارع الذي أطلق عليه اسم قاتل الرئيس المصري السادات "خالد الاسلامبولي" بـ"الانتفاضة" نسبة للانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي ؛ إلا أن من اللافت للنظر أنه قد تم استخدام ورقة اسم الشارع مرة أخرى الذي أعلنت إيران عن زعمها بتغييره من "خالد الاسلامبولي" إلى "الشهداء" إشارة إلى تكريم شهداء ثورة 25 يناير! أيضا سعى أحمدي نجاد إلى توطيد أواصر العلاقات مع الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وعبَّر إبان انعقاد إحدى القمم في الإمارات العربية المتحدة عام 2007 عن استعداد إيران لعودة العلاقات بين البلدين، وفتح السفارة الإيرانية في القاهرة" ؛ لكن نظام مبارك كان لا يثق في النظام الإيراني، ويراه عنصر تهديد للاستقرار الإقليمي . ويُمكن القول إن التغير في ديناميكيات العلاقات بين البلدين قد جاء في فبراير 2011 بعد إعلان الرئيس السابق محمد حسني مبارك تخليه عن السلطة، عندما طلبت إيران التصريح بمرور سفينتين حربيتين عبر قناة السويس لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، ووافقت السلطات المصرية الجديدة ، وهو ما عكس اختبارًا للقيادة المصرية الجديدة، ومحاولة لاستشراف موقفها من مسألة العلاقات مع إيران. ولعل تصريحَ وزير الخارجية المصري السابق، نبيل العربي، في 29 مارس 2011 عن أن مصر تعتبر إيران "دولة من دول الجوار، ولنا معها علاقات تاريخية طويلة وممتدة في مختلف العصور، والحكومة المصرية لا تعتبرها دولة معادية"، ثم إعلانه خلال اجتماعه مع مجتبى أماني، رئيس البعثة الدبلوماسية الإيرانية في مصر، في أبريل 2011، أن القاهرة وطهران لا بد أن تكون لديهما علاقات تعكس الروابط الثقافية والحضارية بينهما، وأن مصر مستعدة لفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع دول أخرى، تشمل إيران ؛ قد عبر عن تغير ما سوف تشهده العلاقات المصرية الإيرانية، وإن كان قد علق الأمر فيما بعد على قرار من مجلس الشعب. ورغم ذلك؛ فقد أعرب وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي عن تمنيه "للتوسع في العلاقات" ؛ إلا أنه بعد أن ترك العربي منصبه كوزير للخارجية في مايو 2011 ليصبح أمين عام جامعة الدول العربية لم يطرح مسئول مصري هذه المسألة! وهو ما يُفسر وصف وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، سياسة مصر تجاه إيران بأنها "سياسة خجولة" ، وعلى أي حال فقد اعتبرت إيران أن علاقاتها مع مصر الجديدة سوف تتغير للأفضل مقارنة بما كان في عهد الرئيس السابق مبارك. المسألة الإيرانية وسياسة الباب المفتوح لمرسي يُلاحظ أن تصريحات الرئيس محمد مرسي، المرشح عن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، خلال حملته الانتخابية لم تكن كلها إيجابية تجاه إيران؛ فقد تبنى سياسة الباب المفتوح open-door policyالتي ترحب بكافة أنواع التعاون الدولي التي تشمل إيران لكنها لا تعد بسياسات بعينها. ففي حوار أجرته معه إحدى الصحف المحلية الكويتية، والذي تم ترجمة أجزاء منه ونشرت في صحيفة "عصر إيران" في 21 يونيو، وعند سؤاله عن علاقة الإخوان المسلمين بإيران وحزب الله؛ رد بأنها "أوهام، افتراءات، ولا أساس لها من الصحة". ورغم ذلك أبدت إيران تفاؤلها بالخطاب الانتخابي للرئيس محمد مرسي الذي أشار إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية والإستراتيجية بين مصر وجميع الدول الإسلامية في العالم بما في ذلك إيران ، كما رحبت بفوزه، واعتبرته المرحلة النهائية لحركة الشعب المصري الثورية للصحوة الإسلامية . إلا أن العلاقات بين البلدين ما لبثت أن شهدت توترا فور إعلان فوز الرئيس محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية وحتى قبل تسلمه السلطة رسميا، وذلك بعد أن نشر مراسل وكالة أنباء فارس بالقاهرة حديثا منسوبا إلى مرسي تعهد فيه بإعادة العلاقات الطبيعية مع إيران، وتطوير التعاون المشترك المصري الإيراني لأن هذا "سيحقق التوازن الإستراتيجي في المنطقة، وهذا كان ضمن برنامجي.. برنامج النهضة". وذكرت الوكالة أن المقابلة أجريت مع مرسي قبل بضع ساعات من إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة المصرية ، وهو ما نفاه المتحدث باسم الرئيس محمد مرسي، مشيرا إلى أن مكتب الرئيس سيرفع دعوى قضائية ضد الوكالة والتي ردت عليه بإذاعة تسجيل صوتي تم التشكيك في نسبته إلى الرئيس محمد مرسي. وبإمعان النظر في البرنامج الرئاسي للرئيس محمد مرسي؛ سنجد أنه تناول تطوير علاقات مصر مع الدول الإسلامية، لكن الدولتين اللتين ذكرتا بالاسم هما تركيا وماليزيا، ولا وجود لإيران أو الحديث عن التوازن الإستراتيجي في هذا السياق . وبصفة عامة يمكن القول إن الرئيس محمد مرسي منذ بداية وصوله إلى سدة الحكم قد سعى إلى النأي بنفسه عن الاندفاع نحو العلاقات مع إيران. وهو ما بدا بشكل جلي في توقيت إعلانه عن قبول دعوة إيران بشأن حضور قمة عدم الانحياز والتي تُسلم فيها مصر رئاسة القمة إلى إيران. فقد حرصت إيران على توجيه الدعوة خلال المكالمة الأولى للرئيس الإيراني أحمدي نجاد التي هنأ خلالها الرئيس محمد مرسي بفوزه في انتخابات الرئاسة، والتي أكد له خلالها أن إيران لن تضع أي قيود على تقوية العلاقات مع مصر ، ذلك إلى جانب الدعوة الرسمية التي قدمها نائب الرئيس الإيراني، حميد بغاني، إبان زيارته مصر في 7 أغسطس، تلك الزيارة التي أعقبت زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. ثم يُلاحظ أن الإعلان عن حضور الرئيس محمد مرسي على رأس الوفد المصري جاء في 18 أغسطس أي بعد لقائه بالرئيس أحمدي نجاد في القمة الإسلامية الاستثنائية في 15 أغسطس، والتي انعقدت بمكة المكرمة تحت رعاية السعودية. وهو ما أعطى انطباعا بأن العلاقات المصرية الإيرانية إذا ما كانت سوف تكون بمباركة السعودية وليس على حساب العلاقات المصرية مع دول الخليج التي اعتبرها مرسي "خطا أحمر"، وهو ما يفسر اختيار السعودية لتكون الوجهة الأولى لزيارات مرسي الخارجية، وتردده بشأن قبول دعوة المسئولين الإيرانيين. معوقات إدارة ملف العلاقات المصرية الإيرانية لا شك أن هناك قيودا داخلية تعوق تحرك الرئيس مرسي نحو إيران، مرتبطة بتوجس المجتمع المصري من انخراط الشيعة في المجتمع، خوفا من المد الشيعي، واتساع نفوذه في مصر كما اتضح من ردة فعله على بناء الحسينيات ، ذلك إلى جانب معوقاتٍ أخرى لها بُعد خارجي مرتبط بالظروف الاقتصادية المتعثرة التي تمر بها مصر، والتي تحتاج فيها إلى دعم ومساعدات دول الخليج العربي للخروج منها، وهو ما يضع قيودا على مستوى التطبيع بين الدولتين، أخذا في الاعتبار مخاوف دول الخليج من تطور مثل هذه العلاقات. بالإضافة إلى موقف إيران تجاه الأزمة السورية وهو الموقف الذي يختلف عن الإخوان المسلمين الذين يدعمون الثورة. وفيما يلي نتناول الأبعاد الخارجية للقيود التي تعوق تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية: أولًا: العلاقات المصرية مع دول الخليج لا شك أن الظروف الاقتصادية ومكافحة الفقر كان أحد المطالب الرئيسة لثورة 25 يناير. وتفرض الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الدولة المصرية والتشكك في تقديم مساعدات أو استثمارات من جانب دول الغرب وخاصة في ظل الأزمة المالية قيودا على التوجهات المصرية في هذا الصدد([17]). وقد عمدت إيران إلى طرق الأبواب المصرية من خلال الأداة الاقتصادية بعد تعثر محاولاتها للتقارب السياسي في الشهور الأولى التي أعقبت الثورة المصرية؛ فقد صرح وزير الصناعة والتجارة الخارجية المصري، محمود عيسى، أن نظيره الإيراني اقترح خلال فعاليات الاجتماع الوزاري الثاني لمجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية عقد تعاون ثلاثي بين القاهرة وطهران وأنقرة؛ لاستغلال الإمكانات البشرية والموارد الاقتصادية المتاحة لتلك الدول، وذلك خلال المرحلة المقبلة . كما أعلن رئيس الوزراء المصري السابق، كمال الجنزوري، عن مفاوضات مصرية إيرانية لتنفيذ مشاريع استثمارية إيرانية تقدر بحوالي خمسة مليارات جنيه مصري في جنوب مصر. وطبقا للخريطة الاستثمارية القادمة التي ستشهدها مصر سوف تتدفق الاستثمارات الإيرانية بحوالي 5 مليارات دولار في صورة مشروعات صناعية وتجارية؛ حيث وافقت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة على إقامة 3 مشروعات في محافظات بني سويف والمنيا وسوهاج على مساحة 3 ملايين متر مربع وهي كالآتي: مجمع مصانع لتجميع وصناعة السيارات في بني سويف، ومطاحن للدقيق بطاقة مليون طن قمح سنويا في المنيا، وكذلك مشروع إنتاج وتعبئة أسطوانات البوتاجاز بطاقة لا تقل عن 10 ملايين عبوة شهريا في سوهاج . من ناحيةٍ أخرى؛ أشار السفير الإيراني مجتبى أماني، إلى مكانة مصر المتميزة داخل إفريقيا، وأن "اتفاقية الكوميسا بين مصر ودول إفريقيا يمكن أن تشكل بوابة للاستثمارات الإيرانية بالاستفادة من الخبراء والإمكانيات المصرية وتصدير منتجات مشتركة من البلدين لإفريقيا" . وقد كشف مساعدُ وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني، حميد صافدل، عن نمو التبادل التجاري بين مصر وطهران. وأن حجم التبادل التجاري مع مصر سجل نموا بأربعة أضعاف؛ حيث قفز من 10 ملايين دولار إلى 51 مليون دولار، ومن 24 ألف طن إلى 58 ألف طن . إلا أنه ومع كل الإغراءات المالية من إيران (الحوافز) فقد بدا واضحا أن مصر قد استخدمت ملف العلاقات مع إيران كأداة قصيرة الأجل لتنشيط التعاون الاقتصادي المصري الخليجي. فليس من قبيل المصادفة أن تكون السعودية محط أول زيارة خارجية للرئيس محمد مرسي. كما كانت أول جولة خارجية لأول رئيس وزراء مصري بعد الثورة إلى السعودية والكويت وقطر. الأمر الذي قد يرد في جانب منه إلى تخوف صانع القرار المصري من المد الشيعي الإيراني. وهو ما دلل عليه تصريح الرئيس محمد مرسي في أولى زياراته الخارجية إلى السعودية أن استقرار المنطقة يستلزم استقرار مصر والخليج. وأن "السعودية حاضنة الحرمين الشريفين، وراعية مشروع الإسلام الوسطي السني، وأن مصر حامية لهذا المشروع" . ثانيًا: الأزمة السورية يلعب الإخوان المسلمون في سوريا دورًا مهمًّا في الأزمة السورية، فهم قطاع فاعل في المعارضة السورية. في حين أن إيران تدعم نظام الأسد. وهو ما يُعتبر بُعدا خارجيا لمواقف الإخوان المسلمين بصفة عامة التي تدعم الثورات الشعبية. ورغم ذلك تحظى مصر الجديدة بقبول ولو كان على حد التصريحات؛ إذ لم يكن موضع اختبار حتى الآن. فقد أكد وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، أن إيران مستعدة للدخول في حوار مع أي دولة في المنطقة حول الشأن السوري، "وخاصة مصر التي تُعتبر دولة مهمة ومؤثرة في المنطقة"، وأعرب عن أمله في أن تجلس الدولتان لوضع أفكار للخروج من هذه الأزمة ، وقد لقي مقترحُ الرئيس المصري إبان انعقاد قمة مكة الاستثنائية حول تشكيل رباعية اتصال تضم مصر وتركيا والسعودية وإيران، للعمل على حل الأزمة في سوريا، قبولا لدى إيران، والتي طالما استُبعدت من حل الأزمة من قبل الغرب وبعض الدول الفاعلة على مسرح الأحداث في سوريا، وخاصة السعودية التي كانت راعية للمؤتمر. ثالثًا: الولايات المتحدة الأمريكية تأتي خطوة مرسي لزيارة إيران قبل توجهه إلى واشنطن سبتمبر المقبل. وترى إيران أن أي تحسن في العلاقات مع مصر سوف يؤثر على النفوذ الأمريكي في المنطقة، وهو ما يفسر حرصها على حضور مرسي القمة، وهو ما أكده تعليق فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، والذي ذكرت فيه موقف الولايات المتحدة المعارض لزيارات دبلوماسيين مصريين رفيعي المستوى لإيران. مشيرةً إلى أن "إيران لا تستحق أن يزورها وفود رفيعة المستوى من مصر والأمم المتحدة، لأنها تحاول استغلال مؤتمر عدم الانحياز لدفع أجندتها الخاصة" . وفي هذا الصدد؛ لا بد من الأخذ في الاعتبار أن المؤسسة العسكرية المصرية تلعب دورًا مهما في مسار تطور العلاقات المصرية الإيرانية في المستقبل. فالمساعدات العسكرية الأمريكية أفرزت علاقات قوية مع الحكومة الأمريكية وصناعة الأسلحة الأمريكية. وهو ما له تأثير على النخبة الحاكمة والدوائر العسكرية المصرية. بالإضافة إلى الدور الأمريكي في الحفاظ على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي تنظر لها واشنطن كحجر زاوية للاستقرار في الشرق الأوسط. ويلاحظ أن مرسي قد حرص في العديد من المناسبات على التأكيد على التزام مصر بكافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الدولة المصرية في النظام السابق، ومنها معاهدة السلام مع إسرائيل؛ إلا أنه في نفس الوقت يحرص على إضافة عبارة "طالما لم ينتهكها الطرف الآخر". وفي الأخير؛ يمكن القول إن إدارة الرئيس محمد مرسي لملف العلاقات المصرية الإيرانية تخضع لسياسة الباب المفتوح، التي تسعى بشكل أو آخر إلى تصفير المشاكل مع كافة القوى الإقليمية والعالمية، في إطار تغليب المصلحة المصرية. |
#37
|
|||
|
|||
شكرا علي التحليل الرائع ولكن د / مرسي أذكي من ذلك وربنا هيوفقه لمصلحة مصر
|
#38
|
||||
|
||||
الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة
الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة يحوي كتاب "الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة" للباحث الراحل حسام تمام (دار الشروق 2012)، مجموعة من الدراسات المتعلقة بجماعة الإخوان المسلمين المصرية وتحولاتها السياسة والاجتماعية قبيل ثورة يناير، ولا تُعنى هذه الدراسات التي تمثل خلاصة فكر حسام تمام ورؤيته في النظر إلى الحركة الإسلامية والإسلام السياسي، لا تعنى بتطور العلاقة بين الإخوان والنظام المصري خاصة في الفترة (2005-2011) والتي تشكل المرحلة الأخيرة لنظام مبارك، بل تهدف إلى رصد وتحليل تفاعلات الجماعة الداخلية والتحولات التي لحقت بها تنظيمياً وأيديولوجياً وتكوينياً، وتصلح النتائج التي خرج بها تمام من مجموع هذه الدراسات والمقالات التي تعكس بصيرته البحثية النافذة لأن تقدم لنا إطاًرا لفهم سلوك الجماعة السياسي في مرحلة ما بعد الثورة والتي انتهت بدخول الجماعة مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة، ويبقى السؤال الهام الذي نحاول الإجابة عليه: هل ستنعكس هذه التحولات السياسية، وهي بمثابة انتصارات مدوية للجماعة في شكل تحولات بنيوية في داخلها، ربما سيساعدنا الإطار الذي قدمه تمام في كتابه ودراساته على الإجابة على هذا السؤال، ويجدر بالذكر أن منهج تمام في في هذه الدراسات يدمج بين التناول التاريخاني الذي يضع تطورات الظاهرة ضمن مسار تطورها التاريخي، والطرح السوسيولوجي الذي يهتم برصد الظاهرة في سياق تحولاتها الاجتماعية وعلاقتها بالمجتمع الذي تنمو من خلاله، وهو مغاير للاتجاه العام في دراسات الحركة الإسلامية المهتمة بالنصوصية، أي قراءة الحركات من خلال النصوص المعبرة عنها، أو تلك التي تهتم برصد التدافع والصراع بين هذه الحركات والدول، وأغلبها أعمال صحافية تتنازعها التحيزات السياسية. الإخوان والإصلاح تبدأ الورقة الأولى في الكتاب في تناول موقف الإخوان المسلمين من قضية الإصلاح الداخلي الذي كان عنوان الحالة السياسية في مصر في الفترة (2004-2007)، وفيها شهدت مصر ربيع الحركة السياسية التي تواكبت مع انفتاح النظام السياسي نحو الإصلاح بفعل ضغوط البيئة الدولية، وهو المناخ الذي شهد التيار الإصلاحي داخل الجماعة والذي قادها نحو التفاعل الإيجابي مع الانفراج الداخلي والضغط الخارجي، وهو ما أدى إلى مشاركتها بفاعلية في الانتخابات التشريعية للعام 2005 وحصولها على ربع مقاعد البرلمان، وقد أدى هذا إلى تصاعد أجواء الإصلاح داخل الجماعة نفسها الأمر الذي يملك أمامه التيار المحافظ إلا الرضوخ ما دام هذا لا يمس البنية الداخلية للجماعة التي يتحكم فيها، ومادام خطاب الإصلاح موجهاً للخارج، أي لبقية الأطراف السياسية والنظام والخارج الدولي، غير أن نكوص ربيع القاهرة، وانقلاب النظام وانحسار الضغوطات الخارجية عليه، أدى إلى نكوص داخل الجماعة نفسها، خاصة مع الضربات التي أخذ النظام يوجهها للجماعة وبدأت بإقصائها تشريعياً من خلال تعديلات 2007، ثم بتوجيه ضربات لها استهدفت قياداتها ومفاصلها عامي 2008، و2010، كل هذا أوحى بعزم النظام بعدم التحاور مع أي طرف واعتزامه عزل الجماعة دون استئصالها، وهو ما أدى إلى تزايد قوة التيار التنظيمي الذي أخذ في ممارسة حملة ممنهجة لنزع الشرعية عن كل الأفكار الإصلاحية التي تم بناؤها خلال النزول السياسي والإعلامي للإخوان إلى ساحة العمل العام، وانعكس هذا في صياغة برنامج الجماعة السياسي الذي تم تقديمه في 2007، وأثبت هيمنة هذا التيار على مفاصل البرنامج، غير أن النظام أفاد من هذا الانغلاق حيث أعطاه فرصة لضرب مزيد من العزلة حولها والتعامل معها داخليا وخارجياً باعتبارها تهديداً للمجال العام، ويرى تمام أن هذه الهيمنة المحافظة التي تتقاطع معها النزعتان السلفية والقطبية لم تظهر إلا في مزيد من الانغلاق التنظيمي دون أن ينال هذا من الخيارات الاستراتيجية التي رسمت مسار العمل العام للجماعة منذ إعادة تأسيسها في السبعينات وهو يقصد بهذه الخيارات تحديداً عدم ممارستها للعنف، وقبولها بالمشاركة السياسية السلمية المتدرجة داخل إطار الدولة. ويستخلص تمام في هذه الدراسة أن علاقة الجماعة بقضية الإصلاح إنما هي رهينة للتدافع بين الجناحين المحافظ والإصلاحي داخل الحركة وهو الذي يحدد رؤيتها لمجريات الأمور على الساحة المصرية. وهو يتناول في الدراسة الثانية في الكتاب التي أصدرها على أثر الخلاف الذي واكب انتخابات مجلس شورى الجماعة في ديسمبر 2009 الأصول التاريخية لتكون هذين التيارين منذ تأسيس الجماعة حتى الأزمة المذكورة عامذاك. تجادل هذه الورقة بأن الجماعة هي الأقل بين الفواعل السياسية المصرية انشقاًقا، ورغم أن الأدبيات الإخوانية الدعائية تتحدث عن بعدٍ رباني ورسالي في هذا التماسك، غير أن تمام يبحث أسباًبا أخرى لهذا التماسك. والجماعة كغيرها من التنظيمات تعمل في إطار نظام سياسي بالمفهوم الواسع له وتتأثر بدواره من حيث الانفتاح والانغلاق، أي بقدرته على الاستيعاب والفاعل الإيجابي أو باتجاهه نحو الاضطهاد والتضييق، وثم إن الإخوان يضمون داخلهم أطيافاً فكرية وجيلية شاسعة يربط بينها حد أدنى من الأيديولوجية الإخوانية والأهم من هذا رابط تنظيمي قوي، ومع تآكل أيديولوجيا الجماعة اختصر مشروعها في التنظيم وفي دعمه والسعي نحو توسيعه ليسع المجتمع ويتغلغل في الدولة. بدأ حسن البنا ببناء الجماعة التي اتخذت شكل نسق مفتوح أي حركة اجتماعية ودعوية منفتحة على المجتمع، ثم ما لبث أن ظهر لها تنظيم خاص مغلق وسري، وأودى صدامها بالدولة في عهدي الملكية ونظام يوليو إلى سحب الشرعية من الجماعة ثم السعي نحو استئصالها، وبالتالي لم يبق من الدعوة الأولى إلى التنظيم الصلب بعد أن نجح نظام يوليو في استيعاب المكون السياسي الحركي والدعوي لها في مشروعه الوطني العام، ولم يلبث التنظيم المغلق إلا أن وجد في أطروحات سيد قطب إلا جهازاً تبريريّاً مثل الدافع له للحركة تحت شعار الجيل القرآني الفريد، يقول تمام إن القطبية ميزة بنوية في الإسلام السياسي وبصورة ما استعادة لخطاب حسن البنا وذلك لاستهدافها إعادة إحياء إيمان المجتمع وإقامة الدولة الإسلامية، ثم إنها تقدم إطاراً شموليّاً يستوعب الفرد بكافة جوانب حياته ويربطه بالجماعة التي تتحول بهذا إلى طائفة، وعلى أثر أحداث 1965، عانت الجماعة انشقاقاً فكريّاً وتنظيمياً وهي حبيسة المعتقلات، خاصة مع تبرؤ قيادتها من أطروحات سيد قطب، ومع هذا تركت هذه الأطروحة أثرها على قطاع عريض من الجماعة الذي لم يقبل بها كلياً غير أنه أخذ يستبطنها في في الإعلاء من شأن الثقافة التنظيمية وتغليب مبدأ السمع والطاعة والجندية، وهو بهذا راكم خبرة التنظيم الخاص وخبرة المحنة القطبية. وفي السبعينيات، بدأ التكوين الثاني للجماعة وضخت دماء جديدة في تكوينها باستيعابها التيار الأوسع في الحركة الطلابية المنضوية تحت الجماعة الإسلامية، ورغم انفتاح النظام الساداتي، اختارت الجماعة العمل الدعوي وراحت شيئاً فشيئاً تستعيد وحدتها من خلال الدعوة، وقد تولت قيادات النظام الخاص التاريخية مهمة إعادة التكوين وبالتالي هيمنت أيديولوجية التنظيم ذات الروح القطبية على مفاصل الجماعة، رغم احتوائها على تيار إصلاحي. وفي الثمانينيات تحددت استراتيجية الإخوان بالمشاركة في النظام السياسي وفي إطار الدولة، وشهدت الثمانينيات والتسعينيات صعود الجماعة وامتدادها، ولم تؤثر الانشقاقات البسيطة على بنيتها، بل ظلت الأقل انشقاقاً والأكثر تماسكاً. يفسر تمام هذه الحالة بعدة أسباب، أهمها مركزية العمل الجماعي ووحدة التنظيم وقوة التأسيس الديني والفكري لهذه الفكرة، حيث دائماً ما يتم استدعاء تراث ديني كامل يحض على الوحدة وعدم الفرقة، وتراث أخواني خاص يأثم الخارجين عليها ويرى فيهم خبثاً أولى بالجماعة أن تطرده، كما أن الجماعة باتساع التيارات الفكرية داخلها وتأرجها بين السلفية المتشددة إلى الليبرالية المتدينة تضمن مرونة فكرية تمنع المنضوين تحتها من الخروج، ويبقى أن التنظيم القوي الصارم الذي يسيطر عليه تيار واحد لا يتعرض للخلخلة والاهتزاز جراء النزاعات الفكرية. والأخطر من هذا هو الطبيعة الشمولية للجماعة التي تستوعب حياة أفرادها ويجد الأخ فيها نفسها وقد غزته الجماعة، "فهو يعيش ويتعلم ويصادق ويتزوج ويجد فرصة للعمل وينشط سياسياً ودعوياً في فضاء إخواني كامل" وهو بهذا يرى العالم من ثقب الجماعة التي دائماً ما تصور باعتبارها حاملة المظلومية الإسلامية التاريخية وهو ما يستدعي التماسك والتلاحم وتهميش الخلافات، ويبقى أن أكثر ما كان يحافظ على تماسك الجماعة هو سياسات النظام الذي كان حريصاً على إبقاء الجماعة كما هي، من قبيل المحافظة على تضخيم الخصم، وعدم الترحيب بأي محاولة انشقاقية، على النحو الذي تعامل به نظام مبارك مع حزب الوسط، وكذلك من قبيل المحافظة على القيادات التنظيمية التي يمكن التعامل والتفاوض معها. الإخوان والحركات الاحتجاجية ألقى هذا الانقسام الذي تشهده الجماعة بين التيار الإصلاحي، تيار العمل العام، والتيار المحافظ، تيار التنظيم بظله على موقف الجماعة من الحركات الاحتجاجية التي شهدتها مصر على سوء الحالة الاقتصادية وانسداد أفق العملية السياسية وتصاعد هذه الحركات التي يصعب تتبع "المستوى السياسي" فيها عام 2008، مع الدعوة إلى إضرابات عامة وصلت إلى حد التمرد على سلطة الدولة كما حدث في المحلة الكبرى. انفجرت الحركات الاحتجاجية في مصر في الوقت الذي كيلت فيه ضربات للتيار الإصلاحي داخل الجماعة، وتزايد قبضة التنظيميين، وبينما كان يرى الإصلاحيون إمكانية التلاحم مع هذه الحركات وربما ركوبها لممارسة مزيد من الضغط على النظام الذي سد أفق الحراك السياسي، ربط المحافظون المشاركة بإصلاح سياسي أوسع كلياني تحقق من ورائه الجماعة مكاسب حقيقة، وهو ما لم تكن توفره الحركات الاحتجاجية، وبالتالي لم تستطع الجماعة الالتحام مع مطالب الشارع ورغم قوتها وحضورها لم تكن جزءاً من التيار العام، وربما كان مبعث هذا استعلاء إخواني على مطالب بسيطة لا تراها الجماعة مطالب سياسية حقيقية، وربما جعلت المسحة اليسارية التي صبغت الحركات الاحتجاجية الجماعة تعف الاقتراب منها نظرًا لخصومة أيديولوجية. الأخطر من هذا أن هذا الموقف السلبي للجماعة قد عكس افتقادها لرؤية ميكانزمات التغيير الجديدة في المجتمع المصري والتي لا تخضع لحساب القوى التقليدية بل تتجاوزها، كما أن الجماعة كانت جزءاً من تكوين مشروع الدولة المصرية والتي لم يلق تحولها الاقتصادي والاجتماعي نحو النيوليبرالية إلا الترحيب من الجماعة التي أفادت من هذه التحولات، ويضرب تمام هنا مثالاً في تأييد الإخوان لقانون الإيجارات الزراعية الجديد الذي أتى على البقية الباقية من إرث الإصلاح الزراعي الذي دشنه جمال عبد الناصر. يقول تمام إن الإرث المحافظ للجماعة قد حدد وجهة تعاملها مع الحركات الاحتجاجية الجديدة والتي لم تكن ثورة يناير إلا تتويجاً لها، ولهذا بقيت الجماعة في البداية بمنأى عن المشهد، ولم تلحق بركاب الثورة إلا متأخراً. والحال أن الثورة قد جاءت والجماعة قد سيطر عليها تيار التنظيم وتوارى التيار الإصلاحي (بعد هزائمه في انتخابات مجلس شورى الجماعة وأعضاء مكتب الإرشاد أعوام 2008، 2009، 2010)، ونظراً لغياب الرؤية الصحيحة لدى قادتها فيما يتعلق بطبيعة الحركة الجديدة في الشارع، فسرعان ما اختارت قيادتها سبل التوافقق مع النظام الذي شاركها أيضاً في عدم فهمه لطبيعة الحركة التي تغيب عنها القيادة والتنظيم وتحكمها العفوية، ولم يكن هذا موقف الجماعة وحدها بل أيضاً بقية القوى السياسية التقليدية التي سارعت أيضاً بالتفاوض مع النظام. ومع فشل التفاوض وانتصار الميدان ومطلبه بإسقاط رأس النظام، لم تتعامل القيادة المحافظة للجماعة مع الواقع بمنطق الثورة الذي تعافه نظراً لطبيعتها المحافظة، بل أخذت تبحث للجماعة عن مكان في النظام الذي خالته جديداً ولم تسع لتغيير أي من قواعده، وبالتالي أصبحت الجماعة أقرب إلى خط السلطة كما يمثله المجلس العسكري الحاكم، وهو ما أوحى بشهر عسل طويل الأمد بين الطرفين في مواجهات قوى الثورة. ورغم وجود انشقاقات في الجماعة كان أبرزها الخروج التاريخي لعبد المنعم أبو الفتوح الوجه الإصلاحي الأبرز، غير أن الجماعة حافظت على تماسكها، بل أن هذا التماسك عززه الشعور بالمهداوية والاقتراب من التمكين بعد رحلة ثمانين عاماً من النضال، لم تسع الجماعة إلى أي تغيير في بنية تكوينها أو فكرها، والأحرى بنا القول أنها لم تكن في حاجة لهذا بعدما انتشت بدوى الانتصارات بداية من الاستفتاء الموصوف الآن بالمشؤوم ونهاية بمعركة الرئاسيات، وبقيت الجماعة ترسخ من بنيتها التي تحيلها إلى طائفة ممتدة الأذرع وموازية للدولة وإن كانت أقل منها. يتناول تمام ظاهرتين عززتا من "طائفية الإخوان" الأولى هي الترييف، والثانية هي التسلف. ترييف الإخوان "جماعة الإخوان المسلمين جماعة مدينية حضرية، وظل الريف عصيّاً عليها" هذه المقولة نالها كثير من التغيير بعدما أصبحت الجماعة أسيرة للترييف أي زيادة نفوذ المكون الريفي بداخلها وترصد هذه الدراسة أثر هذا التمدد على الثقافة التنظيمية والبنية المؤسسة التي قامت عليها الحركة. وقد مثلت الهجرة الريفية إلى المدن المعين الخصب للجماعة من حيث التعبئة والتجنيد والتنظيم، وظل الريف يمثل حالة القيم الأصيلة المعبرة الهوية الحقيقية للمجتمع الذي سعت الجماعة إلى إصلاحه، وكان ظهور الجماعة سعياً نحو إصلاح الخلل بين الحداثة والتقليد، واعتمدت الجماعة في تكوينها الأصيل على طبقة وسطى مدينة في مواجهة النخبة الأرستقراطية المسيطرة على الحياة السياسية. وشهدت الستينات تعثر مشروع التحديث الناصري وهو ما أدى إلى الدخول في أزمات التنمية التي كانت تزايد الهجرة الريفية إلى الحضر أحد عناوينها، وهي الفترة نفسها التي شهدت التأسيس الثاني للجماعية واتجاهها نحو التركيز على التنظيم ومده، فاستقطبت الجماعة هؤلاء القادمين من الريف، ووفرت لهم ملاذاً في مواجهة واقع حضري يسبب لهم حالة من الاغتراب على أثر التحديث السريع، وفي هذا الصدد يرى تمام أن أهم ما بقي دافعاً للالتحاق بالجماعة هو جاذبية كونها تصلح كإطار اجتماعي حاضن للفرد وحماية لهم في عالم يشعر فيه بالغربة، ومن ثم تحولت التركيبة الداخلية للإخوان لصالح المنحدرين من أصول ريفية، فيما جرى استبعاد رمز السبعينات الذين قادوا مرحلة العمل العام ، وقد ظهر هذا الترييف في انتخابات مكتب الإرشاد الذي أعطى وزناً أكبر للمحافظات الريفية على حساب محافظات مدينية، وقد فعلت القيادة الإخوانية هذا والتي يعبر عنها تيار التنظيم استجابة لما جرى من ترييف ويصب في مصلحة هذا التيار الذي يغلب السمع والطاعة. هذا الترييف له انعكاسات في ثقافة الجماعة، حيث سادت ثقافة ريفية تتوسل قيم الأبوية والإذعان التنظيمي والطاعة المطلقة وانتشار ثقافة الثواب والعقاب والتخويف وأيضاً التماثل والتشابه لدرجة التنميط بين الأفراد المنتمين للجماعة، وارتبط بهذا ظهور شللية أقرب إلى العصبيات التقليدية وتهميش للقواعد واللوائح التي بني عليها التنظيم لصالح مجتمعات النميمة، ولم يعد من المهم أن تجرى الانتخابات عى أسس وقواعد بقدر أن تكون هناك احترام للقيادة ووجوب للثقة فيها، كما أن هذا الترييف قد ارتبط في أحد جوانبه بتغليب المكون السلفي للجماعة، وقد ولى عنها عصر أفندية البنا. الإخوان وصعود السلفية شهدت مرحلة ما قبل الثورة اتجاهاً لدى الإخوان نحو النظر في قضايا فقهية لم تكن مطروحة من قبل ضمن أطروحة الجماعة، ظهرت هذه القضايا في وضع البرنامج الإصلاحي وهي متعلقة بولاية المرأة والذمي والرقابة الشرعية على التشريع، وغيرها، يقول تمام إن مناقشة هذه القضايا لم تكن إلا دلالة على اتجاه لاجماعة نحو التسلف، وهو ما يعبر عن تآكل الأطروحة الأصلية للإخوان التي وضعها البنا. ويوضح أن هذا التسلف بدأ على مراحل، فبعد أن كانت الجماعة سلفية بالمفهوم الذي يعتبر امتداداً للسلفية المستنيرة التي عبر عنها الإمام محمد عبده ورشيد رضا، وقد سيطرت على الجماعة في البداية نزعة صوفية واضحة تناسبت مع أهداف الدعوة والتربية ولمست الحس الديني الشعبي، بدأت أولى مراحل التسلف بتأثير السلفية الوهابية على القيادات التي هاجرت إلى الخليج والعربية السعودية عقب الضربات الناصرية (1954-1965)، ثم تلاقى تسلف قواعد الجماعة مع اختراق الوهابية للتدين المصري، واتجاه المجتمع نحوم مزيد من التسلف مع فتح باب الهجرة إثر سياسات الانفتاح الساداتية ثم عودة العوائل التي هاجرت وتأثرت بالوهابية إلى مصر، وقد التقت السلفية آنذاك مع الفكرة القطبية لتخرج عنها سلفية جهادية استباحت العمل المسلح ضد الدولة، فيما استوعبت الجماعة النزوع السلفي واستجابت له ليسود في الثمانينيات جيل من الإخوان السلفيين، وبقيت هذه السلفية كامنة تخضع لحركة مد وجزر فرضتها طبيعة السياق المصري ثم طبيعة الإخوان الباحثين عن هوية تميزهم عن غيرهم، ومع تزايد تدين المجتمع وزيادة الطلب على الدين تماهت القاعدة الإخوانية مع الأطروحة السلفية وصارت أكثر ميلا للمحافظة، وحرصت الجماعة عى أن تضم بين جنباتها الممتدة أعلام للحركة السلفية، وأضحت السلفية رافدًا أصيلا إن لم يكن مهيمناً على الجماعة، كما أصبحت مصادر الدعوة والتثقيف تأتي من رموز سلفية وإخوانية مزدوجة. وكما انعكس التسلف في تمظهرات ثقافية ودعوية للجماعة، انعكس أيضاً في عملية الفرز والترتيب الداخلي أي تنظيم الجماعة، وقد هيمن تيار التنظيم عليها وهذا التيار تتقاطع معه حالة عالية من التسلف وبقايا الأطروحة القطبية ، ومن هنا جاءت محاصرة الأفكار التي روجت للتيار الإصلاحي الداعي إلى الماركة في العمل العام والالتحام مع بقية القوى السياسية . ويؤكد تمام أن أهم ما تعبر عنه حالة التسلف الإخواني هو أن المنظمومة الإخوانية قد انتقلت عبر نصف قرن من الإطار التوفيقي الجامع إلى الإطار السلفي المهتم بالنقاء العقائدي وما يفرضه من حجاج وصدام، وهو ما يعني أن الإخوان الذين كانوا على تعايش مع الإرث الثقافي والديني للمجتمع أصبحوا على وشك القطيعة مع إرثهم هذا. ومن هنا شهدت الأطروحة الإخوانية عبر ثمانية عقود الانتقال من استعادة الهوية الإسلامية كما عبر عنها البنا، إلى الحديث عن الحاكمية في مواجهة الدولة والمجتمع كما عبرت عنها المرحلة القطبية إلى التركيز على الدفاع عن الأخلاق العامة من داخل مؤسسات النظام حتى انتهت إلى أرثوذكسية سلفية مفارقة للثقافة والمجتمع. وفيما اتجهت قيادة الجماعة منذ إعادة تأسيسها إلى تقوية التنظيم ونشرها داخل طبقات وشرائح اجتماعية مختلفة، أهملت أي تأسيس أيدلوجي، ووجدت في الأطروحات السلفية متكئاً لها يعوضها عن هذا الفقر في الاجتهاد الفكري. الإخوان والجهاد نشأت الحركة وداخلها ميول عسكريتارية جسدتها فرق الجوالة، ثم النظام الخاص الذي رغم مشاركتها في الجهاد في فلسطين عام 1948 تحت أعين الدولة، غير أنه سرعان ما أصبح خطراً عليها أدى إلى حل الجماعة للمرة الأولى ثم اغتيال مرشدها بعد تورطه في أعمال عنف واغتيالات سياسية في الداخل. ولم يكن نظام يوليو يقبل وجود مركز شرعي داخل الدولة يمارس العنف، فكان استئصال الجماعة التي ظلت جينات العنف بداخلها، ولم تكن الأطروحة القطبية إلا تنشيطاً لها وهو ما أدى إلى الحملة الثانية التي قادها نظام يوليو في 1965، ورغم نفي قادة التنظيم للأطروحة القطبية في رسالة "دعاة لا قضاة" غير أنها لم تنجح في القضاء على الجينات العنفية داخل الجماعة التي ظلت كامنة، ومع حماس التغيير المسلح الذي قادته الجماعات الجهادية التي قبلت الأطروحة القطبية كليّاً والذي تجسد في اعتيال السادات 1981، ثم تفجر المواجهة العنفية بين الدولة وهذه الجماعات حتى منتصف التسعينيات، فإن الجماعة قد اختارت أن تحسم رفضها لخيار العنف وأن تشارك في العملية السياسية السلمية وكانت المشاركة في انتخابات 1984 بالتحالف مع الوفد الليبرالي تدشيناً لها، وأطلق قيادي الجماعة صالح أبو دقيق في تلك الآونة تصريحاً شهيراً مفاده أن "الجماعة قد طلقت العنف بالتلاتة"، لتنحصر تأثيرات القطبية والنظام الخاص في هيمنة عقلية "التنظيم" على الجماعة التي طرحت نفسها كبديل إسلامي معتدل ورافض للعنف في مقابل الجهاديين، دون أن يعني هذا الطلاق مراجعة شاملة لموقف الجماعة من العنف وقضية الجهاد. تتقاطع قضية الجهاد مع النزعة الأممية للجماعة، فهي تؤيد جهاد العدو الغازي لأرض الإسلام، دون أن يعني هذا مشاركتها في هذا الجهاد إلا بالدعم الخطابي وربما اللوجيستي الذي لم يكن في تجربة أفغانستان مثلا بعيداً عن أعين الدولة، دون أن تتورط فيه بشكل مباشر على نحو قد يدفعها إلى التورط مع الدولة كما حدث في قضايا "العائدين من أفغانستان" والعائدين من البوسنة. ويبدو اتساع الجماعة للتنوع الأيديولوجي بداخلها قادراً على امتصاص أي نزعة عنفيه، كما أن تمددها داخل المجتمع أفقيّاً ورأسيّاً ووجودها في بعض مؤسسات الدولة، مع قوة التنظيم والتماسك بداخلها، قادر على تحقيق هدفها الأساسي وهو البقاء والاستمرار، ويرتبط الموقف النهائي للجماعة من قضية الجهاد مرتبطاً بتطورات البيئة السياسية المحيطة وما تمنحه من فرص وإكرهات وكذلك بالتركيبة الداخلية التي تنتمي على تنوعها إلى طبقة وسطى تتسم بالحذر. ربما ساهم انفتاح الأفق ما بعد الثوري أمام الإخوان في تكريس حالة السلمية أكثر ونبذ العنف كاستمرار لخيار الجماعة وتماشياً مع طبيعة الثورة السلمية، غير أن تغلغل الإخوان داخل مؤسسات الدولة قد يحدث انتقالا في السؤال المطروح فالدولة الأمنية الممارسة للعنف لازالت قائمة، فهل ستكون أداة الإخوان في ممارستهم للعنف باسم شرعية الدولة؟ قد يبدو هذا التساؤل غريباً ولكنه جائز خاصة أن الثورة لم تفلح في تغيير طبيعة الدولة أو لم تمتد إلى هذه المؤسسات التي كانت ممارستها السبب الرئيس في اشتعال الثورة، وهذه المؤسسات تتسم بالطبيعة الصماء فهي تعمل لصاحب السلطة، وربما إن حدث هذا ستكون مفارقة تاريخية أن تستخدم هذه الأجهزة لصالح من كانت تمارس عليهم قمعيتها. الإخوان والدولة جاءت ولادة الجماعة عقب إلغاء الخلافة باعتبارها الجامعة الأممية الإسلامية، وكثيراً ما بشر البنا بأستاذية العالم، وأخذ ينشئ فروعاً إقليمية للجماعة، ثم إنها كانت جزءاً من الحركة الوطنية المصرية المحلية، وهو ما جعلها تقف على الحافة بين الأممية والوطنية الدولتية. ورغم دخولها في صراع مع الدولة المصرية الملكية، غير أن تحالفها مع الضباط كان بداية المؤشر لدخولها في علاقة مع الدولة المصرية، ثم إن هذا التحالف انتهى إلى صراع كاد أن يستأصلها، نجح فيه نظام يوليو أن يستولى على المشروعية الدينية ويقضى على معارضة الجماعة، وأن يدمج المشروعية الدينة داخل المشروع التحديثي في الوقت الذي اختفى فيه الإخوان من على الساحة. وفي المرحلة القطبية للجماعة، قدم سيد قطب أطروحة أيديولوجية تنزع الشرعية لا المشروعية فقط عن الدولة، وتصمها بالجاهلية، وتضع مشروعاً موازيّاً لمشروع التحديث، يستهدف إقامة المجتمع الإسلامي ودولته الإسلامية، وكونت هذه الأطروحة ركناً راديكالياً داخل الجماعة يظل كامناً. ومع إعادة التنظيم في عهد السادات، عادت الجماعة لتتكامل مع الدولة من باب سد الفراغ الذي أخذت تتركه بانسحابها مع تطبيق الانفتاح والخصخصة، أفاد الإخوان من هذه الأجواء، ودخلت استثماراتهم في المجالات التي نفضت الدولة يدها عنها، بل راحت تدعم النزعة الاستهلاكية التي أحدثها الانفتاح، وعاد من هاجر منهم إلى الخليج ليساهم في بناء الجماعة اقتصادياً، غير أن إصرار الدولة على عدم إعطائها الحق القانوني في الوجودي رغم السماح لها بالتواجد، تركز أكثر على الحفاظ على البقاء، ودفعها الجيل الجديد المتكون من المنتمين إلى جيل السبيعنيات المنفتح على تجربة العمل الطلابي إلى المشاركة السياسية التي وضعتها في مواجهة مع النظام، ورغم هذا الانغماس الوطني ظلت النزعة الأممية كامنة وإن أخذت منحى أيديولوجيا وربما خطابيا، وظهر على السطح التنظيم الدولي للإخوان الذي تم تأسيسه عام 1982، ويجزم تمام أن جزءاً كبيراً من الإخوان لازالوا يفكرون بمنطق الخلافة الإسلامية ويتجاوزون حدود مصر حينما يتعلق الأمر بالقضايا الإسلامية خاصة فلسطين، ويستدعي هنا الإحراج الذي وقعت فيه الجماعة أثناء حرب 2008 على قطاع غزة في قضية حزب الله في مصر التي انحاز فيها الإخوان إلى حماس وحزب الله دون مراعاة لحساسية الأمن القومي المصري، وهو ما جعلها عرضة للتشكيك في وطنيتها. ومع ذلك تبقى الجماعة وريث غير شرعي لتيار الدولتية المصرية الذي تشرب من القومية الناصرية، التي كان لها أبعادها وجذورها الدينية غير الخفية والمتقاطعة مع الجماعة، والمقصود بهذا الإرث هو مركزية الدولة في الفكرة الإخوانية التي يضعها ضمن الأيديولوجيات التحديثية التي تتصور الدولة باعتبارها أداة التحديث الكبرى التي إن تمت السيطرة على مفاصلها والتحكم بها، يمكن السيطرة على المجتمع وتحديثه، وهو ما جعل أولييفيه روا يقول إن الإخوان والإسلام السياسي عموماً قد تخلوا عن مشروع الدولة الإسلامية مقابلة أسلمة الدولة القائمة عبر الاستيلاء عليها. هذه المركزية الدولتية تتضح في الحجم الذي يوليه الإخوان للدولة برنامجهم الإصلاحي (2007) في الوقت الذي يضمر فيه حديث البرنامج نفسه عن حقوق الفرد، بل ويغيب عنه الحديث عن العقد الاجتماعي، وهو ما يعني أن الإخوان قد استبطنوا في تحالفهم وصراعهم مع الدولة ونظمها ميراث الممارسة السياسية القائم على الإقصاء. الإخوان والنموذج هناك مفارقات كبيرة تقف عند استدعاء النموذج التركي كأطروحة فعالة يمكن أن يحتذي بها الإخوان في علاقتهم بالدولة والنظام قبل وبعد الثورة، في الدراسة الأخيرة في الكتاب يرصد تمام هذه المفارقات التي تتسع كثيراً إذا ما قيست بأوجه الشبه بين الحالتين المصرية والتركية والتي لا تعدو الطبيعة السكانية المسلمة السنة الغالبة، والتحالف المؤقت الذي حدث بين الحركة التحررية (الكمالية في تركيا، والناصرية في مصر) وبين القوى الدينية. فبعد كيل النظام الناصري الضربات للإخوان، ثم عودتهم إلى العمل العام في السبعينيات مع الانفتاح والتعددية، بدأ الإخوان في التركيز على بناء التنظيم بعيداً عن الدولة ومن خلال التغلغل في المجتمع وسد الفراغات التي خلفتها الدول، وهو ما جعلهم يكونون شرعية موازية لشرعية وجودها، في الوقت الذي نمت فيه الحركة الإسلامية التركية وتحديداً المللي جورش ثم أحزاب أربكان المتتالية من خلال التعددية السياسية التي أقامها النظام العلماني، وبالتالي كانت شرعية وجود الإسلاميين الأتراك مرتبطة بالدولة التركية التي تبدو أولوية تتجاوز أولوية بقاء الحركة ووجودها أو أولوية الأممية الإسلامية التي لا تزال كامنة عند الإخوان على النحو الذي تم تبيانه في الدراسة السابقة، وفي الوقت الذي أفاد فيه الإسلاميون الأتراك من حرية التواجد في المجال الاقتصادي وقد استطاعوا المساهمة في إخراج تركيا من أزماتها الطاحنة أولا ثم المساهمة في بناء قاعدة اقتصادية قوية لها طبيعة إنتاجية، راح المال الإخواني المستفيد من الانفتاح في تغذية النزعة الاستهلاكية للمجتمع دون مساهمة حقيقة في حل أزماته الاقتصادية. رغم كل هذه المفارقات وغيرها، يبدو الإخوان أقرب إلى نموذج الحركة الإسلامية التي قادها نجم الدين أربكان قبل خروجه من السلطة عقب الانقلاب الهادئ في 1997، ومع ذلك تبقى تجربة العدالة والتنمية هي محور الحديث ومناط الاستلهام في مصر. يؤكد تمام على أن العدالة والتنمية جاء إلى السلطة كتعبير عن توافق مصلحي اجتماعي واقتصادي يتجاوز "إسلامية الحزب" الغائمة، فمصالح رجال الأعمال والنافرين من الكمالية المتطرفة والمتضررين من الأزمة الاقتصادية، وأصحاب التوجه الأوروبي قد تجمعت مصالحهم عند عتبة الحزب. هذا في الوقت الذي نجح الإخوان في الولوج إلى البرلمان 2000، و2005، على خلفية إصابة القوى السياسية بالشلل وهو ما أدى إلى التشكك وهو ما أودى إلى علاقة شك ضمني وفقدانهم لأرصدة اجتماعية وسياسية وحقوقية، وبينما نأى الحزب عن أي مواجهة مع الدولة التركية، ووضع نفسه دون أي شبهة إسلاموية مع الأحزاب المحافظة وسعى للتوافق مع الأساس العلماني للدول ومن ثم فصل تمامًا بين الدعوي والسياسي، لا تبدو الجماعة قادرة على المساهمة في إصلاح النظام السياسي المصري لفشلها في هذا، وقد نقل الحزب معاركه مع الدولة الكمالية إلى الدائرة الحقوقية المتجاوزة للصراع بين النزعتين الإسلامية والعلمانية، في الوقت الذي يستدعي فيه الإخوان هذا الصراع الاستقطابي في كل صدام مع الدول. لا تستخلص هذه الورقة أي نتائج متعلقة بمدى صلاحية نموذج نجاح الحركة الإسلامية في تركيا لواقع الحركة الإسلامية في مصر خاصة الإخوان غير أنها ترصد المفارقات الضخمة بين النموذجين، من ثم تؤكد ضمناً أن النموذج التركي أبعد ما يكون عن إمكانية تنفيذه على يد الجماعة. |
#39
|
||||
|
||||
أزمة اليمين في مصر: من مبارك إلى الإخوان
أزمة اليمين في مصر: من مبارك إلى الإخوان قد يكون من المبكر القطع بتوجه الإخوان الاقتصادي، وموقفهم النهائي من قضايا العدالة الاجتماعية والنمو والتوزيع ودور الدولة في الاقتصاد إذ أن البرلمان الذي حظيت فيه الجماعة بأكثرية نسبية كان قصير العمر كما أن الرئيس المنتخب محمد مرسي لم يقض أكثر من شهر فحسب في المنصب الجديد. بيد أنه بالإمكان الحديث عن الميول العامة والتصورات الحاضرة لدى جماعة الإخوان فيما يتعلق بالسياسات العامة الاقتصادية والاجتماعية من واقع برنامج حزب الحرية والعدالة التابع للجماعة ومشروع النهضة والبرنامج الانتخابي للرئيس مرسي. ولا شك فإن هذه الوثائق مضافاً إليها ما صدر من قرارات وقوانين ومشروعات قوانين عن البرلمان المنحل ومن الرئيس حديث الانتخاب تكشف لنا بشكل مبدئي ومبكر عن طبيعة الانحيازات الاجتماعية والسياسية التي تراهن عليها قيادات الإخوان في الوقت الحالي، كما تكشف عن التصورات الأولى للتحالف الاجتماعي المنتظر إنشاؤه في سنوات حكم الإخوان القادمة. عمرو عادلي واستناداً لما سبق فإن التصورات الإخوانية الاقتصادية والاجتماعية تبدو محافظة بمعنى عدم قيامها على تغييرات جذرية لا في علاقات الملكية (غلبة القطاع الخاص ومد دوره الإنتاجي والتوزيعي) ولا في علاقة الدولة بالسوق ولا كذلك في علاقة مصر بالاقتصاد العالمي ممثلاً في التجارة وانتقالات رؤوس الأموال والالتزام بمشروطية المؤسسات المالية العالمية كالصندوق والبنك الدوليين وهيئة المعونة الأمريكية. وقد عبر خطاب القيادات الإخوانية عن رغبة في استمرار السياسات الاقتصادية على ما كانت عليه قبل الثورة مع التشديد على مكافحة الفساد والمحسوبية، وهو ما يعني استمرار الخط النيوليبرالي العام الذي سلكته الحكومات المصرية المتعاقبة منذ تبني برنامج الإصلاح الهيكلي في مطلع التسعينيات. ويطرح المقال تساؤلاً استشرافياً حول إمكانية إبقاء النخبة الإخوانية الجديدة على نموذج النمو النيوليبرالي ما بعد الثورة. وما هي العوائق التي قد تحول دون هذا الاستمرار مع انفتاح المجال السياسي، وانهيار النظام القمعي، والتمكين الانتخابي لشرائح عريضة من المصريين حديثي التسيس في خضم إلحاح القضايا الاجتماعية والاقتصادية؟ خيار الإخوان: النيوليبرالية كخيار عملي لا أيديولوجي يحلو لبعض المحللين والمتابعين لمواقف الإخوان الاقتصادية القول بأن للجماعة مواقف تميل لليمين الاقتصادي المحافظ بمعنى الانحياز للمستثمرين ورجال الأعمال، وخاصة رأس المال الكبير والأجنبي، ومساواة التنمية الاقتصادية بمعدلات نمو مرتفعة دون النظر بشكل جدي لآليات التوزيع بجانب عدم النظر بعين العطف على مطالب الحريات النقابية وحقوق العمال. وكلها ملامح تشي بأن للإخوان أيديولوجية رأسمالية على غرار الحزب الجمهوري الأمريكي على حد قول زينب أبو المجد. وقد أرجع البعض هذا التوجه لطبيعة الجماعة المحافظة، والتي لا تتبنى تصورا واضحا عن حقوق المهمشين الاقتصادية والاجتماعية بقدر ما تملك برنامجاً هوياتياً يخص علاقة الإسلام بالمجال العام والدولة. وأبرز هؤلاء المحللون دور رجال الأعمال داخل جماعة الإخوان المسلمين، وخصوا بالذكر أناساً كخيرت الشاطر وحسن مالك باعتبارهما من رجال رأس المال الكبار الذين كونوا ثروات طائلة من خلال الانخراط في أنشطة التجارة والاستيراد من ناحية، والدخول في شراكة مع رؤوس الأموال الأجنبية وخاصة الخليجية من ناحية أخرى مما يخلق لهم مصالح خاصة لاستمرار ذات التحولات النيوليبرالية بل وزيادة اندماج الاقتصاد المصري في تقسيم العمل الدولي. وإذا مدت هذه التحليلات على استقامتها يصبح الإخوان في واقع الحال ورثة مشروع جمال مبارك مع كونهم أكثر قدرة منه على إنجاز المشروع بحكم تمتعهم بتنظيم حزبي قوي يضمن لهم الأغلبية الشرعية عبر الانتخاب واستنادهم للشرعية السياسية/الدينية. فهل الإخوان تنظيم يميني محافظ بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي؟ هل هم النسخة المصرية من حزب المحافظين البريطاني أو الحزب الجمهوري الأمريكي؟ في تصوري أن الإجابة هي بالنفي. فمحافظة الإخوان المسلمين ليست أيديولوجية بقدر ما هي نابعة من حسابات عملية تتعلق بالأساس بمصالح الجماعة وبطبيعة المرحلة من حيث انتقال السلطة والصراعات المرتبطة بها منذ سقوط مبارك. أولها تتعلق بوضع مصر كدولة ذات غالبية فقيرة في العالم النامي. فما من إمكانية لظهور حزب لرجال الأعمال يتبنى الأيديولوجية النيوليبرالية صراحة قولاً وعملاً ويحظى بأغلبية شعبية. فالأحزاب المحافظة بالمعنى الاقتصادي تقوم على تفكيك مؤسسات دولة الرفاه – وهو ما يغيب أصلاً عن الحالة المصرية وعن أغلب الدول النامية-. وتعتمد في هذا على تأييد واسع من الطبقات الوسطى –والتي لا تشكل الأغلبية إلا في بلدان الشمال الرأسمالية- في مقابل الطبقات العاملة. وفي هذه المجتمعات تحظى أيديولوجية السوق الحر بكثير من المصداقية باعتبارها أفضل سبل تخصيص الموارد الاقتصادية بكفاءة، وباعتبار أن الحرية الاقتصادية شرط أساسي للحرية السياسية. ومثل هذه التصورات لا سبيل لقبولها شعبياً في بلد غالبية سكانه من الفقراء في الريف والمدن من ناحية، ويرتبط تقليدياً برباط أبوي مع حكامه من ناحية أخرى قوامه اضطلاع الدولة بتوفير سلع وخدمات أساسية تفي بالإعاشة (من عينة الخبز والزيت والكيروسين والسولار) من ناحية أخرى. ويضاف إلى هذا أن حزب الإخوان المسلمين قد وصل للسلطة في أعقاب انهيار نظام مستبد طبق سياسات نيوليبرالية على استحياء لعدة سنوات (2004-2008)، ومع محدودية الإصلاحات هذه فقد أدت إلى تفجير موجة عاتية من الاحتجاجات الجماهيرية التي انتهت بالإطاحة به، ولا تزال الاضرابات والاعتصامات والتظاهرات العمالية مشتعلة في ظل انهيار الدولة الأمنية على نحو يضع قيودا سياسية جمة على تصور نيوليبرالي واسع، وإلا عد من باب الانتحار السياسي لتنظيم يعتمد على نتائج الانتخابات في المقام الأول لتأمين موقعه في السلطة. مأزق التبرير السياسي للنيوليبرالية ليس بوسع حزب يسعى للهيمنة على المجال السياسي الجديد في مصر أن يعلن صراحة عن اتباعه أيديولوجية اقتصادية محافظة أو نيوليبرالية. وإنما سيتم دوما تبرير استمرار الإجراءات والسياسات النيوليبرالية ليس بذاتها وإنما بأثرها على الخير العام أي الحديث عن ضرورة استمرار عمل القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية بما يحقق معدلات للنمو وخلق فرص عمل ومن ثم تحسين مستويات المعيشة ورفع الدخول للغالبية من المصريين خاصة الطبقات الوسطى التقليدية في الريف والمدن، والتي لا تزال تملك خيالاً ناصرياً للغاية للعدالة الاجتماعية من حيث ملكية الدولة لوسائل الإنتاج (القطاع العام)، والتزام الدولة بتقديم خدمات عامة مجانية من قبيل العلاج والتعليم مع وضع حد أقصى وأدنى للأجور وهلم جرا. ومن هنا فإن حزب الأغلبية الإخواني ببرلمانه المنحل ورئيسه المنتخب قد ورث في حقيقة الحال الحزب الوطني لا بشبكاته وفساده ومحاسيبه، ولا بتفككه وترهله واعتماده الكلي على الأجهزة الأمنية، وإنما بأزمته في إنتاج خطاب يبرر التحول الرأسمالي، وبالتالي تفكيك مكتسبات الطبقات الوسطى والعمالية من العهد الناصري، دون أن يفقده هيمنته السياسية. وهذه المفارقة الرئيسية هي التي قد تفسر كم التناقضات التي يحويها الموقف الإخواني المبدئي من مسائل الاقتصاد والعدالة الاجتماعية. والتي تتجلى في برنامجه الحزبي وفي مشروع النهضة وفي العمل البرلماني الإخواني. وهي تناقضات لا تشبه سوى مواقف الحزب الوطني في جمعها لمكونات متضاربة للسياسات والقرارات تتأرجح من الالتزام بالتحرير الاقتصادي والخصخصة وحفز دور القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية وغيرها من ملامح الأحزاب اليمينية إلى بذل الوعود ووضع البرامج وتخصيص الموارد فعلياً لبرامج وسياسات توزيعية تقترب كثيرا من تصورات دولة الرفاه الخاصة بيسار الوسط مما يزيد من نطاق التناقضات الحاكمة للسياسات العامة. 2.1-الوعود التوزيعية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية بجانب تأكيد البرامج الإخوانية المختلفة على اقتصاد السوق الحر، وعلى استمرار العمل في إطار القطاع الخاص، وتبني نموذج تنموي يعلي من قيم النمو من خلال التصدير وجذب استثمارات أجنبية فإن ثمة ملامح توزيعية واضحة في البرامج نفسها تتمثل في التزامات على الدولة في مواجهة شرائح اجتماعية متعددة. فعلى سبيل المثال نجد في برنامج حزب الإخوان حديثاً عن إنشاء صندوق قومي لمنح إعانة بطالة للمتعطلين وتيسير إجراءات الحصول عليها، وذلك عن طريق تشريع قانون. وهو ملمح يدل وضعه في برنامج الحزب عن وعود توزيعية لفئة عريضة من الشباب العاطل الذي تصل نسبته لقوة العمل إلى ما بين 10 و20%. وبغض النظر عن جدية الطرح من عدمه –خاصة وأنه لم تتم مناقشة أي قانون بهذا الخصوص بعد- فإن ذكر الحزب لهذا الأمر في برنامجه يعني استهدافه لشرائح من الطبقات الوسطى والوسطى الدنيا خاصة في المدن بترتيبات تقترب به كثيراً من أطروحات أحزاب اليسار ويسار الوسط، وهو ما يعني أن قيادات الإخوان المسلمين لا تتبنى تصوراً نيوليبرالياً أو يمينياً محافظاً متسقاً من الاقتصاد ودور الدولة فيه ولا فيه قصر المواطنة على الحقوق السياسية دون الاقتصادية والاجتماعية. وينطبق الأمر ذاته على بند "تحسين أوضاع العمال والفلاحين" من حيث التعهد بوضع حد أدنى للأجر يضمن حياة كريمة للأسرة المصرية مع "إقرار زيادة سنوية تكفي لمواجهة التضخم". وهو إجراء تماماً كإعانة البطالة لم تقره أي حكومة يوماً في تاريخ البلاد الحديث –بما في ذلك في العصر الناصري-. وهو إجراء يدفع بالحزب، على مستوى البرنامج على الأقل، إلى حكومة أحزاب يسار الوسط التي تراهن على الطبقة الوسطى من العاملين بأجر في القطاع الرسمي، والذين من المنتظر أن يستفيدوا من وضع حد أدنى للأجور علاوة على موظفي الحكومة. وينسحب الأمر نفسه على رفع الحد الأدنى للمعاشات وإقرار زيادات سنوية تكفي لمواجهة ارتفاع الأسعار. ويذهب البرنامج إلى الحديث عن توسيع مظلة التأمينات لتشمل كل المصريين، وهو اتجاه يتمشى مع وضع حد أدنى للأجور وربطه بالتضخم. وكلها ملامح لحزب عمالي وليست لحزب لرجال الأعمال. وهو ما صدر به قرار جمهوري بالفعل رفع المعاشات لكل من العاملين المدنيين والعسكريين بالدولة. وتتكامل تصورات الرفاه هذه في جانب من برنامج حزب الحرية والعدالة بالتأكيد على "كفالة الدولة للتأمين الصحي كاملاً ودون أدنى أعباء" و"مد مظلة التأمين الطبي لتغطي كافة طبقات الشعب وفيها يدفع الفرد مايستطيع ويحصل على مايحتاج" .وهو بالطبع طرح طموح للغاية، وإن كان ينقصه جدول زمني وبرنامج وخطة يقتضي تطبيقها سنوات طويلة. ويقر البرنامج تصوراً للرعاية الصحية يقوم على زيادة المخصصات المالية للصحة بشكل تدريجي حتى تصل للمعدلات العالمية، وزيادة دخول الفرق الطبية.والمثير للانتباه أن التزام حزب الجماعة بالتأمين الصحي الشامل لم يقف عند ذكره في البرنامج فحسب بل امتد إلى أعمال مجلسي الشعب والشورى كذلك. فنجد أن رئيس لجنة الصحة بمجلس الشورى د. عبد الغفار صالحين النائب السابق عن حزب الحرية والعدالة يصرح بأن "جميع المصريين تحت مظلة التأمين الصحي خلال خمس سنوات فقط". ونجده وقد أفاض بالقول أن الحزب يسعى لوضع "نظام متكامل ما بين 4 إلى 8 سنوات"، وأنه يسعى لتوسيع العلاج على نفقة الدولة ليشتمل على أمراض أخرى بعد قصره على أربعة أمراض فقط. . .ويتعهد كذلك بحل "أزمة الريف الصحية" من خلال إعادة توزيع الموارد المادية والبشرية. ويخلص د.عبد الغفار إلى القول بـ""طبعا تحتاج {الخطة} إلى ميزانية كبيرة، ولكننا لسنا أقل من الدول الإفريقية الأضعف منا اقتصادياً ومواردها أقل...فسنعمل على إعادة توزيع ميزانية الصحة والتعليم، التي هي عصب نهضة الأمم ولا يمكن أن يستمر نفس التوزيع الذي يعظم من ميزانية الأمن على حساب الصحة والتعليم". ونلمس الاضطراب ذاته في تصورات العلاقة الرابطة بين الدولة ودورها التدخلي في الاقتصاد ونظام السوق الحر فثمة ذكر واضح لدور الدولة في مواجهة الغلاء والقضاء على الفقر والبطالة وتقديم الخدمات العامة الأساسية من مرافق وتعليم ورعاية صحية ونقل ومواصلات. ويتناول البرنامج كذلك بالحديث مطولاً عن دور الدولة التنظيمي في ضبط علاقات السوق من خلال تفعيل قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار. وهو ما تمت مناقشته بالفعل في البرلمان والدفع باتجاهه بتخفيض الغرامات المفروضة على المبلغ عن الممارسة الاحتكارية، بل ويذهب البرنامج إلى الحديث عن "المراقبة الصارمة للأسواق لتحديد مدى الالتزام بالحدود المتفق عليها للسعر" وهو ما يوحي بفرض الدولة لنوع ما من التسعير الجبري، ربما للسلع والخدمات الأساسية. 2.2-الاقتصاد القومي في مواجهة الاقتصاد الرأسمالي وأما الملمح الثاني للتناقض فيتمثل في تقديم تبريرات قومية لعمل الاقتصاد الرأسمالي. فالقطاع الخاص سواء أكان وطنياً أو أجنبياً لا يبرر على أرضية كفاءة استخدام الموارد أو تفوق نموذج السوق على ما عداه ولا يبرر بالطبع من زاوية حقوق الملكية الراسخة –لغياب مثل هذا التقليد في البلدان غير الرأسمالية بما فيها مصر-، وإنما يبرره العائد الذي يمكن أن يحققه من خلال رفع الدخول وتوليد فرص العمل وتحسين القدرة على الاستهلاك للغالبية من السكان، وخاصة الطبقات المتوسطة في المدن. وعمل الاقتصاد الخاص في إطار أهداف عامة يحمل منطقين متضاربين تمام التضارب بين إطلاق آليات السوق بمقتضى العولمة المتجاوزة للدولة القومية، وبين منطق إخضاع الاقتصاد للأهداف القومية التي تضعها الدولة. ومن هنا تبرز المشكلات فيما يتعلق بالمسلمات الخاصة باستمرار العلاقة بين مصر والعالم وباستمرار الإطار الرأسمالي ودور الدولة كما هو. وللقارئ المدقق فإن برنامج الحزب ومشروع النهضة يتأرجحان بين مدخلين متضاربين لإدارة الاقتصاد الأول منهما قومي تدخلي "ناصري الهوى" يرى أن وحدة التفاعل الاقتصادي هو "الدولة". ويرى أن تخصيص الموارد يجب أن يخضع لأهداف تضعها الدولة سواء أكانت قومية "كالاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية كالقمح والسكر والزيت واللحوم والقطن" كما يرد في برنامج الحزب، والذي يذهب إلى "ترشيد سياسة الخصخصة وضبطها وفق سياسة واضحة، وخصوصاً بالنسبة للصناعات الإستراتيجية" في تجل واضح للإعلاء من منطق الاقتصاد القومي على اقتصاد السوق. ويتجلى ملمح ناصري آخر بالحديث عن "تشجيع الإنتاج المحلي وترشيد عمليات الاستيراد". وهو تصور يقترب من البرامج السابقة على الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات، والتي كانت تعلي من شأن التنمية في مصر بالاعتماد على السوق المحلية ومن خلال التصنيع الذي يحل محل الواردات بديلا عن الاندماج في الاقتصاد العالمي. وحتى لو لم تترجم هذه الأهداف إلى برامج أو سياسات على أرض الواقع بحكم الالتزام الفعلي بآليات السوق وانفتاح الاقتصاد المصري على العالم إلا أن حضورها على مستوى الخطاب دليل وحده على قدر من الازدواجية من حيث الحاجة لسوق تبريرات تتناسب وتصورات قواعدهم المستهدفة. ويحضرنا هنا بالطبع القول بأن ترتيبات الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية والحدود الدنيا والقصوى للدخل هي أقرب لترتيبات الدولة الأبوية منها إلى دولة الرفاه، حيث إن التصور الأساسي هو قيام الدولة بتوفير هذه الخدمات دون الحاجة لإطلاق حرية تمثيل المصالح الاجتماعية المختلفة في صورة نقابات واتحادات وجمعيات كما هو الحال في دولة الرفاه، والتي تتداخل فيها الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية جميعا باعتبارها مؤسسة للمواطنة. بيد أن حضور مثل هذه التعهدات في البرنامج وفي الخطاب وفي العمل البرلماني الإخواني دليل كاف كذلك على طبيعة ما يتوقعه جزء من القواعد التي صوتت للحرية والعدالة. وهو كما سبق الذكر مخيال ناصري عن العدالة الاجتماعية لم يتغير كثيرا رغم الاضمحلال الشديد الذي أصاب ترتيبات الناصرية منذ هزيمة 1967، وما تلاها من تغيرات كبيرة في السياسات العامة الداخلية وكذا الخارجية. وبما إن الجزء الأكبر من الطبقات الوسطى ذات الحظ من التعليم والتأهيل لم تكسب كثيرا من اندماج مصر في الاقتصاد العالمي منذ الانفتاح في السبعينيات ومروراً بتبني التحول الهيكلي في مطلع التسعينيات ثم إصلاحات نظيف النيوليبرالية منذ 2004. ومع تدهور نصيب هذه الطبقات من الدخل القومي، وتراجع مع تحصل عليه فعلياً من خدمات الدولة العامة من صحة وتعليم ومواصلات أخذت قواعد النظام المستبد للسادات ثم لمبارك في التآكل رويداً رويداً حتى أفضت لمشاهد انتخابية بالغة الدلالة على عزلة النظام المتصاعدة منذ 2000 ومرورا بـ2005 وختاما بـ2010 التي أفضت لانتفاضة يناير 2011. 3-أين تكمن جذور الإشكال؟ الأبوية في مواجهة النيوليبرالية كانت رؤية السادات ومن بعده مبارك من وراء التحرير الاقتصادي والخصخصة والسماح بحرية حركة رأس المال هو زيادة الموارد المتاحة للنظام نتاجاً لأزمته المالية المستحكمة منذ منتصف السبعينيات. فإذا نظرنا لعهد مبارك (1981-2011) وجدنا أن التصور الغالب على النظام الحاكم كان إتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشاء اقتصاد سوق تنافسي قادر على توليد نمو اقتصادي مرتفع وخلق فرص عمل بما يعود على قواعد اجتماعية بالنفع تعوض النظام ما خسره من شرعية مع تردي القواعد الموروثة من العهد الناصري. بيد أن نظام مبارك وبعد عقدين من التحول الاقتصادي عجز عن التسويق لشرعيته على أسس غير ناصرية إذ ظل الأصل هو الحفاظ على ما تبقى من الدولة الأبوية ولو كان اسمياً بتعليم ورعاية صحية ومواصلات مجانية وفاتورة دعم للسلع الأساسية تنوء بها خزانة الدولة. وبرز هذا التناقض الشديد في سياسات حكومة نظيف نفسها (2004-2011)، والتي تعد ضمن الأكثر نيوليبرالية في مجالات كالخصخصة وتحرير التجارة واجتذاب رؤوس الأموال، ومع ذلك فإنها سجلت معدلات مرتفعة للعجز في الموازنة وفي نسبة الدين العام للناتج المحلي. وهي مؤشرات تدل على تضخم فاتورة الإنفاق العام باستمرار نتيجة لزيادة الدعم والأجور في محاولة لاحتواء الاحتجاج الاجتماعي الذي انتشر منذ 2005. فلم فشل مبارك ومن قبله السادات في استخدام اقتصاد حر لدعم الشرعية الأبوية للدولة؟ تكمن الإجابة باختصار في عجز النظام عن إنشاء مؤسسات قادرة على إقامة نظام اقتصاد سوق حر تنافسي. وذلك لأن إنشاء مثل هذه المؤسسات كان يصطدم في مجمله وفي كثير من جوانبه مع ديناميات عمل النظام السياسي وشبكاته القائمة على المحسوبية والنفوذ والعلاقات غير الرسمية والباب الخلفي المفتوح بين السلطة والثروة. فانتهى التحول الاقتصادي في مصر إلى إنتاج نمط من رأسمالية المحاسيب المشوبة بالفساد وعدم المنافسة، والتي عجزت عن خرق ذات النمط السائد من الاعتماد على بيع المواد الخام وتقاسم الريع على أساس الولاءات السياسية. ولم تسهم هذه الصيغة في توليد معدلات نمو حقيقية تشترك فيها قواعد واسعة من السكان. ومن ناحية أخرى فشل النظام السابق في تطوير قواعده الضريبية بحيث ترتبط موارد الدولة بالاقتصاد النامي. ويرجع الفشل الضريبي هذا لظروف سياسية قبل أن تكون إدارية أو فنية مفادها عجز النظام -في ظل غياب أي ظهير شعبي حقيقي له- عن تحصيل الضرائب من الشرائح ذات الثراء النسبي، والتي كانت لتواجه هذه المحاولات بمقاومة ناجعة كونها الفئات الأكثر تعليما وقدرة على التنظيم في مواجهة الدولة. والضرائب كما يعرف الكثيرون تعتمد على تحالف اجتماعي لفئات مستفيدة من عائدها وفي الوقت نفسه قادرة على تأييد سياسات الدولة في تحصيل الضرائب من الأغنياء. وهو بالطبع ما كان غائبا في ظل انسداد شرايين الحياة السياسية وعجز الحزب الوطني عن أداء وظائف كونه حزبا سياسيا تعبويا كما كان مخططا لأسلافه في العهد الناصري. وكانت الخلاصة هي العجز عن صيانة أصول الدولة الأبوية، ومن ثم انحلال عرى التحالف الاجتماعي الذي نشأ في نهاية الخمسينيات كأساس للدولة الحديثة في مصر. ومن ثم يمكن القول إن التحدي الذي فشل فيه نظام مبارك كان كيفية إطلاق آليات السوق الحر من ناحية، واستخدام عوائدها من أجل صيانة شرعية سياسية ذات طابع توزيعي أبوي من ناحية أخرى. ولا أرى أن هذا التناقض كان منحصرا في نظام مبارك بحكم كونه نظاماً مستبداً بقدر ما إنه تناقض يطال اليمين ويمين الوسط في البلدان النامية ذات الميراث الأبوي مثل مصر. ولا أعتقد أن إطلاق الحريات السياسية سيخفف من هذه التناقضات بل سيذكيها ويزيدها حدة لأن الضغوط التي ستضعها المنافسة السياسية عبر الانتخابات على صانعي القرار ستكون شديدة الوطأة، وإذا أضفنا إليها إطلاق الحريات الاحتجاجية في الإضراب والاعتصام والتظاهر وغيرها فإن وضع متقلدي السلطة يكون أشد سوءاً من عهد مبارك. ولنا في الحالة التركية أسوة. فبعد الإصلاحات النيوليبرالية التي اتخذها النظام العسكري المستبد في مطلع الثمانينيات (1980-1983) مع تعليق الآليات الديمقراطية، وفي ظل تصاعد للقمع السياسي، أعيدت الانتخابات الحرة في 1983 بصورة جزئية وفي 1987 بصورة كاملة. ومع عودة الانتخابات بدأت حكومة تورجوت أوزال المنتخبة في الحياد عن خط السياسات النيوليبرالية في شقها المالي فاتسع العجز في الموازنة وزاد الإنفاق الحكومي وارتفاع الدين العام. وكان ذلك كله لحاجة أوزال لإرضاء الجمهور الواسع خاصة في المدن من الشرائح الوسطى من خلال برامج دعم للإسكان وزيادات في الأجور والمعاشات للعاملين في الدولة. وكانت إستراتيجية أوزال بسيطة وهي الإقبال على مزيد من التحرير الاقتصادي لزيادة الصادرات وجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتوليد نمو مرتفع يولد موارد كفيلة لصيانة شبكات التوزيع لأن مصدر الشرعية لدى الغالبية من الأتراك ظل أبوياً استناداً للميراث الكمالي منذ الثلاثينيات. وحالة الهند في التسعينيات لا تختلف كثيراً كذلك في ظل حكم حزب المؤتمر. وفي ظل غياب أي بديل قمعي واقعي في المدى المتوسط بمصر فإن النخبة الإخوانية الجديدة ستجد نفسها مضطرة للجمع بين نقيضي السياسات الشعبوية الاقتصادية القائمة على التوزيع لصالح الفئات المتضررة من التحرير الاقتصادي من ناحية، مع الإبقاء على الأطر لاقتصاد سوق حر من ناحية أخرى أي وضعية شبيهة بتركيا في الثمانينيات والتسعينيات. ولكن قدرة الإخوان على إدارة هذا التناقض دون خسائر سياسية واقتصادية باهظة، خاصة في ظل تفجر الوضع الاجتماعي في السنوات القليلة الماضية سترتهن بإيجاد علاج ما لأزمة مالية الدولة بحيث تستطيع دولة الإخوان الجديدة من الوفاء بتعهدات صيانة أبوية الدولة دون مزيد من الانهيارات الاجتماعية في صورة إضرابات واعتصامات وتظاهرات كما كان الحال في السنوات الخمس الأخيرة. خاصة وأن ثمة مؤشرات تفيد بأن وتيرة الإضرابات والاعتصامات العمالية قد تضاعفت بعد الثورة في ظل غياب القمع الأمني. وعلى الرغم من أن الأنشطة الاحتجاجية العمالية تفتقر لأي تنظيم نقابي مستقل وكبير قادر على تطوير سياسات عامة أو الضغط على صانع القرار لتبني اتجاه ما فإن استمرارها على هذا النحو المتسارع يعيق مجهودات التعافي الاقتصادي واجتذاب الاستثمارات المحلية والأجنبية كما تمثل ضغطاً شديداً على الخزانة العامة، وهو ما ظهر بالفعل في القرارات الجمهورية الأخيرة التي اتخذها الدكتور مرسي بزيادة المعاشات ورفع البدلات والحوافز علاوة على الاستجابة لغالب مطالب العمال المعتصمين بما يعنيه هذا من زيادة الأعباء على مالية الدولة. ولكن علاج أزمة ماليات الدولة مسألة ثورية في حد ذاتها من حيث أبعادها الاجتماعية، وتنطوي على إتخاذ تحيزات اجتماعية واضحة لفئات اجتماعية في مواجهة فئات أخرى. وهو ما يبدو أن الإخوان يتجنبونه في التوقيت الحالي حتى لا يوسعوا من نطاق صراعاتهم السياسية من ناحية، ولغياب أية رؤية واضحة عن الإخوان كحزب أغلبية وليس كجماعة فحسب من ناحية أخرى. فما يبدو واضحاً من تحركات القيادات الإخوانية أن الأولوية معطاة للتوصل لاتفاق ما مع العسكر والمصالح القديمة المرتبطة بهم يصوغ الملامح الرئيسية لنظام ما بعد مبارك فيما تغيب رؤية متكاملة عن إدارة الأزمة الاجتماعية في مصر، والتي كانت هي المصدر الرئيسي للحركة الاحتجاجية العارمة التي قضت على نظام مبارك الأمني، وفتحت المجال السياسي في المقام الأول. ولعل في استمرار الحراك الاحتجاجي ما يتناقض بالكامل مع الخيارات القليلة المتاحة للقيادات الإخوانية لإحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية في ضوء التزامهم باتفاقات وتعهدات مع العسكر والمصالح القديمة للأجهزة الأمنية والأوليجاركية الاقتصادية، وهو ما ظهر في تسريبات الدستور وفي تشكيل الحكومة الجديدة وتوزيع الحقائب الوزارية بها. والغالب أن النظام السياسي الجديد الجاري تخليقه ستسند إليه مهمة التوفيق بين المصالح القديمة والجديدة، وسيكون غير قادر على الاستجابة للضغوط الاجتماعية التي لا تزال تتعاظم عليه وإن ظلت غير منظمة، وغير مسيسة بعد، وخاضعة للمنطق الأبوي حتى الآن. بيد أنه ما من ضامن أن المجال السياسي الذي انفتح، ولن يكون بمقدور أحد غلقه بسهولة أو مصادرته لصالح القمع الأمني مرة أخرى إلا بتكلفة باخظة- ما من ضامن أن هذا المجال لن يشهد طرحاً للقضايا الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل. وقد يكون هذا الطرح شعبوياً على اليمين أو على اليسار، وهو ما تجلى بالفعل في صعود حازم صلاح أبو إسماعيل قبيل استبعاده من الانتخابات الرئاسية، ثم النتائج المبهرة التي حققها حمدين صباحي في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية. والأول ممثل للشعبوية اليمينية فيما الآخر لتلك اليسارية. وبالتالي فإن صياغة نظام سياسي معزول عن إدارة المطالب الاقتصادية والاجتماعية هو بناء قلاع من رمال في متناول موج البحر. |
#40
|
||||
|
||||
لا لقرض الصندوق... لا للاستدانة باسم الشعب
لا لقرض الصندوق... لا للاستدانة باسم الشعب فتح عينك ...الدين من جيبكتزور بعثة صندوق النقد الدولي حالياً مصر لإعادة التفاوض حول قرض جديد تنوي الحكومة الجديدة الحصول عليه. كانت حكومة الجنزوري قد شرعت في التفاوض على قرض قيمته 3،2 مليار دولار. وقد شاركت الحملة المصرية البرلمان وعدد من الحركات السياسية في المطالبة بوقف التفاوض مع الحكومة غير المنتخبة. اما اليوم فقد جاءت البعثة لتعيد فتح التفاوض ولكن على قرض اكبر تبلغ قيمته 4،8 مليار دولار. ورغم أن الحكومة جاءت بعد تولي البلاد رئيس منتخب الا أن الحملة تجدد رفضها الاقتراض من صندوق النقد الدولي للأسباب التالية: 1- لا توجد أي معلومات عن مدى احتياج الاقتصاد المصري لهذا الحجم الهائل من الدولارات. ولم تناقش أي البدائل أفضل للحصول عليها. خاصة وأن الحكومة حصلت في العام الماضي على قروض خارجية تبلغ حوالي 6 مليار دولار، وذلك دون المرور بالقنوات الديمقراطية من مناقشته والتصديق على شروطه من خلال برلمان منتخب. ( كما اقترضت الحكومات المعينة من قبل العسكر من البنوك المصرية ايضا ارقاما قياسية لم يعرف فيم انفقت). وفي هذا الاطار تحذر الحملة الشعبية لاسقاط ديون مصر أن تلك الديون الخارجية ينطبق عليها وصف “ديون الاستبداد” وتقع من ثم في دائرة الديون الكريهة التي ينبغي على مصر وقف سدادها. 2- أعلن أعضاء من حزب الحرية والعدالة أن برنامج الاجراءات الاقتصادية التي ستلتزم الحكومة باتخاذها أمام الصندوق سيكون مختلفاً عن البرنامج الذي قدمه اخر رئيس حكومة عينها المجلس العسكري. وتتحفظ الحملة على مايلي: اولاً: يتناقض هذا مع تصريحات موازية لوزير المالية المعين من قبل الرئيس محمد مرسي والتي قال فيها إن الاتفاق مع الصندوق سيكون على مبادئ الجنزوري. ثانياً: لم يوضح أي من مسؤولي الحزب أو الرئاسة طبيعة هذه الاجراءات ولا مدى اختلافها عن سياسات الافقار التي اتبعها مبارك باسم محدودي الدخل على مدى 30 عاماً. وهنا تطالب الحملة الشعبية بالشفافية في كل ما يتعلق بالمفاوضات. كما تؤكد على أنه لا اقتراض بدون وجود برلمان منتخب لمناقشة البرنامج الاقتصادي الذي تقدمه الحكومة حيث أن ممثلي الشعب لابد أن يتأكدوا من أن تلك الإجراءات المقترحة لن تتسبب في المزيد من الإفقار ووقف الحال. 3- حتى الآن تم التشديد على أن الهدف الاساسي من القرض هو سد تقليص عجز الموازنة وليس العدالة الاجتماعية والتشغيل. ويعد هذا الهدف استمراراً لنفس منهج حكومات مبارك التي أدت إلى إفقار المصريين، بل والمزيد من عجز الموازنة. إذ كيف تستهدف الحكومة تقليص العجز وهي ترفع معدلات الاقتراض مما يرتب حملاً إضافياً لسداد الديون، ومن ثم ضغطاً على الموازنة؟ 4- البرنامج ينص على تعديل الضرائب على الدخل بدون أي تفاصيل. عدم الشفافية هنا مثير للقلق، إذ أن اختيار من يدفع الضرائب هو في حد ذاته سياسة اجتماعية إما ضد الفقراء أو ضد الأغنياء. وهذه نبذة عن التحيز ضد محدودي الدخل كما وضح في بعض ما اقترحه وزير المالية الحالي (وهو نفسه وزير مالية الجنزوري) في شهر فبراير الماضي: اولاً : اللجوء إلى ضرائب المبيعات هو عين الظلم الضريبي. حيث ضريبة المبيعات يدفعها كل من يشتري أي سلعة وهي تساوي بين قدرة الغني والفقير على الدفع. وجدير بالذكر أن معدل الضريبة في مصر أعلى منه في الولايات المتحدة الأمريكية. كما جاء في البرنامج تعديل قانون ضريبة الدخل لتوسيع القاعدة الضريبية. وتعني هذه العبارة عادة المزيد من الاعفاءات الضريبية للمستثمرين والأغنياء بدعوى تشجيعهم على عدم التهرب وهي نفس منهج يوسف بطرس غالي بدلاً من فرض ضرائب تصاعدية الأكثر تحقيقاً للعدالة. ثانياً : رفع ايجار الأراضي الزراعية: هي خطوة أدت إلى تركز الفقر في الريف (40 %) والقضاء على صغار المستأجرين، عندما طبقت لأول مرة في عهد يوسف والي عام 1996. أضف إلى ذلك ضعف الدعم الموجه إلى المزارعين (250 مليون جنيه) هو نفس المبلغ منذ أكثر من أربعة أعوام (مقابل 4 مليارات للمصدرين). ثالثاً : رفع الدعم عن الطاقة جاء مبهما في الخطة المقدمة من الحكومة إلى الصندوق: حيث لم تتطرق إلى دعم بنزين 92، 95 كما لم تتطرق إلى بقية أنواع الدعم، ما عدا تحسين توزيع البوتاجاز. كما لم تتعهد الحكومة برفع الدعم عن المصانع كثيفة الاستخدام، حيث 40 مصنعاً فقط، كالاسمنت والحديد يحصلون على نفس المبلغ الموجه لأنابيب البوتاجاز التي تخدم الملايين. ومرفق بهذا البيان المذكرة الي تقدمت بها الحملة لمجلس الشعب في مارس الماضي، والتي تشمل عدة بدائل لتمويل عجز الموازنة بطريقة تؤدي إلى تحسين توزيع الدخول. وعليه، تناشد حملة اسقاط ديون مصر الرئيس المنتخب وحزب الحرية والعدالة وبقية الأحزاب المصرية والحركات السياسية رفض هذا القرض، حيث لم يثبت على مدار التاريخ أن أدى الاعتماد على الصندوق وشقيقه البنك الدوليان إلى نهضة أمة او تقدمها. |
#41
|
|||
|
|||
كنت أحلم كما يحلم الكثيرون مثلى بمشروع نهضةإقتصادى إسلامى ، تقوم خطوطه العريضة على إصلاح النظام المصرفى لكى يقوم على المضاربة الإسلامية ، أى وجود عائد حقيقى و ليس أرقام فى الهواء سواءا فى البورصة أو المصارف ، و هذا كان سبب الأزمة المالية العالمية و التى لم تتعرض لها البنوك الإسلامية .
و كنت أتمنى أن يتم إصلاح الأجور بتفعيل الحد الأقصى للأجور دون تمييز ، و وضع حد أدنى يتماشى مع مستويات الأسعار ، و عند ذلك يتم إلغاء الدعم على كل السلع ، لأن أغلب الدعم يضيع إما فى التهريب أو الذهاب إلى غير مستحقيه ، و هذا يؤدى إلى إهدار الموارد المحدودة للدولة . و كنت أتمنى أن تكون النهضة بإمكاناتنا ، و ليست بالقروض التى تتحملها الأجيال القادمة ، و نحن نستطيع أن نجعل مليارات الدولارات تتدفق إلى الخزانة العامة للدولة بفرض الزكاة ، و فتح ملفات المستشارين الوهميين و الأراضى المنهوبة فى العشرة سنوات الماضية ، و عرض أراضى الدولة للتملك للمصريين بالخارج و للأجانب مع حصولهم على ال***ية المصرية ، و فرض ضريبة تصاعدية على بعض الأنشطة التى تتحمل ذلك . أما طريق صندوق النقد لكى ندفع أجور أو نشترى سلع فهو طريق محفوف بالمخاطر ، فهو يشبه من أراد أن يعيش مترفا ولكن بالدين ، و الأولى به أن ينفق حسب إستطاعته ، و نحن مع تحقيق العدالة فى توزيع الأجور على كل العاملين فى الدولة نقبل خفض الأجور بشرط أن يكون للجميع ، على يرافقه إصلاح شامل للإقتصاد لا تكرار سياسات إقتصادية فاشلة .
__________________
آخر تعديل بواسطة أبو إسراء A ، 30-08-2012 الساعة 03:13 PM |
#42
|
|||
|
|||
شكرا جزيلا
ازمة اليمين في مصر: من مبارك إلى الإخوان
تحليل رائع جدا ومعبر بصدق عما يجري واسمح لي السيد الفاضل / الاستاذ ايمن ان اعلق علي بعض ما جاء في هذا المقال وشكرا جزيلا فإن التصورات الإخوانية الاقتصادية والاجتماعية تبدو محافظة بمعنى عدم قيامها على تغييرات جذرية لا في علاقات الملكية (غلبة القطاع الخاص ومد دوره الإنتاجي والتوزيعي) ولا في علاقة الدولة بالسوق ولا كذلك في علاقة مصر بالاقتصاد العالمي ممثلاً في التجارة وانتقالات رؤوس الأموال والالتزام بمشروطية المؤسسات المالية العالمية كالصندوق والبنك الدوليين وهيئة المعونة الأمريكية. وقد عبر خطاب القيادات الإخوانية عن رغبة في استمرار السياسات الاقتصادية على ما كانت عليه قبل الثورة مع التشديد على مكافحة الفساد والمحسوبية، وهو ما يعني استمرار الخط النيوليبرالي العام الذي سلكته الحكومات المصرية المتعاقبة منذ تبني برنامج الإصلاح الهيكلي في مطلع التسعينيات ت نعم ان هذا واقع محسوس ولكنه بقدر الله وأظنه والظن غالب هي المرونه التامة في التحول من نظام شاخ في الفساد وتحول من فساد الدولة الي ادارة فساد الدولة واصبح متجذر في عمق الدولة والتاريخ ان التخلص من هذة الدولة تم بمشرط جراح ماهر عبقري دون اسالة نقطة دماء واحدة وهي حالة نادرة في التاريخ ولا اعلم لها مثيل وكذلك مواجهة الطغيان العالمي متمثل في امريكا واسرائيل وغيرهما كان يستلزم المرونه واثبات ان التغير ليس جذري وارسال رسالة طمأنه للجميع علي مصالحهم لانه بغير ذلك لا تأمن العواقب انني من اشد المعجبين بنموذج الشيح حازم صلاح ابو اسماعيل وكنت اتمناه رئيسا الا انه بقدر الله لم يكن والحمد لله علي ما اراد فلو كان الشيخ حازم تري كيف كانت النتائج مواجهة صارمة غير معلومة النتائج الي ابعد الحدود في الداخل والخارج انها مرحلة التحول المرن الذي يمهد الطريق لما بعده ما بعده هو الهدف الذي نرجوه جميعا من الثورة ولكن كم يمتد من الوقت العلم عند الله وكم اتمني ايضا الان ان يصعد الشيخ حازم الي السلطة ولكن بعد انتهاء مدة الرئيس الحالي ولكن الله يقدر ما يشاء 2.1-الوعود التوزيعية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية اعتقد ان الاخوان ان اعتمدو كما اعتمد النظام السابق علي نظرية القروض من الخارج فستكون سقطتهم الكبري وسيكونون بمثابة الدبة التي قتلت صاحبها وهي لا تريد ذلك فاللاسف ان بعض من الاخوان لم يتربو تربية عقيدية سليمة تجعلهم يقفون موقف الاسود امام الامواج الهادرة هم وضعوه مقارنة بين الشرع وبين واقع اليم يحتاج الي دعم وهنا انحازو للعقل علي حساب النقل الشرعي ذلك ببساطة لان تربيتهم الاسلامية لم تكن بالقوة التي لدي ما نسمهم نحن بالسلفيين النظام العالمي كله قائم علي الربا وحتما هو ساقط وسيسقط معه كل من تبعه وسيتحقق موعود الله بالحرب علي من تعامل بالربا , هناك بدائل قدمها اقتصاديون وخبراء بدبل للقروض الربوية ولكن نحن ننتظر نتيجة الجدل في المجتمع علي هذة القروض وفي نفس الوقت الاخوان في مأزق حقيقي بسبب ضعف حجتهم مع الشعب فيما يخص الناحية ةالشرعية وتستغل بعض الحركات والفئات والاحزاب المعارضة هذة الناحية للهجوم عليهم مع العلم ان هذة الناحية الشرعية هي لا تعنيهم بالاساس لان فكرهم قائم اساسا علي نقض الدين وعدم خلط الدين بالسياسة ورأيي صراحة ان نجاح السيد الرئيس مرسي في الانتخابات لم يكن نجاح للاخوان في شيء لان نجاحه جاء ليس تأييدا لجماعة الاخوان بقدر ما جاء حبا من الشعب المصربي في استبعاد النظام القديم بكل اركانه وفروعه عن الحكم في لحظة فاصلة ولانه كان الخيار الوحييد لفوز الثورة والا العود بالكامل لنقطة الصفر وفي ظني كانت ستكون قبل الصفر بدرجات كبيرة لانه حيئذ كانت ستفتح السجون والمعتقلات علي مصراعيها وهو ما كان مخطط فعلا وعودة امن الدولة بكل قوة الا ان الشعب المصري اثبت للعالم كله ان جذوة الثورة لا تزال مشتعلة يمو اعلان نتائج الانتخابات فكان ميدان التحرير يومها يوم من ايام الثماني عشر يوما من حكم مبارك بل والجميع في مصر بل والعالم كله كانت لحظة بحق يجب ان تطلق عليها لحظة مشهودة وان ما نشر عن ان مصر ستكون بحورا من دماء لو يفز مرسي كان ما هو الا استنتاج حقيقي لمخابرات طنطاوي وعنان وليس تصريحا من احاد الاخوان كما يزعمون اخي السيد ايمن نور اشكرك شكرا جزيلا والسلام عليك |
#43
|
||||
|
||||
عندما يصبح تسييس القضاء ضمانة لاستقلاله: أفكار حول التجربة المصرية 1967-2012
عندما يصبح تسييس القضاء ضمانة لاستقلاله: أفكار حول التجربة المصرية 1967-2012 أين اختفى قضاة "التيار الاستقلالي" في مصر اليوم؟ سؤال محير يراود أذهان أكثر من متابع للشأن القضائي المصري في الوقت الحاضر. فالمفارقة الغريبة هي أن القضاة الذين صنعوا الحدث القضائي والسياسي عامي 2005 و2006 عندما تحدوا من خلال نادي قضاة مصر نظام حسني مبارك في أوج سلطته باتوا اليوم، بعد سقوط هذا النظام، شبه غائبين عن الساحة القضائية.1 القضاة الأفراد ما زالوا هنا طبعاً، على الأقل سياسيا: فالمستشار حسام الغرياني ترأس مجلس القضاء الأعلى وهو اليوم يترأس اللجنة المكلفة إعداد الدستور والمستشار هشام البسطويسي كان مرشحاً ملحوظاً لرئاسة الجمهورية والمستشار محمود الخضيري عضو فاعل في المجلس النيابي الجديد، الخ. إلا أن التيار نفسه قد اضمحل قضائياً أمام السيطرة المتجددة للتيار المنافس، المعروف سابقاً بمهادنته لنظام مبارك، على نادي القضاة بالكامل منذ عام 2009 حتى اليوم، مع تجدد فوزه في انتخابات النادي الأخيرة بعد الثورة. ويدفع تبعثر القضاة "الاستقلاليين" إلى التساؤل عن مدى وجود تيار جماعي بهذا الاسم في القضاء المصري: فهل اقتصرت أحداث 2005 وسواها على مبادرة بعض القضاة الثائرين على تقاليد مهنتهم وممارسات النظام فقط، فشكلوا ظاهرة جماعية ظرفية محصورة لا غير، أم أنهم جزء من تحرك قضائي أوسع وأكثر قدماً، يمكن توقع انتعاشه مجدداً في المستقبل القريب؟ نسترجع في هذا المقال بشكل خاطف بعض محطات التاريخ القضائي المصري المعاصر للتذكير أولاً بجذور تحرك 2005 الفكرية والتنظيمية، وثانياً لعرض فرضية بحثية تسمح ربما بتفسير تخبطات هذا التحرك الجماعي الذي يقوى أمام الاستبداد ويضمحل – أو يزداد اضمحلالاً - مع سقوط أبرز رموزه.2 إذا كانت قوة نظام مبارك غير كافية لتفسير تغيرات وهج معارضيه القضائيين، فما هو العامل التحليلي الآخر الذي يسمح بذلك؟ وإذا كان سقوط حسني مبارك لا يتعارض – بغرابة - مع انتعاش التيار القضائي الذي كان يهادنه لا بل يدعمه حسب اتهام التيار "الاستقلالي"، فأليس على الباحث أن يعيد التفكير في العلاقة السببية بين هيمنة السلطة التنفيذية وازدهار أو انتكاس معارضتها أو موالاتها القضائيتين، وأن يبحث في مكان غير العلاقة مع السلطة السياسية عن مصادر شرعية وفعالية الكلمة والحركة القضائية؟سامر غمرون من 1969 إلى 2006: مواسم الهجرة إلى الصمت من المثير للاهتمام أن نرى القضاة الذين اتُهِموا عام 2005 بانتهاك التقاليد القضائية عبر احتلال المساحات الإعلامية والاحتجاجية يحاولون ابراز تراث قضائي مواز ومختلف يضفي شرعية قضائية على ما قاموا به، تضاف الى الشرعية السياسية التي لطالما نعموا بها بمواجهة النظام الاستبدادي. وتراث قضاة 2005 هو تراث "الرفاعية"، نسبة الى المستشار يحيى الرفاعي الذي طبعت نضالاته وصداماته مع النظام مسيرة القضاء المصري "الاستقلالي" منذ الستينات حتى أواخر الثمانينات. ولا يتردد شيوخ قضاة 2005 بربط تحركهم رمزياً بعمل الرفاعي القضائي، رجوعاً لما يعرف "بمذبحة القضاة" عام 1969، حين تعرضت مجموعة من القضاة المصريين ومن بينهم الرفاعي نفسه للاضطهاد والعزل على يد جمال عبد الناصر بعد رفضهم الانضمام إلى "الاتحاد الاشتراكي العربي" وبعد اتخاذهم مواقف نقدية علنية ومكتوبة ربطوا فيها هزيمة 1967 بغياب الديمقراطية داخلياً، لا سيما عبر رئيس نادي القضاة حينها القاضي ممتاز نصار.4 وقد دفع هؤلاء ثمن هذا الخروج الأول عن "تقاليد" الصمت القضائي بضع سنوات، إلى حين تمت إعادة بعضهم في السبعينيات ضمن أجواء الابتعاد عن السياسات الناصرية التي طبعت سنوات حكم السادات. وقد شكلت مذبحة القضاة هذه مدعاة "للهجرة" 5 القضائية الأولى للقضاة "الاستقلاليين" كما ترسمها الذاكرة الجماعية لهؤلاء التي بنيت حول نمطية الهجرات المتكررة والدورية - كل عشرين عاما تقريبا - تبعاً لكل انتفاضة قضائية، وبشكل يذكر بالثنائية الدورية "انتفاضة قضائية – انكفاء قضائي" التي تميز أيضاً الذاكرة القضائية التونسية الحديثة، علماً أن حراك القضاء التونسي وانكفاءه غالباً ما تزامنا مع حراك القضاء المصري وانكفائه (انتفاضة وقمع القضاة الشبان عام 1985، انتفاضة وقمع مكتب جمعية القضاة التونسيين عام 2005): فهل يعكس هذا التزامن آثار انتشار أفكار أو قواعد قضائية على الصعيد العربي أو الدولي في هذه الفترات؟ وبالفعل، فإن الحلقة التالية من المسلسل الاستقلالي المصري كما يراه ويرويه القضاة والناشطون بدأت تتكون في بداية الثمانينيات حول المستشار الرفاعي نفسه، الذي شكل محركاً قضائياً نشطاً من داخل نادي القضاة الذي ترأسه عامي 1985-1986 و1989-1990، وقد أصبح النادي يحتضن آنذاك الحراك الاستقلالي بشكل يؤكد ترسيخ تسييسه- بالمعنى العلمي للكلمة - بعد إقفال كل المساحات الأخرى أمام القضاة، إلى جانب وظيفته الخدماتية التي لطالما حاولت السلطة أسره فيها. وتوج هذا الحراك الاستقلالي الثاني بحدث مهم لم يلق شهرة "مذبحة القضاة" بالرغم من طابعه التجديدي والاستثنائي ألا وهو: مؤتمر العدالة المصري عام 1986. وتميز هذا المؤتمر أولاً بحجمه الضخم (قدمت خلاله حوالى 110 ورقة)، وبطبيعة المشاركة فيه وشموليتها ثانياً، عبر الدور المهم الذي لعبه محامون وجامعيون وإداريون وسياسيون معارضون في أعماله إلى جانب القضاة، وثالثاً، بتنوع وجرأة المسائل التي طرحت فيه إذ تناولت الأوراق المقدمة مختلف المواضيع التي تهم المرفق القضائي، من أكثرها تقنية (بطء المحاكمات ودور الخبراء إلخ...)6 إلى أكثرها تسييساً (استقلالية القضاء، المحاكم الاستثنائية، الخ.). وأكثر ما طبع الذاكرة في هذا المؤتمر المواجهة المفاجئة والمدوية التي حصلت خلاله بين القاضي والحاكم، عبر واقعة ما زال القضاة المصريون المنتمون للتيار "الاستقلالي" يروونها اليوم بشيء من الاعتزاز: فيما كان الرئيس حسني مبارك يحضر شخصياً افتتاح المؤتمر، طالبه رئيس النادي يحيى الرفاعي أثناء إلقاء كلمته برفع حالة الطوارئ والحد من دور المحاكم الاستثنائية، مما أثار لاحقاً حفيظة وغضب الرئيس الذي اكتشف فجأة، بعد بضع سنوات من توليه الحكم، "أن هناك جسماً داخل هيكل الدولة المصرية يسمى الجسم القضائي يستعصي على الفهم من ناحيته، ويستعصي أيضاً على السيطرة".7 وقد أطلقت هذه المواجهة موسم الهجرة القضائية الثاني إذ سرعان ما ضيقت السلطة على هؤلاء القضاة "الاستقلاليين" نهاية الثمانينيات، دافعة بعضهم إلى ترك البلاد في إطار الإعارات القضائية إلى دول أخرى، مع حمل آخرين إلى حصر أنشطتهم العامة. ويمكن هنا مقارنة أساليب قمع جمال عبد الناصر الصاعقة (العزل التام من القضاء) بأساليب القمع التي انتهجها مبارك والتي كانت أقل قسوة من دون أن تكون بالضرورة أقل "فعالية"، إذ استبدلت القوة بالإبعاد الصامت المقونن (إعارة إلى دولة عربية أخرى مع شروط مهنية مغرية). وامتدت الهجرة الثانية إلى نهاية التسعينيات عندما بدأ قضاة، وفي طليعتهم محمود مكي وهشام البسطويسي وزكريا عبد العزيز، بالمشاركة بندوات ومحاضرات أعادت تدريجياً طرح مسألة استقلالية القضاء على بساط البحث في المساحة العامة (ولو بعيداً عن الاعلام في مرحلة أولى) بعد عشر سنوات من الانكفاء. الانتفاضة القضائية الثالثة :قضاة "الاستقلال" ضد من؟ قيل الكثير حول تحرك القضاة المصريين عام 2005-2006 بشأن مسألة الإشراف القضائي على الانتخابات، إلا أنه نادراً ما تم الرجوع إلى ما قبل هذه المرحلة لرسم معالم نشوء هذا التحرك، كأنما القضاة قد اجتمعوا وقرروا فجأة، على خلفية إهانة قاض في الإسكندرية بداية 2005 أو على خلفية إشرافهم على الانتخابات النيابية أو على الاستفتاء الدستوري الذي جرى في العام نفسه، إشعال مواجهة لا مثيل لها في تاريخ القضاء المصري مع السلطة.8 إذا كان من الواضح أن كتابة القصة ابتداء من ربيع 2005 يحرمنا من العوامل التي تسمح بفهم ظروف تكوين التحركات المهنية القضائية، فلا مجال هنا للدخول في تفاصيل ولادة الجيل الثالث من التيار "الاستقلالي" نهاية التسعينيات. كان مثلاً لترابط الأجيال القضائية ونقل التراث القضائي المشاكس دور أساسي في هذا المجال، من خلال التأثير الفكري والمهني الذي استمر بعض القضاة كيحيى الرفاعي في ممارسته حتى بعد تقاعدهم تجاه قضاة أصغر منهم سناً. كما أنه كان لبعض الفاعلين غير القضائيين، كالمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة الذي تأسس عام 1997 من ضمن المجهود الهادف إلى استنهاض الخطاب الاستقلالي، دور في تقديم مساحات وموارد لم يكن القضاة "الاستقلاليون" يمتلكونها خلال فترة غيابهم عن النادي، مما سمح لهم بتطوير قدراتهم وصولاً الى استرجاع إدارة النادي عام 2001. ولكن لهذه العوامل تعقيداتها نعرضها في مناسبة أخرى. نكتفي هنا بالإشارة أولاً إلى ضرورة دراسة تحرك 2005 وغيره من الأحداث القضائية ضمن التاريخ القضائي الطويل أو على الأقل المتوسط دون الاكتفاء بالعلاقات السببية البسيطة والمباشرة، وثانياً إلى ضرورة توسيع القراءة المرتكزة على الثنائية التصادمية "قضاة استقلاليين / سلطة تنفيذية" لإدخال عوامل وفاعلين آخرين غالباً ما يتم تجاهلهم في معادلة القضاء المصري والعربي، كقضاة "تيار الحكومة" (كما يحب قضاة التيار "الاستقلالي" تسميتهم بهدف تجريدهم من مشروعيتهم وصهرهم بالسلطة التنفيذية التي يعدونهم ممثلين لها)، أو جمعيات المجتمع المدني المعنية بالشأن القضائي. وبالفعل، فإن دراسة فترات "الهجرة" كالتي امتدت من 1990 إلى 2001 مثلا (سنة استرجاع قضاة التيار "الاستقلالي" مجلس إدارة النادي) تظهر أن ما تصفه الرواية الاستقلالية بفترات ركود أو تبعية لا تستحق التأريخ هي حقيقة فترات يسيطر عليها قضاة آخرون، لا شك أن لبعضهم صلات قوية أو مشبوهة مع الحكومة، إلا أن لغالبيتهم بكل بساطة نظرة مختلفة للمهنة القضائية، لأدبياتها وتقاليدها ووسائل عملها، يمكن نعتها بالمحافظة أو التقليدية أو الحيادية، من دون ان يكون بالإمكان اختزالها بالتبعية للسلطة التنفيذية. وهنا يظهر لنا أن التمييز القائم بين "قضاة استقلاليين" و"قضاة حكومة" هو من إنتاج القضاة "الاستقلاليين" أنفسهم الذين ابتكروا هذه التسميات – وهذا من حقهم - في خضم معاركهم الشجاعة مع السلطة المصرية من باب زيادة مشروعية تحركاتهم غير التقليدية، فاعتمدها بعض الباحثين والصحفيين مباشرة متجاهلين ظروف إنتاجها واستعمالها، وهو خطأ يتحملون هم مسؤوليته التحليلية لا القضاة الغارقون في صراعاتهم المصيرية. فلهذه التسميات – عندما تتحول الى مفاهيم تحليلية - مفاعيل مغرضة على قراءة الواقع القضائي، إذ يصعب عبرها أن نفهم مثلا كل الانقسامات الحادة التي تشهدها الساحة القضائية المصرية، أو لماذا يختار القضاة المصريون في نادي القضاة بعد الثورة ممثلي تيار "التبعية" للحكومة – التي أسقطتها الثورة - على حساب قضاة الاستقلال. وكما يقول بكلمات أخرى المستشار حسام الغرياني نفسه،9 وهو يعد أحد "حكماء" تيار الاستقلال وقد ترأس مجلس القضاء الأعلى في فترة (يوليو 2011- يوليو 2012) قبل تقاعده، فإن القضاة غير المنتمين للتيار الاستقلالي ليسوا بالضرورة أقل استقلالاً، هم فقط قضاة لا يجهدون خارج محاكمهم لإعطاء هذا الاستقلال كل أبعاده (السياسية). من هنا يظهر جلياً أن المفهوم الأساسي لقراءة التحولات والثوابت القضائية المصرية ليس مفهوم الاستقلال – الذي يبقى شعاراً نضالياً أكثر مما هو مفهوم تحليلي – بل هو مفهوم التسييس، أو بالأحرى البعد السياسي للعمل القضائي.10 فيكون بذلك قضاة "تيار الحكومة" قد اصابوا في تشخيصهم لحراك قضاة "تيار الاستقلال" عندما نعتوه بالمسيّس، وإن أخطأوا في الاتهام. فعبر رفضهم لمحاولات السلطة أسر القضاة في تقنيات القانون والمحاكمة وإبعادهم عن الشأن العام حتى عندما يكون للقضاة دور مباشر فيه (في حال الانتخابات مثلا)، وعبر إصرارهم على إعطاء القضاء مكانته في فلسفة النظام السياسية، وعبر ابتكارهم لوسائل تعبير وتحرك غير مسبوقة قضائياً اعتقدت السلطة أنهم لن يتجرؤا على اعتمادها، فجر ما يعرف بقضاة "الاستقلال" كل معايير العمل القضائي التقليدية، ما أثار ذعر زملائهم القضاة غير المستعدين لخوض هذه الغمار، أكثر ربما مما أخاف السلطة الحاكمة نفسها. فمن غير المستغرب إذا أن يأتي رفض هذا المنهج القضائي الذي يمكن وصفه بما بعد الحداثي من داخل القضاء قبل أن يأتي من السلطة التنفيذية، مما يساهم في تفسير استمرار تهميش قضاة "تيار الاستقلال" حتى مع تحولات النظام السياسي الحالية بعد الثورة. لا يعني كل هذا تحييد السلطة التنفيذية عما يصيب القضاء والقضاة خاصة في الأنظمة الاستبدادية كالتي كانت تحكم مصر وتونس، فممارسات السلطة جد واضحة في هذا المجال، إن عبر التضييق المالي على نادي القضاة عندما كان يسيطر عليه قضاة الاستقلال، أو عبر تقديم امتيازات للقضاة مقابل صمتهم و انكفائهم في محاكمهم، أو عبر الاعتماد على المحاكم الاستثنائية، وغيرها من الممارسات الهادفة إلى تحييد القضاة والحد من قدراتهم الرقابية. قد تسمح فقط هذه الفرضية، إن صحت، بفتح آفاق جديدة للدراسات الاجتماعية المهتمة بالقضاء العربي، فلا تكون مهووسة بسياسات الأنظمة القمعية العمودية لا غير، بل تغدو أكثر حساسية لتحولات التيارات والأفكار داخل المجتمعات المهنية القانونية عامة والقضائية خاصة بحد ذاتها، كما لعلاقات القضاة الأفقية مع مهن وتيارات وتحركات أخرى في مجتمعاتهم. فالمستقبل القضائي يقرأ ربما ليس على أفواه حكام مصر الجدد إلى أي جهة انتموا، بل عبر تصرفات رئيس نادي القضاة الحالي، أحمد الزند، خصم التيار الاستقلالي الأول في السنوات الأخيرة وهازمه على أساس احترام التقاليد القضائية. فنراه اليوم يدعو إلى الإضراب ويخاطب السياسيين في الصحف ويدخل في مشادات إعلامية غير مسبوقة دون أي حرج بين أكثر زملائه. فبغض النظر عن مضمون تحركاته ومواقفه وتقييمها، ألا يشكل هذا الخروج عن التقاليد القضائية الصامتة – بالرغم من انزلاقاته ومبالغاته الحالية والتي لا علاقة لإشكاليتنا بها - أهم انتصارات قضاة 2005 وأهم ما يتركونه للجيل الرابع من "التيار الاستقلالي": ساحة قضائية بدأت تسقط فيها الممنوعات القضائية المفروضة سياسياً من كل الجهات؟ |
#44
|
||||
|
||||
اقتباس:
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك
|
#45
|
||||
|
||||
مرسي والتوازن في السياسة الخارجية
مرسي والتوازن في السياسة الخارجية على رغم أنّ الرئيس المصري محمّد مرسي تبوأ منصبه منذ 30 حزيران (يونيو) أي منذ نحو شهرين فقط، فقد قام بمبادرات جريئة في السياسة الخارجية قد تضعه في مواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن الواضح أنّه مستعدّ لهذه المجازفة. يقضي هدفه على ما يبدو باستعادة قدر من الاستقلال من الوصاية التي تمارسها هاتان القوتان. وفي حال نجح في ذلك، سينال ثناء الأكثرية الساحقة من المصريين.باترك سيل ويتعلّق ميدان المواجهة المحتملة بالضغوط الدولية الكبيرة على النظامين الإيراني والسوري بهدف إسقاطهما. تسعى الولايات المتحدّة إلى شلّ اقتصاد إيران من خلال فرض عقوبات شديدة عليها كما أنّها تدعم الثوّار السوريين في محاولتهم الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. يرفض الرئيس مرسي ذلك. فقد تجرأ على مواجهة الولايات المتحدّة وإسرائيل عبر رفض عزل إيران أو تشويه سمعتها. واختار أن يحضر قمة دول عدم الانحياز التي عُقدت في طهران هذا الأسبوع علماً أنه أول رئيس مصري يزور الجمهورية الإسلامية منذ الإطاحة بالشاه عام 1979. وقد كسر الجليد مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد منذ بضعة أسابيع حين التقيا خلال القمة الإسلامية في مكّة. وكان لقاؤهما ودياً جداً. ومن الواضح أنّ الرئيس مرسي يفضّل حلّ الأزمة السورية عن طريق المفاوضات بدلاً من الحرب، الأمر الذي يشكّل معارضة مباشرة لواشنطن. كما اقترح أن تشكّل القوى الأساسية الأربع في المنطقة، أي مصر والمملكة العربية السعودية وإيران وتركيا مجموعة اتصال للإشراف على حلّ يتمّ التفاوض عليه. بمعنى آخر، هو يطلب من الولايات المتحدّة وحلف شمال الأطلسي أن يبقيا بعيدين عن سورية وأن يتركا القوى المحلية تتولى زمام الأمور. (يفرض تحرّك مرسي معضلة كبيرة أمام الديبلوماسية التركية: هل يجب أن تدعم تركيا التي تشكّل جزءاً من حلف شمال الأطلسي الولايات المتحدّة لنقل الأسلحة والأموال والمعلومات الاستخباراتية إلى الثوّار السوريين أم يجدر بأنقرة الانضمام إلى الجهود الإقليمية الرامية إلى إنهاء النزاع عن طريق المفاوضات؟) وجّه الرئيس الأميركي باراك أوباما دعوة إلى الدكتور مرسي لزيارة واشنطن في شهر أيلول (سبتمبر) وقد تكون وراء الدعوة رغبة لتوجيه ملاحظات على سياسته. لكن، في معرض التأكيد من جديد على الاستقلال المصري، زار الدكتور مرسي بكين ثم توجّه منها إلى طهران. وقد تكون هذه طريقته ليشير إلى أنّه لن يسمح بأن يتمّ إملاء الأمور عليه. أما الموضوع الذي يشكّل موضع خلاف جدي فيتعلّق بالملاحق العسكرية الواردة في معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية التي أُبرمت عام 1979 والتي يرغب الرئيس مرسي شأنه شأن معظم المصريين في مراجعتها. حين قامت مجموعة من المسلحين في سيناء في 5 آب (أغسطس) بالهجوم على حاجز للجيش المصري على الحدود بين مصر وقطاع غزة، ما أدى إلى مقتل 16 جندياً مصرياً وجرح آخرين، أرسل مرسي على الفور قوة تضمّ جنوداً وطائرات مروحية ودبابات لمطاردتهم. لكن، تنص الملاحق العسكرية على أنّ مصر يجب أن تحصل على موافقة مسبقة من إسرائيل قبل إرسال الدبابات إلى سيناء، على رغم أنّ هذه المنطقة تخضع للسيادة المصرية. ويبدو أنّ مرسي لم يشعر بالحاجة إلى القيام بذلك. حين أجريتُ في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي مقابلة مع عمرو موسى، وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والذي كان حينها مرشحاً للرئاسة المصرية، دعا إلى مراجعة الملاحق العسكرية. وقال لي: «ستظل معاهدة السلام قائمة إلا أنّ مصر بحاجة إلى قوى في سيناء. فالوضع الأمني يتطلّب ذلك. يجب أن تفهم إسرائيل أنّه يجب مراجعة القيود التي تفرضها المعاهدة». ولا شكّ في أن مرسي يشاطره الرأي. لم يعجب هذا الحديث إسرائيل. فقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في 22 آب (أغسطس) أنّ إسرائيل «قلقة» بسبب غياب التنسيق وطلبت من القاهرة سحب دباباتها. إلا أنّ إسرائيل تجد نفسها في وضع صعب. فهي تريد أن تحافظ مصر على الأمن في منطقة سيناء التي تعاني الفوضى والاضطرابات، إلا أنها تخشى أن يؤدي نشر القوات المسلحة المصرية إلى تهديد أمنها في يوم من الأيام. ووجّه دنيس روس الذي يعمل في معهد واشنطن (المتفرّع من مجموعة «ايباك» التي تشكل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة) انتقادات لاذعة عبر صحيفة «واشنطن بوست» في 19 آب إلى مرسي بسبب إرساله الدبابات إلى سيناء من دون إبلاغ إسرائيل. وقال: «في حال استمر هذا التصرّف، ستتوقّف الولايات المتحدّة عن تقديم الدعم إلى مصر الذي يعدّ ضرورياً للحصول على المساعدة الاقتصادية الدولية ولتعزيز الاستثمار». ويعتبر روس المعروف أنه «محامي إسرائيل» بسبب دفاعه على مدى عقود عن المصالح الإسرائيلية حين كان في الحكومة، أنّه لا يزال يتحدّث باسم الإدارة الأميركية. ويجب أن نأمل أنه على خطأ في هذا الاعتقاد. أما الخطوات الأخرى التي قام بها مرسي والتي أثارت قلق واشنطن وتل أبيب فهي إقالة مجموعة من الضباط الكبار الذين أقامت إسرائيل والولايات المتحدّة علاقات وثيقة معهم على مرّ السنوات. وتضم هذه المجموعة من فلول نظام مبارك وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع ومدير جهاز الاستخبارات مراد موافي إلى جانب قادة آخرين. وعيّن الرئيس مرسي اللواء عبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع واللواء صدقي صبحي رئيساً للأركان. ويبدو أنّ الرجلين يشاركان الدكتور مرسي رغبته في التحرّر من النفوذ الأميركي والإسرائيلي. وتقوم أولوية الرئيس مرسي وفريقه على إعادة إحياء الاقتصاد في مصر الذي يبدو في وضع مزرٍ. إذ يجب إطعام 85 مليون شخص. كما يعدّ إنشاء فرص العمل ضرورياً. ويجب إعادة تفعيل خدمات الحكومة. أما المساعدة الخارجية فضرورية. وفي ظلّ الظروف الحالية، ما من خطر يتهدّد معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية لجهة إمكان إلغائها. فلا يسع أي مصري اليوم التفكير في الحرب مع إسرائيل. ولا يبدو الجيش المصري مستعداً للتضحية بالمساعدة السنوية بقيمة 1.3 بليون دولار التي يحصل عليها من الولايات المتحدّة للحفاظ على السلام مع إسرائيل. إلا أنّ الرئيس مرسي سيسعى بلا شكّ إلى إقامة علاقة جديدة مع الولايات المتحدّة وإسرائيل. ومن الآن فصاعداً، من المرجّح أن تكون مصر أقل تسامحاً إزاء معاملة إسرائيل السيئة للفلسطينيين الذين يقعون تحت الحصار والاحتلال. وسبق أن شدّد على الحاجة إلى معالجة مسألة فلسطين التي طالما تمّ إهمالها. وسيكون أقل استعداداً من سلفه للقبول بطبول الحرب التي تقرعها إسرائيل ضد إيران. وعلى رغم أنه لن يكون قادراً على تحدّي هيمنة إسرائيل العسكرية المموّلة والمجهّزة والمضمونة من الولايات المتحدّة، سيسعى إلى وضع حدّ لاستغلال إسرائيل هيمنتها لا سيّما هجماتها المتكرّرة على الدول المجاورة لها. ويشعر عدد كبير من المصريين بالذنب حيال معاهدة السلام التي أُبرمت عام 1979 مع إسرائيل. فهم يعرفون أنّه من خلال إبعاد مصر عن المعادلة العسكرية العربية، منحت معاهدة السلام إسرائيل أكثر من 30 سنة من الهيمنة العسكرية التي لم يتمكن أحد من تحديها وحرية ضرب الدول المجاورة لها متى شاءت من دون أن تتعرّض للردّ. وقد جرب لبنان والفلسطينيون والعراق وسورية هجمات إسرائيل. يطمح الرئيس مرسي بوضوح إلى إعادة التوازن إلى علاقات القوة في الشرق الأوسط. ومن المثير أن نرى كيف سيقوم بهذا العمل الذي يشكل خطراً كبيراً وكيف ستختار الولايات المتحدّة وإسرائيل التصرّف تجاه هذه السياسة المصرية. |
العلامات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|