|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
اخلاق المسلم-اخلاق الثورة
بعد نجاح الثورة المصرية سياسيا بإسقاط النظام ، تعالت الدعوات من قلب ميدان التحرير وعلى صفحات الإنترنت للإبقاء على "أخلاق الثورة" التي عززت ثقة المصريين بسلامة مجتمعهم وقيمهم والقدرة على إحياء الخصال النبيلة والتخلص من الأمراض السلوكية التي اعترت الجسد المصري على مدار ثلاثة عقود. ومن بين أكثر ما أبرزته الثورة، عودة التلاحم والتراحم وإعلاء القيم والعادات البناءة، والحفاظ على أخلاق وتقاليد المجتمع في المعاملات اليومية، إذ أكدت التقارير التي رصدت سلوكيات المعتصمين في ميدان التحرير، على حجم التحول الإيجابي الهائل في المجتمع، والتأكيدات بأن سلوكيات الغضب التي أفرزتها ثقافة الزحام غابت عن مشهد حشر فيه نحو مليون شخص في ميدان واحد دون واقعة حالة سرقة أو تحرش أو بلطجة. |
#2
|
||||
|
||||
العدل سرقت امرأة أثناء فتح مكة، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليها الحدَّ ويقطع يدها، فذهب أهلها إلى أسامة بن زيد وطلبوا منه أن يشفع لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يقطع يدها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أسامة حبَّا شديدًا. فلما تشفع أسامة لتلك المرأة تغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: (أتشفع في حد من حدود الله؟!). ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب في الناس، وقال: (فإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله (أداة قسم)، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها) [البخاري]. *** جاء رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقال له: يا أمير المؤمنين، لقد تسابقتُ مع ابن عمرو بن العاص وإلى مصر، فسبقتُه فضربني بسوطه، وقال لي: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص: إذا أتاك كتابي هذا فلتحضر إلى ومعك ابنك، فلما حضرا أعطى عمر بن الخطاب السوط للرجل المصري ليضرب ابن عمرو قائلا له: اضرب ابن الأكرمين. |
#3
|
||||
|
||||
في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أسلم رجل من سادة العرب، وذهب للحج، وبينما كان يطوف حول الكعبة، داس رجل على طرف ردائه، فضربه على وجهه ضربة شديدة، فذهب الرجل إلى عمر بن الخطاب، واشتكى له، فطلب عمر -رضي الله عنه- إحضار الضارب، فلما حضر أمر عمر الرجل أن يقتص منه بأن يضربه على وجهه مثلما فعل معه، فقال متعجبًا: وهل أستوي أنا وهو في ذلك؟ فقال عمر: نعم، الإسلام سوَّى بينكما.
*** يحكى أن رجلا اصطاد سمكة كبيرة، ففرح بها، وفي طريق عودته إلى زوجته وأولاده، قابله حاكم المدينة، ونظر إلى السمكة التي معه، فأخذها منه، فحزن الصياد، ورفع يديه إلى السماء شاكيا لله -عز وجل-، طالبًا منه أن يريه جزاء هذا الظالم. ورجع الحاكم إلى قصره، وبينما هو يعطي السمكة للخادم لكي يُعِدَّها له، إذا بالسمكة تعضه في إصبعه، فصرخ وشعر بألم شديد، فأحضروا له الأطباء، فأخبروه أن إصبعه قد أصابه السم من عضة السمكة، ويجب قطعه فورًا حتى لا ينتقل السم إلى ذراعه، وبعد أن قطع الأطباء إصبعه، أحس أن السم ينتقل إلى ذراعه ومنه إلى بقية جسده، فتذكر ظلمه للصياد، وبحث عنه، وعندما وجده ذهب إليه مسرعًا يطلب منه أن يسامحه ويعفو عنه حتى يشفيه الله، فعفا عنه. |
#4
|
||||
|
||||
ذات يوم، اختلف الإمام على -رضي الله عنه- مع يهودي في درع (يُلبس كالرداء على الصدر في الحروب)، فذهبا إلى القاضي، وقال الإمام علي: إن هذا اليهودي أخذ درْعِي، وأنكر اليهودي ذلك، فقال القاضي للإمام علي: هل معك من شهود؟ فقال الإمام علي: نعم، وأحضر ولده الحسين، فشهد الحسين بأن هذا الدرع هو درع أبيه. لكن القاضي قال للإمام علي: هل معك شاهد آخر؟
فقال الإمام علي: لا. فحكم القاضي بأن الدرع لليهودي؛ لأن الإمام عليا لم يكن معه من الشهود غير ولده. فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى على أمير المؤمنين ورضى. صدقتَ والله يا أمير المؤمنين.. إنها لدرعك سقطتْ عن جمل لك التقطتُها؛ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فأعطاه الإمام على الدرع فرحًا بإسلامه. |
#5
|
||||
|
||||
ما هو العدل؟
العدل هو الإنصاف، وإعطاء المرء ما له، وأخذ ما عليه. وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تأمر بالعدل، وتحث عليه، وتدعو إلى التمسك به، يقول تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} [النحل: 90]. ويقول تعالى: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [النساء: 58]. والعدل اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته سبحانه. أنواع الـعـدل: للعدل أنواع كثيرة، منها: العدل بين المتخاصمين: كان صلى الله عليه وسلم مثالا في تطبيق العدل، وقد جاء إليه رجلان من الأنصار يختصمان إليه، ويطلبان منه أن يحكم بينهما، فأخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بأن مَنْ يأخذ حق أخيه، فإنما يأخذ قطعة من النار، فبكي الرجلان وتنازل كل واحد منهما عن حقه لأخيه. العدل في الميزان والمكيال: المسلم يوفي الميزان والكيل، ويزن بالعدل، ولا ينقص الناس حقوقهم، ولا يكون من الذين يأخذون أكثر من حقهم إذا اشتروا، وينقصون الميزان والمكيال إذا باعـوا، وقـد توَّعـد الله من يفعـل ذلك، فقـال الله تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون . وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم} [المطففين: 1-5]. وقال تعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} [الرحمن: 9]. العدل بين الزوجات: والمسلم يعدل مع زوجته فيعطيها حقوقها، وإذا كان له أكثر من زوجة فإنه يعدل بينهن في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت والنفقة، قال الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل) [أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه]. والميل الذي حذر منه هذا الحديث هو الجور على حقوقها، ولهذا روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين زوجاته -رضوان الله عليهن- بالعدل، ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك). [أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه]. العدل بين الأبناء: فالمسلم يسوِّي بين أولاده حتى في القُبْلَة، فلا يُفَضِّل بعضهم بهدية أو عطاء؛ حتى لا يكره بعضهم بعضًا، وحتى لا تُوقَد بينهم نار العداوة والبغضاء. يقول النعمان بن بشير: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة (أم النعمان): لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. فقال الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. قال الله صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) [البخاري]. العدل مع كل الناس: المسلم مطالب بأن يعدل مع جميع الناس سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، فالله يأمر بعدم إنقاص الناس حقوقهم، قال تعالى: {ولا تبخسوا الناس أشيائهم} [الشعراء: 138]. وقال تعالى: {ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8] أي: لا تحملكم عداوتكم وخصومتكم لقوم على ظلمهم، بل يجب العدل مع الجميع سواء أكانوا أصدقاء أم أعداء. |
#6
|
||||
|
||||
فضل العدل:
* العدل له منزلة عظيمة عند الله، قال تعالى: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} [الحجرات: 9]. وكان الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: عمل الإمام العادل في رعيته يومًا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة سنة. * العدل أمان للإنسان في الدنيا، وقد حُكي أن أحد رسل الملوك جاء لمقابلة عمر بن الخطاب، فوجده نائمًا تحت شجرة، فتعجب؛ إذ كيف ينام حاكم المسلمين دون حَرَسٍ، وقال: حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ يا عمر. * العدل أساس الملك، فقد كتب أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- يطلب منه مالاً كثيرًا ليبني سورًا حول عاصمة الولاية. فقال له عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم. * العدل يوفر الأمان للضعيف والفقير، ويُشْعره بالعزة والفخر. * العدل يشيع الحب بين الناس، وبين الحاكم والمحكوم. * العدل يمنع الظالم عن ظلمه، والطماع عن جشعه، ويحمي الحقوق والأملاك والأعراض. |
#7
|
||||
|
||||
الظلم: حذَّر الله -تعالى- من الظلم، فقال عز وجل: {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص في الأبصار} [إبراهيم: 24].
وقال تعالى: {فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم} [_الزخرف: 65]. وقال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [_هود: 18]. وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا من الظلم، فقال: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) [مسلم]، وقال الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر) [البيهقي]. وقال الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) [البخاري]. أنواع الظلم: ظلم الإنسان لربه: وذلك بألا يؤمن الإنسان بخالقه ويكفر بالله -عز وجل- وقد جعل الله الشرك به -سبحانه- من أعظم الظلم، فقال: {لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13]. ظلم الإنسان للإنسان: وذلك بأن يعتدي الظالم على الناس في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم، فشتم المسلمين ظلم، وأخذ أموالهم ظلم، والاعتداء عليهم ظلم، والمسلم بعيد عن كل هذا. ظلم الإنسان لنفسه: وذلك بارتكاب المعاصي والآثام، والبعد عن طريق الله -سبحانه- واتباع طريق الشيطان. جزاء الظلم: ذات يوم سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، فقال: (أتدرون ما المفلس؟)، قالوا: الْمُفْلِسُ فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال الله صلى الله عليه وسلم: (إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعْطَي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيتْ حسناته قبل أن يقْضِي ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار) [مسلم والترمذي]. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أداء الحقوق إلى أصحابها، قبل أن يأتي يوم القيامة فيحاسبهم الله على ظلمهم، قال الله صلى الله عليه وسلم: (لَتُؤَدَّن الحقوقُ إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقَاد (يُقْتَص) للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) [مسلم]. فكل مخلوق سوف يأخذ حقه يوم القيامة، حتى النعجة التي ليس لها قرون (جلحاء) إذا ضربتْها في الدنيا نعجة ذات قرون (قرناء)، فإن الأولى سوف تقتص وتأخذ حقها من الثانية، وقال الله صلى الله عليه وسلم: (من ظلم قيد شبر من الأرض، طُوِّقَه من سبع أرضين) [متفق عليه]. فكل إنسان يظلم ويأخذ ما ليس حقًّا له فسوف يكون عليه وبالا في الآخرة، وسوف يعذَّب يوم القيامة عقابًا له على ظلمه في الدنيا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لَيمْلِي للظالم (أي: يؤخر عقابه)، حتى إذا أخذه لم يفْلته) [متفق عليه]، ثم قرأ: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} [هود: 102]. وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة: (يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلم على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تَظَالموا) [مسلم]. فعلى المسلم أن يبتعد عن الظلم، ولا يعين الظالمين، وليتذكر دائمًا قول الشاعر: لا تظــلمنَّ إذا مـا كنـتَ مُقْتَــدِرًا فالظلـم ترجـع عُقْبَاهُ إلى الـنَّـــدَمِ تنـام عيـناك والمظلوم مُنْتَبِـــــهٌ يـدعو عليـك وعَيـنُ الله لم تَـنَــمِ |
#8
|
||||
|
||||
الحرية في الإسلام جعل الإسلام "الحرية" حقاً من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان بدون الحرية، وحين يفقد المرء حريته، يموت داخلياً، وإن كان في الظاهر يعيش ويأكل ويشرب، ويعمل ويسعى في الأرض. ولقد بلغ من تعظيم الإسلام لشأن "الحرية" أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الله تعالى هو العقل الحر، الذي لا ينتظر الإيمان بوجوده بتأثير قوى خارجية، كالخوارق والمعجزات ونحوها قال تعالى:((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) فنفي الإكراه في الدين، الذي هو أعز شيء يملكه الإنسان، للدلالة على نفيه فيما سواه وأن الإنسان مستقل فيما يملكه ويقدر عليه لا يفرض عليه أحد سيطرته، بل يأتي هذه الأمور، راضياً غير مجبر، مختاراً غير مكره. 1/ مفهوم الحرية: يقصد بالحرية قدرة الإنسان على فعل الشيء أوتركه بإرادته الذاتية وهي ملكة خاصة يتمتع بها كل إنسان عاقل ويصدر بها أفعاله ،بعيداً عن سيطرة الآخرين لأنه ليس مملوكاً لأحد لا في نفسه ولا في بلده ولا في قومه ولا في أمته. هل "الحرية" تعني الإطلاق من كل قيد ؟
لا يعني بطبيعة الحال إقرار الإسلام للحرية أنه أطلقها من كل قيد وضابط، لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى، التي يثيرها الهوى والشهوة ، ومن المعلوم أن الهوى يدمر الإنسان أكثر مما يبنيه ، ولذلك منع من اتباعه، والإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه مدني بطبعه، يعيش بين كثير من بني جنسه، فلم يقر لأحد بحرية دون آخر، ولكنه أعطى كل واحد منهم حريته كيفما كان، سواء كان فرداً أو جماعة، ولذلك وضع قيوداً ضرورية، تضمن حرية الجميع ، وتتمثل الضوابط التي وضعها الإسلام في الآتي : أ- ألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه. ب- ألا تفوت حقوقاً أعظم منها،وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها. ج - ألا تؤدي حريته إلى الإضرار بحرية الآخرين. وبهذه القيود والضوابط ندرك أن الإسلام لم يقر الحرية لفرد على حساب الجماعة ،كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد ،ولكنه وازن بينهما ،فأعطى كلاً منهما حقه. |
#9
|
||||
|
||||
أنواع الحرية: - الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية - الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية الصنف الأول : الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية ، وهذا الصنف يشمل الآتي: أ - الحرية الشخصية: والمقصود بها أن يكون الإنسان قادراً على التصرف في شئون نفسه، وفي كل ما يتعلق بذاته، آمناً من الاعتداء عليه، في نفسه وعرضه وماله، على ألا يكون في تصرفه عدوان على غيره. والحرية الشخصية تتضمن شيئين : 1) حرمة الذات: وقد عنى الإسلام بتقرير كرامة الإنسان ، وعلو منزلته. فأوصى باحترامه وعدم امتهانه واحتقاره ، قال تعالى:((ولقد كرمنا بني آدم)) ، وقال تعالى:((وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون)) وميزه بالعقل والتفكير تكريماً له وتعظيماً لشأنه، وتفضيلاً له على سائر مخلوقاته، وفي الحديث عن عائشة – رضي الله عنها – مرفوعاً : " أول ما خلق الله العقل قال له اقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له عز وجل: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم علي منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أثيب، وبك أعاقب"، وفي هذه النصوص ما يدعو إلى احترام الإنسان، وتكريم ذاته، والحرص على تقدير مشاعره، وبذلك يضع الإسلام الإنسان في أعلى منزلة، وأسمى مكان حتى أنه يعتبر الاعتداء عليه اعتداء على المجتمع كله، والرعاية له رعاية للمجتمع كله ، قال تعالى :((من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض ، فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)). وتقرير الكرامة الإنسانية للفرد، يتحقق أياً كان الشخص، رجلاً أو امراة، حاكماً أو محكوماً، فهو حق ثابت لكل إنسان، من غير نظر إلى لون أو جنس أو دين. حتى اللقيط في الطرقات و نحوها، يجب التقاطه احتراما لذاته و شخصيته، فإذا رآه أحد ملقى في الطريق، وجب عليه أخذه، فإن تركوه دون التقاطه أثموا جميعاً أمام الله تعالى، و كان عليهم تبعة هلاكه. هذا و كما حرص الإسلام على احترام الإنسان حياً، فقد أمر بالمحافظة على كرامته ميتاً، فمنع التمثيل بجثته، و ألزم تجهيزه و مواراته ،و نهى عن الاختلاء و الجلوس على القبور. 2) تأمين الذات: بضمان سلامة الفرد و أمنة في نفسه و عرضه و ماله: فلا يجوز التعرض له بقتل أو جرح، أو أي شكل من أشكال الاعتداء، سواء كان على البدن كالضرب و السجن و نحوه، أو على النفس و الضمير كالسب أو الشتم و الازدراء و الانتقاص وسوء الظن و نحوه، و لهذا قرر الإسلام زواجر و عقوبات، تكفل حماية الإنسان و وقايته من كل ضرر أو اعتداء يقع عليه، ليتسنى له ممارسة حقه في الحرية الشخصية. وكلما كان الاعتداء قوياً كان الزجر أشد، ففي الاعتداء على النفس بالقتل و جب القصاص، كما قال تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى))، أو كان الاعتداء على الجوارح بالقطع و جب القصاص أيضاً كما قال تعالى :((و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السن بالسن و الجروح قصاص)) و منع عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – الولاة من أن يضربوا أحداً إلا أن يكون بحكم قاض عادل، كما أمر بضرب الولاة الذين يخالفون ذلك بمقدار ما ضربوا رعاياهم بل إنه في سبيل ذلك منع الولاة من أن يسبوا أحداً من الرعية، ووضع عقوبة على من يخالف ذلك. ب- حرية التنقل (الغدو و الرواح ):
والمقصود بها أن يكون الإنسان حراً في السفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون عوائق تمنعه. والتنقل بالغدو والرواح حق إنساني طبيعي ،تقتضيه ظروف الحياة البشرية من الكسب والعمل وطلب الرزق والعلم ونحوه ،ذلك أن الحركة شأن الأحياء كلها ،بل تعتبر قوام الحياة وضرورتها وقد جاء تقرير ((حرية التنقل )) بالكتاب والسنة والإجماع ففي الكتاب قوله تعالى : ((هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه و أليه النشور)) و لا يمنع الإنسان من التنقل إلا لمصلحة راجحة ،كما فعل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في طاعون عمواس، حين منع الناس من السفر إلى بلاد الشام الذي كان به هذا الوباء، و لم يفعل ذلك الا تطبيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه و إذا وقع بأرض و انتم بها فلا تخرجوا فرار منه)، و لأجل تمكين الناس من التمتع بحرية التنقل حرم الإسلام الاعتداء على المسافرين، والتربص لهم في الطرقات، و أنزل عقوبة شديدة على الذين يقطعون الطرق ويروعون الناس بالقتل و النهب و السرقة، قال تعالى : ((إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم)) و لتأكيد حسن استعمال الطرق و تأمينها نهى النبي صلى الله عليه و سلم صحابته عن الجلوس فيها، فقال: (إياكم و الجلوس في الطرقات ،قالوا: يا رسول الله ،ما لنا بد في مجالسنا، قال: فإن كان ذلك، فأعطوا الطريق حقها، قالوا: و ما حق الطريق يا رسول الله ؟قال: غض البصر و كف الأذى، و رد السلام، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر )، فالطرق يجب أن تفسح لما هيئ لها من السفر و التنقل و المرور، و أي استعمال لغير هدفها محظور لا سيما إذا أدي إلى الاعتداء على الآمنين، و لأهمية التنقل في حياة المسلم وأنه مظنة للطوارئ، فقد جعل الله تعالى ابن السبيل- وهو المسافر- أحد مصارف الزكاة إذا ألم به ما يدعوه إلى الأخذ من مال الزكاة ، ولو كان غنياً في موطنه . |
#10
|
||||
|
||||
ج- حرية المأوى و المسكن:
فمتى قدر الإنسان على اقتناء مسكنه ،فله حرية ذلك، كما أن العاجز عن ذلك ينبغي على الدولة أن تدبر له السكن المناسب، حتى تضمن له أدنى مستوى لمعيشته. روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له)، وقد استدل الإمام ابن حزم بهذا الحديث وغيره على أن أغنياء المسلمين مطالبون بالقيام على حاجة فقرائهم إذا عجزت أموال الزكاة والفيئ عن القيام بحاجة الجميع من الطعام والشراب واللباس والمأوى الذي يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وعيون المارة، والدولة هي التي تجمع هذه الأموال وتوزعها على المحتاجين ولا فرق في هذا بين المسلمين وغيرهم لأن هذا الحق يشترك فيه جميع الناس كاشتراكهم في الماء والنار فيضمن ذلك لكل فرد من أفراد الدولة بغض النظر عن دينه. فإذا ما ملك الإنسان مأوى و مسكن ،فلا يجوز لأحد ،أن يقتحم مأواه ،أو يدخل منزله إلا بإذنه، حتى لو كان الداخل خليفة، أو حاكماً أعلى –رئيس دولة- ما لم تدع إليه ضرورة قصوى أو مصلحة بالغة، لأن الله تعالى يقول :(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خيركم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم و إن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم و الله بما تعملون عليم )) و إذا نهى عن دخول البيوت بغير إذن أصحابها، فالاستيلاء عليها أو هدمها أو إحراقها من باب أولى، إلا إذا كان ذلك لمصلحة الجماعة، بعد ضمان البيت ضماناً عادلاً، و هذه المصلحة قد تكون بتوسعة مسجد، أو بناء شارع، أو إقامة مستشفى، أو نحو ذلك، و قد أجلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه –أهل نجران، و عوضهم بالكوفة. ولحفظ حرمة المنازل وعظمتها حرم الإسلام التجسس، فقال تعالى:( و لا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعضا )) وذلك لأن في التجسس انتهاكا لحقوق الغير والتي منها :حفظ حرمة المسكن، وحرية صاحبه الشخصية بعدم الاطلاع على أسراره. بل و بالغ الإسلام في تقرير حرية المسكن بأن أسقط القصاص والدية عمن انتهك له حرمة بيته، بالنظر فيه و نحوه، يدل على ذلك حديث أبى هريرة –رضي الله عنه-أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : (من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه) وهدرت:أي لاضمان على صاحب البيت. فعين الإنسان –رغم حرمتها وصيانتها من الاعتداء عليها وتغليظ الدية فيها –لكنها هنا أهدرت ديتها بسب سوء استعمالها واعتدائها على حقوق الغير . |
#11
|
||||
|
||||
د- حرية التملك:
و يقصد بالتملك حيازة الإنسان للشيء و امتلاكه له، و قدرته على التصرف فيه، و انتفاعه به عند انتقاء الموانع الشرعية، و له أنواع و وسائل نوجزها في الآتي: 1) أنواع الملكية: للملكية أو التملك نوعان بارزان،هما:تملك فردي ،و تملك جماعي. فالتملك الفردي: هو أن يحرز الشخص شيئاً ما ،و ينتفع به على وجه الاختصاص و التعين. وقد أعطى الإسلام للفرد حق التملك، و جعله قاعدة أساسية للاقتصاد الإسلامي، و رتب على هذا الحق نتائجه الطبيعية في حفظه لصاحبه، و صيانته له عن النهب و السرقة ،و الاختلاس و نحوه ،ووضع عقوبات رادعة لمن اعتدى عليه ،ضمانا له لهذا الحق ،و دفعا لما يتهدد الفرد في حقه المشروع .كما أن الإسلام رتب على هذا الحق أيضا نتائجه الأخرى، وهي حرية التصرف فيه بالبيع أو الشراء و الإجارة و الرهن و الهبة و الوصية و غيرها من أنواع التصرف المباح. غير أن الإسلام لم يترك (التملك الفردي) مطلقاً من غير قيد، ولكنه وضع له قيوداً كي لا يصطدم بحقوق الآخرين، كمنع الربا و الغش و الرشوة و الاحتكار و نحو ذلك، مما يصطدم ويضيع مصلحة الجماعة .و هذه الحرية لا فرق فيها بين الرجل و المرأة قال الله تعالى : ((للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن )). أما النوع الثاني:فهو التملك الجماعي :و هو الذي يستحوذ عليه المجتمع البشري الكبير، أو بعض جماعاته، و يكون الانتفاع بآثاره لكل أفراده، و لا يكون انتفاع الفرد به إلا لكونه عضواً في الجماعة، دون أن يكون له اختصاص معين بجزء منه، مثاله :المساجد والمستشفيات العامة والطرق والأنهار والبحار وبيت المال ونحو ذلك. و ما ملك ملكاً عاماً يصرف في المصالح العامة ،و ليس لحاكم أو نائبه أو أي أحد سواهما أن يستقل به أو يؤثر به أحد ليس له فيه استحقاق بسب مشروع وإنما هو مسؤول عن حسن إدارته و توجيهه التوجيه الصحيح الذي يحقق مصالح الجماعة ويسد حاجاتها. 2) وسائل الملكية: و هي طرق اكتسابها التي حددها الإسلام و عينها و حرم ما سواها ويمكن تقسيمها أيضا إلى قسمين :وسائل الملكية الفردية و الجماعية. - وسائل الملكية الفردية ،و لها مظهران: المظهر الأول :الأموال المملوكة ،أي المسبوقة بملك ،و هذه الأموال لا تخرج من ملك صاحبها إلى غيره إلا بسب شرعي كالوراثة ،أو الوصية ،أو الشفعة ، أو العقد ،أو الهبة ،أو نحوها. المظهر الثاني :الأموال المباحة ،أي غير المسبوقة بملك شخص معين ،و هذه الأموال لا يتحقق للفرد تملكها إلا بفعل يؤدي إلى التملك و وضع اليد ،كإحياء موات الأرض و الصيد ،واستخراج ما في الأرض من معادن ،و إقطاع ولي الأمر جزءاً من المال لشخص معين،والعمل ،و نحوه . على أن ثمة قيوداً على الملكية الفردية ،تجمل فيما يلي: 1/ مداومة الشخص على استثمار المال ،لأن في تعطيله إضراراً بصاحبه ،و بنماء ثروة المجتمع. 2/ أداء زكاته إذا بلغ نصاباً،لأن الزكاة حق المال،و كذلك إنفاقه في سبيل الله. 3/ اجتناب الطرق المحرمة للحصول عليه ،كالربا ،و الغش و الاحتكار و نحوه. 4/ عدم الإسراف في بذله أو التقتير. - وسائل الملكية الجماعية ،و لها مظاهر كثيرة ،نوجزها في الآتي: المظهر الأول :الموارد الطبيعية العامة ،و هي التي يتناولها جميع الناس في الدولة دون جهد أو عمل . كالماء ،و الكلأ ،و النار ،و ملحقاتها. المظهر الثاني :الموارد المحمية ،أي التي تحميها الدولة لمنفعة المسلمين أو الناس كافة ،مثل :المقابر ،والمعسكرات ،و الدوائر الحكومية ،والأوقاف ،والزكوات و نحوها. المظهر الثالث :الموارد التي لم تقع عليها يد أحد ،أو وقعت عليها ثم أهملتها مدة طويلة كأرض الموات. المظهر الرابع :الموارد التي تجنيها الدولة بسبب الجهاد كالغنائم والفيء ونحوها |
#12
|
||||
|
||||
هـ - حرية العمل:
العمل عنصر فعال في كل طرق الكسب التي أباحها الإسلام، و له شرف عظيم باعتباره قوام الحياة ولذلك فإن الإسلام أقر بحق الإنسان فيه في أي ميدان يشاؤه ولم يقيده إلا في نطاق تضاربه مع أهدافه أو تعارضه مع مصلحة الجماعة. و لأهمية العمل في الإسلام اعتبر نوعاً من الجهاد في سبيل الله ،كما روى ذلك كعب بن عجرة –رضي الله عنه –قال : (مر على النبي صلى الله عليه و سلم رجل ،فرأى أصحاب الرسول الله صلى الله عليه و سلم من جلده و نشاطه، فقالوا :يا رسول الله ،لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً، فهو في سبيل الله،و إن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ،و إن كان خرج يسعى على نفسه يعضها فهو في سبيل الله، و إن كان خرج يسعى رياء و مفاخرة فهو في سبيل الشيطان). وهكذا نجد كثيراً من نصوص الكتاب و السنة ،تتحدث عن العمل و تحث عليه وتنوه بأعمال متنوعة كصناعة الحديد و نجارة السفن ،و فلاحة الأرض ،و نحو ذلك ،لأن العمل في ذاته وسيلة للبقاء، و البقاء –من حيث هو – هدف مرحلي للغاية الكبرى، و هي عبادة الله، و ابتغاء رضوانه ، وبقدر عظم الغاية تكون منزلة الوسيلة، فأعظم الغايات هو رضوان الله تعالى، و بالتالي فإن أعظم وسيلة إليها هي العمل و التضحية، و إنما نوه القرآن بالعمل والكسب للتنبيه على عظم فائدته و أهميته للوجود الإنساني، وأنه أكبر نعمة الله على الإنسان. |
#13
|
||||
|
||||
الصنف الثاني :الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية ،و هذا الصنف يشمل الآتي: أ-حرية الاعتقاد: ويقصد بها اختيار الإنسان لدين يريده بيقين، و عقيدة يرتضيها عن قناعة، دون أن يكرهه شخص آخر على ذلك .فإن الإكراه يفسد اختيار الإنسان، و يجعل المكره مسلوب الإرادة ،فينتفي بذلك رضاه و اقتناعه و إذا تأملنا قول الله تعالى : ((لا إكراه في الدين )) نجد أن الإسلام رفع الإكراه عن المرء في عقيدته، و أقر أن الفكر و الاعتقاد لا بد أن يتسم بالحرية، وأن أي إجبار للإنسان، أو تخويفه، أو تهديده على اعتناق دين أو مذهب أو فكره باطل و مرفوض، لأنه لا يرسخ عقيدة في القلب، و لا يثبتها في الضمير. لذلك قال تعالى : ((و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) و قال أيضاً ((فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر )) كل هذه الآيات و غيرها ،تنفي الإكراه في الدين،و تثبت حق الإنسان في اختيار دينه الذي يؤمن به. هذا و يترتب على حرية الاعتقاد ما يلي: 1) إجراء الحوار و النقاش الديني ،وذلك بتبادل الرأي و الاستفسار في المسائل الملتبسة ،التي لم تتضح للإنسان ،و كانت داخلة تحت عقله و فهمه –أي ليست من مسائل الغيب – وذلك للاطمئنان القلبي بوصول المرء إلى الحقيقة التي قد تخفى عليه، وقد كان الرسل والأنبياء عليهم الصلاة و السلام يحاورون أقوامهم ليسلموا عن قناعة و رضى و طواعية ، بل إن إبراهيم –أبا الأنبياء عليه السلام –حاور ربه في قضية ((الإحياء و الإماتة )) ليزداد قلبه قناعة و يقيناً و ذلك فيما حكاه القرآن لنا في قوله تعالى : ((وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً فلما تبين له قال أعلم أن الله عزيز حكيم )) بل إن في حديث جبريل عليه السلام ،الذي استفسر فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ((الإسلام ))و ((الإيمان ))و ((الإحسان )) و ((علامات الساعة )) دليل واضح على تقرير الإسلام لحرية المناقشة الدينية ،سواء كانت بين المسلمين أنفسهم، أو بينهم و بين أصحاب الأديان الأخرى، بهدف الوصول إلى الحقائق و تصديقها، لا بقصد إثارة الشبه و الشكوك و الخلافات، فمثل تلك المناقشة ممنوعة، لأنها لا تكشف الحقائق التي يصل بها المرء إلى شاطئ اليقين. 2) ممارسة الشعائر الدينية ،و ذلك بأن يقوم المرء بإقامة شعائره الدينية ،دون انتقاد أو استهزاء ، أو تخويف أو تهديد،و لعل موقف الإسلام الذي حواه التاريخ تجاه أهل الذمة –أصحاب الديانات الأخرى –من دواعي فخره و اعتزازه ،و سماحته ،فمنذ نزل الرسول صلى الله عليه و سلم يثرب –المدينة المنورة –أعطى اليهود عهد أمان ، يقتضي فسح المجال لهم أمام دينهم و عقيدتهم، و إقامة شعائرهم في أماكن عبادتهم .ثم سار على هذا النهج الخلفاء الراشدون ،فكتب عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – لأهل إيلياء –القدس- معاهدة جاء فيها : (( هذا ما أعطاه عمر أمير المؤمنين ، أهل ايلياء من الأمان ،أعطاهم أمانا على أنفسهم ،و لكنائسهم و صلبانهم ،،، لا تسكن كنائسهم ولا تهدم و لا ينتقص منها و لا من غيرها و لا من صلبهم، و لا يكرهون على دينهم ،و لا يضار أحد منهم )) و ها هم علماء أوروبا اليوم ،يشهدون لسماحة الإسلام ،و يقرون له بذلك في كتبهم .قال ((ميشود )) في كتابه (تاريخ الحروب الصليبية ) : (( إن الإسلام الذي أمر بالجهاد ،متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى و هو قد أعفى البطاركة و الرهبان و خدمهم من الضرائب،و قد حرم قتل الرهبان –على الخصوص – لعكوفهم على العبادات، ولم يمس عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس، وقد ذبح الصليبيون المسلمين و حرقوا اليهود عندما دخلوها )) أي مدينة القدس
|
#14
|
||||
|
||||
ب- حرية الرأي:
و تسمى أيضا بحرية التفكير و التعبير، وقد جوز الإسلام للإنسان أن يقلب نظره في صفحات الكون المليئة بالحقائق المتنوعة، و الظواهر المختلفة، و يحاول تجربتها بعقله، و استخدامها لمصلحته مع بني جنسه، لأن كل ما في الكون مسخر للإنسان، يستطيع أن يستخدمه عن طريق معرفة طبيعته و مدى قابليته للتفاعل و التأثير ،ولا يتأتى ذلك إلا بالنظر و طول التفكير. هذا و لإبداء الرأي عدة مجالات و غايات منها: 1) إظهار الحق و إخماد الباطل ،قال تعالى : ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون)) فالمعروف هو سبيل الحق ،و لذلك طلب من المؤمن أن يظهره ،كما أن المنكر هو سبيل الباطل ،و لذلك طلب من المؤمن أن يخمده. 2) منع الظلم و نشر العدل ،و هذا ما فعله الأنبياء و الرسل إزاء الملوك و الحكام و يفعله العلماء و المفكرون مع القضاة و السلاطين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ). 3) و قد يكون إبداء الرأي ،بتقديم الأمور حسب أهميتها و أولويتها، و هذا أكثر ما يقوم به أهل الشورى في أكثر من بلد ،و أكثر من مجتمع و قد يكون بأي أسلوب آخر،إذ من الصعب حصرها ،و لكنها لا تعني أن يخوض الإنسان فيما يضره، ويعود عليه بالفساد، بل لا بد أن تكون في إطار الخير والمصلحة إذ الإسلام بتقريره حرية الرأي ، إنما أراد من الإنسان أن يفكر كيف يصعد، لا كيف ينزل، كيف يبني نفسه و أمته،لا كيف يهدمها سعياً وراء شهوتها وهواها. وباستعراض التاريخ الإسلامي ،نجد أن ((حرية الرأي )) طبقت تطبيقاً رائعاً ،منذ عصر النبوة ،فهذا الصحابي الجليل ،حباب بن المنذر ، أبدى رأيه الشخصي في موقف المسلمين في غزوة بدر ،على غير ما كان قد رآه النبي صلى الله عليه و سلم ،فأخذ النبي صلى الله علبه و سلم برأيه ، و أبدى بعض الصحابة رأيهم في حادثة الإفك ،و أشاروا على النبي صلى الله عليه و سلم بتطليق زوجته عائشة –رضي الله عنها – إلا أن القرآن برأها ،و غير ذلك من المواقف الكثيرة التي كانوا يبدون فيها آراءهم |
#15
|
||||
|
||||
ج- حرية التعلم:
طلب العلم و المعرفة حق كفله الإسلام للفرد،و منحه حرية السعي في تحصيله،و لم يقيد شيئاً منه، مما تعلقت به مصلحة المسلمين ديناً و دنيا، بل انتدبهم لتحصيل ذلك كله، و سلوك السبيل الموصل إليه، أما ما كان من العلوم بحيث لا يترتب على تحصيله مصلحة، و إنما تتحقق به مضرة و مفسدة، فهذا منهي عنه، و محرم على المسلم طلبه، مثل علم السحر و الكهانة ،و نحو ذلك. و لأهمية العلم و المعرفة في الحياة ،نزلت آيات القرآن الأولى تأمر النبي صلى الله عليه و سلم بالقراءة قال تعالى: ((اقرأ باسم ربك الذي خلق ،خلق الإنسان من علق ،اقرأ و ربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ،علم الإنسان ما لم يعلم)) و القراءة هي مفتاح العلم ،و لذلك لما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة،و نصب عليه الكفار الحرب،و انتصر المسلمون و أسروا من أسروا من المشركين، جعل فداء كل أسير من أسراهم ،تعليم القراءة و الكتابة لعشرة من صبيان المدينة و هذا من فضائل الإسلام الكبرى، حيث فتح للناس أبواب المعرفة، و حثهم على و لوجها و التقدم فيها، و كره لهم القعود عن العلم و التخلف عن قافلة الحضارة و الرفاهية و الازدهار. و من أجل ذلك كان على الدولة الإسلامية ،أن تيسر سبل التعليم للناس كافة، و تضمن لكل فرد حقه في ذلك لأن هذا الحق مضمون لكل فرد من رعاياها كسائر الحقوق الأخرى. |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
المسلم, الثورة, العدل, اخلاق |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|