اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا

محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-01-2018, 01:35 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp نماذج من حوار الرسول صلى الله عليه وسلم


يتألف أي مجتمع من أناس مختلفي المستويات المعرفية والعقلية، ومن المهم أن يتحاور أصحاب الرسالات والدعوات مع مختلف شرائح المجتمع، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان يجالس الكبير والصغير، المرأة والطفل والشيخ، ويتحاور مع كل هؤلاء. وتعد شريحة البسطاء من الناس من أهم الشرائح التي حاورها الرسول صلى الله عليه وسلم، نظرا لأنها تمثل الغالبية من الناس في أي مجتمع، خاصة المجتمع في الجزيرة العربية، وهو مجتمع بدوي قبلي. فقد أولى الرسول عنايته البالغة بهذه الفئة، وكان حواره مع أفرادها يتناول القضايا الأساسية في الإسلام، خاصة مسائل التوحيد، فهي الأساس في دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي القضية الكبرى في مناقشات الرسول، منذ أولى أيام بعثته في مكة المكرمة ثم في هجرته إلى المدينة المنورة، حيث لم ينقطع حوار الدعوة، مثلما لم ينقطع حوار التوحيد، ونبذ الشرك، وتطهير القلوب من الوثنية والشرك، ولن تنفصل تعاليم الإسلام الأساسية عن حوار العقيدة، لذا نجد الكثير من الأحاديث الشريفة ربطت ما بين الإيمان والعمل بأركان الإسلام، واجتناب نواهيه.
*
وقد دارت حوارات عديدة بين الرسول والبسطاء حول هذه القضية، ونرى في هذا الباب حوار الرسول معهم في أمكنة وأزمنة متعددة، وبكيفيات مختلفة، يمكن أن نعرض بعضا منها:
• عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ... كَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ. فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ قَالَ ‏"‏ صَدَقَ ‏".‏ قَالَ فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ قَالَ ‏"‏ اللَّهُ ‏".‏ قَالَ فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ قَالَ ‏"‏ اللَّهُ ‏".‏ قَالَ فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ اللَّهُ ‏".‏ قَالَ فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ قَالَ ‏"‏ نَعَمْ ‏".‏ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا ‏.‏ قَالَ ‏"‏ صَدَقَ‏".‏ قَالَ فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمْرَكَ بِهَذَا قَالَ ‏"‏ نَعَمْ ‏".‏ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا ‏.‏ قَالَ ‏"‏ صَدَقَ ‏".‏ قَالَ فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمْرَكَ بِهَذَا قَالَ ‏"‏ نَعَمْ ‏".‏ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا ‏.‏ قَالَ ‏"‏ صَدَقَ ‏".‏ قَالَ فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ ‏"‏ نَعَمْ ‏".‏ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ‏.‏ قَالَ ‏"‏ صَدَقَ ‏".‏ قَالَ ثُمَّ وَلَّى ‏.‏ قَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُنَّ ‏.‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ ‏"‏ ‏[1].
*
إننا أمام مشهد حواري جذاب، فهذا أحد الأعراب، قدم من قبيلة في البادية، وراح يحاور الرسول، والرسول يجيب، ونرى أن الحوار بدأ بالقضايا العقدية: خالق السماء والأرض والجبال، ثم فرائض الإسلام، وصولا إلى قرار البدوي أن يلتزم بهذه الفرائض، مثلما التزم بالعقيدة، وقد صدّق الرسول على ما قاله البدوي، وأكد صلى الله عليه وسلم أنه سيفلح إن كان صادقا، والمقصود بالفلاح: الفوز برضوان الله والجنة، وهو تعبير عام، يشمل السعادة في الدنيا والآخرة.
*
في الحديث السابق أمور عدة:
إن الأعرابي جاء ليستوثق مما قاله الرجل الذي بعثه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان الرسول يبعث إلى كل قبيلة أو قرية أو مدينة من يعلمها أمور دينها، فهذه أسئلة دالة على علمه المسبق بحقائق الإسلام وأركانه، وقد كان الحوار للاستيثاق مما نقله مندوب الرسول محمد إلى هذه قبيلة البدوي، لذا تكررت عبارة " زَعَمَ رَسُولُكَ ".
*
كما وردت عبارات البدوي بصيغة استفهامية، دون ذكر أداة استفهام، ولكن الخطاب بصيغة السؤال، وهي صيغة تعني الأداة (هل أو الهمزة)، وقد حذفت لأنها معلومة للسامع. الجديد في الجواب، أن الرسول لم يجب – على أغلب الأسئلة - بلفظة " نعم "، وإنما بالفعل الماضي " صدق "، وهو يشمل الإيجاب، والتصديق، والتأكيد، بينما جاءت إجابته بنعم على سؤالين فقط.
*
كما نلاحظ أن ما ذكره مبعوث رسول الله إلى القبيلة يتضمن المعلوم من الإسلام بالضرورة، وهي حقائق العقيدة، وأن الكون له خالق عظيم، واحد أحد، ثم ذكر أركان الإسلام: الصلاة، الصوم، الزكاة، الحج. وهذا دليل على أن الرسول كان يعرض العقيدة والعبادة في آن، ومن التزم بهذه الأركان، وصحّت عقيدته، فهو سينال الفلاح في الدنيا (سعادة النفس وهناءها)، وفي الآخرة رضوان الله تعالى، وجناته.
*
وقد صدق الرسول على تعقيب الأعرابي، بأن لا يزيد ولا ينقص، في إشارة إلى الالتزام، وقد جاء لفظ الرسول " إن صدق "، إيضاحا بأن مفهوم الصدق يشمل الالتزام بالنية والقول والفعل.
*
‏• عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ وَلاَ نَفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ‏".‏ فَقَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ ‏"‏ لاَ ‏.‏ إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ ‏".‏ فَقَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهُ فَقَالَ ‏"‏ لاَ ‏.‏ إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ ‏".‏ وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ فَقَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا قَالَ ‏"‏ لاَ ‏.‏ إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ ‏"‏ قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ ‏"‏[2].‏
*
يفرّق هذا الحديث بين الفرض والتطوع، والتطوّع يعني أداء النافلة والسنن وأعمال الخير التي يمكن أن يقوم بها المسلم. ونلحظ أن الرجل كان يسأل عن الإسلام، أي الأعمال التي تُظهِر عبادات المسلم، وتميزه بالإسلام دينا ومنهجا وسلوكا، وما نلاحظ التدرج في الفرائض: خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام رمضان، والزكاة، ولم يذكر الرسول الشهادة، لأن الواضح من سياق الحديث أن الرجل مسلم، وربما يكون حديث عهد بالإسلام، أو بسيط الفهم ومحدود الإدراك، وهذا يستوجب خطابا: بسيطا، محدد الكلمات. كما لم يشر الرسول إلى الحج وهو ركن خامس في أركان الإسلام، وربما يكون الحديث ذُكِرَ في وقت لم يفرض الحج فيه على المسلمين بعد، أو لأن الحج ركن معروف شهير، فأراد الرسول التركيز على العبادات الأساسية التي تهم المسلم في اليوم والشهر والسنة، وتشمل حياة المسلم.
*
الجديد في هذا الحديث أن الرسول كان يكرر عبارة " إلا أن تطوّع " في إشارة إلى أهمية التفرقة بين الفرض والنافلة، فربما يختلط الأمر على رجل حديث المستجد في الدين أو بسيط الفهم فيخلط ما بين النافلة والفرض فيما يشاهده من عبادات المسلمين.
*
كما ختم الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث بعبارة " أفلح إن صدق"، وهي تحمل نفس الدلالة التي ذكرت في الحديث الأول، وهي دلالة: إخلاص النية لله تعالى، والالتزام بالعبادة.
*
• ونفس الأمر نجده في هذا الموقف: فيما يرويه الصحابي الجليل: أنس بن مالك (رضي الله عنه): بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ. فقال له الرجل: ابن عبد المطلب؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك. فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك. فقال: سل عما بدا لك. فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: اللهم نعم. قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم. قال أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: اللهم نعم. قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم. فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر [3].
*
الحديث السابق، يمثل زاوية أخرى لما تقدّم من أحاديث، مع تعميق محاور إيمانية أخرى. ولكن نلحظ حجم الصراحة التي كان عليها الرجل القادم على ناقته في المسجد، وهي صراحة مبدئية، بدأت من الاستيثاق من شخص الرسول، بالسؤال عن " محمد " الإنسان، ثم التأكد من أنه ابن عبد المطلب، جد الرسول الذي حظي بمكانة كبيرة بين الناس لمواقفه العديدة الشهيرة؛ حفز زمزم، ومواجهة حملة أبرهة الأشرم وغيرهما. ومن ثم بدأ بوضع قاعدة لحواره: ": إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك "، أي سيسأله بصراحة ويرجو ألا يغضب الرسول أو يتضايق من تساؤلاته. وقد أفسح الرسول المجال أمامه، فتساءل مركزا على: بعث النبي إلى جميع الناس وهو مفهوم عالمية الدعوة الإسلامية، دون *** أو عرق أو وطن أو زمان. وعن الصلوات المفروضة، وعن الصوم، والصدقة المفروضة (الزكاة). ثم يختم مقولته أنه مؤمن بما جاء به الرسول، وسيخبر قومه، موضحا أصل نسبه ونسب قبيلته.
*
الموقف دال على اتساع صدر الرسول، وأنه يهتم في ذلك بالجميع، مهما تكررت الأسئلة، وتعدد السائلون، ونجد أن جواب الرسول بصيغة توكيدية "اللهم نعم " وهي صيغة بها لفظ الدعاء " اللهم " ثم الإيجاب " نعم "، فواضح أن ارجل موقن بالله تعالى، وأنما أراد التوثيق. وسيتولى إبلاغ قومه.
*
• عن أَبي أَيُّوبَ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا، عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي سَفَرٍ ‏.‏ فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِزِمَامِهَا ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - أَوْ يَا مُحَمَّدُ - أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ ‏.‏ قَالَ فَكَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ ‏"‏ لَقَدْ وُفِّقَ - أَوْ لَقَدْ هُدِيَ - قَالَ كَيْفَ قُلْتَ ‏".‏ قَالَ فَأَعَادَ ‏.‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ، دعِ النَّاقَةَ"‏[4]‏.‏
*
هنا نجد مشهدا حواريا، حدث بشكل مفاجئ، ضمن الحوار الموصول بين الرسول ومحاوريه. فالرسول على راحلته سائر، ويوقفه رجل، ويطلب منه أن يخبره عما يقربه من الجنة ويبعده عن النار. إنه سؤال بسيط، ولكنه الأساس في الدعوة الإسلامية كلها، إنه يسأل عن طريق الخير والجنة. كان الموقف عفويا، ولكن الرسول لم يطلب من الرجل أن ينتظر حتى يترجل من فوق الناقة، أو يؤجل الجواب إلى حين، وإنما أجابه فور الاستفسار، معلقا لمن حوله " لقد وفق، لقد هدي " ذلك أن استفسار هذا الرجل البسيط يعبر عن جوهر الدين، وروح العبادة؛ ألا وهو سبل الخير والجنة.
*
واضح من سؤال الرجل أنه مسلم، بسيط، معلوماته في الدين قليلة، وهذا ما جعل الرسول يوجز القول معددًا سبل النجاة له: توحيد الله، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، صلة الرحم. الجديد عما سبق أن التأكيد على صلة الرحم، وتعزيز العلاقة مع الأقارب والأصهار، فلا قطيعة معهم، وإنما حب ومودة وإيثار.
*
لقد أوقف الرجل الناقة وهو يشد خطامها، ثم طلب الرسول من الرجل أن يدع الناقة بعدما أجابه، والرجل يخاطب الرسول " يا محمد"، وهذا يتكرر في مواضع عدة في هذا الحديث وفي غيره، دون أن ألقاب مسبقة، وهو رسول الله وزعيم المسلمين وقائدهم، والرسول يقبل هذا الخطاب، من أي فرد، وفي أية حال، راكبا أو قاعدا أو ماشيا، إنه مدرسة متحركة.
*
• عن عبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ؛ أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أي أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ"‏‏[5].‏
*
هذا الحديث لم يذكر في إطار حواري مباشر، أي لم يأت جوابا عن سؤال أو في نقاش مع رجل، ولكنه جاء إخبار مباشر من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مستمعيه، وهذا يستلزم الطبيعة الإخبارية، ولكنه في باطنه أساس مهم في الحوار مع أهل الكتاب، وقد بدأ الحديث بلفظة " من قال... "، وهذا يعني توجيه سام إلى القول، والقول هنا لا يشمل الترديد باللسان، وإنما إيمان القلب بالمنطوق، وقد شمل الحديث أساس العقيدة الإسلامية: الإيمان بالله وحده وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم نبوة عيسى، وبشريته، وأنه ابن للسيدة مريم العذراء، وضعته بكلمة من الله وروح منه، وهذا جوهر المنظور الإسلامي إلى نبوة عيسى عليه السلام، ثم أن الجنة حق والنار حق.
*
عزز الحديث السابق – زيادة على التوحيد – قاعدتين: الإيمان بنبوة عيسى، وهذا جزء من يقين المسلم بالكتب والديانات السماوية والنبوات السابقة عامة، وديانة عيسى عليه السلام خاصة... ثم ركز الحديث على الإيمان المطلق (الحق) بالجنة والنار، وهذا أساس ركين في عقيدة المسلم، فالجنة / أمل المؤمن، والنار / خوف المؤمن، كلتاهما من الغيبيات، لم نرهما، ولكن اليقين بهما أساس في العقيدة، فهما باب الأمل، وباب الخوف، ومن أيقن بهما، وتمثلهما في قلبه، وسلوكه، كانتا واقعين أمامه، يعمل طمعا في لذائذ الجنة الأبدية، وخوفا من سرمدية العذاب في النار.
*
• عنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُؤَاخَذُ الرَّجُلُ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا كَانَ عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ[6].
*
كان سؤال الرجل بسيطاً: هل يحاسب المسلم إذا أسلم على ما قدّم في جاهليته من آثام ومعاص. وقد أجاب الرسول أن هذا يتوقف على ما أعطاه العبد المسلم من أعمال صالحة أو طالحة، فإذا كان صالحا، غفر الله حقبة الجاهلية، وقبل ما عمل في الإسلام، لأن الإسلام يجبّ ما قبله، أما إذا كان طالحا في إسلامه، فهو مؤاخذ على أعمال الحقبتين: جاهليته وإسلامه.
*
وفي نفس هذا السياق، يكون الحديث الآتي:
• عَنْ مَسَرَّةَ بْنِ مَعْبَدٍ، مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ أَبِي الْحَرَامِ مِنْ لَخْمٍ عَنِ الْوَضِينِ، أَنَّ رَجُلًا، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ وَعِبَادَةِ أَوْثَانٍ فَكُنَّا نَقْتُلُ الْأَوْلَادَ وَكَانَتْ عِنْدِي ابْنَةٌ لِي فَلَمَّا أَجَابَتْ وَكَانَتْ مَسْرُورَةً بِدُعَائِي إِذَا دَعَوْتُهَا فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَاتَّبَعَتْنِي فَمَرَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُ بِئْرًا مِنَ أهْلِي غَيْرَ بَعِيدٍ فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَرَدَّيْتُ بِهَا فِي الْبِئْرِ وَكَانَ آخِرَ عَهْدِي بِهَا أَنْ تَقُولَ يَا أَبَتَاهُ يَا أَبَتَاهُ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَكَفَ دَمْعُ عَيْنَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْزَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ كُفَّ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَمَّا أَهَمَّهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَعِدْ عَلَيَّ حَدِيثَكَ فَأَعَادَهُ فَبَكَى حَتَّى وَكَفَ الدَّمْعُ مِنْ عَيْنَيْهِ عَلَى لِحْيَتِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا عَمِلُوا فَاسْتَأْنِفْ عَمَلَكَ [7]
*
هذه لوحة إنسانية عالية الشجن، رجل من المسلمين، يصف حاله في الجاهلية، حين كان يئدون البنات وهن أحياء، وكما ذُكِر في القرآن الكريم ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ ﴾ [8]، لقد كان لهذا الرجل المسلم ابنة صغيرة، كانت متعلقة بأبيها تعلقا كبيرا، إذا دعاها أجابته وهي سارة، وكبرت البنت، والأب يحتفي بها دائما، ولكن غلبت عليه الجاهلية، وتقاليدها، حين كانوا يئدون البنات، خوفا من العار إذا أسرت في الحرب، وصارت جارية تباع وتسترق وتستباح للمنتصر. فيناديها الرجل، وتذهب معه بالقرب من أحد الآبار، وهناك يلقيها في البئر، وتسقط البنت وهي تصرخ " يا أبتاه، يا أبتاه ". لقد تحجر فؤاده، وهو يلقي فلذة كبده، خاضعا لعادات فاسدة.
*
أبكت القصة الرسول بكاء شديدا، حتى اخضلت لحيته، ولام الصحابة الرجل على إحزانه الرسول، ولكن الرسول يطلب من أن يعيد القصة، لأن الرجل يسأل عن شيء أهمّه (شغل باله وأحزنه)، فيريد أن يفضي بمكنون خاطره إلى الرسول، يعيد الرجل القصة ويتجدد بكاء النبي الشديد، ثم يخبر الرجل أن الله غفر لأهل الإسلام ما عملوا في جاهليتهم، فليستأنف عمله الصالح في إسلامه، مطمئنا إلى اتساع مغفرة الله تعالى.
*
جاء ذكر الرجل لقصته من باب السؤال غير المباشر، خوفا أن تكون أفعاله في الجاهلية محسوبة عليه، وأراد أن يخرج مكنون همه إلى الرسول، لعله يجد مخرجا، وقد بكى الرسول مدينا الفعلة، ونرى كيف كان أهل الجاهلية *****ي الرحمة، غلاظ النفس.
*
وهكذا، كانت علاقة الرسول مع البسطاء وحديثي الإسلام، علاقة حية، متجددة، تعتمد على اكتساب القلوب، وترسيخ الإيمان، والفوز بقلوب الناس مهما كان مستواهم العقلي، والثقافي، وأيا كانت منابتهم وأصولهم، إنها القلوب التي كان الرسول يتطلع إليها دائمًا.

[1] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم (111).
[2] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم (109).
[3] صحيح البخاري، ج1، كتاب العلم، ص 39، رقم 63.
[4] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم (113).
[5] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم (149).
[6] سنن الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن برهام الدارمي السمرقنديكتاب المقدمة، نشر موقع (نداء الإيمان)، مكتبة التراث الإسلامي، رقم (1)
[7] سنن الدارمي، كتاب المقدمة، رقم (2)
[8] سورة التكوير، الآيتان (8، 9).

د. مصطفى عطية جمعة
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:45 PM.