|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
مفاهيم حضارية في الحديث النبوي الشريف
لاحظتُ من خلالِ قراءتي للقرآن الكريم أن الله سبحانه اعتَنى بتعليم نبيِّه صلى الله عليه وسلم أيَّما عناية، فهو يخاطبه بقوله:
1- ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113]. 2- وفي سورة محمد خاطبه بقوله: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]. 3- ثم طلب منه أن يسأله الزيادة في العلم، فقال: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]. وإذا أردتَ أن تشاهد أثر هذه العلوم التي أفاضها سبحانه على هذا النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأَدِمْ قراءة حديثه الشريف؛ ففيه مِن الكنوز العظيمة ما لا يخطر لك على بال، ووفَّق الله تعالى بالكشف عن بعض المفاهيم الحضارية في هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جعلتُها في عشر نقاط؛ وهي: 1- مِن أبدع المصطلحات النبوية: (مصطلح البدعة)؛ فهو قد حفظ الدين من إحداث خلل فيه، ولم يُخرِج المبتدِعِين من دائرته اﻷوسع إلا إذا أتَوا بمكفِّر، وهذا نموذج مهم من نماذج السماحة في هَدْي النبوة. كما يلاحَظ أن النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من الابتداع في الدين، وشجَّع على اﻹبداع في أمور الدنيا، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنتم أعلم بأمر دنياكم)). 2- اﻹخبار عن نقض الحُكم وموقف المسلم منه: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَتُنْقَضَنَّ عُرى الإسلام عروةً عروةً، فكلما انتقضت عروةٌ تشبَّث الناس بالتي تليها، فأولُهن نقضًا: الحكم، وآخرهن: الصلاة))[1]. في هذا الحديث النبوي إخبارٌ عن انتقاض الحكم مبكرًا، كما يتضمن تحذيرًا لِما يمكن أن يصاحبه من مخالفة لأحكام الشرع في الحكم. وهذا اﻹخبار من رحمة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأمَّتِه؛ فإنه أخبَرهم عما سيقع من أمور عظيمة في مجال الحكم، ثم بيَّن لهم في أحاديثَ أخرى الموقفَ الذي يجب اتخاذه إذا هم أدرَكوا ذلك. فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كرِه من أميره شيئًا فليصبِرْ؛ فإنه مَن خرج من السلطان شبرًا، مات ميتة جاهلية))[2]. وحديث عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيار أئمتِكم الذين تحبُّونهم ويحبونكم، وتُصلُّون عليهم ويصلون عليكم، وشرارُ أئمتكم الذين تُبغِضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم))، قال: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم؟ قال: ((لا، ما أقاموا فيكم الصلاة))[3]. وبهذا يتم التوفيق بين اﻷحاديث النبوية، وقد قال الحافظ ابن حجر: "المتعين على مَن يتكلم على الأحاديث أن يجمع طرُقَها، ثم يجمع ألفاظ المتون إذا صحَّت الطرق، ويشرحها على أنه حديث واحد؛ فإن الحديث أولى ما فُسِّر بالحديث"[4]. 3- إن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: ((لا تغضب))، فردَّد مرارًا، قال: ((لا تغضب))[5]، وقال: ((إن الغضب من الشيطان...))، وصدق مَن قال: "إنك تخطو نحو الشيخوخة يومًا، مقابل كل دقيقة من الغضب"! 4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكونوا إمعة...))؛ فالإمعة ليس له موقف ثابت، يتلوَّن حسب المواقف. وصدق مَن قال: "شكرًا لأصحاب الوجه الواحد، والقلب الواحد، والموقف الواحد". 5- قال ابن رواحة في رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لم تكُنْ فيه آياتٌ مبيِّنةٌ ♦♦♦ لكان منظرُه يُنْبِيك بالخبَرِ[6] وقلت: وصدق ابن رواحة؛ فإن السَّمْتَ الحسن إشارةٌ إلى صلاح الرجل، كما أن السمت السيئ يشير إلى سوء حاله، وعن السمت الحسن قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد: جزءٌ من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة))؛ رواه الترمذي وحسَّنه، وفي الحديث: ((ثم يوضع له القَبول في الأرض)). وصدق مَن قال: وجوهٌ عليها للقَبولِ علامةٌ ♦♦♦ وليس على كلِّ الوجوهِ قَبولُ 6- يعرف كثير مِن الناس تجديد البيت، والثياب، والسيارة، واﻷثاث، ولكن بعضهم: لا يعرف تجديد الإيمان، والفكر، والآراء! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الإيمان يخلُق (أي: يَبْلَى) كما يخلُق الثوب؛ فجدِّدوا إيمانكم))، وفي رواية: ((إن الإيمان ليخلُقُ في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم))[7]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جدِّدوا إيمانكم))، قيل: يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: ((أكثِروا مِن قول: لا إله إلا الله))[8]. 7- أهل العلم والكسب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان داود لا يأكل إلا من عمل يده))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه)). ما أجمل هذه اﻷحاديث في الكسب! وما أجمل أن يأكل العالِم مِن كسب يده، ولا يكون عبدًا للوظيفة والراتب! وكان عددٌ مِن علماء السلف على هذا؛ منهم: ابن سيرين، وأبو حنيفة، وابن المبارك، وسفيان الثوري، وأدركنا بعض المعاصرين على ذلك. وقد كان الإمام أحمد يأمر بالسوق، ويقول: "ما أحسَنَ الاستغناءَ عن الناس!". وكان إبراهيم بن أدهم إذا قيل له: كيف أنت؟ قال: "بخير ما لم يتحمَّل مؤنتي غيري". وقال أبو وائل: "درهمٌ مِن تجارة أحبُّ إليَّ من عشرة من عطاء". وقال رجل لابن عُيَيْنة: يكون الرجل زاهدًا وعنده مائة دينار؟ قال: نعم، قال: وكيف ذلك؟ قال: لا يغتمُّ إن نقصت، ولا يفرح إن زادت، ولا يكره الموت لفراقها. وكان ابن المبارك يأتي بالبضائع مِن بلاد خراسان إلى مكة، فسئل عن ذلك، فقال: "إنما أفعل ذا لأصونَ به وجهي، وأُكرِم به عِرضي، وأستعين به على طاعة ربي"[9]. 8- مَن هو السعيد في هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم؟ ((إن السعيد لمن جُنِّب الفتن))[10]. 9- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أوحى إليَّ أن تواضَعوا؛ حتى لا يفخر أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحد))[11]. من العيوب الاجتماعية المنتشرة بكثرة في هذا العصر: داء الفخر بالرأي، والثياب، والبيوت، واﻷثاث، والأولاد، والجنسية، والبلد، نسأل الله أن يخلِّصنا من الفضول. 10- عدم التطلع إلى المناصب اﻹدارية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عبدالرحمن بن سَمُرة، لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أُعطِيتَها عن مسألةٍ، وُكلتَ إليها، وإن أُعطِيتَها عن غير مسألة، أُعِنتَ عليها))[12]. مِن خصائص اﻹدارة النبوية أنها تُوجِّه إلى عدم التطلُّع إلى المناصب الإدارية والحرص عليها؛ لأنها مسؤولية وأمانة، وقد رأينا المتشوِّفَ لها يفعل الأفاعيل لنَيْلها. [1] أخرجه أحمد (30 /355 ) رقم (18406)، وابن حبان في صحيحه (6715)، والحاكم 4/ 92، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/284: "رجاله رجال الصحيح". [2] متفق عليه. [3] رواه مسلم. [4] فتح الباري: 6 /475. [5] رواه البخاري. [6] الشفا؛ للقاضي عياض (ص309). [7] رواه أحمد، والطبراني في الكبير، والحاكم في مستدركه. [8] رواه أحمد في مسنده، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10 /85: "رجال أحمد ثقات". [9] انظر كتاب: الحث على التجارة والصناعة؛ لأبي بكر بن الخلال، تحقيق الشيخ/ أبو غدة. [10] أخرجه أبو داود في سننه (4263). [11] رواه مسلم (2865). [12] رواه البخاري. د. عبدالسميع الأنيس
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|