معتقل حر
يسّترد وعيه ساعة هروب الشمس من المغرب الي المشرق وبعد صراع مع كوابيس ليلية تخلّلتها لحظات حميمية مع إحدي عاهرات عقله الباطن تتحول فجأة الي أفعي تحتضن شططه وصحراء فكره ،يهب الي الماء مشوشاً .سريعاً الي الشبكة العنكبوتية يفتّش عن شيء يرتديه يزين بها جسده النحيل وعراء فكره الواهم واعصابه المنتهكة ، يخرج الي عمله في أبهي صورة متعطراً بنداء الفضيلة علّها تستر ليلته الفائتة ،يصارع لسعات عقارب الساعة متمنياً نهاية اليوم في بدايته ،يواجه سياط جلاديه بداية من أبواب شركته إلي عمالها واداريها وكلائها ومرتاديها حتي دفاتره واوراقه اقلامه وممحاته الجميع متأمرون ؛كل ما كان يفعل ان خط بلسانه الحارق بضع كلمات علي مواقع التواصل الاجتماعي ينفث فيها قلة حيلته وحظه العاثر الذي أوقعه في تلك البقعة من الأرض ،ينتقد السياسة والاقتصاد التعليم والصحه المجتمع والناس كما يحلو للجميع أن يفعل ،يداري خلف ذلك سوءته وضعفه، لكن ما التحف به كان زاعقاً في التّعري ملفتاً لأجهزة أمنية تترصّد الكلمة ،وضعته في أعينها ووحيها وصُنّف معارضاً حميداً الي حين ، بدأوا في مداعبته لكسر بعض من جموح ثورته المصطنعة وتلطيف حدة حروفه الركيكة ،قليل من بعض المساجلات هنا او هناك مع مداوة جروحه بمسكنات تبقي الجرح غير ملتئماً كأن يسوّقوا بضاعته كساداً في منطقته ويروّجوا لها حباً في اخري، يجلدونه عقاباً إدارياً ،وتنشق الأرض عن زميل قديم لم يعد يعرفه ليدله علي طريقة مضمونة لتخفيف العقوبة ويوصي عليه ليتم الأمر بمنتهي السلاسة ويستعيد بعضاً من كبريائه المفقود .بلغ بهم الأمر ان أبعدوا عنه غانيته المفضّلة ،واذا بمعشوقته التي فارقته من سنين تعاود الاتصال به تشتاق الي لقاء كما الايام الخالية .تتسرب الشكوك والهواجس الي نفسه عندما يشكوا لطبيبه عن اضطهاده ومن يحيك المؤامرات ضده فيصف له أدويه اكتئابية تدفع صاحبها للإنتحار ،يتعرّف علي أخر صدفه لا تبرأ من ترتيب مسبق يجبره علي التوقف الفوري عن تناول تلك العقاقير،وتبدأ رحلة الفواتير الشهرية وهي عصاه غليظه يضرب بها الجميع ولكن في حالته تلك كانت صاعقة تشل حركته مؤقتاً ليستعيد وعيه تدريجياً ليكابد نوعا أخر من العذاب .في محل بيع الكتب الذي يرتاده في وسيلة مواصلاته وفي قهوته و حتي الندوة الشعرية التي يحضرها كل حين ، حلاقه وبائع الخضار والفاكهة إلي مسجده والذي لايأتيه إلا وهنا وعلي إستحياء ظناً منه أن خلله العقلي القديم قد يشفع له عند خالقه يوم الحساب .إعتقد كثيراً ان ذنوبه سبباً في كل ما يحيطه من أحداث ولم تجد وسوسة شيطانه طريقاً الي إلقاء هذا الهاجس بأن الجميع مذنبون وغارقون في الوحل مثله تماما ،يشكوا لأصدقاءه علي التواصل عما يعتمل في نفسه وما يلاقيه من صفعات فيمازحه أحدهم ساخرا ---يبدو ان الأجهزة التي تدّعيها تمارس معك الخطيئة بالطريقة الناعمة وهي أشد وطأه علي نفسك من غيرها فهي لاتنال من متعتك ولا جعلت لك اي لذة تذكرها ؛جميعنا يا صديقي داخل المصفوفة ،نهر صديقه غاضباً وألزمه السكوت عن التفلسف لأن عقله لم يعد يحتمل شطحات ،لم يبالي لغضبه وأكمل حديثه
-انظر حولك الجميع في سجن بلا أسوار او سجّان الكل يدور في أفلاك وتلتقمه الثقوب السوداء، الكوكب بأثره قد مضي الي العدم .اصمت. كفي. توقف. لا تقض علي ما تبقي لي من عقل . يبحث فيمن يثبت فكرته يغيّر خطوط سيره ويلقي بكل روتينه القديم في سلة المهملات فيستعيد بعضا من فردوسه المفقود ويصدق حدثه وتنمحي بعضا من عذاباته ويسترد قليلاً من وعيه ،وهنا يتدخل القدر ليقطع الشك باليقين ويصطدم بخبر مجنون وُصم يقول أن أحد المهندسين يتهم أجهزة بعينها بتوجيهه بالاقمار الصناعية فيتلّقف الخبر كمن نال صيده الثمين في بحر لجي ويدرك اخيراً أنه
#معتقل_حر
آخر تعديل بواسطة إبراهيم أبو ليفة ، 16-04-2018 الساعة 09:24 AM
|