المحمل الشريف

[aymaan noor]

المحمل الشريف



جيهان مأمون

نالت مصر شرف صناعة كسوة الكعبة المشرفة على أرضها لقرون طويلة علي أيدي أمهر الصناع الذين أبدعوا فى صناعتهم و طرزوا الكسوة بخيوطالذهب و الفضة لكساء البيت العتيق في أشرفبقعه من بقاع الارض .كانت شوارع وميادين قاهرة المعز تتجمل و تعلق الزينات البراقة وتقام الإحتفالات المبهرة ويزدحم الناس وتدق الطبول إيذانا بخروج الموكب المهيب الذى تباري كل سلاطين مصر في الإحتفال به.

و لحرمة الكعبة المشرفة كان الإهتمام بكساءها يعد من المفاخر الإنسانية التى يتوق إليها البشر فسعى الملوك و السلاطين إلى كسوتها بأجمل و أفخر الكسوات . و يقول المؤرخون أن أول من كسى بيت الله الحرام هو نبى الله إسماعيل عليه السلام ، و هناك رأى أخر أن أول من كساها هو عدنان بن أد حفيد سيدنا إسماعيل و يقول البلاذرى أن كسوته كانت من الأديم أو الجلد ، و هناك رأى ثالث أن أول من كساها هو الملك الحميرى اليمنى أسعد أبو كرب. و يروى البخارى عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أنها قالت أن الكعبة كانت تكسى يوم عاشوراء. كسا الرسول المصطفى بيت الله الحرام بعد فتح مكة ، و كساها خليفته أبو بكر الصديق ، ثم كساها الفاروق عمر بن الخطاب بقباطى مصر و كان ينزع الكسوة القديمة كل عام و يفرقها على الحجاج ، و كان الخليفة عثمان بن عفان ذو النورين أول من وضع على الكعبة المشرفة كسوتين إحداهما فوق الأخرى إحداهما من قباطى مصر و الأخرى من برد اليمن. و فى العصر الأموى صار الصحابى الجليل معاوية بن أبى سفيان يكسو الكعبة المشرفة مرتين فى العام الأولى من الديباج أى القطيفة فى عاشوراء و الثانية من قباطى مصر فى التاسع و العشرين من شهر رمضان ، و سار على نهجه الخلفاء العباسيين . و فى العصر الفاطمى كسيت الكعبة المشرفة بكسوة بيضاء ، و طوال عصر سلاطين المماليك نالت مصر شرف صناعة الكسوة و لم يشاركها فى هذا الفضل أحد ، و فى العصر العثمانى إستمرت مصر فى صناعة كسوة الكعبة المشرفة و لم تحرم من هذا الشرف الذى خصها به الله عز و جل ، و إختصت مصر بكسوة الكعبة الخارجية فى حين إنفردت الدولة العثمانية فى كسوة الكعبة الداخلية. توقفت مصر عن إرسال كسوة الحجاز لمدة ست سنوات فقط (1807-1813م) فى عصر محمد على باشا بسبب الحروب الوهابية و عدم إستقرار الأمور فى الحجاز ثم عاودت إرسالها حتى عام (1962م)عندما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعة الكسوة .

كانت رحلة الحج قديما تحتوى على مشقة و عناء شديدين و تستمر على ظهور الجمال لشهور طويلة ، و فى حالة عدم القدرة على الحصول على دابة يذهب الناس مشيا على الأقدام ، كان هناك أربع قوافل للحج تصل إلى مكة المكرمة فى وقت واحد تقريبا قبل موسم الحج هم القافلة المغربية التى تضم الحجاج القادمين من فاس و مراكش و سائر بلاد المغرب و هى قافلة برية و تمر على مصر فى طريقها إلى مكة المكرمة و كانت تتوقف فى المدن لينضم إليها الحجاج ، أما القافلة الثانية فهىى القافلة المصرية التى تنطلق من مصرتحملمعها كسوة الكعبة المشرفة ، و الثالثة هى قافلة الشام التى تضم الحجاج القادمين من تركيا و الأناضول و أرض كنعان ، و القافلة الرابعة هى قافلة الهند التىتنطلق من جزر الهند الشرقية .ينادى المنادى فى الناس إيذانا ببدء الحج و يبدأ الراغبون فى الحج فى قيد أسمائهمو من لم يلحق بالقافلة المصرية يستطيع اللحاق بالقافلة المغربية التى تمر بأرض مصر فى طريقها إلى الحجاز.

و يخرج المحمل الشريف وهو الهودج الذي يتقدم قافلة الحجيج قبل الحج ، وكان يعين له أميرا من كبار الأمراء يسمى أمير المحمل ليقود قافلة الحجاج إلى مكة ، و يوفر لهم سائر إحتياجاتهم ، و يؤمن لهم الطريق و الحراسة اللازمة ، و يصطحب معه أموال الصرة الشريفة التي توزع على أهالى الحرمين الشريفين من أئمة المساجد وفقراء المسلمين في مكة والمدينة. و مع بداية خروج المحمل يقام إحتفال كبير في ميدانالرميلة تحت القلعةيحرص على مشاهدته جميع سكان القاهرة ، و كانت كسوة الكعبة المشرفة تصنع من أجود أنواع الأقمشة و يتم تطعيمها بالمجوهرات ثم تسلم لأمير الحج المكلف بوضعها على جدران الكعبة المشرفة كما يتسلم أيضا كسوة المقام الإبراهيمي، وستارة باب التوبة.

و كانت الكسوة تنتقل من مصر إلى مكة المكرمة بعد صنعها و تطريزها يحملها المحمل الشريفو هو هودج محمول فوق جمل له قبة مطلية بالفضة ومغطاه بالحرير الأصفرو ينقش على قماش الهودج آيات قرآنية ورسوم زخرفية مطرزة بخيوط من الحرير الذهبي، و تزين رأس الجمل حامل الهودج بالعقود الملونهو تتبعه الجمال التي تحمل أموال الصرة الشريفة في صناديق مغطاة بقماش مطرز فاخر ، و يخرج الهودج فى موكب رسمى مع قافلة الحج. تتزين البيوت و الدكاكين و تزدحم الشوارع بالناس الذينجاءوا من كل مكان لمشاهدة الموكب و يجلس بعضهم على المصاطب أمام الحوانيت و تتجمهرالنساء فوق أسطح المنازل على إمتداد الطريق يطلقن الزغاريد و تعم الفرحة والبهجة و يتحول هذا اليوم إلى عيد كبير. تبدأ مراسم الإحتفال ويتحرك الموكب المهيبالذى يرأسة أمير المحمل و يطوف بأنحاء القاهرة قبل السفر إلى مكة المكرمة، و يسير خلفه الهودج الأمراء والوزراء و قضاة المذاهب الأربعة والفقهاء و أئمة المساجد المحتسبين وأعيان الدولة ورؤساء الطوائف والحرف ومشايخ الطرق الصوفية بأعلامهم الملونة، ويطوف الموكب بشوارع القاهرة بدءا من ميدان الرميلةويتجه إلى الفسطاط حتى جامع الحاكم بأمر الله الذى يظل فيه حتى يوم الرحيل .و أول من لقب بأمير الحج خليفة المسلمين أبو بكر الصديق رضى الله عنه بعد أن رأس الحجاج بنفسه .

و من أغاني المسافر إلي الحجاز في الفولكور الشعبي:

يا جمل يا جمل يابو خف زيني
أشرق مشرق والله وأنظره بعيني
و إن مدحت النبي ياما خايل مديحه إن عطاني ربي لاصلي فى ضريحه
رايحة فين يا حاجة يام الشال قطيفة
رايحة أزور النبي محمد والكعبة الشريفة
رايحة فين يا حاجة يام الشال سماوي
رايحة أزور النبي محمد وارجع ع الجناوي
إللي عشق النبي يروح له ع الجريدة
والبخيل يقول دا طريقه بعيدة
نبي يا نبي قول ع اللي دعيته بلغ حجته يا نبي وترده لبيته إلى بلاد الأشواق.