|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
قصيدة: رثائية الحسين رضي الله عنه
سلامٌ على مَن أغمضَ العينَ حاجِبُهْ***ولمّا تَزَلْ تَهوى الحِسانَ جوانِبُهْ .. تُعَدُّ له الأكفانُ وهْو مولَّهٌ***بليلى، وليلى في هواها تُجانِبُهْ .. فما انفكَّ يَتلو حبَّها ويُعيدهُ***ويَهجر فيما يُبتلى مَن يُعاتِبُهْ .. ولو حزِنَت ألفيتَه متوجّعًا***ولو ضحِكَت فالسَّعْدُ أضحى يُداعِبُهْ .. ولو صار مُرًّا ريقُها صار حنظلًا***لديهِ، ولو شهدًا فشهدًا مَراضِبُهْ .. وما هو مجنونٌ، ولكنّه الهوى***يعودُ به ذو الرأي، صِفرًا تجارِبُهْ .. يُحذِّرُ مِنهُ القومَ وهْو أسيرُهُ***ويَمنع عنهم كأسَهُ، وهْو شارِبُهْ .. ويَحجُبهم عن بَحرِهِ وهْو مُبحِرٌ***ويدفعهُ موجٌ فما اهتزّ قارِبُهْ .. متى كَلِفت روحٌ بروحٍ وأُغرِمتْ***فقد غرِمَت ما لا يُنالُ مَطالِبُهْ .. *وما عجَبٌ هذا، ولكنّهُ الذي***سرى فيه إذ لاحت، ولاحت رغائِبُهْ .. فما هو إلا مدبِرٌ عن عيونها***كما يُدْبِر الفَرّارُ عمّن يُحارِبُهْ .. وكم مدبرٍ والشوقُ مِلءُ فؤادِهِ***وحيث يولّي وجهَهُ فهْو صاحِبُهْ .. ولو أنها خلَّته إذ غاب لم يزل***رهينَ غيابٍ لا يُؤمَّل آيِبُهْ .. ولكنها في حِلِّه ورحيلِهِ***ومنذ متى والشّوقُ يُفلِح تائِبُهْ .. ودهركَ مملوءٌ بكلِّ عجيبةٍ***ولا تنقضي مهما رأيتَ عجائِبُهْ .. فحسبكَ مِن دهرٍ يُعَزُّ ذليلُهُ***وحسبكَ مِن دهرٍ يُصَدَّقُ كاذِبُهْ .. وذو العزِّ مهما طاول البُهْمُ قدرَهُ***عزيزٌ ، ويُرمَى بالنقائصِ عائِبُهْ .. وما الرأسُ إلا الرأسُ حتى ولو غدا***على صفَحات السيفِ، والسيفُ ضارِبُهْ .. يموتُ الفتى حيًّا إذا مات ذِكْرُهُ***ويَحيا إذا دوّى المسامعَ نادِبُهْ .. تَدَرّع جُبْنًا طُغْمةٌ بسيوفهمْ***ولولا كِذَابٌ لم يَنَلْهُ مُحارِبُهْ .. فما كان إلا ما غدا الكونُ باكيًا***عليه ، ولم يَنضب مدى الدهر ساكِبُهْ .. وذو السُّمِّ يومًا سوف يَردى بسُمِّهِ***ومن صنَعَ المعروفَ تَجْمُلْ عواقِبُهْ .. أيُغدَرُ بالإحسان، والحِلمِ، والنّدى***ويُقتَل مَن جلَّت جَلالًا مناقِبُهْ .. وليس يُرام الغِرُّ بالسوء نحرُهُ***وأمّا سليلُ المجد تُرمَى ترائِبُهْ .. ومن هو مِثلُ السِّبط مجدًا، فقد علا***بأنسابه حتى يُحال مُقارِبُهْ .. حفيدُ ابنِ عبدالله، مَن عزَّ جاهُهُ***ومَن عزَّ بالمختار عزَّت مراتِبُهْ .. على يده يجري النّوالُ كأنّما***هو الغيثُ ، سحّاءً علينا سحائِبُهْ .. وما المسكُ إلا نقطةٌ من دمائهِ***وما دمُهُ إلا أخو الذلِّ ناهِبُهْ .. وألْينُ مِن مَسِّ الحرير أكفُّهُ***وهُنَّ إذا اشتدَّ الوطيسُ كتائِبُهْ .. *وأَثبَتُ مِن شُمِّ الجبالِ فؤادُهُ***فكيف يكونُ الجَدُّ كانت أقارِبُهْ .. أخو المُلك، لكنْ ليس لِلمُلك همُّهُ***وكم راغبٍ مُلْكًا، وما المُلْكُ راغِبُهْ .. ومن كان همُّ الدِّين مالكَ أَمْرِهِ***يهون لديه المُلكُ مهما يُجاذِبُهْ .. ولا زال سعدٌ في السقيفةِ قائمًا***وسارت له مِن كلِّ صوبٍ مواكِبُهْ .. فسارع خيرُ النّاس بعد محمدٍ***إليهم - يَرى ما لا يرون - ونائِبُهْ .. وما هو إلا أن تكلَّمَ، فانثنى***يُصدِّقُهُ سعدٌ وليس يُغالِبُهْ .. رجالٌ، وما الدنيا لديهم بمأرَبٍ***وشانئُهم رُدَّت عليه مآرِبُهْ .. فماتت، وكادت أن تُؤجَّج فتنةٌ***يَعود بها الماضي ويَقْرُب عازِبُهْ .. متى اختلَفت أُسْدٌ فللذِّئب صولةٌ***فيَهلِكَ في دَور الزمان نجائِبُهْ .. ولولا اجتماعُ الماء ما كان أبحرٌ***ولولا دويُّ الرَّعد ما كان راهِبُهْ .. وما رحمةٌ إلا التي في يمينِها***نِعالٌ على مَن سيّرتهُ عقارِبُهْ .. فعاد بها الباغي يَجرُّ ذيولَهُ***وفي كفِّ من أرداه عادت سلائِبُهْ .. ألا رحمةُ الرحمن تترى على الذي***يَذِلُّ على مرِّ الزمان مُغاضِبُهْ .. ففي قبره الفاروقُ، والقومُ لم يزل***يُعيِّرهم في حاضر اليوم غائِبُهْ .. إذا أمِن الباغي طغى طول دهرِهِ***ويَطلُبُ سِلْمًا لو رأى مَن يُعاقِبُهْ .. وأجبَنُ ما تلقاه في الناس غادرٌ***وأشجَعُ من تلقاه في الناس غالِبُهْ .. ينوح على آلِ النبيِّ، وسيفُهُ***عليهمْ، ويَرثي صرحَهمْ وهْو ناقِبُهْ .. وحيدرةٌ ليس الذليلَ فيَتَّقِي***عدوًّا ، ولو جيشًا تَصَاعَدَ لاهِبُهْ .. ولولا الرِّضى أنّ الخليفةَ غيرُهُ***لمَا عادَ إلّا بالخِلافةِ قاضِبُهْ .. فعَفَّ كما عفُّوا عن الأمر قبْلَهُ***فما كان مغصوبٌا، وما كان غاصِبُهْ .. *تشابهَت الأيّامُ، حتى كأنّما***نُشاهِد فينا يومَهُ ونُراقِبُهْ .. غداةَ وفَى عهدُ الحسين، ولم يزل***وفيًّا، وخلّى عهدَهُ من يُكاتِبُهْ .. فلِلكون في إقدامِهِ وفرارِهمْ***مُصابٌ تلاشت في مَداهُ مصائِبُهْ .. يَردّونهُ عن موتِه، وهْو مقبِلٌ***وأكفانُهُ في كربلاءَ تُخاطِبُهْ .. إذا ما عظيمُ النَّفْسِ أَبصر موتَهُ***تصيَّدهُ ، والحُرُّ تترى نوائِبُهْ .. فيا لَثمةً مِن جَدِّهِ ضاع رَسْمُها***ويا نَضرةً ، والوجهُ يكسوهُ شاحِبُهْ .. ويا كُربةً، والنُّور يُجتَثُّ رأسُهُ***وتُرمى بسُمْرٍ في النُّحور كواكِبُهْ .. عفا رسْمُ أرضٍ بلّل الكونُ خدَّها***عشيّة أضحت في ثراها مناكِبُهْ .. وكانت به الحوراءَ ليلةَ سَعْدِها***فأثكلَها أنْ قصّب الجِسمَ قاصِبُهْ .. فضمّتهُ لكنْ بعدما رُضَّ عظمُهُ***وزفَّتْهُ لكنْ والدّماءُ سبائِبُهْ .. *فواثُكْلَ قلبٍ بَعدَه ذَلَّ عِزُّهُ***ويا ذُلَّ عِزٍّ بَعدَه ذَلَّ سالِبُهْ .. وواثُكْلَ رُوحٍ لم تذُق بَعدَه الهنا***ويا تَعْسَ قلبٍ بَعدَه سال ناضِبُهْ .. كأنّ زمانًا ما تبسَّم ثغرُهُ***ولا عُرفت في العالمين أطايِبُهْ .. بَرِئنا من الباغي، وغَدرٍ، وغادرٍ***ومَن ناصبَ الآلَ العِداءَ نُناصِبُهْ .. رمانا بداءٍ، ثم ولَّى، وداؤهُ***خليقٌ بهِ، والكلُّ تُدرى مشارِبُهْ .. فلا تَبكِهِ إلا بوجهٍ مخضَّبٍ***وقلبٍ، حسامُ المشرفيّاتِ صائِبُهْ .. ولا تَبكِهِ إلا بكيتَ أئمةً***أَجَلَّ، ومن لم يَبكهم فهْو ثالِبُهْ .. وما هُوَ إلا هُمْ، فكيف رثيتَهُ***رثيتَ الألى هْمْ عينُهُ وحبائِبُهْ .. عليكَ أبا حفصٍ توجُّعُ مَشرِقٍ***مِن الكون، ناحت مِن صداهُ مغارِبُهْ .. رماكَ مجوسيٌّ من الظَّهر خِفْيةً***فوجهُكَ لا يلقاهُ بالوجهِ هائِبُهْ .. *وسيفُكَ لو رام الجيوشَ لمَا غَدَتْ***سوى حطَبٍ ألقاهُ في النّار حاطِبُهْ .. وهل قدَّر القرآنَ مَن هان قدْرُهُ***لديه، ويَسعى أن يُقتَّل كاتِبُهْ .. لكل مصابٍ سَلوةٌ، ومصابُهُ***ينادي سُلوًّا، والنّواحُ يُجاوِبُهْ .. فأصبح ذو النُّورين، والأرضُ بَعدَهُ***تَلاطُمُ موجٍ لا تَقَرُّ مَراكِبُهْ .. عَلا، والنجومُ الزُّهر لؤلؤُ تاجِهِ***أبو السِّبط ، فاسودَّت وقد صاح ناعِبُهْ .. فدع عنعناتٍ لستَ فيها بذي الحِجى***ولا تعدُ قدْرًا، شابهتكَ ثعالِبُهْ .. يُكفكِف دمعَ العين، والقلبُ مُجدِبٌ***وهل ببكاءِ الذِّئب تَخفى ضرائِبُهْ .. فلو خفِيَت عن ناظريك طباعُهُ***لمَا خفِيَت أنيابُهُ ومخالِبُهْ .. وكم من جميلِ اللفظ قُبِّح لفظُهُ***وكم من ذكيٍّ قبّحته مواهِبُهْ .. وذو العقل لا يَشقى بعقلٍ، وإنّما***بعقلٍ غداةَ المَخْض يُهلِك رائِبُهْ .. *تَحدَّر مِمّن أَلقَم الغدرَ ثديَهُ***وما شائناتُ النَّفْس إلا ربائِبُهْ .. ولستُ بمن يَرثي ويَمدحُ شِعرَهُ***لتحيا على موت الحسين مآدِبُهْ .. يَنوح على المقتول في كل مأتمٍ***وما قتَلَ المَبكيَّ إلا مَضارِبُهْ .. خطوبٌ تصدُّ المرء عن كل مِدحة***وما ثاكِلٌ كالمستعار مثاعِبُهْ .. لعمرُكَ ما أزرى به كلُّ صائرٍ***فليس بِمُزْريه الذي هو طالِبُهْ .. ومَن جلّ جلّت في الحياة طِلابُهُ***ومَن ساد فالهيجاءُ فيها مَلاعِبُهْ .. وكم هاربٍ مِن موته وهْو جالبٌ***له، غيرَ أنّ الحُرَّ للموت جالِبُهْ .. وُقوفًا على حُزنٍ تقادمَ عهدُهُ***وحُزْنًا على عهدٍ تجدّد ذاهِبُهْ .. ودمعًا على سِبطٍ روى الدّهرََ وِردُهُ***فأورده وِردًا، قِراهُ حواصِبُهْ .. كأنْ لم يَنَلْ من كفِّه وصلَ واصِلٍ***كأنْ لم يَعُدْ بالفضل والجود ساغِبُهْ .. هو الشمس حتى لو علَتها غمامةٌ***وبدرُ البدور الزُّهْرَ والغيمُ حاجِبُهْ .. رُزِئْنا به فقدًا، وكُفَّت بفقدِهِ***عيونُ الضحى، والليلُ شابت ذوائِبُهْ .. فدَمْعًا، وحُزنًا، يُلهِب القلبَ والحشا***وكلٌّ له في المُبكِياتِ مذاهِبُهْ أبو عمر عبدالعليم محمود
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|