اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد نبينا .. للخير ينادينا

محمد نبينا .. للخير ينادينا سيرة الحبيب المصطفى بكل لغات العالم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 16-06-2015, 12:55 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي فضل الهجرة والمهاجر في السنة النبوية المطهرة

فضل الهجرة والمهاجر

في

السنة النبوية المطهرة


أ. د. فهمي أحمد عبدالرحمن القزاز
المقدمة:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه الغُر الميامين، ومَن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ:
فكلما دخل شهر محرم الحرام، هاجت الأشواق إلى صاحب الهجرة عليه أفضل الصلاة والسلام، باعتبار شهر محرم من أول الأشهر العربية التي قال الله تعالى عنها: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة: 36]، وإلا فالهجرة كما هو معلوم ابتدأت في نهاية السابع والعشرين من شهر صفر، وتُوِّجَت بالختام في شهر ربيع الأول في الثاني عشر منه، ليتوافق مولده صلى الله عليه وسلم مع مولد أُمته في بناء الدولة الإسلامية، وفي هذا من الحِكَم الظاهرة التي لا تَخفى على ذي لُبٍّ[1]. ومن هذه النفحات التي جالت في خاطري هذا العام: "فضل الهجرة والمهاجر في السنة النبوية المطهرة"، فرأيتُ من تمام الفائدة الكتابة في هذا الموضوع، عسى أن يكون نافعًا في بابه، واقتصرتُ فيه على ذِكر النص الوارد في السنة النبوية، مع تخريجه والحكم عليه بالهامش، مع ذكر بعض الفوائد والفرائد من كلام شرَّاح الحديث، مما احتاجه البيان، مُوثِّقًا ذلك من الكتب المعتمدة في هذا الشأن، وأدْلُو بدَلْوي إن احتيجَ إلى ذلك، وقدَّمت بين يدي البحث تمهيدًا في بيان الهجرة وأقسامها، وما يتعلق بها، وختمتُ البحث بخاتمة جمعتُ فيها ما تحصَّل لدي من هذه الفضائل، سائلاً المولى أن يجعلَ عملي خالصًا لوجه الله تعالى، وأن يَجمعنا مع المهاجرين والأنصار مع نبيِّنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربِّ العالمين.
تمهيد:
فليس بدعًا من القول أن الهجرة على قسمين: حسية - "مادية" - وأخرى معنوية؛ فالأولى: تعني الانتقال بالروح والجسد من مكانٍ إلى آخرَ، وهذا ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه الكرام بالهجرة من مكة إلى المدينة، وهي هجرة انتهتْ بفتح مكة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا هجرةَ بعد الفتح، ولكن جهاد ونيَّة، وإذا استُنْفِرتُم فانفِروا))[2]، وهذا النوع من الهجرة باقية بحقِّ مَن يَقدِر عليها، ولا يُمكنه إظهار دينه، أو خافَ فتنةً في دينه مع المُقام في دار الحرب، وإن كانت أنثى لا تَجِد مَحرمًا، إن كانت تأمَن على نفسها في الطريق، أو كان خوف الطريق أقلَّ من خوف المُقام في دار الحرب؛ كما نصَّ على ذلك الفقهاء في كُتبهم[3]؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97]، فقد حوت هذه الآية وعيدًا شديدًا، وهو لا يكون إلا في ارتكاب المحرم وترْك الواجب كما يُعلَم.


والثانية: هجرة معنوية، وهي تُشارِك الأولى في المعنى اللغوي، ففيها معنى الترك والهجر، ولكن ليس للأوطان، وإنما للفواحش والذنوب، فهي هجرة القلوب لا الأبدان؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((المسلم مَن سَلِم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر مَن هجَر ما نهى الله عنه))[4]، ومنها نوع آخر وهو الالتزام بالعبادة في زمن الفتنة وال***، فقال صلى الله عليه وسلم: ((العبادة في الهَرْج كهجرةٍ إليّ))[5].


نسأل الله تعالى أن يَرزقنا أجر الهجرتين، وأن يَجمعنا بإمام القِبلتين صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا، وحان الآن موعد الشروع في هذه الفضائل، وعلى الله التُّكلان، وهو حسبي ونعم المعين، وهي:


1- تمنَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون امْرأً من الأنصار لولا الهجرة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو قال: أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ((لو أن الأنصار سلكوا واديًا، أو شِعْبًا، لسلَكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنتُ امرأً من الأنصار))، فقال أبو هريرة: ((ما ظلَم بأبي وأمي، آوَوْه ونصَرُوه، أو كلمةً أخرى))[6].


وعن عبدالله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتَح حُنينًا قسَّم الغنائم، فأعطى المؤلَّفة قلوبُهم، فبلَغه أن الأنصار يحبون أن يُصيبوا ما أصاب الناس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم، فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضُلاَّلًا، فهداكم الله بي؟ وعالةً، فأغناكم الله بي؟ ومتفرقين، فجمعكم الله بي؟))، ويقولون: الله ورسوله أَمَنُّ، فقال: ((ألا تُجيبوني؟))، فقالوا: الله ورسوله أَمَنُّ، فقال: ((أما إنكم لو شئتُم أن تقولوا كذا وكذا، وكان من الأمر كذا وكذا)) لأشياء عددها، زعم عمرو أنْ لا يحفظها، فقال: ((ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ الأنصار شعار [7]، والناس دثار[8]، ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا وشِعْبًا، لسلكت وادي الأنصار وشِعْبَهم، إنكم ستلقون بعدي أُثْرَةً، فاصبروا حتى تَلْقَوْني على الحوض))[9].


من أجل ذلك بوَّب الإمام البخاري لهذا الفضل العظيم بقوله: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار)).


قال النووي: (والذي يُفهم من ترجمة البخاري وما ذكره في الباب من القرآن والآثار - أنه يجوز استعمال لو ولولا فيما يكون للاستقبال مما امتنع من فعْله لامتناع غيره، وهو من باب الممتنع من فعله لوجود غيره، وهو من باب لولا؛ لأنه لم يدخل في الباب سوى ما هو للاستقبال، أو ما هو حق صحيح مُتيقن؛ كحديث لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار دون الماضي والمنقضي، أو ما فيه اعتراض على الغيب والقدر السابق) [10].


قال ابن دقيق العيد: "أي: في الأحكام والعداد، والله أعلم، ولا يجوز أن يكون المراد: النَّسب قطعًا"[11].


ولخَّص ابن حجر أقوال العلماء في ذلك، فقال: "قال الخطابي: أراد بهذا الكلام تألُّف الأنصار واستطابة نفوسهم، والثناء عليهم في دينهم، حتى رضِي أن يكون واحدًا منهم، لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها، ونسبة الإنسان تقع على وجوه؛ منها: الولادة، والبلادية، والاعتقادية، والصناعية، ولا شك أنه لم يُرِد الانتقال عن نَسَب آبائه؛ لأنه مُمتنع قطعًا، وأما الاعتقادي، فلا معنى للانتقال فيه، فلم يبقَ إلا القسمان الأخيران، وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرًا واجبًا؛ أي: لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني ترْكها، لانتسبتُ إلى داركم.


قال: ويُحتمل أنه لَمَّا كانوا أخواله - لكون أمِّ عبدالمطلب منهم - أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة، لولا مانع الهجرة.


وقال ابن الجوزي: لم يُرد صلى الله عليه وسلم تغيُّر نَسَبه ولا مَحْو هجرته، وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه هاجَر، لا نتسب إلى المدينة وإلى نُصرة الدين، فالتقدير لولا أن النسبة إلى الهجرة نسبة دينيَّة لا يَسَع تركها، لانتسبتُ إلى داركم.


وقال القرطبي: معناه لتسمَّيتُ باسمكم، وانتسبتُ إليكم كما كانوا ينتسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة وتربيتها، سبقتْ فمنعتْ من ذلك، وهي أعلى وأشرف، فلا تتبدَّلُ بغيرها.


وقيل: التقدير لولا أن ثواب الهجرة أعظم، لاخترتُ أن يكون ثوابي ثوابَ الأنصار، ولم يُرِد ظاهر النَّسب أصلًا.


وقيل: لولا التزامي بشروط الهجرة - ومنها: ترْك الإقامة بمكة فوق ثلاث - لاخترتُ أن أكون من الأنصار، فيُباح لي ذلك"[12].


والملاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّ نفسه من المقيمين في المدينة، وإن كان أصله من أهل مكة، بدليل أنه قصر الصلاة الرباعية عند حجِّه صلى الله عليه وسلم؛ فعن أنس قال: "خرَجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين، ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة، قلت: أقمتُم بمكة شيئًا؟ قال: أقمنا بها عشرًا" [13].


2- وقوع أجْر المهاجر على الله، والعبرة بالابتداء؛ سواء أتَم الرحلة، أم لا:
عن سعيد بن جبير أن رجلًا من خزاعة كان بمكة فمرِض، وهو ضمرة بن العيص بن ضمرة بن زنباع، فأمَر أهله، ففرَشوا له على سرير، فحملوه وانطلقوا به متوجهًا إلى المدينة، فلما كان بالتنعيم مات، فنزلت:﴿ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [النساء: 100]، وكذلك قاله الحسن وغيره من المفسرين[14]، وقال الإمام البخاري: وقع: وجَب [15].


قال ابن بطَّال: "وفيه دليل أن مَن شرَع في عمل من عمل الطاعات، وصحَّت فيه نيَّته لله، وحال بينه وبين تمامه الموت - فإن الرجاء قوي أن الله قد كتَبه في الآخرة من أهل ذلك العمل، وتقبَّله منه"[16].


3- هدم الذنوب:
فعن عمرو بن العاص قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلأُبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضتُ يدي، قال: ((ما لك يا عمرو؟))، قال: قلت: أردت أن أشترطَ، قال: ((تشترط بماذا؟))، قلت: أن يغفرَ لي، قال: ((أما علِمتَ أن الإسلام يهدِم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدِم ما كان قبلها، وأن الحج يهدِم ما كان قبله)) [17].


والهدم: الهاء والدال والميم: أصل يدل على حطِّ بناء، ثم يقاس عليه، وهدمت الحائط أهدمه، والهدَم: ما تهدَّم، بفتح الدال، ومن الباب الهدم: الثوب البالي، والجمع أهدام، والهدمة: الدفعة من المطر، كأنها تتهدم في اندفاعها [18].


وهو نقيض البناء، هدَمه يَهدِمه هدمًا، وهدَّمه فانهدَم وتهدَّم، والهدم: قلْعُ المَدَر؛ يعني: البيوت، والهدم بالسكون وبالفتح أيضًا: هو إهدار دم القتيل، يقال: دماؤهم بينهم هَدْمٌ؛ أي: مُهدرة، والمعنى: إن طُلِب دمُكم، فقد طُلِب دمي، وإن أُهدِر دمُكم، فقد أُهدِر دمي، لاستحكام الأُلفة بيننا، وهو قول معروف، والعرب تقول: دمي دمُك، وهدْمي هدْمُك، وذلك عند المعاهدة والنصرة[19].


والهدم خُصَّ أصله بالبناء، ثم استُعِير في جميع الأشياء، فقيل: هدَم ما أبرَمه من الأمر [20].


قال النووي رحمه الله: "ففيه عِظَم موقع الإسلام، والهجرة، والحج، وأن كل واحد منها يَهدِم ما كان قبله من المعاصي"[21].


أقول: فالذنوب إذا تجمَّعت وتراكمت، كانت كالبناء على ابن آدم محسوسًا وملموسًا، ومن أجل ذلك أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم - رحمةً بأُمته - أن تُسقط هذا البناء، ولا تُبقي له من الأثر بأعمال صالحة، أخبرنا أنه من أدَّاها أسقطت هذا البناء المتراكم الذي سيُهلكه يوم القيامة.


4- مغفرة الذنوب العظام (*** النفس):
فعن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين ومَنعة؟ قال: حِصن كان لدَوْس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخَر الله للأنصار، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجَر معه رجل من قومه، فاجتَووا المدينة، فمرِض، فجزِع، فأخذ مَشاقص له، فقطع بها بَراجمه، فشَخَبتْ يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مُغطيًا يديه، فقال له: ما صنع بك ربُّك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لي أراك مغطيًا يديك؟ قال: قيل لي: لن نُصلحَ منك ما أفسدتَ، فقصَّها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم وَلِيَدَيْه فاغفِر)) [22].


وأجاب الطحاوي عن ذلك بقوله: "أنه قد يُحتمل أن يكون الرجل المذكور في هذا الحديث فَعل بنفسه ما فعَل، مما ذكر فيه على أنه عنده علاج، تبقى به بقيةُ يَديه، ففعل ما فعَل؛ لِتَسْلَمَ له نفسه، وتبقى له بقية يديه، فلم يكن في ذلك مذمومًا، وكان كرجل أصابه في يده شيءٌ، فخاف إن لم يَقطعها أن يذهب بها سائرُ بدنه، ويُتلِف بها نفسَه، فهو في سَعة من قطعها، فإن لم يقطعها وهو يرى أنه بذلك يَسلَم له بذلك بقيةُ بدنه، ويأمَن على نفسه - ثم مات منها - أنه غير ملوم في ذلك، ولا مُعاقب عليه، وكذلك هذا الرجل فيما فعَل ببراجمه، حتى كان مِن فعْله تَلفُ نفسه، وهو خلاف مَن *** نفسه طاعنًا لها، أو مترديًا من مكان إلى مكان؛ ليُتلفَ نفسه، أو متحسِّيًا لسُمٍّ؛ لي*** به نفسه، فلم يَبِنْ بحمد الله فيما رويناه في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تضادٌّ ولا اختلافٌ.


فإن قال قائل: ففي هذا الحديث دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدَي هذا الرجل بالغفران، ودعاؤه ليديه بذلك دعاءٌ له، وذلك لا يكون إلا عن جناية كانت منه على يديه، استحق بها العقوبة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغفران ليديه، فيكون ذلك غفرانًا له، قيل له: ما في هذا الحديث دليل على ما ذكرت؛ لأنه قد يجوز أن يكون ما كان من رسول الله عليه السلام من ذلك الدعاء ليَدَي ذلك الرجل، كان لإشفاقه عليه، ولعمل الخوف من الله كان في قلبه، فدعا له بذلك لهذا المعنى، لا لِما سواه؛ كما قد رُوِي عنه مما علَّمه حُصينًا الخزاعي أبا عمران بن حصين، وأمَره أن يدعوَ به"[23].


قال النووي شارحًا هذا الحديث العظيم بقوله: "قوله "فاجتووا المدينة" هو بضم الواو الثانية ضمير جمع، وهو ضمير يعود على الطفيل، والرجل المذكور، ومَن يتعلق بهما، ومعناه: كرِهوا المقام بها لضجرٍ ونوعٍ من سقمٍ...، وأصله من الجوى، وهو داء يصيب الجوف، وقوله: "فأخذ مشاقص" هي بفتح الميم وبالشين المعجمة، وبالقاف والصاد المهملة، وهي جمع مِشقَص بكسر الميم وفتح القاف، قال الخليل وابن فارس وغيرهما: هو سهم فيه نَصْل عريض، وقال آخرون: سهمٌ طويل ليس بالعريض، وقال الجوهري: المِشقَص: ما طال وعرُض، وهذا هو الظاهر هنا لقوله: (قطَع بها براجمه)، ولا يحصل ذلك إلا بالعريض.
يتبع
رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 03:23 AM.