|
التنمية البشرية يختص ببناء الانسان و توسيع قدراته التعليمية للارتقاء بنفسه و مجتمه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
المفاهيم السوسيولوجية عند بيير بورديو
المفاهيم السوسيولوجية عند بيير بورديو
د.جميل حمداوي[1] المقدمــــة: أغنى الباحث الفرنسي بيير بورديو(Pierre Bourdieu) (1903-2002م) السوسيولوجيا المعاصرة بمجموعة من المصطلحات والمفاهيم الإجرائية التي لا يمكن تجاوزها أثناء ممارسة البحث السوسيولوجي، أو مقاربة الظواهر المجتمعية والثقافية والتربوية نظرية وتطبيقا ورؤية، مثل: ال*** الرمزي، وإعادة الإنتاج، والحقل الاجتماعي، والهابيتوس، والرأسمال الثقافي، والبنيوية التكوينية، والمدى الحيوي، والتمايز، وسوق الخيرات الاجتماعية... ومن جهة أخرى، يعد بيير بورديو من أهم ممثلي المقاربة الصراعية ذات التوجه الماركسي، وكذلك من أهم رواد البنيوية التكوينية [2] (Structuralisme constructiviste) الذين جمعوا بين الفهم والتفسير، بين الذاتية والموضوعية، بين الماكرو والميكرو، بين الحتمية والفاعلية... علاوة على ذلك، تنبني نظريته السوسيولوجية على دراسة المجتمع باعتباره فضاء للصراع والمنافسة والهيمنة، مع تحليل تراتبية مختلف الطبقات الاجتماعية، وتبيان الدور الذي تقوم به الممارسات الثقافية داخل الصراع الذي يحدث بين هذه الطبقات الاجتماعية بشكل واع أو غير واع، ثم استجلاء الكيفية التي تعيد بها المدرسة إنتاج اللامساواة المجتمعية، وإعادة الطبقات الاجتماعية نفسها. إذاً، ما تصور بيير بورديو للسوسيولوجيا؟ وما المنهجية التي تمثلها في مقارباته السوسيولوجية النظرية والتطبيقية؟ وما أهم المفاهيم السوسيولوجية التي اعتمد عليها في بناء أبحاثه المجتمعية؟ وكيف يربط الهابيتوس بين الفرد بالمجتمع ؟ تلكم هي أهم الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا هذا. مفهوم السوسيولوجيا: يعد بيير بورديو من أهم السوسيولوجيين الفرنسيين الملتزمين في منتصف القرن العشرين، وهو من طبقة اجتماعية عمالية عادية، يحمل رؤية ماركسية نقدية جديدة، تعري واقع الهيمنة والسلطة والتمركز الطبقي. وقد ألف أكثر من أربعين كتابا، وأكثر من مائة مقال. وقد انصب اهتمامه كثيرا على الطريقة التي يعيد بها المجتمع إنتاج التراتبية الطبقية نفسها، بالتركيز على العوامل الثقافية والرمزية، بدل التشديد على العوامل الاقتصادية التي كانت لها أهمية معتبرة في المقاربة الماركسية الكلاسيكية. ويعني هذا أن السوسيولوجيا عند بورديو هي سوسيولوجيا علمية انتقادية، تسعى إلى تعرية واقع الهيمنة والقوة والنفوذ، وانتقاد المجتمع الليبرالي المعاصر الذي يتميز بالظلم واللامساواة وصراع الحقول والطبقات الاجتماعية. بمعنى أن السوسيولوجيا هي أداة فعالة للنقد الجذري، وكشف المضمر، واستنطاق المسكوت عنه، وفضح لعبة التنافس والهيمنة، كالعلاقة الترابطية الموجودة - مثلا- بين النجاح المدرسي والأصل الاجتماعي والرأسمال الثقافي الذي ترثه الأسرة، بعد أن كان هذا النجاح مرتبطا بالذكاء الوراثي. بل إن الحقل العلمي هو أيضا مجال للتنافس والسيطرة والسعي لتحقق الأرباح، والحصول على الجوائز المادية والمالية (جائزة نوبل)، وتحقيق السبق العلمي، والظفر بالمجد والشهرة. وتتحقق علمية السوسيولوجيا بالتركيز على الفرضيات، والانطلاق من المفاهيم الموضوعية، واستعمال المناهج الكمية والكيفية للتحقق من النتائج المتوصلة إليها، والتأرجح بين منهجيتي الفهم والتفسير معا. أما إذا اتخذت السوسيولوجيا طبيعة سياسية، فلايمكن- آنذاك - الحديث عن سوسيولوجيا علمية. علاوة على ذلك، يرى بيير بورديو أن موضوع السوسيولوجيا هو دراسة حقول التنافس والصراع والهيمنة ليس على صعيد الطبقات فقط، بل حتى في المجال العلمي نفسه. ويعني هذا أن بيير بورديو ينطلق من سوسيولوجيا نقدية صراعية أو مقاربة صراعية. ومن ناحية أخرى، يطرح بورديو ميتاسوسيولوجيا أو سوسيولوجيا السوسيولوجيا، من خلال الإشارة إلى ضرورة حياد عالم الاجتماع عندما يبحث في مشكلة مجتمعية ما قوامها التنافس والصراع والهيمنة، بأن يكون واعيا بموقعه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. ومن ثم، فالسوسيولوجيا الحقيقية هي سوسيولوجيا المضمر والمسكوت عنه. هذا، وقد تأثر بيير بورديو، في تصوراته النظرية والتطبيقية، بمجموعة من المفكرين والعلماء الرواد أمثال: ماكس فيبر(Max Weber) (البعد الرمزي)، وكارل ماركس(Karl Marx) (الرأسمال)، وإميل دوركايم (Émile Durkheim) (التفسير السببي)، وكلود ليفي شتروس(Claude Lévi-Strauss) ومارسيل موس (Mauss) (البنيوية)، وموريس ميرلوبونتي(Maurice Merleau-Ponty) وهوسرل(Husserl) (الفينومينولوجيا وفكرة الجسد الخاص)، وفيتجنشتاين ( Wittgenstein) (الطبيعة)، وباسكال(Pascal) (قواعد الفاعلين المجتمعيين). وعليه، تتميز السوسيولوجيا عند بيير بورديو بالطابع العلمي المنطقي، والابتعاد عما هو سياسي وإيديولوجي، ودراسة ال*** الرمزي وفق مقاربا ت علمية دقيقة وصارمة، دون إدخال ما هو شخصي وسياسي في البحث العلمي. ويعني هذا أن بورديو يدعو إلى تأسيس سوسيولوجيا علمية. وفي هذا الصدد، يقول:" لا يمكن لعلم الاجتماع أن يقوم إلا إذا رفض الطلب الاجتماعي الذي يلتمس وسائل لإضفاء المشروعية وأدوات للتحريض. وعالم الاجتماع، ليس له مهمة يسخر لها ولا غاية انتدب من أجلها، اللهم تلك التي يفرضها عليه منطق بحثه."[3]. ومن ثم، تعنى السوسيولوجيا بدراسة الهابيتوس (Habitus) الذي يربط الفعل ببنية المجتمع في إطار بنيوية تكوينية، تعطي الأهمية الكبرى للفاعل والبنية المجتمعية على حد سواء. هذا، وقد كرس بورديو جل جهوده لإرساء سوسيولوجيا النظام التعليمي، وسوسيولوجيا الميدان الثقافي أو سوسيولوجيا المثقفين، وفهم ال*** الرمزي، وتحليل الصراع المجتمعي في علاقته بعلاقات القوى والآليات المتحكمة في تطورها، وفق رؤية علمية موضوعية. ومفاد تصوره أن اللعبة الاجتماعية، مهما كان الحقل والمجال الذي تمارس فيه، مرتبطة بآليات بنية التنافس والهيمنة والصراع. وقد أصبحت هذه الآليات متجذرة لدى الأفراد عن طريق التنشئة الاجتماعية، فينتجونها بدورهم بطريقة غير واعية كهابيتوس معياري. ومن ثم، تعد المدرسة فضاء لإعادة إنتاج هذه اللامساواة الناتجة عن وجود طبقة مسيطرة، وطبقة مسيطرة عليها، حيث يساهم النظام التربوي في ممارسة ال*** الرمزي ضد الفاعلين المجتمعيين المرتبطين بالمدرسة. ويلاحظ أن آليات التنافس والسيطرة تنتقل من جيل إلى آخر. ومن ثم، فنحن لانعرف مجتمعات بدون تراتبية طبقية أو ***ية أو نوعية، أو مجتمعات بدون سلطة أو هيمنة. لذلك، فهدف السوسيولوجيا عند بورديو هو تحليل آليات السيطرة التي تتحكم في البنيات الموضوعية للحقول المجتمعية. أما الفاعلون المجتمعيون، فهم مجرد منفذين لآلية السيطرة بطريقة غير واعية. لذلك، لا يشكلون حقيقة واقعية يمكن أن يستكشفها السوسيولوجي. ومن ثم، يعيد هؤلاء الأفراد الإنتاج الطبقي نفسه، عبر الهابيتوس الذي يعني مجموع الإستراتيجيات التي يمتلكها الفرد لمواجهة وضعيات مفاجئة أو جديدة. ولكن كيف يمكن القول، مع بورديو، بأن الأفراد ينتجون أشكالا مختلفة من الهيمنة بطريقة غير واعية. فهذا الحكم غير صحيح، والدليل على ذلك أن هؤلاء يقومون باحتجاجات اجتماعية وسياسية تعبر عن موقفهم الواعي والرافض لكل أشكال السلطة والهيمنة. وإذا أخذنا - على سبيل التمثيل- الهابيتوس الذكوري، فإن النساء واعيات بسلطة الذكورة وهيمنتها.لذلك، فقد ظهرت حركات نسائية متعددة منذ بداية القرن العشرين في شكل احتجاجات صارخة، وقد شارك فيها الرجال إلى جانب النساء مدافعين عن حقوقهن، ورافضين لكل أشكال الهيمنة الذكورية. ومن ناحية أخرى، لا تقتصر المجتمعات على إعادة الإنتاج الطبقي نفسه فحسب، بل تسعى إل التطور والتغيير والتقدم وتحقيق الازدهار. فوضعية المرأة - الآن- قد تغيرت بشكل كبير، إذ تمتعت بحريات أكثر مقارنة بالرجل. بل يمكن الحديث، في المستقبل القريب، عن هيمنة الأنوثة التي استولت على مختلف الامتيازات والمناصب الإدارية والاقتصادية والاجتماعية. في حين، أصبح الرجل عرضة البطالة والتهميش والانزواء والإقصاء. المنهجية السوسيولوجية: يتبنى بيير بورديو، في أبحاثه السوسيولوجية، المقاربة الماركسية ذات الأساس الجدلي، على أساس أن التنافس والصراع وظيفتان أساسيتان للمجتمع. ومن ثم، يرتبط بورديو بالمقاربة الصراعية التي تستند إلى التحليلات الماركسية. لكن هذا الصراع والتنافس يتشكلان، قبل كل شيء، في مختلف الحقول والفضاءات المجتمعية الفرعية الأصلية، قبل أن يتحددا على صعيد المجتمع الماكروسوسيولوجي. ومن ثم، تتميز هذه الحقول بوجود تفاوت طبقي واجتماعي خاص، ووجود مسيطرين ومسيطرين عليهم. وبتعبير آخر، إذا كان المجتمع - حسب المقاربة الماركسية- قائما على صراع الطبقات الاجتماعية، فإن هذا الصراع- حسب بيير بورديو- يتشكل أولا ضمن حقول وفضاءات مجتمعية فرعية، قبل أن يتحول إلى ظاهرة اجتماعية عامة. هذا، وقد بلور ببير بورديو نظرية الفعل التي ترتبط بمفهوم الهابيتوس. بمعنى أن الفاعلين المجتمعيين يطورون مجموعة من الإستراتيجيات التي يتمثلونها عن طريق التنشئة الاجتماعية، بطريقة غير واعية، بغية التكيف مع ضرورات العالم الاجتماعي.أي: إن الهابيتوس عبارة عن مجموعة من المواقف والموارد والمكتسبات والقيم والعادات والأعراف والخبرات والتجارب والمعايير التي يكون الفرد قد استضمرها عن طريق التنشئة الاجتماعية، بطريقة لاشعورية، بغية استدماجها أثناء مواجهة الوضعيات الصعبة والمعقدة في العالم الاجتماعي. وبهذا، يكون الهابيتوس وسيطا بين الفعل والمجتمع، أو بمثابة الأنا الأعلى الذي يتوسط الذات أو الأنا والمجتمع بالمفهوم السيكولوجي. علاوة على ذلك، فالهابيتوس هو بمثابة الأفعال غير الواعية التي يصدر عنها الأفراد المجتمعيون أثناء تكيفهم وتأقلمهم مع المجتمع مماثلة واستيعابا، كما يقول جان بياجيه (Jean Piaget) في منظوره التكويني. وبهذا، يوحد الهابيتوس بين الفرد والمجتمع، بين الفعل والبنية، والذات والموضوع، والضرورة والحرية... وتأسيسا على ما سبق، يتبنى بيير بورديو البنيوية التكوينية («Structuralisme constructiviste » ou constructivisme structuraliste) على المستوى السوسيولوجي[4]. بمعنى أنه يوفق بين الفعل والبنية، أو يجمع بين دور الفاعل المجتمعي وبنية المجتمع. فكل واحد من هذين العنصرين يؤثر في الآخر. بمعنى أن هناك تفاعلا وتماثلا بين الفاعل والمجتمع، أو تفاعلا بين الفهم والتفسير، بين الضرورة والحرية. وبهذا، يكون قد وفق بين التصور الدوركايمي التفسيري، والتصور الإنساني الذاتي عند ماكس فيبر.أي: لا ينكر بيير بورديو أهمية المجتمع في التأثير في الأفراد سلبا أو إيجابا؛ لأن ثمة ضرورة أو حتمية مجتمعية تمارس تأثيرها على الفاعلين المجتمعيين. وفي الوقت نفسه، يثبت أن للإنسان دورا مهما في تغيير المجتمع وخلقه وإبداعه. وبهذا، يكون بورديو قد تأثر بالبنيوية التي تعتبر الإنسان نتاج بنيات وقواعد حتمية. وفي الوقت نفسه، تأثر بماكس فيبر الذي يعتبر الإنسان فاعلا وبانيا للمجتمع. وبذلك، يتجاوز بورديو ثنائية الذاتية والموضوعية، وثنائية الميكرو والماكرو، وثتنائية الفعل والبنية، مع تحكيم الهابيتوس في كل هذه الثنائيات باعتباره عنصرا وسيطا وجامعا وموحدا. يتبع |
العلامات المرجعية |
|
|