#1
|
||||
|
||||
بين الطبيعة الإنسانية الإسلامية والطبيعة الصِّهيونية والصليبية
بين الطبيعة الإنسانية الإسلامية والطبيعة الصِّهيونية والصليبية أ. د. عبدالحليم عويس إذا كنا قد أشرنا إلى الحقوق الإنسانية في الإسلام - كما رأينا - فإننا نعجب في المقابل من الحقوقِ الإنسانية في اليهودية كما يصورها العهد القديم والتلمود والبروتوكولات، والأعجب من ذلك تأثُّر الحضارة الأوروبية بهذه القِيم اليهودية؛ فالحقوق الإنسانية لغير اليهود لا وجودَ لها، والحروب التي تخضع في الإسلام لآدابٍ صارمة تتلخص في أوامرِ الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق لقائده (يزيد بن أبي سفيان) التي ألمحنا إليها سابقًا، والتي لم نذكر منها إلا ما يتصل بحماية الرهبان ورجال الدين في أماكن عبادتهم، وتركنا أوامرَ عشَرة أخرى أمر بها أبو بكر الصديق، وهي أمرُه لقائده ولقادته جميعًا: (لا ت***وا امرأة، ولا صبيًّا، ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلاً، ولا تفرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن)، هذه الوصايا - الأوامر - لا وجود لها ولا لقريب منها، ولا لروحها في العهد القديم، بل تجد نفسك أمام حروب إبادة، لعلها هي التي فرضت رُوحها على حروب الإبادة العنصرية والدينية المعاصرة. إن التوراة المعدَّلة (المحرَّفة) التي بأيدي اليهود تحثُّ اليهودَ على إعلان حرب عالمية دائمة مستمرة - مباشرة وغير مباشرة - ضد البشرية، ومما ورد في هذه التوراة - مما يعكس نظرةَ اليهود للحرب - قولُ التوراة لليهود: "إن الأرض التي تدخلون لتملكوها هي أرض متنجسة بنجاسة شعوب الأراضي برجاستهم، التي ملؤوها من جهة إلى جهة بنجاستهم، والآن فلا تعطوا بناتِكم لبَنِيهم، ولا تأخذوا بناتِهم لبَنِيكم، ولا تطلبوا سلامتَهم وخيرهم إلى الأبد؛ لكي تتشددوا وتأكلوا خير الأرض، وتورِّثوا بَنِيكم إياهم إلى الأبد"[1]، وقولها أيضًا لهم: "متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتملكها، وطَرَد شعوبًا كثيرة من أمامك.. لا تصاهرهم، بنتك لا تعطِ لابنه، وبنتَه لا تأخذ لابنك"[2]، وكان من نتائج تمسُّك اليهود بهذه التعليمات الدِّينية أن وضعوا قوانينَهم ونُظمَهم ومعاملاتِهم ونظرتَهم السياسية على التفرقة بينهم وبين سائر البشر في كل شيء، كما عمَدوا إلى تاريخ بني آدم يشوِّهونه ويلوِّثونه ويبرِّئون أنفسَهم من العيوب والنقائض، وأعطوا لأنفسهم حقَّ استبعاد الآخرين وإبادتهم، وقد حددت التوراةُ صُور الإبادة الجماعية في الحروب في ثلاث صور، هي: 1 - إبادة المدن المرتدة التي يتأكد اليهود أنها تعبد آلهة أخرى لم يعرفها اليهود: فقد ورد في سِفر التثنية الأمرُ بإبادتها: "فضربًا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف، وتحرمها (ت***ها) بكل ما فيها من بهائمها بحد السيف، تجمع كل أمتعتها كاملة للرب إلهك، فتكون تلاًّ إلى الأبد لا تبني بعد، ولا يلتصق بيدك شيء من المحرم، لكي يراجع الرب من حمو غضبه ويعطيك رحمة، يرحمك ويكثرك كما حلف لآبائك"[3]. 2 - إبادة المدن المحاربة التي لم تسلِّم نفسها: فقد جاء في سفر التثنية أن المدن التي لم تُسالِمْك بل عملت معك حربًا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يديك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف...هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًّا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا..."[4]. 3 - إبادة مدن معينة حددها الله في التوراة وتستحق الإبادة: وقد حددها سفر التثنية في قوله: "متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها، وطَرَد شعوبًا كثيرة من أمامك، الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، سبع شعوب أكثر وأعظم منك، ودفعهم الرب إلهك أمامك، وضربتهم؛ فإنك تحرمهم لا تقطع لهم عهدًا، ولا ترفق بهم، ولا تشفق عليهم، ولا تصاهِرْهم، فلا تزوجوا بناتكم من أبنائهم، ولا أبناءكم من بناتهم؛ إذ يغوون أبناءكم عن عبادتي ليعبدوا آلهة أخرى، فيحتدم غضب الرب عليكم، ويهلككم سريعًا، ولكن هذا ما تفعلونه بهم، اهدموا مذابحهم، وحطموا أصنامهم، وقطعوا سواريهم، وأحرقوا تماثيلهم"[5]. إن النبي يشوع الذي جاء بعد موسى - عليهما السلام - تصوره التوراة وكأنه سفَّاح لا نبي؛ فعندما يدخل مدينة أريحا يأمر ب*** كل الناس إلا الزانية التي سترت جواسيسه في بيتها، ثم يأمر بإحراق المدينة.. ويقول العهد القديم عن يشوع وجيشه: "وحرموا (أبادوا) كل ما في المدينة من رجل وامرأة، طفل وشيخ، وحتى البقر والغنم والحمير بحد السيف/ أي: ا***وا الجميع/ ". يقول العهد القديم أيضًا: إن يشوع أصدر أمره قائلاً: "وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها، إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد اجعلوها في خزانة بيت الرب، واستحيا يشوع (أي استثنى وعفا) راحاب الزانية وبيت أبيها، وكل ما بها، وسكنت وسط إسرائيل إلى هذا اليوم؛ لأنها خبأت المرسلينِ اللذين أرسلهما يشوع لكي يتجسسا أريحا"[6]، (فالخائنة الزانية - وحدها - هي التي استحقَّت الحياة مكافأة على خيانتها). وفي صورة دموية أخرى يقول العهد القديم مصورًا الهجوم على مدينة (عاي): "فقال الرب يشوع: لا تخف ولا تلاعب، خذ معك جميع رجال الحرب وقم اصعد إلى عاي، انظر قد دفعت بيدك ملك عاي وشعبه ومدينته وأرضه، فتفعل بعاي وملكها كما فعلت بأريحا وملكها، غير أن غنيمتها وبهائمها تنهبونها لنفوسكم..."[7]، فهنا في (عاي) استثنت الحيوانات التي لم تستثن في أريحا، (وربما تكون لحيوانات أريحا ذنوب لا نعلمها!)، وضربهم حتى لم يبقَ منهم شارد ولا منفلت، وأما ملك عاي، فأمسكوه حيًّا، وتقدموا به إلى يشوع، وكان لما انتهى إسرائيل من *** جميع سكان عاي في "الحقلفي" البرية حيث لحقوهم وسقطوا جميعًا بحد السيف حتى فنوا، إن جميع إسرائيل رجع إلى عاي وضربوها بحد السيف، فكان جميع الذين سقطوا في ذلك اليوم من رجال ونساء اثني عشر ألفًا، جميع أهل عاي...، ويشوع لم يردَّ يده التي مدها بالزراق حتى حرم (أي: أباد) سكان عاي، لكن البهائم وغنيمة تلك المدينة نهبها إسرائيل لأنفسهم حسب قول الرب الذي أمر به يشوع، وأحرق يشوع عاي، وجعلها تلاًّ أبديًّا خرابًا إلى هذا اليوم، وملك عاي علَّقه على الخشبة إلى وقت المساء، وعند غروب الشمس أمر يشوع فأنزلوا جثته من على الخشبة، وطرحوها عند مدخل المدينة، وأقاموا عليها رجمة حجارة عظيمة إلى هذا اليوم"[8]. وفي الإصحاح العاشر من سفر يشوع نجد سلسلة من هذه الإبادات الجماعية، تقول التوراة: وأخذ يشوع "مقيدة" في ذلك اليوم، وضربها بحد السيف، وحرم "***" ملكها، وكل نفس بها، لم يُبقِ شاردًا، وفعل بملك "مقيدة" كما فعل بملك "أريحا"، ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه من لينة إلى لجنيش، ونزل عليها وحاربها وضربها بحد السيف، وكل نفس بها، حسب كل ما فعل بلينة.. "ثم اجتاز يشوع وكل إسرائيل معه لجنيش إلى عجلون، فنزلوا عليها، وحاربوها، وضربوها بحد السيف، وحرم عليها كل نفس بها في ذلك اليوم حسب كل بما فعل بلجنيش، ثم صعد إلى حبرون "الخليل"، وأخذوها وضربوها بحد السيف مع ملكها، وكل مدنها، وكل نفس بها، وضرب يشوع كل أرض الجبل والسهل والسفوح، وكل ملوكها، لم يُبْقِ شاردًا، بل حرم (***) كل نسمة، كما أمر الرب إله إسرائيل، فضربهم يشوع من قادش برنيع إلى غزة، وجميع أرض جوشن إلى جعبون"[9]، إنها حرب إبادة لا تُبْقي ولا تذر! وفي الأسفار الخمسة الأولى المُجمَع على أنها من التوراة عند السامريين والعِبرانيين معًا، نجد الاتجاه الدموي مسيطرًا، بحيث يمكننا القول: إن ظاهرة ال*** تدخل في صميم نسيج التوراة وفي كل أسفارها بدرجات متفاوتة؛ ففي سفر التكوين - أول أسفار التوراة - يرد ما يأتي: "ليستعبد لك شعوب وتسجد لك قبائل[10]..، وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك إلهك نصيبًا، فلا تستبقِ منها نسمة ما، بل تحرِّمها تحريمًا"[11]؛ (أي: تُبِيدها تمامًا). والسؤال الذي نتوجه به هنا: ما ذنب الأطفال والنساء وغير المحاربين في هذه الإبادة الجماعية؟ لكن الإجابة عن هذا التساؤل تأتينا من التوراة نفسها - توراة ما بعد السبي البابلي وحزقيال ونحميما وعزرا - إن هذه التوراة أباحت إبادة كل حي، وقطع كل شجر أخضر، وحرق كل ما يمكن الانتفاع به، بل جعلتها فرائض وأحكامًا وقوانين..، وقد ورد في سفر التثنية: (هذه هي الفرائض والأحكام التي تحفظون لتهملوها في الأرض التي أعطاك الرب إله آبائك لتمتلكها كل الأيام التي تحيلون على الأرض، تخربون جميع الأماكن، حيث عبدت الأمم التي ترثونها آلهتها على الجبال الشامخة وعلى التلال، وتحت كل شجرة خضراء، وتهدمون مذابحهم، وتكسرون أنصابهم، وتحرقون سواريهم بالنار، وتقطعون تماثيل آلهتهم، وتمحون اسمهم من ذلك المكان، لا تفعلوا هذا للرب إلهكم، بل المكان الذي يختارُه الرب إلهكم من جميع أسباطكم؛ ليضع اسمه فيه سُكناه تطلبون، وإلى هناك تأتون، وتقدمون إلى هناك محرقاتكم وذبائحكم وعشوركم ووقائع أيديكم ونذوركم ونوافلكم، وأبكار بقركم وغنمكم، وتأكلون هناك أمام الرب إلهكم، وتفرحون بكل ما تمتد إليه أيديكم أنتم وبيوتكم كما بارككم الرب إلهكم"[12]، أجل: هكذا يفرحُ اليهود على أشلاء الناس وبقاياهم وجماجمهم. وتعليقًا على هذه الإبادات الجماعية، يعترف أحد أصحاب الضمائر من اليهود على بني ***ه قائلاً: نحن اليهود لسنا إلا سادة العالم ومفسديه ومحرِّكي الفتن فيه وجلاديه[13]، والدكتور (ليفي) لم يقلْ هذا اعتمادًا على ما جاء في العهد القديم فقط، بل اعتمادًا على وقائع التاريخ كله، وعلى وقائع تاريخ اليهود في فلسطين من سنة 1947 - وما قبلها - حتى اليوم. وفي العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م؛ حيث كانوا مضرب الأمثال في الوحشية والفتك، وفي مذابح دير ياسين، والخليل، ورام الله، وغزة، وغيرها من مدن فلسطين، وفي جنوب لبنان، ومع الانتفاضة التي بدأت في سبتمبر سنة 2000م، والتي راح ضحيتها آلافُ الشهداء والجرحى والمعوقين ممن سقطوا من أبناء الشعب الفلسطيني. [1] سفر عزرا: الإصحاح (9/ 11/ -132). [2] سفر التثنية: الإصحاح (7/ 1/ -14-12). [3] سفر يشوع: الإصحاح (8/ 1-28) في ذلك كذلك، الإصحاح (10/ 16-43)، (12/ 1-24) وسفر القضاة: الإصحاح (1/ 3-18)، والإصحاح (8/ 4-6) وسفر صموئيل الثاني: الإصحاح (12/ 29-31)، وأخبار الأيام الثاني: الإصحاح (25/ 12-11). [4] سفر التثنية: الإصحاح (7/ 1-7). [5] سفر التثنية: الإصحاح (7/ 1-7). [6] سفر يسوع: الإصحاح السادس. [7] سفر يسوع: الإصحاح الثامن. [8] سفر يسوع: الإصحاح الثامن. [9] سفر يسوع: الإصحاح العاشر. [10] التكوين: الإصحاح السابع والعشرون. [11] سفر التثنية: الإصحاح العشرون. [12] سفر التثنية: الإصحاح (12/ 1-7). [13] محمد التونسي: الخطر اليهودي، مرجع سابق (المقدمة). |
العلامات المرجعية |
|
|