|
الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
اللادينية.. طابع المجتمع الغربي الحداثي
اللادينية.. طابع المجتمع الغربي الحداثي د. وليد قصاب ولا شك أن مجتمعَ الغرب الحداثيَّ يختلف كلَّ الاختلاف عن مجتمع الغرب قبل الحداثة. يقول دو ميترو كيكان: ((أما اليوم – وبالمفهوم الاعتيادي العام – فإن كون الإنسان (حداثياً) يعني شيئاً مختلفاً آخر جديداً ومتميِّزاً عن شيء مختلف آخر، كما يعني – في الوقت ذاته، ومن حيثُ ماهيةُ الكائن – التمردَ والثأرَ على التقاليد المقيِّدة للعطاء الإبداعي، وعلى كلِّ ماهو تافه ورادع للتطوُّر[1]..)). وقد لا يهمنا كثيراً الوقوفُ عند التحديد الزمني لتاريخ ولادة الحداثة الغربية؛ إذ إن هذا التاريخَ هو موضع خلاف شديد بين الباحثين، ففي حين يربطه بعضهم بفكر ديكارت في القرنين السادسَ عشرَ والسابعَ عشرَ الميلاديين، يحدِّد الناقد الأمريكي ((فردريك جيمسون)) تاريخ ميلادها في النصف الأول من القرن العشرين[2]. أقول: ربما لا يهتم قوم بالتاريخ بقدر ما يهتمون بربط هذه الحداثة بفكر معيَّن انطلقت منه، وشكَّل جوهر فلسفتها في النظر إلى الكون والإنسان والحياة، بل إلى العقيدة والأديان والألوهة ذاتها.. وقد حدد أحدُ الباحثين الغربيين الكبار جوهرَ هذا الفكر الفارق بين مجتمع الحداثة الغربيِّ ومجتمع ما قبلها بأنه غيابُ الطابع ((المتيا فيزقي)) الذي كان سائداً في مجتمع ما قبل الحداثة، الذي كان يؤمن أن هنالك نظاماً يحكم الكون، متمثِّلاً في الدين بخاصَّة، ومن ثَمَّ فإن مجتمع الحداثة وما بعدها يتجه إلى ((اللادينية))، يتجه إلى ما يسمِّيه ((العلمانية)) أو ((العقلانية)) أو ((الدنيوية)) التي تعني – في مفهومهم – استبعادَ الدين من جميع مناحي الحياة وأنشطتها الفكرية المختلِفة، بل الإيمان بضرره وعدم جدواه. يقول آلان تورين – صاحب كتاب نقد الحداثة - : ((تُحِلُّ فكرة الحداثة – في مركز المجتمع – العلمَ محلَّ الله، تاركةً – في أفضل الحالات – المعتقدات الدينيةَ في داخل الحياة الخاصة. ولا يكفي أن تكونَ التطبيقاتُ التكنولوجية للعلم حاضرةً حتى يقال: إن المجتمعَ حديث، لابدَّ – فوق ذلك – من أن يُحْمَى النشاطُ العقلي من الدعايات السياسية، أو من العقائد الدينية[3]..)). ويقول مرة أخرى مؤكداً فلسفة الحداثة الغربية: ((إن الإيديولوجية الغربية للحداثة – والتي يمكن أن نسمِّيها الحداثية – قد حلَّت محل فكرة الذات وفكرة الله التي كانت تتعلَّق بها... يقول الحداثيون: لا المجتمع، ولا التاريخ، ولا الحياة الفردية، تخضع لمشيئة كائنٍ أعلى يجب الخضوع لها أو يمكن التأثيرُ فيها بالسحر، فالفرد لا يخضعُ لغير القوانين الطبيعية.. يجب إحلال معرفة قوانين الطبيعة محلَّ تعسف الأخلاق الدينية[4]..)). ولا تتحقَّق المنفعة الاجتماعية في هذا المجتمع الغربيِّ الحداثيِّ إلا ((بإلغاء جميع الصور، والابتعاد عن كلِّ لجوء إلى قانونٍ إلهي.. وإذا كان لهذا اللجوء إلى الطبيعة وظيفةٌ نقديةٌ ومعاديةٌ للدين – على الخصوص – فذلك لأنه يسعى إلى أن يمنحَ الخير والشر أساساً لا هو بالديني، ولا هو بالسيكولوجي، وإنما هو اجتماعي فحسب. والفكرة التي مفادها أن المجتمع هو مصدرُ القيم، وأن الخيرَ ما ينفع المجتمع، وأن الشرَّ ما يضرُّ تكامله وفعاليته، هذه الفكرة عنصرٌ جوهريٌّ في الإيديولوجية الكلاسيكية للحداثة[5]..)). وهكذا تعلن الحداثةُ – بجرأة ووضوح، لا لَبْس فيه ولا غموض – أنها ((لادينية))، وأنها في عداء مع الدين، وترفع رايةَ العصيان عليه، والصُّبوء منه، وتقدِّم نفسها باستمرار على أنها ظاهرة ((العقلنة)) و((العلمانية))، وأنها ((عالم الدنيويات)) عالم ((انهيار التصورات الدينية)). يقول مالكوم براد بري وجيمس ماكفارلن – وهما من مُنظِّري الحداثة الغربيين - : ((الحداثةُ من عالم يتجدَّد بسرعة، عالم التمدُّن والتقدم الصناعيِّ والتكنولوجي، عالم الدنيويات، من عالم غابَ عنه الكثير من المسلَّمات التقليدية[6]..)). ويقول لامونت موجزاً ما يسمِّيه النزعةَ الإنسانية للحداثة: ((إن الإنسانَ لا يحيا إلا حياةً واحدة، ولا يحتاج إلى ضمان أو دعامة من مصادرَ عالية على الطبيعة، وإن العاليَ على الطبيعة الذي يُتَصَوَّر عادة على شكل آلهة سماوية، أو جنات مقيمة، ليس موجوداً على أية حال.. ففلسفة النزعة الإنسانية تسعى على الدوام إلى تفكير الناس بأن مقرَّهم الوحيد هو هذه الحياة الدنيا، فلا جدوى من بحثنا في غيرها عن السعادة وتحقيق الذات، إذ ليس ثمَّةَ مكان غيرها نقصده، ولابدَّ لنا – نحن البشر – من أن نجدَ مصيرنا وأرضنا الموعودة في عالمنا هذا الذي نعيش فيه، وإلا فلن نجدَهما على الإطلاق[7]..)). ــــــــــــــــــــــ [1] مجلة الرافد الإماراتية، العدد 113 (ذو الحجة: 1427هـ / يناير: 2007م). [2] انظر ((مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة)) ترجمة محمد الشيخ، وياسر الطائري (بيروت، دار الطليعة: 1996م)، ص10. [3] نقد الحداثة، الحداثة المظفرة، ترجمة صياح الجهيم (وزارة الثقافة، دمشق: 1988م)، 1/16. [4] السابق: 1/18. [5] السابق: 1/23. [6] الحداثة (1890-1930م) تحرير مالكم براد بري، وجيمس ماكفارلن، ترجمة مؤيد فوزي (وزارة الثقافة والإعلام، بغداد: 1987م)، ص57. [7] قضايا وشهادات (الحداثة: 1) [دار عيبال، قبرص: 1991م]، ص259. |
العلامات المرجعية |
|
|