#1
|
|||
|
|||
على رسلكم
على رسلكم
لعلك مِثلي حَكَمْتَ على الناس مِن قبلُ بالشكل الخارجي دون المعرفة الصحيحة لهم، ولعلهم - أيضًا - حكموا عليك من شكلك الخارجي، واتَّهموك بالباطل، كالذي رأى كتابًا مميزًا غلافه وبهره شكله واشتراه بأغلى الأثمان، ثم راح يتصفح محتواه، فوجده هشًّا فارغًا لا يحوي شيئًا بداخله. ولعلك مثلي خُدعت في بعض الناس ممن يتظاهرون بالتديُّن، وبمعاملتهم وجدتَ الدين منهم بريئًا، ولعلك حكمت - أيضًا - على متديِّن حقًّا بالسوء وقارنته بمن تظاهر بالتدين، ووضعت الاثنين في كفة واحدة، ولأن الشكل الخارجي الآن مهم جدًّا، وكثيرًا من الناس يُخدع فيه، فيَجب عليك التمهل في الحكم؛ لأنك ببساطة أنت في زمن تغيرت فيه كل الحقائق، وتبدلت كل المفاهيم، وأصبح الأمين فيه كاذبًا، والكاذب فيه أمينًا، فعن أم المؤمنين صفية بنت حُيَيٍّ رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلَّم معتكفًا في رمضان، فأتيته أزوره ليلاً فحدَّثتُه، ثم قمت لأنقلب إلى بيتي، فقام معي ليردني إلى البيت، فمرَّ رجلان من الأنصار، فلما رأَيَا النبيَّ عليه الصلاة والسلام أسرَعا، فقال عليه الصلاة والسلام: ((على رسلكما - أي: انتظِرا - هذه صفية بنت حُيَيٍّ زوجتي))، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم؛ وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا - أو شيئًا)). هذا دليل واضح أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، يجعلك تحكم وتظن الظنون، يقذف في قلبك الشر بسرعة البرق، تتخيل الخطأ دون تفكير، فبمجرد وقوع العين على شيء يرسل للقلب أن هناك فعلاً قد حدث، فعليك الانتباه وعدم الحكم بعجالة، فالحكم بالاستعجال على شيء يجلب الندم، ناهيك عن الذنب الذي لحق بك من اتهامك لشخص بالسوء، وحق له الاقتصاص منك يوم القيامة. نعم، هناك وجوه ترتاح لرؤيتها عند الوهلة الأولى، وهناك وجوه تنفر منها من أول لقاء، وهذا كله من عند الله، ومن أثر الطاعة لعبدٍ دون آخر؛ ((الأرواح جنود مجنَّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف))؛ رواه البخاري ومسلم، ولكن الأهم هو عدم الحكم على الناس دون معرفتهم حق المعرفة، وإشاعة ذلك بين الناس، ودَعْ سوء الظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، قال ابن القيم: "سوء الظن: هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس، حتى يطفح على اللسان والجوارح"، وقال ابن كثير: سوء الظن "هو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محلِّه"، فأصبح سوء الظن منتشرًا هذه الأيام بطريقة غريبة، وأصبح الناس تتسرع في الحكم على بعضها بشكل مخيف، فكثيرًا ما تجد متخاصمين بين الناس، والسبب الوحيد هو سوء الظن، فكيف لنا أن نرى القذى في عين الناس ولا نرى الجِذْع في أعيننا؟! قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظن بكلمة خرَجت من أخيك المؤمن شرًّا وأنت تجد لها في الخير محملاً"، فأحسِن الظن، ويجب علينا أن نلتمس لإخواننا أعذارًا، لعل عندهم عذرًا، وإن لم يكن لهم عذر فنلتمس نحن عذرًا، فعلينا التأني وعدم الاستعجال في الحكم على الناس من خلال المظهر والملبس فقط، وعلينا حسن الظن بالناس؛ حتى يتبين لنا الحق، فنحن في أيام تشوش علينا كل شيء، وأصبح أكبر العلماء يُطعن فيه ويُساء به الظن، فما بالك بنا نحن؟! والله المستعان. وإلى لقاء آخر بإذن الله.
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|