|
إبداعات ونقاشات هادفة قسم يختص بما تخطه أيدي الأعضاء من شعر ونثر ورأي الخ... |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
هموم
أستيقظ و الحمى تكاد تسحق وعيي ، أضاعف سرعة السلحفاة في الاِستعداد لعملي ، بضع دقائق من التأخير قد تهضم أجر اليوم و تحلي بنصيب من المكافأة ... أذهب متأخرة لكن دفتر الحضور و الاِنصراف يغفو في غفلة من الإداريات ، نتوافد عليه فنسجل أسماءنا و نحفظ حقنا في أجر اليوم.
أمر بزميلاتي في طريقي إلى الكنترول فألقي السلام تكراراً و أجني من الحسنات ما يملأ صفحة من الأيام الخالية. أستلم أوراق امتحان تكنولوجيا الصف الثاني الإعدادي كي أضع عليها اللمسات الأخيرة من المراجعة و التدقيق قبل رصدها في الكنترول . أتناول التلبينة بينما أراجع إجابات الطلاب و تقييم المدرسات ، يطفو الهم على وعيي فيملأ مسارب النفس ، ما هذا السخف ؟ يعجز الكثيرون عن كتابة جملة صغيرة ذات معنى يصل المتلقي مباشرة . أما من يفعل فعليه أن ينتظر فراغ زملائه من سخافاتهم حتى نكمل مسيرة التعليم ، صغار على سرقة كتلك ، يتشربون التهاون مع الدراسة . سؤال لم أظن أحداً يخطىء إجابته : فيم تستخدم النت ؟ (جميع الطلاب يستخدمها) يعجز بعضهم أن يكتب أن النت تستخدم في تبادل المعلومات و التواصل مع الآخرين و يأخذ درجته كاملة ! بينما يشكل ابن الغرب عالمه و عالم جيرانه من بني البشر بتلك الشبكة! تمنحهم الوزارة درجات تحت كل أنواع البنود ، بند أنهم شرفونا بالحضور و آخر لعدم إساءة الأدب ! و بند آخر للمشروع الذي استلمته أمه للتو من النجار بعد دفع ثمنه ! يخط الفكر هموم تكتبها يدي فيضغط الجرح فينزف مزيد هم . يا فارج الهم ، و كاشف الغم ... يا الله .. و تلك الأخطاء في المناهج عاماً بعد عام ... أذكر جملة سخيفة في الكتاب تزعم أن مفصل القدم واسع الحركة (قابل للدوران مثل مفصل الكتف) ، كيف نمشي إذا؟ أتحدى السفه و أعلن في فصلي أنه محدود الحركة كما هو واضح . تتبخر مكافأتي بسبب تقييم رئيسة تراني مخطئة لأنني أتصرف بعقلي . أريها مرجعاً من الجامعة ، لا يشفع لي ، تتحداني تلك الأخطاء مطولاً تخرج لي لسانها حتى يأذن الله بزوال الكتاب عن آخره ! أعيد الامتحانات للكنترول بينما تعصف الحمى بذهني ، تدفعني لحدود أرض الجنون ، أتشبث بأرض الأحياء ، أتجلد حتى يمر اليوم . يصف عقلي القهوة دواء حتى ينتهي اليوم . أبتسم لها طالبة فنجان قهوة ، تهز رأسها بينما تنشغل في إعداده ، هادئة على غير عادتها ، دائماً ما تؤكد وجودها ، تشارك في الحديث الدائر، تقحم نفسها بين السطور. تتلاقى الأعين ، فألمح درجة شقاء زائدة عن ثمانية و ثلاثين . أستطلع منها الأمر : تقول الصغير مريض ، حرارته مرتفعة ، عاملة النظافة ، لها ستة أطفال ، يعييها تدبير أمور معيشتهم فتخرج للعمل . الهم يعلو معظم الوجوه هذه الأيام فتغيير الطقس يحضر الميكروبات ضيوفاً ثقلاء على بني البشر ، ينقشها على مناعة أطفال ضعاف ، تقضي إحداهن الليل تهدهد المريض ، تتحمل قيأه و ثقل وزنه ثم تقوم مبكراً لما هو أثقل. لا أحد يلتفت لعاملة النظافة اليوم ، همومهن تمحو مقالتها ، اسأل المولى فيما يجب فعله ، الذهاب للطبيب أمر مكلف بلا شك . انتظر حتى تخرج من الحجرة و تتجه حيث اعتادت الجلوس ، فأدس بيدها عشرين جنيهاً ، أترك في جيبي خمسين أخرى حتى آخر الشهر ، أعلن عجزي عن مساعدتها لمولاي فأطلب منه الشفاء لكل مسلم. أراقب من حولي بينما أرتشف فنجان القهوة ، تمر أمام مكتبي في لحظة انقطاع عن العمل فأستوقفها ، أسألها ما أخبار الدراسة ؟ _ انقطعت عنها ، تحيرت بين المواصلة و الهجر ، لا أجد جدوى لشهادة متخصصة في الحسابات بلا خبرة حقيقية في هذا المجال ، الكتابة على الكمبيوتر هو المطلوب هنا ، لا أجد مكاناً بالمدرسة في الإدارة المالية . تفيض : من يشاركني الدراسة يحتاجونها للحصول على وظائف مرموقة ، بالشركات متعددة ال***يات ، شركات لها أنشطة اقتصادية متداخلة مع الأجانب و بالأخص اليهود ، لا أرتضي أن أعمل بشركة كتلك فأكون ممن يساعدهم على أي نحو ، خير لي أن أبقى في وظيفة صغيرة دخلها قليل و لكنه يكفي و بركته عظيمة عن دخل كبير في وظيفة لا يرتضيها المولى . تطيل الحديث : كشفوا عن جبل به ذهب منذ عدة أيام ... يذهب خمسون بالمائة منه لشركة أجنبية تستخرجه ثم تخرجه من البلاد ، ألا ترين أن صاحب القرار السياسي يبيع البلد برخص التراب ؟ لن أضع خنجراً في نصل بلدي، لن أشرب الدم النازف . أقول ابننا سخيف ، خفضنا التحديات في حياته حتى فرغ منها و التفت للسخف الذي يراه في التلفزيون و ألعاب الكمبيوتر ، أعرف شاباً لا يغرف طعامه في طبقه حتى تدسه أمه في فمه ، ما أصنفه في ملف المعتاد، كيف يواجه أجنبي اعتاد العمل منذ الصغر ، يعمل بيديه، يستخدم عقله ، ينمي عضلاته ؟! و الحياة صراع إرادات و الإرادة الأقوى تكسب ، كيف يقهر بضع آلاف من الأمريكيين ملايين البشر في العراق وأفغانستان ؟ الحساب به شيء مختل حد الجنون . تتلاقى الأعين فيغمر الإحساس المعنى ذاته : _ يضمخ القهر الاحساس، أعني أنهم مقهورون حقاً في العراق و فلسطين ، لكن الناس هنا أيضاً يشعرون أنهم مركعون ، خانعون ، يمد الزهق ظله على الخطى ، يخلط القرف الطعام ، يسىء لطعمه رغم الغنى و الاقتدار!! أجل ، أرتشف السم عينه . يأخذنا الآذان من هذا العالم ، إلى زمن يأذن فيه المولى بذكره ، يفرّغنا من هموم لا علاج لها ، فيكون دواء و شفاء حتى حين ، يسألنني أن أتصدر ، و أنا عادة ما أفعل، لكن اليوم عصيب أكاد أغيب عن الوعي ، أتردد قليلاً ، فتجتاح إرادتها القوية إرادتي المهلهلة تصر أن أتصدر فأفعل . مشاعر متوهجة تسري عبر جسد واهن ، لو نظرت إحداهن لأزعجها وهج الكهرباء ، و أنا لا أحب كشفه ، أتوجه للذي فطرني ، أسكب ضعفي بين يديه ، أسأله كل ما أعجز عنه ، أعني كل شيء ، تكاد تفيض روحي بين يديه ، تنسكب أدمعي : إليك أشكو ضعف قوتي و قلة حيلتي و هوان أمتي على الناس ، أنت رب المستضعفين و أنت ربي ، لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ، و لا تكلنا لعدو سقيم يقتات لحومنا و دماءنا ، نسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات و الأرض و صلح به أمر الدنيا و الآخرة أن تنصرنا عليهم و أن تصلح لنا شأننا كله ، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك و لاحول و لا قوة إلا بك عدد خلقك و رضى نفسك و زنة عرشك و مداد كلماتك. أعود إلى مكتبي ، يعود لي الفكر ، تربط الوزارة يداي بحزم و تطالبني بالعمل باقتدار ، عملي كخيالات السحّـار، المتناقضات : بسيط حد السذاجة .... خبيث حد اللؤم ، تسيل من أنيابه دماء أولادي ، أخرب مستقبلهم زعم أنني أبنيه ، ألفق لهم نجاحاً فأهدمه في الحقيقة ، الكل يقول افعلي ما تقدرين عليه فقط و لا عليك بالباقي ، الذي هو كل شيء ... أغير ما أغير فتأتي من تنقض ما أفعله .... تعيده لأصله ، يعشقون الأصالة ، أهدد بتركهم ، تأخذهم الحنية .... يرسم النفاق ألوانه : حبك مضمخ بالاحترام ، انظر إلى العيون فيموت الكلام . يرسلني الزمان إلى البيت فقد طالت حصة الهم ، اخفض صوت الهم و أنا عند أختي ، طفلها الرضيع على صدر أمي ، شهرين من عمره في هذه الحياة ، لا يسكن لغير حضن أم رؤوم ، فنقتسم الأمر بيننا، حانت حصتي ، احمله ريثما تعد الطعام ، أمشي و أنا أرقيه ، تمتزج حرارة جسمه بحرارة جسمي ، يداخلني بعض ما يشكو منه. تحضر أم يوسف ، تكاد تتقطع أنفاسها فقد نزلت بحثاً عني فلم تجدني في البيت ، هداها قلبها أنني حيث أنا ، في عينيها كل ما تريد قوله ، أعرفه دون أن تنطق ، طبعاً يوسف و امتحاناته ، قبل أن تنطق أعرض أن أساعد، بالتأكيد ، أحمل عنها هم عريض ، يوسف نبيه في اتجاه آخر ، يعييه أن يقرأ أو يكتب ، بالذات باللغات الأجنبية، و هل صارت كل مدارسنا إلا مدارساً للغات ، لا أدري أيمهدون لاستعمار جديد أم يهيأون الأولاد لخدمة محتل موجود ، لا شهادة بغير لغته و شعره وآدابه و فلسفته .... الخ !! تحتل مقررات اللغات القسم الأكبر من اليوم و الطاقة و المال ، يتبقى وقت قصير للعلوم تدرس بلغتهم ، فتات معلّـب، لا عصير ، جفاف حد الموت ، لا يهم ستضع المدرسة الاِمتحان قرب فيّـه، تقول اشرب ، أفعلت ؟ رائع 99 % يا صغير ، أطلت الحديث مع الإداريات و المدرسات ، لم أقنع أحداً بتغيير مساره ، ربما حادثة في نهاية الطريق تزيل إحداهن من مكانها .... غالباً ما تحل مكانها توأمها ، خلعهن الله جميعاً عمّـا قريب . حسناً سأجلس معه و هذا هم لا تعلمون مداه ، قياساً على ما مضى ، لعلها ساعة تلك التي تفلح في ترويض إرادة جامحة لطفل قائد ، إرادة صلبة ، بلا تصور واضح للاتجاه المنشود . أبدأ القراءة ، بينما ذهنه تحتويه الثعابين ، يقاطعني ، أيمكن أن نفتح النت فننظر إليها ، أعِدُ جادة بذلك بعدما ننتهي من صفحة الكتاب ، تقطع كلماته ثالث كلمة أنطقها . _ أيأذن مولاي لي بالكلام ؟ _ بل اسمعي سؤالي الخطير : أسمعت عن تلك الأفعى الخارقة التي ت*** من يقربها بسم تنفثه في وجهه ؟ _ أعيده إلى تصنيف الحيوانات إلى فقاريات و لافقاريات ، أؤكد وعدي ، أطالبه بالاِلتزام بالجزء الخاص به . أبدأ القراءة ، تمر كلمتان ثم يأمر ثانية : لنلعب كرة اليد و الفورة من 10 و أنا الحكم و الهداف و المعلّـق و أنتِ ما يجعل كل هذا ممكناً. _ تأخذ الحازمة الزمام ، تكشر عن أنيابها ، تقسم الوقت و توزع الأنصبة بالعدل . موقع الكرة بعد صفحتين ، يطول الزمن فيهما ساعة ، تجري فلا أشعر بها ، أطويه في حضني ، أشغل تركيزه المشعث : نصفه مهترئ ، ربعه مشغول بأمر آخر ، نخرج من متاهة الجدل حول الثعابين فندخل دهاليز الكرة ، أرتب ، أفصل ، ربع ساعة كرة ، أختها في المذاكرة ، أعد طعامه ، أدفن الحمص في زيت الزيتون و الطحينة ، يستحسن طعمه ، و هو لا يستحسن من الطعام الكثير . يسترسل أمام التلفزيون ، فأنزعه بالقوة الجبرية من أمامه ، يستاء مني ، لا يهمني ، قلمّـا نلت الاِستحسان ، فقط حين أحرز نتائجاً طيبة ، يمر ببالهم موضع الحق . نعود لمهمتنا ، نقرأ و نكتب و نحفظ ، ننقد و نحلل و نربط المعلومات ، نناقش كل ما يخطر بباله، ننظم .. نفصل ، أسأله رأيه ، يسألني رأيي ، يعلو البشر وجهه إذ يسري الطعام الطيب في جوفه ، يزيد تركيزه ، نتحرك بسلاسة أكثر ، نقضي عدة ساعات على هذا النحو ، يستنفذ طاقة شبه مفقودة ، يتركني حطام ، لا أرغب في شيء ، لا بأس سيعيد النوم الحيوية لجسد مكدود، أمامها يوم آخر مغمور في هذا العته . بعض هم نساء لا محور له سوى أبنائهن ، تغمرهن الأمومة فتتلاشى المرأة . مفردات من كتاب الحياة ، أولى بالقراءة من منمقات أجهزة خلط الإعلام ، صورهم لفقها نابهون تصوروا الأمور على نحو ما ... تيار الحياة يخط لها مساراً مغايراً . ************** |
العلامات المرجعية |
|
|