اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 13-01-2014, 12:53 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New العامل بالحقّ ناصحٌ فصيحٌ وإن سكت

العامل بالحقّ ناصحٌ فصيحٌ وإن سكت


وجهٌ ثانٍ في التوبة النصوحِ؛ لا يقلُّ جمالًا عن الوجه السابق؛ ذلك أنَّ العَمَل بمقتضى الحقِّ البيِّن والتوبةِ النصوحِ؛ من أوقعِ النُّصح للغير وإن لم يتكلم صاحبها ولم يَعِظْ. فالعامل بالحقِّ مُتكلِّمٌ وإنْ سكتَ، ورُبَّ ناصحٍ بحاله وإن لم ينصح بمقاله. وقد قيل: عَمَلُ رجلٍ في ألف رجلٍ أنصحُ من وعظِ ألفِ رجلٍ لرجل.

وكثيرًا ما رأينا ونرى: أنَّ المرءَ يكون بعيدًا عن طريق الحقِّ فَيَمُنُّ اللهُ عز وجل عليه بالهداية فتحسُنُ سيرته فيهتدي به والداه وأبناؤه وسائر أهل بيته، كما يهتدي به جيرانه وأهل محلته ومحالّ جوارها.

وهذا منسجمٌ تمام الانسجامِ مع قوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].

فالحكمة من أخصِّ معانيها: وضعُ الشيءِ في موضعه، ومنه العمل بالعلم؛ لأنَّ العلم يُراد للعمل به فهو وضعٌ له في موضعه، قال الجرجاني: «الحكمة في اللغة: العلم والعمل» [1].

وقال ابن تيمية: «الحكمة عندهم (أي الفلاسفة) وعند سائر الأمم نوعان: علم وعمل، وهذه الحكمة عند المسلمين [أيضًا]، قال مالك -: الحكمة معرفة الدين والعمل به، ولذلك قال ابن قتيبة: الحكمة عند العرب العلم والعمل»[2].

وقال ابن القيم:« وأحسن ما قيل في الحكمة قول مجاهد ومالك: إنها معرفة الحق والعمل به، والإصابة في القول والعمل »[3].

والدعوة بالحكمة؛ هي الدعوة بالعمل الصالح المبني على علم صحيح، لأنه وضعٌ للشيء في موضعه الصحيح، فهي أفضل طرق الدعوة على الإطلاق، وأوضحها، وأيسرها، وأكثرها تأثيرًا في النفوس، وأسرعها في ترسيخ ما تدعو إليه، يقول ابن تيمية: من الدعوة إلى الله أن يفعل العبد ما أحبه الله ورسوله ويترك ما أبغضه الله ورسوله من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة [4].

ولذلك؛ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- دائمًا ما يلجأ إليها في الدعوة للمهمات العظام من هذا الدين، فيُضعُ العلم موضع التنفيذ، انظر إليه -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي أمام صحابته الكرام - رضى الله عنهم - ثم يقول لهم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»[5]، ويحج ويرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» [6].

ومن اللطيف الطريف أنَّ أوَّل مَن دخل في الإسلام مُطلقًا خديجة - رضي الله عنها - ما دخلت بوعظٍ، ولا بدعوةٍ مباشرة، وإنما تأثرًا بأخلاق زوجها، بل واستدلت بحسن هذه الأخلاق على أنَّ الله لن يُضيِّعه، فهو يصل الرحم، ويحمل الكَلَّ، ويُقْرِي الضيف، ويُعين على نوائب الحق، إلى آخر تلك الصفات العظيمة.

وكم مِن عتيدٍ في الكفر دخل الإسلام بسبب السمت الحسن للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه - رضى الله عنهم - مثل ثمامة بن أثال[7]، وكم من حريصٍ على الدنيا؛ استحال داعيةً لقومه، بمجرَّد تأثره بالقدوة الحسنة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، مثل ذلك الذي رجع إلى قومه يقول لهم: أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه غنمًا بين جبلين[8]...والأمثلة على ذلك كثيرة.

وسيرته -صلى الله عليه وسلم- ما هي إلا تطبيقٌ عمليٌّ للوحي المنزل، فهو حكيم يدعو إلى الله عز وجل بالحكمة، ويحض على الحكمة، فجزاه الله عز وجل خير ما جزى نبيّا عن أمته، ورسولًا عن رسالته[9].

وتأمَّل البناء الهرميّ العجيب للآية: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].

يتجلَّى هذا البناء في أنَّ قاعدة الهرم تنتظم كل المسلمين الـمُتَّبِعين العاملين؛ فكلُّهم داعيةٌ وناصحٌ إن فسَّرنا الحكمة بأنها العَمَلَ بالعلم، ومن هذا الباب دخل كلُّ تابعٍ من المؤمنين تحت لواءِ متبوعهم محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول عز وجل آمرًا نبيَّه: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].

وصعودًا إلى قمَّة الهرم تدريجيًا؛ يمكن لكثيرٍ من الناس أن يعظوا موعظةً حسنةً، وهذا فضلٌ على مجرَّد العمل أو القدوة، فالواعظُ يحتاجُ إلى منطقٍ وبيانٍ يساعدانِه على حسن الموعظة، ويحتاج أيضًا إلى بعض المفاهيم العامة التي يُذكِّر بها، كما أنَّه يستصحبُ معه العمل بالعلم، لأنَّ الذي يُطبِّق ما يعظُ به على نفسه يكون وعظه أوقعَ في القلوب وأبلغَ، أمَّا الذي ينهى الناس ويأمرهم دون أن يكون لنفسه حظٌّ في وعظه للناسِ؛ فإنَّ الناس لا تقبل منه غالبًا، إذ يقولون بلسان حالهم: لو كان خيرًا لَسَبَقَنا إليه، ولَطبَّقه على نفسه!

وهو في ذلك مُحتاجٌ إلى أسلوبٍ حَسَنٍ في وعظه ليس بالفظِّ ولا بالغليظِ حتى تأتلف عليه القلوب.

ثمَّ الجدال لا يلزمُ كلَّ الوُعَّاظ، وإنَّما مَن ارتقى في علمه بالمفاهيم العامة التي يحتاجها الواعظ إلى إتقان القواعد والضوابط الدقيقة في كيفية التعامل مع الأدلة النقلية والعقلية، وكيفية الاستدلال بها، وهو في ذلك مُستصحبٌ لجمال الأسلوبِ، وأدب الحوار والخلاف، حتَّى يكسبَ مجادِلَه في الوقت الذي يكسِبُ فيها الـمُجادلة نفسها. وهذه قمة الهرم.

وهو يعني بالضرورة أنَّ كلَّ مجادلٍ بالتي هي أحسنُ هو في الوقتِ عينه واعظٌ لا يَشقُّ له غبارٌ، وعالم عاملٌ بعلمه يجمع الناس فِعلُه ولا يُفرِّقهم قوله، وهذا بأشرف المنازل. وممَّا يؤثر عن الإمام الشافعيّ - قوله:«ما ناظرت أحدًا إلا على النصيحة»[10].

والشافعيُّ إمام من أئمة الإسلام وعلمائه العاملين، من الصفوةِ الذين اجتهدوا في نُصح أنفسهم ونصح الناس، وتركوا تراثًا من المآثر العملية جنبًا إلى جنبٍ مع علومهم التي نفع الله بها ألوفًا مؤلفةً في كلِّ عصرٍ ومصر.

وقد استحسن الإمام أحمد - ما حُكِيَ عن حاتم الأصمّ أنَّه قيل له: أنت رجلٌ أعجميٌّ لا تُفصحُ، وما ناظركَ أحدٌ إلا قطعْتَهُ، فبِأيِّ شيءٍ تغلبُ خَصْمَكَ؟ فقال: بثلاثٍ: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظُ لساني عنه أن أقول له ما يسوؤه. قال الإمام أحمد: ما أعقلَه من رجلٌ![11].

فهؤلاء هم قمة بناء الهرم، وأهل المنزلة السامقة والقمَّة الشاهقة من أصحاب المرتبة الأولى.

ولا يصحُّ أن يُطلق على الواعظِ أنَّه كذلك إلا إن كان قدوةً في أخلاقه وأعماله، وإلا صار الوعظُ نوعًا من النِّياحةِ لا يختلفُ فيه صاحبه كثيرَ اختلافٍ عن النائحة المستأجرة.

وقد يكون الداعيةُ واعظًا لا يشقُّ له غبارٌ، ولكنَّه ليس بالضرورة قادرًا على الجدال. فهذا محمودٌ بشرطِ أن يعظ نفسه كما يعظُ غيرَه. وهو في المرتبة الثانية.

أمَّا المرتبة الثالثةُ، فهي مرتبةُ من عَرَف أنَّ العَمَلَ مقصودُ العلم، وأنَّ عملًا كثيرًا في علمٍ قليلٍ خيرٌ من علمٍ كثيرٍ في عملٍ قليلٍ. وحسبُه بهذه المنزلة شرفًا وإن اقتصر عليها. وهو بها معدودٌ في الناصحين ومسلوكٌ في سلك الدعاة.


[1] التعريفات ص (103).

[2] الرد على المنطقيين ص (424).

[3] مدارج السالكين (2/ 540).

[4] مجموع الفتاوى (20/ 8).

[5] رواه البخاري برقم (605).

[6] رواه مسلم برقم (310/ 1297).

[7] رواه البخاري برقم (4114)، ومسلم برقم (59/ 1764). ولفظه: عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ أَصَبَوْتَ فَقَالَ لَا وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

[8] رواه مسلم برقم (57/ 2312) ولفظه: عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ ".

[9] لشيخنا المفضال سعيد سعيد عبده جزءٌ قيِّمٌ مخطوط في خواطر حول آية الدعوة بالحكمة في سورة النحل؛ نسأل الله أن يُيسِّر له إخراجه.

[10] سير أعلام النبلاء (7/12).

[11] الفرق بين النصيحة والتعيير (3/497).







__________________
رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:44 PM.