#11
|
|||
|
|||
خرج عمر بن عبد العزيز .. في جنازة بعض أهله فلما دسه في التراب .. التفت إلى الناس فقال :
أيها الناس : إن القبر ناداني من خلفي .. أفلا أخبركم بما قال لي ؟ قالوا : بلى .. فقال : إن القبر قد ناداني فقال : يا عمر بن عبد العزيز .. ألا تسألني ما صنعت بالأحبة ؟ قلت : بلى . قال : خرقت الأكفان .. و مزقت الأبدان .. و مصصت الدم .. و أكلت اللحم .. ألا تسألني ما صنعت بالأوصال ؟ قلت : بلى . قال : نزعت الكفين من الذراعين .. و الذراعين من العضدين .. و العضدين من الكتفين .. و الوركين من الفخذين .. و الفخذين من الركبتين .. و الركبتين من الساقين .. و الساقين من القدمين . ثم بكى عمر فقال : ألا إن الدنيا بقاؤها قليل .. و عزيزها ذليل .. و شبابها يهرم .. و حيها يموت .. فالمغرور من اغتر بها .. أين سكانها الذين بنوا مدائنها .. ما صنع التراب بأبدانهم ؟ و الديدان بعظامهم و أوصالهم ؟ كانوا في الدنيا على أسرة ممهدة .. و فرش منضدة .. بين خدم يخدمون .. و أهل يكرمون .. فإذا مررت فنادهم .. و انظر إلى تقارب قبورهم من منازلهم .. و سل غنيهم ما بقي من غناه ؟ و سل فقيرهم ما بقي من فقره ؟ سلهم .. عن الألسن .. التي كانوا بها يتكلمون .. و عن الأعين التي كانوا إلى اللذات بها ينظرون .. و سلهم عن الجلود الرقيقة .. و الوجوه الحسنة .. و الأجساد الناعمة .. ما صنع بها الديدان ؟ محت الألوان .. و أكلت اللحمان .. و عفرت الوجوه .. و محت المحاسن .. و كسرت القفا .. و أبانت الأعضاء .. و مزقت الأشلاء .. أين خدمهم و عبيدهم .. أين جمعهم و مكنوزهم ؟ و الله ما زودوهم فرشا .. و لا وضعوا هناك متكئا .. أليسوا في منازل الخلوات .. و تحت أطباق الثرى في الفلوات ؟ أليس الليل و النهار عليهم سواء؟ قد حيل بينهم و بين العمل .. و فارقوا الأحبة و الأهل .. قد تزوجت نساؤهم .. و ترددت في الطرق أبناؤهم .. و توزعت القرابات ديارهم و تراثهم .. و منهم و الله الموسع له في قبره .. الغض الناضر فيه .. المتنعم بلذته .. ثم بكى عمر و قال : يا ساكن القبر غدا .. ما الذي غرك من الدنيا ! .. أين رقاق ثيابك .. أين طيبك .. أين بخورك .. كيف أنت على خشونة الثرى .. ليت شعري بأي خديك يبدأ الدود البلى .. ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا .. و ما يأتيني به من رسالة ربي .. ثم بكى بكاء .. ثم انصرف فما بقي بعد ذلك إلا جمعة .. و مات .. رحمه الله |
العلامات المرجعية |
|
|