|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
التدين الشديد والأمراض النفسية
السؤال
قرأتُ في بعض الدراسات النفسية أن التديُّن الشديدَ قد يكون نتيجةَ أمراضٍ نفسيةٍ، برجاء التفصيل في هذا الأمر؛ لأنَّ كثيرًا مِن المتديِّنين يُعانون مِن الوساوس القهرية، والأمراض العصابيَّة، فهل هناك عَلاقةٌ بينهما؟ فأنا أعرف مِن أصدقائي مَن يكون في حالاتٍ مُتقلِّبة بين تديُّن شديدٍ، ثم انقلاب مُفاجئ للفساد، ثم عودة مرة أخرى للتديُّن؛ فبرجاء الإفادة. الجواب الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ: فليتَك أخبرتنا - أخي الكريم - عن هذه الدراسات التي قرأتَ فيها ما قرأت؛ لنتبيَّن مما قلت، ولنبيِّن لك أيضًا إن كان الدافع لمثل هذا الكلام هو توجُّه صاحبِه الفكري والعقدي؛ لأنه يصعب على الإنسان جدًّا في مجال البحث - لا سيما في العلوم الإنسانية - أن يتجرَّد عن أيديولوجيَّته، ومع شديد الأسف تُلاحظ هذا كثيرًا في الأبحاث النفسية؛ لأنَّ غالب أساطينِهم مِن الملاحدة الذين لا يُقِيمون وزنًا للدين، ثم تلقَّى كثيرٌ مِن المتخصِّصين عن هؤلاء دون وعيٍ أو تمحيص، هذا هو سرُّ المسألة مِن ازدراء هؤلاء. وقد سبق في استشاراتٍ سابقة أنْ بيَّنا المرضَ النفسي كباقي الأمراض العضوية يُصيب المتدين وغيره، إلا أن التديُّن يَقِي صاحبَه مِن كثيرٍ من بعض الأمراض النفسية، على العكس مما قرأتَه؛ فقد أشارت الدراساتُ الميدانية إلى أنَّ هناك عَلاقةً وثيقة بين درجة التديُّن والمرض النفسي، أو بين التديُّن والانحراف بشكل عامٍّ؛ فالإنسانُ البعيد عن الله وعن قيامه بأداء واجباته الدينية؛ تكون حياتُه كئيبةً أو ضنكًا؛ كما وردتْ في القرآن الكريم، خاصة في سنِّ الشباب الذي يتميَّز بازدياد أوقات الفراغ، فتخيَّل إنسانًا لا يؤدِّي الصلاة على الوجه المطلوب، أو يتأخَّر ويتكاسَل عنها، وهي عمودُ الدين، أو يكون عاقًّا لوالديه، كيف هي نفسيته؟! هل تجده مُطمئنًا؟ هل يكون هادئ الطبْع؟ الإجابة أنتَ تعرفها. يقول الأستاذ الدكتور "وائل أبوهندي" - أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق - في كتاب "نحو طب نفسي إسلامي": "مِن المشهور علميًّا لَدَى أهل الطب النفسي خاصة، ودينيًّا لَدَى الكتَّاب الإسلاميين - أن التديُّن يَقِي مِن المرَض النفسيِّ, ويحمي صاحبَه في اكتئابه مِن الانتحار, وذلك رغم تأكيدنا على خطأ المقولة الشائعة: إن المرض النفسي لا يُصيب المؤمن القويَّ، برغم كل ذلك، تبقى حقيقةٌ علميةٌ بسيطة، لكنها غير قابلة لأن ينكرَها عاقلٌ؛ وهي: أن الإيمان القويَّ الصحيح يحمي صاحبه، ويَقِيه أولًا مِن الوقوع السهل في أعراض؛ كالقلق، والاكتئاب التفاعلي، والتي يمكن جدًّا أن يكونَ الوقوع السهل فيها بدايةً للغوْصِ في المرض، أو الاضطراب النفسي الشديد؛ كالقلق العام، والاكتئاب الجسيم, وهي اضطراباتٌ نفسيةٌ بعيدة الأثر على حياة المريض, ولكن يبقى الإيمانُ القويُّ الصحيح أيضًا عاملًا مهمًّا في التخفيف من وطأتها إن حدثتْ, كما يبقى عاملًا داعمًا لمحاولات العلاج على اختلاف أنواعها". وأؤكِّد أن حُدوث المرض النفسي لا يعني ضعْفَ الإيمان! وأذكر لك - أيها الأخ الكريم - سرَّ الوسواس الذي يُصِيب بعض المتدينين في بداية توبتِهم مِن المعصية إلى الهداية، أو الإقبال على ما لم يكنْ مُقبلًا عليه مِن قبلُ؛ مثل: مَن لا يطلب العلم الشرعي، ثم يقرِّر طلب العلم، فيعترضه الشيطانُ بوساوسه؛ رغبةً في صدِّه، وهذا لا يعني أنه لم يكنْ مُسلطًا عليه مِن قبل، ولكنه لما كان قلبُه غارقًا في الشهوات أو المعاصي، كان لا يشعر؛ كالميت؛ وما لجُرحٍ بميِّت إيلام. فلما دبَّتْ فيه الحياة، صار يشعر بالوارد عليه، وأيضًا فإنَّ وساوس الشيطان للمُقبِل على الله أكبرُ بكثير مِن وساوسه للمُعرِض عن الشرع والدين، ولكن كلما كان الإنسانُ أعظم رغبةً في العلم والعبادة، وأقدر على ذلك مِن غيره، بحيث تكون قوته على ذلك أقوى، ورغبته وإرادته في ذلك أتمّ - كان ما يحصل له - إن سلَّمه الله من الشيطان - أعظم؛ وكذلك كان ما يفتتن به - إن تمكَّن منه الشيطان - أعظم. قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (7/ 282): "ولا بدَّ لعامة الخلْق مِن هذه الوساوس؛ فمن الناس مَن يجيبها فيصير كافرًا، أو منافقًا، ومنهم مَن قد غمر قلبه الشهوات والذنوب؛ فلا يحسُّ بها إلا إذا طلب الدين، فإما أن يصيرَ مؤمنًا، وإما أن يصيرَ مُنافقًا، ولهذا يعرض للناس من الوساوس في الصلاة ما لا يعرض لهم إذا لم يصلوا؛ لأنَّ الشيطان يكثر تعرُّضه للعبد إذا أراد الإنابة إلى ربِّه، والتقرُّب إليه، والاتصال به، فلهذا يعرض للمصلِّين ما لا يعرض لغيرهم، ويعرض لخاصة أهل العلم والدين أكثر مما يعرض للعامة، ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعبادة من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم؛ لأنه لم يسلكْ شرع الله ومنهاجه، بل هو مُقبِل على هواه في غفلةٍ عن ذِكْر ربه، وهذا مَطْلوب الشيطانِ، بخلاف المتوجِّهين إلى ربهم بالعلم والعبادة؛ فإنه عدوَّهم يطلب صدَّهم عن الله؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6]، ولهذا أمر قارئَ القرآن أن يستعيذَ باللهِ مِن الشيطان الرجيم، فإن قراءة القرآن على الوجه المأمور به تُورِث القلب الإيمان العظيم، وتزيده يَقينًا وطمأنينةً وشفاءً؛ وقال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾[الإسراء: 82]، وقال تعالى: ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[آل عمران: 138]، وقال تعالى: ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [التوبة: 124]، وهذا مما يجده كلُّ مؤمن مِن نفسه؛ فالشيطانُ يريد بوساوسه أن يشغلَ القلب عن الانتفاع بالقرآن؛ فأمر الله القارئ إذا قرأ القرآن أن يستعيذَ منه؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 98 - 100]، فإن المستعيذ بالله مُستجيرٌ به، لاجئ إليه، مُستغيثٌ به مِن الشيطان؛ فالعائذُ بغيره مُستجير به؛ فإذا عاذ العبدُ بربِّه كان مُستجيرًا به، مُتوكلًا عليه، فيعيذه الله من الشيطان ويجيره منه؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[فصلت: 34 - 36]. وفي "الصحيحين" عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد؛ أعوذ بالله مِن الشيطان الرجيم))؛ فأمر - سبحانه - بالاستعاذةِ عند طلَب العبد الخير؛ لئلَّا يعوقَه الشيطان عنه، وعندما يعرض عليه من الشر؛ ليدفعه عنه عند إرادة العبد للحسنات، وعندما يأمره الشيطان بالسيئات"؛ اهـ. وفَّقنا الله وإياك وجميع المسلمين لكلِّ خيرٍ
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|