#1
|
|||
|
|||
الشيخ عبد الله ناصح علوان
الشيخ عبد الله ناصح علوان من مواليد حي قاضي عسكر بمدينة حلب سنة 1928م وأحد أعظم من كتب في التربية في الإسلام ولادة عبد الله ناصح علوان ونشأته: ولد فقيد التربية والدعوة -رحمه الله- في حي قاضي عسكر بمدينة حلب سنة 1928م، في أسرة متدينة معروفة بالتقى والصلاح ونسبها الطاهر؛ حيث يرجع نسب عائلة الشيخ إلى علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب. تربّى في ظل والده الصالح الشيخ سعيد علوان -رحمه الله-، وكان الناس في حلب وغيرها يقصدون الشيخ سعيدًا طلبًا للتداوي؛ فقد كان طبيبًا وصيدليًّا يداوي الناس بالأعشاب والمراهم، وكان لسانه لا يهدأ عن ذكر الله وقراءة القرآن، وكان يدعو ربه أن يجعل من أبنائه العالم الحكيم والطبيب المسلم، وقد أجاب الله دعاءه. عندما انتهى فقيدنا من المرحلة الابتدائية؛ وجهه والده عام 1943م إلى دراسة العلم الشرعي في الثانوية الشرعية، وكانت تعرف في ذلك الوقت بـ(الخسروية) نسبة إلى بانيها خسرو باشا، وكان يقوم بالتدريس في تلك المدرسة علماء قل نظيرهم في ذلك الزمن ، علماء وهبوا حياتهم للعلم وأخلصوا في عملهم ومنهم: راغب الطباخ، أحمد الشماع، عبد الرحمن زين العابدين، ناجي أبو صالح، نجيب خياطة، عبد الله حماد، سعيد الإدلبي، أحمد عز الدين البيانوني، عيسى البيانوني، رحمهم الله جميعًا، وكان أساتذة المدرسة يعاملون طلابهم كأبناء وإخوة لهم. وقد تأثر فقيدنا بالشيخ راغب الطباخ، وكان علامة مؤرخًا كتب تاريخ مدينة حلب، وتأثر أيضًا بالدكتور الشيخ مصطفى السباعي -رحمه الله- وكان يتخذه نموذجًا وقدوة. انتسب فقيدنا إلى جماعة الإخوان المسلمين في بداية شبابه، وعُرف بين زملائه في المدرسة بالجرأة في الحق والشجاعة في مواجهة الأحداث، وبدت الشخصية القيادية في تصرفاته، وعُرف في المدرسة بالخطابة والقلم المعبر عن أحاسيس المسلمين، وكان بيته في حلب منتدى ومجمعًا لأصدقائه ولأساتذته، وكان الكرم يشمل الجميع من والد الشيخ. دراسة عبد الله ناصح علوان: نال شهادة الثانوية الشرعية في سنة 1949، وبتوجيه من والده سافر إلى مصر لاستكمال تحصيله في علوم الشريعة الإسلامية، انتسب للأزهر ونال شهادة كلية أصول الدين سنة 1952، ثم نال الماجستير سنة 1954، وفي مصر كان له نشاط إسلامي واسع وزيارات متبادلة مع كبار رجال الدعوة الإسلامية، وحين نزل البلاء بالإسلاميين في مصر سنة 1954، ووقعت المحنة أصاب الأذى فقيَدنا، فاعتقل، وكان قد بَقِيَ له عدة مواد حتى يؤديها ويتخرج من الجامعة، فكان يؤتى به إلى الاختبار مقيد اليدين، وحين انتهت الاختبارات اقتيد إلى الطائرة لتنقله إلى وطنه، ولم تسمح له حكومة مصر حينذاك أن يكمل دراسته العليا ويحصل على شهادة الدكتوراه. وقد حصل الشيخ على شهادة الدكتوراه بعد مدة من جامعة السند في باكستان، وكان موضوع الرسالة: (فقه الدعوة والداعية). عبد الله ناصح علوان في مجال التدريس والدعوة: عمل الشيخ عبد الله منذ عام 1954م مدرسًا لمادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب؛ إذ لم تكن في مدينته كلية للعلوم الشرعية، فكان خير مربٍ للأجيال، غرس في طلابه حب الإسلام والعمل على نصرة شريعة الله في الأرض، وكان لمادة التربية الإسلامية في سوريا حصّة واحدة في الأسبوع، وكان طلبة الشهادات لا يختبرون فيها، فسعى مع إخوانٍ له على جعل حصتين في الأسبوع لمادة التربية الإسلامية، وإدخال تلك المادة في امتحانات الشهادات في سوريا. وفي تلك الفترة انتشرت بين صفوف الطلبة الأفكار القومية والمبادئ الإلحادية، فتصدى فقيدنا بقوة لمروجي الأفكار الهدامة التي تشوّه معالم الدين، وكانت له مواقف مشهورة عرفها طلابه في تلك الأيام. كان الفقيد على علاقات اجتماعية جيدة، يزور القريب والبعيد ويشارك في أفراح الناس وأحزانهم، كان رحمه الله شعلة متوقدة بالحيوية، ففي عهد الوحدة بين سوريا ومصر نجح بانتخابات منطقته لمنزلته بين أهالي مدينة حلب. وكان رحمه الله مربيًا ومعلمًا وواعظًا في المدرسة، وكان يقوم بدور كبير في بيوت الله، كان لا يعرف الراحة، ولا يشكو الكلل، بل كان يُجهد نفسه بالعمل مع شعورٍ بالرضا والسعادة؛ حيث كانت مساجد حلب تزخر بالشباب المسلم المتعطش لسماع كلمة صادقة عن هذا الدين، وكانت المناسبات الدينية أفراحًا لقلوب المسلمين فيهرعون إلى المساجد لسماع ما يخص أمور الدنيا والآخرة، وكان شيخنا لا يتخلف ولا يعتذر عن أي دعوة توجه له لإلقاء كلمة في مناسبة إسلامية أو حفلة خاصة، ولم تقف الأمطار أو الحرارة الشديدة أمام جهد الشيخ فقد كان يتنقل من مسجد إلى آخر أو من قرية لأخرى متحدثًا وخطيبًا عن عظمة الإسلام. كان يشعر أنّ واجبه أن يسمع الناس كلمة (الله)، واستطاع أن يشجع أصحاب الهمم على العمل في المساجد حتى لا تُفسد الجاهلية عقول الشباب وتجرفها في تيارها، فامتلأت المساجد بحلقات العلم من فئة الشباب والناشئة. كان للشيخ دروسه الدورية في مسجد "عمر بن عبدالعزيز" درّس فيه الفقه والسيرة، هذه الدروس كانت لعدد كبير من الشباب الذي كان يسعى لفهم الإسلام والعمل بهديه، وقد علّم الكثير من الشباب الخطابة وإلقاء الدروس، وكان يجلس أمامهم مصغيًا وموجهًا ليستقيم لهم البيان، فتربّى في هذه المدرسة عدد كبير من الشباب، بعضهم قضى نحبه وكان في عمر الزهور أيام المحنة. كان الشيخ على صلة طيّبة مع علماء سوريا، وكان يتنقل من مدينة إلى أخرى داعيًا إلى توحيد كلمة العلماء، وتماسك بنيانهم أمام الأعاصير التي تعصف بالمسلمين. وحين اشتد البلاء لوحق الشيخ فخرج من مدينة حلب سنة (1400ﻫ/1979م)؛ وأقام عدة أشهر في الأردن، ثم توجّه إلى السعودية، وتابع عمله الدعوي بمشاركته في العديد من المحاضرات والمخيمات الطلابية، وكذلك مقالاته العديدة في المجلات الإسلامية، ودروسه التربوية في إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية، مع عمله أستاذًا في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، منذ 1401ﻫ إلى أن لَقِيَ ربه. أخلاق عبد الله ناصح علوان وصفاته: منذ نشأته عُرف بالكرم فكان بيته موئلاً لخلانه ولطلابه وللمحبين، يجدون عنده ما يسرهم من ابتسامة مشرقة إلى كلمة هادفة، إلى موعظة وعبرة، يتخلل ذلك كرم الضيافة، وكان يسعى إلى توثيق روابط الصداقة مع إخوانه ومحبيه فكان يسارع إلى زيارتهم ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، وإذا طُلب منه المساعدة في أمر ما فإنه لا يعتذر، بل يسارع إلى المساعدة، ويَعُدُّ هذا الموضوع موضوعًا شخصيًّا له، ويبذل كل طاقته حتى ينجزه. كان رحمه الله جريئًا في الحق، لا يخشى في الحق لومة لائم، كان في كل فترات حياته مدافعًا عن الإسلام موضحاً للأخطاء، داعيًا إلى التمسك بشرع الله، وكان لا يهاب التهديد أو الوعيد من أيّ أحد مهما بلغت منزلته وسطوته. كان يدرك أنّ الأمانة تقتضي أن تُنقل كلمة الحق إلى أكبر مسئول في الدولة. كان يتضايق من تفرّق الجماعة الإسلامية، ويسعى لوحدة الكلمة والرأي، وكان يحب الاعتدال في الأمور، ويرى أن الأمور يجب أن تناقش على ضوء الواقع. والمعطيات التي يلمسها الإنسان من سيرته الإخلاص، والصبر، والتفاؤل، والرضا بقضاء الله، والسؤال عن أصدقائه وإخوانه المبعدين، كان متواضعًا في نفسه، دعوبًا يحب الدعابة، حَسَن المعاملة مع الناس يحب الخير والنصح للمسلمين. مؤلفات الشيخ للشيخ العديد من المؤلفات وترجم أغلبها للعديد من اللغات وخاصة كتابه الشهير تربية الأولاد في الإسلام :
صارع الفقيد المرض قرابة ثلاث سنوات؛ حيث أصيب بمرض عضال في الدم إثر عودته من باكستان، وقد احتار الأطباء (العرب والأجانب) في طبيعة هذا المرض، وكانت حالته غير مسبوقة، وأسباب ذلك المرض غير واضحة، فقد اجتمع رؤساء الأقسام في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز بجدة بكل تخصصاتهم لكي يقرروا أسباب المرض فلم يفلحوا، ونصحوه بالسفر إلى بريطانيا ليتم العلاج، ففعل، ولكن بدون جدوى. ومع حالته الصحية الحرجة أبى محبو الشيخ في بريطانيا إلا أن يستمعوا إلى محاضرة للشيخ، وكان وقتها يقام مخيم صيفي، فلم يتأخر عن الاستجابة، وكان عنوان المحاضرة (الشباب المسلم في مواجهة التحديات)، وصارت فيما بعد كتابًا. ورجع الشيخ إلى جدة فبدأت تظهر الأمراض المتلاحقة عليه بسبب مرضه الرئيس، حتى ذَبُل عود الشيخ وتضاءل جسمه وتناولته الأوجاع في كل مكان، وكان دائم التردد على العيادات الطبية طالبًا المشورة والعلاج، ولكن نفسه لم تَهُن ولم تَضعُف، بل بقي عالي الهمة مُتَوثِّب العزيمة محافظًا على مهماته الدعوية، يقوم بمسئوليته الاجتماعية، لا يعتذر عن قبول أية مناسبة يدعى إليها، وحين يطلب منه التحدث كان يتكلم وينفعل وينسى حالته المرضية التي لا تسمح له بإرهاق نفسه. وكانت المدة التي قضاها الشيخ -رحمه الله- راقدًا في المستشفى تعتبر فترة طويلة، فكان يخلع ثوب المستشفى ويلبس ثيابه ويذهب إلى الجامعة لإلقاء المحاضرات ثم يعود مرة أخرى إلى المستشفى ليتلقى العلاج من الأطباء وبجوار سريره في المستشفى ترتفع مجموعات من الكتب فهو يجد السعادة في التأليف فيما ينفع الأمة . وكان يضع (المخدة) أمامه ويكتب فصولاً من كتاب سلسلة مدرسة الدعاة الذي كان قد بدأه قبل مرضه، رغم نصائح الأطباء والمحبين بالابتعاد عن القراءة والكتابة، لكن النفس الشامخة تأبى أن تُلقِي القلم من يدها مهما اشتد وطأة الألم. وكانت الوفاة في الساعة التاسعة والنصف صباح يوم السبت الخامس من شهر محرم عام 1408ﻫ الموافق 29/8/1987م في جدة بمستشفى جامعة الملك عبد العزيز، وقد شُيِّع جثمانه يوم الأحد في السادس من محرم الموافق الثلاثين من آب، ونُقِل من جدة إلى مكة ودُفِن فيها؛ حيث صُلّي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة العصر، وقد شَيَّع الفقيد عددٌ كبير من العلماء والدعاة والإخوة والشباب والطلاب، وقد ألقى أحبة الفقيد الكلمات المعبرة عن حُبِّهم ومصابهم في فقيدهم العالم الذي أخلص في دعوته وقدم للمكتبة الإسلامية الإنتاج الوفير. رحم الله أبا سعد رحمة واسعة، فقد كان مدرسة تربوية وعلمًا من أعلام الدعوة، أُوذي في بدنه وأهله وماله، ومات محتسبًا في الغربة فإنا لله وإنا إليه راجعون.
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|