اداب الحوار والمناقشة والنقد والتقويم فى الاسلام..

[د.السيد العزازى]

أن من نعم الله علينا -أمة الاسلام -أن الله تعالى أمرنا أن يكون نقد وتقويم أخطاء الغير حكاما ومحكومين مطلقا ..تتضمن النيل من أشخاصهم ومكانتهم .وانما وضع لهذا النقد ضوابط وحدود يجعله يأتى علىالنطاق المسموح به شرعا ..ويحد من الافراط فيه..وهو ما يسمى بأدب الحوار والمناقشة .نذكر ذالك تباعا بعون الله تعالى ومشيئته......

--أن يكون النقد عن عمل أو تصرف مخالفا للشرع--
----------------------------
----فلا بد من التحقق من صدق الواقعة الباعثة على هذا النقد .وأن يعلم الذى ينقد الطريقة المثلى للنقد..والقول بغير ذالك يفسد أكثر مما يصلح.لأنه اما أن يصيب قوما بجهالة .واما أن يصبح على ما فعل من النادمين..والدليل على ذالك ما يلى :
-- من القران الكريم :
---قال تعالى (يايها الذين ءامنوا ان جاءكم فاسق بنباء فتبينوا أن تصيبواقوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ).
والمعنى:أن تكون معرفة حكم الواقعة محل النقد مستندة الى الشرع الاسلامى عن علم وبينة لا ظن وتخمين ..ولا يكون مبعثها شفاء ضغائن وأحقاد فهذا منهى عنه ..قال تعالى (يايها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ...)وذالك لمعرفة ما اذا كان التصرف محل النقد مخالفا للشرع من عدمه .فيستلزم نقده وتقويمه من عدمه..

---أن تكون الواقعة واضحة وظاهرة للذى ينقد--
------------------------------
وذالك عملا بالأصل الذى يحكم عمل الذى ينقد من حيث أنه يمثل قيدا على حرية تصرفات الأفراد..واعمالا لمبدا الرقابة الشعبية الفعالة على تصرفات وأعمال الغير..فالنقد لا يصادف محلا الا فى حالة أن يكون العمل محل النقد واضح وظاهر للذى يمارس النقد..ومن غير تجسس أومخالفة لأوامر الشرع وسواءا كان النقد عاما أو خاصا..قال تعالى(ولاتجسسوا ) .أى لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يتتبعه ويطلع عليه---

------------------انكار الخطا بالصواب-----------------
---------------------------
وهذا هو المرض العضال الذى وقع فيه الناس اليوم خاصة أهل العلم -وخاصة على هذا الجهاز الانترنت والفيسبوك-فالاسلام حين كفل حق النقد والتقويم ..أراد من ورائه أن يكون من أجل ارتقاء الحق ...وخذلان الباطل...وأن يراعى فيه وجه الله تعالى وطلب مرضاته..لأن هذا أدعى الى أن ينشر الله تعالى عليه رداء القبول..وعلم التوفيق ..ويقذف له فى القلوب مهابة واجلالا..وقبوله بالسمع والطاعة....
وبالتالى النقد من أجل النقد ..والانكار من أجل الانكار..والمراء والمجادلة فى الباطل مما ترفضه تعاليم الاسلام ومبدا النقد والتقويم..وما ينشده من ارادة الشرعية وتسيد واحقاق الصواب..وقد ورد النهى عن ذالك فى القران الكريم والسنة النبوية الشريفة..
---من القران الكريم :قوله تعالى (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ).فلبس الحق بالباطل ترويج للباطل فى صورة الحق ..وتغيير لحقائق الأمور ..وفى انكار الصواب بالخطأ نشر للباطل وترويج له ...

---من القران الكريم :قوله تعالى (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله .وما الله بغافل عما تعملون )..وفى انكار الصواب بالخطأ افتراء على الله وعلى رسل الله جميعا. بالظلم والباطل..لأن الحق سبحانه أمرنا باتباع هديهم والاستنان بسنتهم..وفى ذالك اعتلاء للحق وخذلان للباطل وانكسار له وفاعليه.وفى نفس الوقت تذكير لأهل الجدل بالباطل عسى أن يراجعوا أنفسهم ويفيئوا الى الحق ..

---من القران الكريم :قوله تعالى (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ).والذى ينكر الصواب بالباطل وهو يعلم فمثله كمثل الذى يخرج عن جادة الطريق..ويقوم بتحريف كلام الله تعالى وهو عامدا متعمدا..يقول بعض المفسرين-رحمه الله تعالى -ولما شاع تشبيه الحق والصواب بالجادة وبالصراط المستقيم شاع فى عكسه تشبيه ما خالف ذالك بالانحراف وببينات الطريق..راجع تفسير التحرير والتنوير الجزء الاول ص 568...

---من القران الكريم :قوله تعالى ( ان الله يـأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون )..يقول ابن مسعود -رضى الله عنه -فى معرض الاية..هذه أجمع اية فى القران لخير يمتثل ولشر يجتنب ..راجع صفوة التفاسير ص.139..
وفى تعمد انكار الصواب بالخطأ بغى بل هو عين البغى..يقول ابن حجر ..قال الراغب البغى مجاوزة القصد فى الشيىء ومنه ما يحمد ومنه ما يذم فالمحمود مجاوزة العدل الذى هو الاتيان بالمأمور بغير زيادة فيه ولا نقصان منه الى الاحسان..والمذموم مجاوزة العدل الى الجور ..والحق الى الباطل والمباح الى الشبهة )..

-------------ومن السنة النبويةالشريفة---------
------------------------
1-ماروى أن النبى صلى الله عليه وسلم.قال ( أعظم الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا فى الباطل )اخرجه ابن ابى الدنيا ورجاله ثقات..

2-ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :من خاصم فى باطل وهو يعلم لم يزل فى سخط الله حتى ينزع .ومن قال فى مسلم ما ليس فيه حبس فى ردغة الخبال حتى يخرج مما قال ).اخرجه السيوطى فى الجامع الصغير وقال حديث حسن..

3-ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (من ترك الكذب وهو باطل بنى له فى ربض الجنة .ومن ترك المراء وهو محق بنى له فى وسطها.ومن حسن خلقه بنى له فى أعلاها ).صحيح الترمذى..ويستفاد من ذالك ما يلى :

---1-أن الاسلام لم يطلق النقد والتقويم كما يظن سفهة القوم دون ضابط أو قيد....وانما قيد ذالك بالأمور التى اعتراها الخطاء والانحراف فى السلوك والأعمال ..

2-أن هذه الأحاديث ---وغيرها كثير--نهت عن المراء والمجادلة والخوض فى الباطل لما فى ذالك من الفساد والفتن مالا يخفى...

3-أن هذه الأحاديث تناولت جزاء جزاء الخائضين والمجادلين فى الباطل بأنهم أعظم الناس خطايا يوم القيامة ..وعظم الجزاء يدل على عظم الجرم ...

4- أن هذه الاحاديث تناولت ما أعده الله تعالى فى الأخرة من جزاء عظيم لمن صرف نفسه عن النقد والتقويم فى الباطل والكيد والمكيدة والتشنيع....واتخذ من هذا سبيلا الى كشف الحقيقة فى ذاتها والاهتداء اليها فى سبيل الله تعالى ..لا فى سبيل ذاته والتمسك برايه وتحقيق مصلحة شخصية له أو لغيره ...وكشف عورات الراى الاخر وافتضاحه أمام الغير وعلى الملا...

هذه هى تعاليم الاسلام الحقة والناصعة البياض..فهل من مدكر ومتعظ ..فهل من مراجعة النفس عن الهوى .....هل لكم يامن تتناولون الغير ظلما وعدوانا من أن تتعلموا أدب الحوار والمناقشة فى الا سلام .....فهل لكم يامن تتناولون على الانترنت والفيسبوك أن تكفوا عن الاتهامات بالباطل وتلفيق التهم للغير من أجل الفضائح والنيل من مكانتهم وشخصهم .....

-----وأنتهى بتوجيه الجميع الى قراءة هذه السطور مرة ومرات ...وانشاء الله تعالى للحديث بقية تحت عنوان : أن يكون النقد والتقويم فى اطار الموعظة الحسنة....

-----------ونسالكم الدعاء ...والرأى ............