|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#16
|
|||
|
|||
![]()
شکرا لک یا ابو اسراء
ارجوک ، اقرا هذا المتن: هذه الروايات لا دلالة فيها على وقوع التحريف في القرآن بالمعنى المتنازع فيه ، وتوضيح ذلك : أن كثيرا من الروايات ، وإن كانت ضعيفة السند ، فإن جملة منها نقلت من كتاب أحمد بن محمد السياري ، الذي اتفق علماء الرجال على فساد مذهبه ، وأنه يقول بالتناسخ ، ومن علي بن أحمد الكوفي الذي ذكر علماء الرجال أنه كذاب ، وأنه فاسد المذهب إلا أن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين عليهم السلام ولا أقل من الاطمئنان بذلك ، وفيها ما روي بطريق معتبر فلا حاجة بنا إلى التكلم في سند كل رواية بخصوصها . عرض روايات التحريف : علينا أن نبحث عن مداليل هذه الروايات ، وإيضاح أنها ليست متحدة في المفاد ، وأنها على طوائف . فلا بد لنا من شرح ذلك والكلام على كل طائفة بخصوصها . الطائفة الاولى : هي الروايات التي دلت على التحريف بعنوانه ، وانها تبلغ عشرين رواية ، نذكر جملة منها ونترك ما هو بمضمونها . وهي : 1 - ما عن علي بن إبراهيم القمي ، بإسناده عن أبي ذر . قال : " لما نزلت هذه الاية : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه . قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ترد أمتي علي يوم القيامة على خمس رايات . ثم ذكر أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يسأل الرايات عما فعلوا بالثقلين . فتقول الراية الاولى : أما الاكبر فحرفناه ، ونبذناه وراء ظهورنا ، وأما الاصغر فعاديناه ، وأبغضناه ، وظلمناه . وتقول الراية الثانية : أما الاكبر فحرفناه ، ومزقناه ، وخالفناه ، وأما الاصغر فعاديناه وقاتلناه . . . " . ابن الحسن السامري في حديث طويل أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لحذيفة فيما قاله في من يهتك الحرم : " إنه يضل الناس عن سبيل الله ، ويحرف كتابه ، ويغير سنتي " . 3 - ما عن سعد بن عبد الله القمي ، باسناده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال : " دعا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بمنى . فقال : أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين - أما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي - والكعبة البيت الحرام ثم قال أبو جعفر عليه السلام : أما كتاب الله فحرفوا ، وأما الكعبة فهدموا ، وأما العترة فقتلوا ، وكل ودائع الله قد نبذوا ومنها قد تبرأوا " . 4 - ما عن الصدوق في الخصال بإسناده عن جابر عن النبي قال : " يجئ يوم القيامة ثلاثة يشكون : المصحف ، والمسجد ، والعترة . يقول المصحف يارب حرفوني ومزقوني ، ويقول المسجد يارب عطلوني وضيعوني ، وتقول العترة يارب قتلونا ، وطردونا ، وشردونا . . . " . 5 - ما عن الكافي والصدوق ، باسنادهما عن علي بن سويد . قال : " كتبت إلى أبي الحسن موسى صلى الله عليه واله وسلم وهو في الحبس كتابا إلى أن ذكر جوابه عليه السلام بتمامه ، وفيه قوله عليه السلام اؤتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه " . 6 - ما عن ابن شهراشوب ، باسناده عن عبد الله في خطبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء ، وفيها : " إنما أنتم من طواغيت الامة ، وشذاذ الاحزاب ، ونبذة الكتاب ، ونفثة الشيطان ، وعصبة الاثام ، ومحرفي الكتاب " . 7 - ما عن كامل الزيارات ، باسناده عن الحسن بن عطية ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : " إذا دخلت الحائر فقل : اللهم العن الذين كذبوا رسلك ، وهدموا كعبتك ، وحرفوا كتابك . . . " . 8 - ما عن الحجال عن قطبة بن ميمون عن عبد الاعلى . قال : " قال أبو عبد الله عليه السلام أصحاب العربية يحرفون كلام الله عز وجل عن مواضعه " . المفهوم الحقيقي للروايات : والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة : أن الظاهر من الرواية الاخيرة تفسير التحريف باختلاف القراء ، وإعمال اجتهاداتهم في القراءات . ومرجع ذلك إلى الاختلاف في كيفية القراءة مع التحفظ على جوهر القرآن وأصله وقد أوضحنا للقارئ في صدر المبحث أن التحريف بهذا المعنى مما لا ريب في وقوعه ، بناء على ما هو الحق من عدم تواتر القراءات السبع ، بل ولا ريب في وقوع هذا التحريف ، بناء على تواتر القراءات السبع أيضا ، فإن القراءات كثيرة ، وهي مبتنية على اجتهادات ظنية توجب تغيير كيفية القراءة . فهذه الرواية لا مساس لها بمراد المستدل . وأما بقية الروايات ، فهي ظاهرة في الدلالة على أن المراد بالتحريف حمل الايات على غير معانيها ، الذي يلازم إنكار فضل أهل البيت - عليهم السلام - ونصب العداوة لهم وقتالهم . ويشهد لذلك - صريحا - نسبة التحريف إلى مقاتلي أبي عبد الله - عليه السلام - في الخطبة المتقدمة . ورواية الكافي التي تقدمت في صدر البحث ، فإن الامام الباقر - عليه السلام - يقول فيها : " وكان من نبذهم الكتاب أنهم أقاموا حروفه ، وحرفوا حدوده " . وقد ذكرنا أن التحريف بهذا المعنى واقع قطعا ، وهو خارج عن محل النزاع ، ولولا هذا التحريف لم تزل حقوق العترة محفوظة ، وحرمة النبي فيهم مرعية ، ولما انتهى الامر إلى ما انتهى إليه من اهتضام حقوقهم وإيذاء النبي - ص - فيهم . الطائفة الثانية : هي الروايات التي دلت على أن بعض الايات المنزلة من القرآن قد ذكرت فيها أسماء الائمة - عليهم السلام - وهي كثيرة : منها : ما ورد من ذكر أسماء الائمة - عليهم السلام - في القرآن ، كرواية الكافي بإسناده عن محمد بن الفضيل بن أبي الحسن - عليه السلام - قال : " ولاية علي بن أبي طالب مكتوبة في جميع صحف الانبياء ، ولن يبعث الله رسولا إلا بنبوة محمد و " ولاية " وصيه ، صلى الله عليهما وآلهما " . ومنها : رواية العياشي بإسناده عن الصادق عليه السلام : " لو قرئ القرآن - كما أنزل - لالفينا مسمين " . ومنها : رواية الكافي ، وتفسير العياشي عن أبي جعفر - عليه السلام - وكنز الفوائد بأسانيد عديدة عن ابن عباس ، وتفسير فرات بن إبراهيم الكوفي بأسانيد متعددة أيضا ، عن الاصبغ بن نباتة . قالوا : قال أمير المؤمنين - عليه السلام - : " القرآن نزل على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام ، ولنا كرائم القرآن " . ومنها : رواية الكافي أيضا بإسناده عن أبي جعفر - عليه السلام - قال : " نزل جبرئيل بهذه الاية على محمد - ص - هكذا : وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا - في علي - فأتوا بسورة من مثله " . والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة : أن بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن وليس من القرآن نفسه ، فلا بد من حمل هذه الروايات على أن ذكر أسماء الائمة - عليهم السلام - في التنزيل من هذا القبيل ، وإذا لم يتم هذا الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب ، والسنة ، والادلة المتقدمة على نفي التحريف . وقد دلت الاخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب والسنة وأن ما خالف الكتاب منها يجب طرحه ، وضربه على الجدار . ومما يدل على أن اسم أمير المؤمنين عليه السلام لم يذكر صريحا في القرآن حديث الغدير ، فإنه صريح في أن النبي - ص - إنما نصب عليا بأمرالله ، وبعد أن ورد عليه التأكيد في ذلك ، وبعد أن وعده الله بالعصمة من الناس ، ولو كان اسم " علي " مذكورا في القرآن لم يحتج إلى ذلك النصب ، ولا إلى تهيئة ذلك الاجتماع الحافل بالمسلمين ، ولما خشي رسول الله - ص - من إظهار ذلك ، ليحتاج إلى التأكيد في أمر التبليغ . وعلى الجملة : فصحة حديث الغدير توجب الحكم بكذب هذه الروايات التي تقول : إن أسماء الائمة مذكورة في القرآن ولا سيما أن حديث الغدير كان في حجة الوداع التي وقعت في أواخر حياة النبي صلى الله عليه واله وسلم ونزول عامة القرآن ، وشيوعه بين المسلمين ، على أن الرواية الاخيرة المروية في الكافي مما لا يحتمل صدقه في نفسه ، فإن ذكر اسم علي عليه السلام في مقام إثبات النبوة والتحدي على الاتيان بمثل القرآن لا يناسب مقتضى الحال . ويعارض جميع هذه الروايات صحيحة أبي بصير المروية في الكافي . قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى : " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم4 : 59 " . " قال : فقال نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين - ع - فقلت له : إن الناس يقولون فما له لم يسم عليا وأهل بيته في كتاب الله . قال عليه السلام : فقولوا لهم إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ، ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هو الذى فسر لهم ذلك . . . " . فتكون هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات ، وموضحة للمراد منها ، وأن ذكر اسم أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الروايات قد كان بعنوان التفسير ، أو بعنوان التنزيل ، مع عدم الامر بالتبليغ . ويضاف إلى ذلك أن المتخلفين عن بيعة أبي بكر لم يحتجوا بذكر اسم علي في القرآن ، ولو كان له ذكر في الكتاب لكان ذلك أبلغ في الحجة ، ولا سيما أن جمع القرآن - بزعم المستدل - كان بعد تمامية أمر الخلافة بزمان غير يسير ، فهذا من الادلة الواضحة على عدم ذكره في الايات . الطائفة الثالثة : هي الروايات التي دلت على وقوع التحريف في القرآن بالزيادة والنقصان ، وان الامة بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم غيرت بعض الكلمات وجعلت مكانها كلمات أخرى . فمنها : ما رواه علي بن ابراهيم القمي ، بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام : " صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين " . ومنها : ما عن العياشي ، عن هشام بن سالم . قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى : " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران 33 : 3 " . * ( هامش ) * ( 1 ) الوافي ج 2 باب 30 ما نص الله ورسوله عليهم ص 63 . ( * ) قال : هو آل إبراهيم وآل محمد على العالمين ، فوضعوا اسما مكان اسم . أي انهم غيرا فجعلوا مكان آل محمد آل عمران . والجواب : عن الاستدلال بهذه الطائفة - بعد الاغضاء عما في سندها من الضعف - أنها مخالفة للكتاب ، والسنة ، ولاجماع المسلمين على عدم الزيادة في القرآن ولا حرفا واحدا حتى من القائلين بالتحريف . وقد ادعى الاجماع جماعة كثيرون على عدم الزيادة في القرآن ، وأن مجموع ما بين الدفتين كله من القرآن . وممن ادعى الاجماع الشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، والشيخ البهائي ، وغيرهم من الاعاظم قدس الله أسرارهم . وقد تقدمت رواية الاحتجاج الدالة على عدم الزيادة في القرآن . الطائفة الرابعة : هي الروايات التي دلت على التحريف في القرآن بالنقيصة فقط . والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة : أنه لا بد من حملها على ما تقدم في معنى الزيادات في مصحف أمير المؤمنين - عليه السلام - وإن لم يمكن ذلك الحمل في جملة منها فلا بد من طرحها لانها مخالفة للكتاب والسنة ، وقد ذكرنا لها في مجلس بحثنا توجيها آخر أعرضنا عن ذكره هنا حذرا من الاطالة ، ولعله أقرب المحامل ، ونشير إليه في محل آخر إن شاء الله تعالى . على أن أكثر هذه الروايات بل كثيرها ضعيفة السند . وبعضها لا يحتمل صدقه في نفسه . وقد صرح جماعة من الاعلام بلزوم تأويل هذه الروايات أو لزوم طرحها . وممن صرح بذلك المحقق الكلباسي حيث قال على ما حكي عنه : " أن الروايات الدالة على التحريف مخالفة لاجماع الامة إلا من لا اعتداد به . . . وقال : إن نقصان الكتاب مما لا أصل له وإلا لاشتهر وتواتر ، نظرا إلى العادة في الحوادث العظيمة . وهذا منها بل أعظمها " . وعن المحقق البغدادي شارح الوافية التصريح بذلك ، ونقله عن المحقق الكركي الذي صنف في ذلك رسالة مستقلة ، وذكر فيها : " أن ما دل من الروايات على النقيصة لا بد من تأويلها أو طرحها ، فإن الحديث إذا جاء على خلاف الدليل من الكتاب ، والسنة المتواترة ، والاجماع ، ولم يمكن تأويله ، ولا حمله على بعض الوجوه ، وجب طرحه " . أقول : أشار المحقق الكركي بكلامه هذا إلى ما أشرنا إليه - سابقا - من أن الروايات المتواترة قد دلت على أن الروايات إذا خالفت القرآن لا بد من طرحها . فمن تلك الروايات : ما رواه الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بسنده الصحيح عن الصادق عليه السلام : " الوقوف عند الشبهه خير من الاقتحام في الهلكة ، إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه . . . " . وما رواه الشيخ الجليل سعيد بن هبة الله " القطب الراوندي " بسنده الصحيح إلى الصادق عليه السلام : * ( هامش ) * ( 1 ) الوسائل گ 3 كتاب القضاء . باب وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة ، وكيفية العمل ، ص 380 . ( * ) / صفحة 235 / " إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه . . . ". (هذا الاصل من اصول فقهنا الان) وأما الشبهة الرابعة : فيتلخص في كيفية جمع القرآن ، واستلزامها وقوع التحريف فيه . وقد انعقد البحث الاتي " فكرة عن جمع القرآن " لتصفية هذه الشبهة وتفنيدها . * ( هامش ) * ( 1 ) المصدر السابق . ( * ) فكرة عن جمع القرآن كيفية جمع القرآن . عرض الروايات في جمع القرآن . تناقضها وتضاربها . معارضتها لما دل على أن القرآن جمع على عهد الرسول . معارضتها للكتاب وحكم العقل . مخالفتها لاجماع المسلمين على أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر . الاستدال بهذه الروايات يستلزم التحريف بالزيادة المتسالم على بطلانه . ان موضوع جمع القرآن من الموضوعات التي يتذرع بها القائلون بالتحريف ، إلى إثبات ان في القرآن تحريفا وتغييرا . وان كيفية جمعه مستلزمة - في العادة - لوقوع هذا التحريف والتغيير فيه . فكان من الضروري أن يعقد هذا البحث إكمالا لصيانة القرآن من التحريف وتنزيهه عن نقص أو أي تغيير . إن مصدر هذه الشبهة هو زعمهم بأن جمع القرآن كان بأمر من أبي بكر بعد أن قتل سبعون رجلا من القراء في بئر معونة ، وأربعمائة نفر في حرب اليمامة فخيف ضياع القرآن وذهابه من الناس ، فتصدى عمر وزيد بن ثابت لجمع القرآن من العسب ، والرقاع ، واللخاف ، ومن صدور الناس بشرط أن يشهد شاهدان على أنه من القرآن ، وقد صرح بجميع ذلك في عدة من الروايات ، والعادة تقضي بفوات شئ منه على المتصدي لذلك ، إذا كان غير معصوم ، كما هو مشاهد فيمن يتصدى لجمع شعر شاعر واحد أو أكثر ، إذا كان هذا الشعر متفرقا ، وهذا الحكم قطعي بمقتضي العادة ، ولا أقل من احتمال وقوع التحريف ، فإن من المحتمل عدم إمكان إقامة شاهدين على بعض ما سمع من النبي صلى الله عليه واله وسلم فلا يبقى وثوق بعدم النقيصة . والجواب : إن هذه الشبهة مبتنية على صحة الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن والاولى أن نذكر هذه الروايات ثم نعقبها بما يرد عليها . أحاديث جمع القرآن : 1 - روى زيد بن ثابت . قال : " أرسل إلي أبو بكر ، مقتل أهل يمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ، قال أبو بكر : إن عمر أتاني . فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القران . قلت لعمر : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟ قال عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر . قال زيد : قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم فتتبع القرآن فاجمعه . فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني من جمع القران قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟ قال : هو والله خير ، فلم يزل أبو بكر يراجعنى حتى شرح الله صدري ، للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب ، واللخاف ، وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الانصاري ، لم أجدها مع أحد غيره : " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم 9 : 128 . فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم : 129 " . حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر " ( 1 ) . * ( هامش ) * ( 1 ) صحيح البخاري . باب جمع القرآن ج 6 ص 98 . ( * ) 2 - وروى ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه : " ان حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق . فافزع حذيفة اختلافهم في القراءة . فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الامة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي الينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردها اليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمرزيد بن ثابت ، و عبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم ، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة ، فأرسل إلى كل افق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق " . قال ابن شهاب : " وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن ثابت قال : فقدت آية من الاحزاب حين نسخنا المصحف ، قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقرأ بها ، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الانصاري : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه 33 : 23 " . " فألحقناها في سورتها في المصحف " ( 1 ) . * ( هامش ) * ( 1 ) صحيح البخاري ج 6 ص 99 ، وهاتان الروايتان وما بعدهما إلى الرواية الحادية والعشرين ، مذكورة في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 2 ص 43 - 52 . ( * ) ( البيان - 16 ) 3 - وروى ابن أبي شيبة باسناده عن علي . قال : " أعظم الناس في المصاحف أجراأبو بكر ، إن أبا بكر أول من جمع ما بين اللوحين " . 4 - وروى ابن شهاب . عن سالم بن عبد الله وخارجة : " أن أبا بكر الصديق كان جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى حتى استعان عليه بعمر ففعل ، فكانت الكتب عند أبي بكر حتى توفي ، ثم عند عمر حتى توفي ، ثم كانت عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه واله وسلم فأرسل اليها عثمان فأبت أن تدفعها ، حتى عاهدها ليردنها اليها فبعثت بها اليه ، فنسخ عثمان هذه المصاحف ثم ردها اليها فلم تزل عندها . . . " . 5 - وروى هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : " لما قتل أهل اليمامة أمر أبو بكر عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت . فقال : اجلسا على باب المسجد . فلا يأتينكما أحد بشئ من القرآن تنكرانه يشهد عليه رجلان إلا اثبتماه ، وذلك لانه قتل باليمامة ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد جمعوا القرآن " . 6 - وروى محمد بن سيرين . قال : " قتل عمر ولم يجمع القرآن " . 7 - وروى الحسن : " أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله ، فقيل : كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة . فقال : إنا لله ، وأمر بالقرآن فجمع فكان أول من جمعه في المصحف " . 8 - وروى يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب . قال : " أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن فقام في الناس ، فقال : من كان تلقى من رسول الله - ص - شيئا من القرآن فليأتنا به ، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والالواح ، والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان ، فقتل وهو يجمع ذلك إليه ، فقام عثمان ، فقال : من كان عنده من كتاب الله شئ فليأتنا به ، وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان ، فجاءه خزيمة ابن ثابت ، فقال : إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما . قالوا : ما هما ؟ قال : تلقيت من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم . . " إلى آخر السورة ، فقال عثمان : وأنا أشهد أنهما من عند الله ، فأين ترى أن نجعلهما ؟ قال : اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ، فختمت بهما براءة " . 9 - وروى عبيد بن عمير ، قال : " كان عمر لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد رجلان ، فجاءه رجل من الانصار بهاتين الآيتين : لقد جاءكم رسول من أنفسكم . . . إلى آخرها . فقال عمر : لا أسألك عليها بينة أبدا ، كذلك كان رسول الله " ( 1 ) . 10 - وروى سليمان بن أرقم ، عن الحسن وابن سيرين ، وابن شهاب الزهري . قالوا : " لما أسرع القتل في قراء القرآن يوم اليمامة قتل منهم يومئذ أربعمائة رجل ، لقي زيد بن ثابت عمر بن الخطاب ، فقال له : إن هذا القرآن هو الجامع لديننا فإن ذهب القرآن ذهب ديننا ، وقد عزمت على أن أجمع القرآن في كتاب ، فقال له : انتظر حتى أسأل أبا بكر ، فمضيا إلى أبي بكر فأخبراه بذلك ، فقال : لا تعجل حتى اشاور المسلمين ، ثم قام خطيبا في الناس فأخبرهم بذلك ، فقالوا : * ( هامش ) * ( 1 ) الروايات التي نقلناها عن المنتخب مذكورة في كنز العمال " جمع القرآن " الطبعة الثانية ج 2 ص 361 عداهذه الرواية ، ولكن بمضمونها رواية عن يحيى بن جعدة . ( * ) / صفحة 244 / أصبت ، فجمعوا القرآن ، فأمر أبو بكر مناديا فنادى في الناس : من كان عنده شئ من القرآن فليجئ به . . " . 11 - وروى خزيمة بن ثابت . قال : " جئت بهذه الآية : لقد جاءكم رسول من أنفسكم . . . إلى عمر بن الخطاب وإلى زيد بن ثابت . فقال زيد : من يشهد معك ؟ قلت : لا والله ما أدري . فقال عمر : أنا أشهد معه على ذلك " . 12 - وروى أبو إسحق ، عن بعض أصحابه . قال : " لما جمع عمر بن الخطاب المصحف سأل : من أعرب الناس ؟ قيل : سعيد ابن العاص . فقال : من أكتب الناس ؟ فقيل : زيد بن ثابت . قال : فليمل سعيد وليكتب زيد ، فكتبوا مصاحف أربعة ، فأنفذ مصحفا منها إلى الكوفة ، ومصحفا إلى البصرة ، ومصحفا إلى الشام ، ومصحفا إلى الحجاز " . 13 - وروى عبد الله بن فضالة . قال : " لما أراد عمر أن يكتب الامام أقعد له نفرا من أصحابه ، وقال : إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر ، فإن القرآن نزل على رجل من مضر " . 14 - وروى أبو قلابة . قال : " لما كان في خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل ، والمعلم يعلم قراءة الرجل ، فجعل الغلمان يلتقون ويختلفون ، حتى ارتفع ذلك الى المعلمين ، حتى كفر بعضهم بقراءة بعض ، فبلغ ذلك عثمان فقام خطيبا . فقال : أنتم عندي تختلفون وتلحنون ، فمن نأي عني من الامصار أشد اختلافا ، وأشد لحنا ، فاجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوا للناس إماما ، قال أبو قلابة : فحدثني مالك ابن أنس ، قال أبو بكر بن أبي داود : هذا مالك بن انس جد مالك بن أنس . قال : كنت فيمن أملي عليهم فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي ، فيكتبون ما قبلها وما بعدها ، ويدعون موضعها حتى يجئ أو يرسل اليه ، فلما فرغ من المصحف كتب إلى أهل الامصار أني قد صنعت كذا وصنعت كذا ، ومحوت ما عندي ، فامحوا ما عندكم " . 15 - وروى مصعب بن سعد . قال : " قام عثمان يخطب الناس . فقال : أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن ، تقولون قراءة أبي ، وقراءة عبد الله ، يقول الرجل والله ما تقيم قراءتك ، فاعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله شئ لما جاءبه ، فكان الرجل يجئ بالورقة والاديم فيه القرآن ، حتى جمع من ذلك كثرة ، ثم دخل عثمان ودعاهم رجلا رجلا ، فناشدهم لسمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو أمله عليك فيقول : نعم ، فلما فرغ من ذلك عثمان . قال : من أكتب الناس ؟ قالوا : كاتب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم زيد بن ثابت . قال : فأي الناس أعرب ؟ قالوا سعيد بن العاص . قال عثمان : فليمل سعيد ، وليكتب زيد ، فكتب زيد ، وكتب مصاحف ففرقها في الناس ، فسمعت بعض أصحاب محمد صلى الله عليه واله وسلم يقول : قد أحسن " . 16 - وروى أبو المليح . قال : " قال عثمان بن عفان حين أراد أن يكتب المصحف ، تملي هذيل وتكتب ثقيف " . 17 - وروى عبد الاعلى بن عبد الله بن عبد الله بن عامر القرشي . قال : " لما فرغ من المصحف أتى به عثمان فنظر فيه . فقال : قد أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها " . 18 - وروى عكرمة . قال : " لما أتى عثمان بالمصحف رأى فيه شيئا من لحن . فقال : لو كان المملي من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا " . 19 - وروى عطاء : " أن عثمان بن عفان لما نسخ القرآن في المصاحف ، أرسل إلى أبي بن كعب فكان يملي على زيد بن ثابت ، وزيد يكتب ، ومعه سعيد بن العاص يعربه ، فهذا المصحف على قراءة أبي وزيد " . 20 - وروى مجاهد : " ان عثمان أمر أبي بن كعب يملي ، ويكتب زيد بن ثابت ، ويعربه سعيد ابن العاص ، وعبد الرحمن بن الحرث " . 21 - وروى زيد بن ثابت : " لما كتبنا المصاحف فقدت آية كنت أسمعها من رسول الله - ص - فوجدتها عند خزيمة بن ثابت : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . . إلى تبديلا . وكان خزيمة يدعى ذا الشهادتين أجاز رسول الله صلى الله عليه واله وسلم شهادته بشهادة رجلين " . 22 - وقد أخرج ابن اشته ، عن الليث بن سعد . قال : " أول من جمع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت ، فكان لا يكتب آية إلا بشهادة عدلين ، وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع أبي خزيمة بن ثابت . فقال : اكتبوها فإن رسول الله - ص - جعل شهادته بشهادة رجلين ، فكتب ، وإن عمر أتى بآية الرجم فلم نكتبها لانه كان وحده " ( 1 ) . * ( هامش ) * ( 1 ) الاتقان النوع 18 ج 1 ص 101 . ( * ) هذه أهم الروايات التي وردت في كيفية جمع القرآن ، وهي - مع انها أخبار آحاد لا تفيدنا علما - مخدوشة من جهات شتى : 1 - تناقض أحاديث جمع القرآن ! إنها متناقضة في أنفسها فلا يمكن الاعتماد على شئ منها ، ومن الجدير بنا أن نشير إلى جملة من مناقضاتها ، في ضمن أسئلة وأجوبة : * - متجمع القرآن في المصحف ؟ ظاهر الرواية الثانية أن الجمع كان في زمن عثمان ، وصريح الروايات الاولى ، والثالثة ، والرابعة ، وظاهر البعض الآخر أنه كان في زمان أبي بكر ، وصريح الروايتين السابعة ، والثانية عشرة أنه كان في زمان عمر . * - من تصدى لجمع القرآن زمن أبي بكر ؟ تقول الروايتان الاولى ، والثانية والعشرون أن المتصدي لذلك هو زيد بن ثابت ، وتقول الرواية الرابعة أنه أبو بكر نفسه ، وإنما طلب من زيد أن ينظر فيما جمعه من الكتب ، وتقول الرواية الخامسة - ويظهر من غيرها أيضا - أن المتصدي هو زيد وعمر . * - هل فوض لزيد جمع القرآن ؟ يظهر من الرواية الاولى أن أبا بكر قد فوض إليه ذلك ، بل هو صريحها ، فإن قوله لزيد : " إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - ص - فتتبع القرآن واجمعه " صريح في ذلك ، وتقول الرواية الخامسة وغيرها : إن الكتابة إنما كانت بشهادة شاهدين ، حتى ان عمر جاء بآية الرجم فلم تقبل منه . * - هل بقي من الآيات ما لم يدون إلى زمان عثمان ؟ ظاهر كثير من الروايات ، بل صريحها أنه لم يبق شئ من ذلك ، وصريح الرواية الثانية ، بقاء شئ من الآيات لم يدون إلى زمان عثمان . * - هل نقص عثمان شيئا مما كان مدونا قبله ؟ ظاهر كثير من الروايات بل صريحها أيضا أن عثمان لم ينقص مما كان مدونا قبله ، وصريح الرواية الرابعة عشرة أنه محا شيئا مما دون قبله ، وأمر المسلمين بمحو ما محاه . * - من أي مصدر جمع عثمان المصحف ؟ صريح الروايتين الثانية والرابعة : أن الذي اعتمد عليه في جمعه هي الصحف التي جمعها أبو بكر ، وصريح الروايات الثامنة ، والرابعة عشرة ، والخامسة عشرة ، أن عثمان جمعه بشهادة شاهدين ، وبأخبار من سمع الآية من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم . * - من الذي طلب من أبي بكر جمع القرآن ؟ تقول الرواية الاولى أن الذي طلب ذلك منه هو عمر ، وأن أبا بكر إنما أجابه بعد الامتناع ، فأرسل إلى زيد وطلب منه ذلك ، فأجابه بعد الامتناع ، وتقول الرواية العاشرة أن زيدا وعمر طلبا ذلك من أبي بكر ، فأجابهما بعد مشاورة المسلمين . * - من جمع المصحف الامام وأرسل منه نسخا إلى البلاد ؟ صريح الرواية الثانية أنه كان عثمان ، وصريح الرواية الثانية عشرة أنه كان عمر . * - متى ألحقت الآيتان بآخر سورة براءة ؟ صريح الروايات الاولى ، والحادية عشرة ، والثانية والعشرين أن إلحاقهما كان في زمان أبي بكر ، وصريح الرواية الثامنة ، وظاهر غيرها أنه كان في عهدعمر . * - من اتى بهاتين الآيتين ؟ صريح الروايتين الاولى ، والثانية والعشرين أنه كان أبا خزيمة ، وصريح الروايتين الثامنة ، والحادية عشرة أنه كان خزيمة بن ثابت ، وهما رجلان ليس بينهما نسبة أصلا ، على ما ذكره ابن عبد البر ( 1 ) . * - بماذا ثبت أنهما من القرآن ؟ بشهادة الواحد ، على ما هو ظاهر الرواية الاولى ، وصريح الروايتين التاسعة ، والثانية والعشرين ، وبشهادة عثمان معه ، على ما هو صريح الرواية الثامنة ، وبشهادة عمر معه ، على ما هو صريح الرواية الحادية عشر . * - من عينه عثمان لكتابة القرآن وإملائه ؟ صريح الرواية الثانية أن عثمان عين للكتابة زيدا ، وابن الزبير ، وسعيد ، وعبد الرحمن ، وصريح الرواية الخامسة عشرة أنه عين زيدا للكتابة وسعيدا للاملاء ، وصريح الرواية السادسة عشرة أنه عين ثقيفا للكتابة ، وهذيلا للاملاء وصريح الرواية الثامنة عشرة أن الكاتب لم يكن من ثقيف وأن المملي لم يكن من هذيل ، وصريح الرواية التاسعة عشرة أن المملي كان أبي بن كعب ، وأن سعيدا كان يعرب ما كتبه زيد ، وهذا أيضا صريح الرواية العشرين بزيادة عبد الرحمن بن الحرث للاعراب . 2 - تعارض روايات الجمع : إن هذه الروايات معارضة بما دل على أن القرآن كان قد جمع ، وكتب على * ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القرطبي ج 1 ص 56 . ( * ) عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقد روى جماعة ، منهم ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، والنسائي ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي ، والضياء المقدسي عن ابن عباس . قال : قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الانفال وهي من المثاني ، وإلى براءة ، وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر : " بسم الله الرحمن الرحيم " ؟ ووضعتموهما في السبع الطوال ، ما حملكم على ذلك ؟ فقال عثمان : إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه السورة ذات العدد ، وكان إذا نزل عليه الشئ يدعو بعض من يكتب عنده فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وتنزل عليه الآيات فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الانفال من أول ما أنزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فظننت أنها منها ، وقبض رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر : " بسم الله الرحمن الرحيم " ووضعتهما في السبع الطوال ( 1 ) . وروى الطبراني ، وابن عساكر عن الشعبي ، قال : " جمع القرآن على عهد رسول الله - ص - ستة من الانصار : أبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد وكان مجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاث " ( 2 ) . وروى قتادة ، قال : " سألت أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد النبي ؟ قال : أربعة كلهم من الانصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد " ( 3 ) . * ( هامش ) * ( 1 ) منتخب كنز العمال ج 2 ص 48 . ( 2 ) نفس المصدر ج 2 ص 52 . ( 3 ) صحيح البخاري باب القراء من أصحاب النبي - ص - ج 6 ص 202 . ( * ) وروى مسروق : ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود ، فقال : " لا أزال أحبه ، سمعت النبي - ص - يقول : خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأبي بن كعب " ( 1 ) . وأخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر ، قال : " جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة ، فبلغ النبي - ص - فقال : اقرأة في شهر . . . " ( 2 ) . وستجئ رواية ابن سعد في جمع أم ورقة القرآن . ولعل قائلا يقول وإن المراد من الجمع في هذه الروايات هو الجمع في الصدور لا التدوين ، وهذا القول دعوى لا شاهد عليها ، أضف إلى ذلك أنك ستعرف أن حفاظ القرآن على عهد رسول الله - ص - كانوا أكثر من أن تحصى أسماؤهم ، فكيف يمكن حصرهم في أربعة أو ستة ؟ ! ! وإن المتصفح لاحوال الصحابة ، وأحوال النبي - ص - يحصل له العلم اليقين بأن القرآن كان مجموعا على عهد رسول الله - ص - وأن عدد الجامعين له لا يستهان به . وأما ما رواه البخاري بإسناده عن أنس ، قال : مات النبي - ص - ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، فهو مردود مطروح ، لانه معارض للروايات المتقدمة ، حتى لما رواه البخاري بنفسه . ويضاف إلى ذلك أنه غير قابل للتصديق به . وكيف يمكن أن يحيط الراوي بجميع أفراد المسلمين حين وفاة النبي - ص - على كثرتهم ، وتفرقهم في البلاد ، ويستعلم أحوالهم ليمكنه أن يحصر الجامعين للقرآن في أربعة ، وهذه الدعوى تخرص بالغيب ، وقول بغير علم . وصفوة القول : أنه مع هذه الروايات كيف يمكن أن يصدق أن أبا بكر * ( هامش ) * ( 1 ) المصدر السابق . ( 2 ) الاتقان النوع 20 ج 1 ص 124 . ( * ) كان أول من جمع القرآن بعد خلافته ؟ وإذا سلمنا ذلك فلماذا أمرزيدا وعمر بجمعه من اللخاف ، والعسب ، وصدور الرجال ، ولم يأخذه من عبد الله ومعاذ وأبي ، وقد كانوا عند الجمع أحياء ، وقد أمروا بأخذ القرآن منهم ، ومن سالم ؟ نعم إن سالما قد قتل في حرب اليمامة ، فلم يمكن الاخذ منه . على أن زيدا نفسه كان أحد الجامعين للقرآن على ما يظهر من هذه الرواية ، فلا حاجة إلى التفحص والسؤال من غيره ، بعد أن كان شابا عاقلا غير متهم كما يقول أبو بكر ، أضف إلى جميع ذلك أن أخبار الثقلين المتظافرة تدلنا على أن القرآن كان مجموعا على عهد رسول الله - ص - على ما سنشير إليه . 3 - تعارض أحايث الجمع مع الكتاب : إن هذه الروايات معارضة بالكتاب ، فإن كثيرا من آيات الكتاب الكريمة دالة على أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض ، وان السور كانت منتشرة بين الناس ، حتى المشركين وأهل الكتاب ، فإن النبي - ص - قد تحدى الكفار والمشركين على الاتيان بمثل القرآن ، وبعشر سور مثله مفتريات ، وبسورة من مثله ، ومعنى هذا : أن سور القرآن كانت في متناول أيديهم . وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من آياته الكريمة ، وفي قول النبي صلى الله عليه واله وسلم : " إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي " وفي هذا دلالة على أنه كان مكتوبا مجموعا ، لانه لا يصح إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور ، بل ولا على ما كتب في اللخاف ، والعسب ، والاكتاف ، إلا على نحو المجاز والعناية ، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة ، فإن لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي ، ولا يطلق على المكتوب إذا كان مجزء غير مجتمع ، فضلا عما إذالم يكتب ، وكان محفوظا في الصدور فقط . 4 - مخالفة أحاديث الجمع من حكم العقل ! إن هذه الروايات مخالفة لحكم العقل ، فإن عظمة القرآن في نفسه ، واهتمام النبي - ص - بحفظه وقراءته ، واهتمام المسلمين بما يهتم به النبي - ص - وما يستوجبه ذلك من الثواب ، كل ذلك ينافي جمع القرآن على النحو المذكور في تلك الروايات ، فإن في القرآن جهات عديدة كل واحدة منها تكفي لان يكون القرآن موضعا لعناية المسلمين ، وسببا لاشتهاره حتى بين الاطفال والنساء منهم ، فضلا عن الرجال . وهذه الجهات هي : 1 - بلاغة القرآن : فقد كانت العرب تهتم بحفظ الكلام البليغ ، ولذلك فهم يحفظون أشعار الجاهلية وخطبها ، فكيف بالقرآن الذي تحدى ببلاغته كل بليغ ، وأخرس بفصاحته كل خطيب لسن ، وقد كانت العرب بأجمعهم متوجهين إليه ، سواء في ذلك مؤمنهم وكافرهم ، فالمؤمن يحفظه لايمانه ، والكافر يتحفظ به لانه يتمنى معارضته ، وإبطال حجته . 2 - إظهار النبي - ص - رغبته بحفظ القرآن ، والاحتفاظ به : وكانت السيطرة والسلطة له خاصة ، والعادة تقضي بأن الزعيم إذا أظهر رغبته بحفظ كتاب أو بقراءته فإن ذلك الكتاب يكون رائجا بين جميع الرعية ، الذين يطلبون رضاه لدين أو دنيا . 3 - إن حفظ القرآن سبب لارتفاع شأن الحافظ بين الناس ، وتعظيمه عندهم : فقد علم كل مطلع على التاريخ ما للقراء والحفاظ من المنزلة الكبيرة ، والمقام الرفيع بين الناس ، وهذا أقوى سبب لاهتمام الناس بحفظ القرآن جملة ، أو بحفظ القدر الميسور منه . 4 - الاجر والثواب الذي يستحقه القارئ والحافظ بقراءة القرآن وحفظه : هذه أهم العوامل التي تبعث على حفظ القرآن والاحتفاظ به ، وقد كان المسلمون يهتمون بشأن القرآن ، ويحتفظون به أكثر من اهتمامهم بأنفسهم ، وبما يهمهم من مال وأولاد . وقد ورد أن بعض النساء جمعت جميع القرآن . أخرج ابن سعد في الطبقات : " أنبأنا الفضل بن دكين ، حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ، قال : حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ، وكان رسول الله - ص - يزورها ، ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن ، ان رسول الله - ص - حين غزا بدار ، قالت له : أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وامرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة ؟ قال : إن الله مهد لك شهادة . . . " ( 1 ) وإذا كان هذا حال النساء في جمع القران فكيف يكون حال الرجال ؟ وقد عد من حفاظ القرآن على عهد رسول الله - ص - جم غفير . قال القرطبي : " قد قتل يوم اليمامة سبعون من القراء ، وقتل في عهد النبي - ص - ببئر معونة مثل هذا العدد " ( 2 ) . وقد تقدم في الرواية " العاشرة " أنه قتل من القراء يوم اليمامة أربعمائة رجل على أن شدة اهتمام النبي صلى الله عليه واله وسلم بالقرآن ، وقد كان له كتاب عديدون ، ولا سيما أن القرآن نزل نجوما في مدة ثلاث وعشرين سنة ، كل هذا يورث لنا القطع بأن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان قد أمر بكتابة القرآن على عهده . روى زيد بن ثابت ، قال : " كنا عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نؤلف القرآن من الرقاع " . قال الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " وفيه الدليل الواضح : أن القرآن إنما جمع على عهد رسول الله ( 3 ) . وأما حفظ بعض سور القرآن أو بعض السورة فقد كان منتشرا جدا ، وشذ * ( هامش ) * ( 1 ) الاتقان - النوع 20 ج 1 ص 125 . ( 2 ) الاتقان - النوع 20 ص 122 ، وقال القرطبي في تفسيره ج 1 ص 50 : وقتل منهم " القراء " في ذلك اليوم " يوم اليمامة " فيما قيل سبعمائة . ( 3 ) المستدرك ج 2 ص 611 . ( * ) / صفحة 255 / أن يخلو من ذلك رجل أو امرأة من المسلمين . روى عبادة بن الصامت قال : " كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يشغل ، فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن " ( 1 ) . وروى كليب ، قال : " كنت مع علي عليه السلام فسمع ضجتهم في المسجد يقرأون القرآن ، فقال : طوبى لهؤلاء . . . " ( 2 ) . وعن عبادة بن الصامت أيضا : " كان الرجل إذاهاجر دفعه النبي صلى الله عليه واله وسلم إلى رجل منا يعلمه القرآن ، وكان يسمع لمسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ضجة بتلاوة القرآن ، حتى أمرهم رسول الله أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا " ( 3 ) . نعم إن حفظ القرآن ولو ببعضه كان رائجا بين الرجال والنساء من المسلمين ، حتى أن المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر ( 4 ) ومع هذا الاهتمام كله كيف يمكن أن يقال : إن جمع القرآن قد تأخر إلى زمان خلافة أبي بكر ، وإن أبا بكر احتاج في جمع القرآن إلى شاهدين يشهدان أنهما سمعا ذلك من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم . * ( هامش ) * ( 1 ) مسند أحمد ج 5 ص 324 . ( 2 ) كنز العمال . فضائل القرآن الطبعة الثانية ج 2 ص 185 . ( 3 ) مناهل العرفان ص 324 . ( 4 ) رواه الشيخان ، وأبو داود والترمذي ، والنسائي . التاج : ج 2 ص 332 . 5 - مخالفة أحاديث الجمع للاجماع : إن هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبة من أن القرآن لا طريق لاثباته إلا التواتر ، فإنها تقول : إن إثبات آيات القرآن حين الجمع كان منحصرا بشهادة شاهدين ، أو بشهادة رجل واحد إذا كانت تعدل شهادتين ، وعلى هذا فاللازم أن يثبت القرآن بالخبر الواحد أيضا ، وهل يمكن لمسلم أن يلتزم بذلك ؟ ولست أدري كيف يجتمع القول بصحة هذه الروايات التي تدل على ثبوت القرآن بالبينة ، مع القول بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، أفلا يكون القطع بلزوم كون القرآن متواترا سببا للقطع بكذب هذه الروايات أجمع ؟ ومن الغريب أن بعضهم كابن حجر فسر الشاهدين في الروايات بالكتابة والحفظ ( 1 ) . وفي ظني أن الذي حمله على ارتكاب هذا التفسير هو ما ذكرناه من لزوم التواتر في القرآن . وعلى كل حال فهذا التفسير واضح الفساد من جهات : أما ، أولا : فلمخالفته صريح تلك الروايات في جمع القرآن ، وقد سمعتها . وأما ، ثانيا : فلان هذا التفسير يلزمه أنهم لم يكتبوا ما ثبت أنه من القرآن بالتواتر ، إذا لم يكن مكتوبا عند أحد ، ومعنى ذلك أنهم أسقطوا من القرآن ما ثبت بالتواتر أنه من القران . وأما ، ثالثا : فلان الكتابة والحفظ لا يحتاج اليهما إذا كان ما تراد كتابته متواترا ، وهما لا يثبتان كونه من القرآن ، إذا لم يكن متواترا . وعلى كل حال فلا فائدة في جعلهما شرطا في جمع القرآن . وعلى الجملة لا بد من طرح هذه الروايات ، لانها تدل على ثبوت القرآن بغير التواتر ، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين . * ( هامش ) * ( 1 ) الاتقان - النوع 18 ص 100 . ( * ) 6 - احاديث الجمع والتحريف بالزيادة ! إن هذه الروايات لو صحت ، وأمكن الاستدلال بها على التحريف من جهة النقص ، لكان اللازم على المستدل أن يقول بالتحريف من جهة الزيادة في القرآن أيضا ، لان كيفية الجمع المذكورة تستلزم ذلك ، ولا يمكن له أن يعتذر عن ذلك بأن حدالاعجاز في بلاغة القرآن يمنع من الزيادة عليه ، فلا تقاس الزيادة على النقيصة ، وذلك لان الاعجاز في بلاغة القرآن وإن كان يمنع عن الاتيان بمثل سورة من سوره ، ولكنه لا يمنع من الزيادة عليه بكلمة أو بكلمتين ، بل ولا بآية كاملة ، ولا سيما إذ اكانت قصيرة ، ولولا هذا الاحتمال لم تكن حاجة إلى شهادة شاهدين ، كما في روايا ت الجمع المتقدمة ، فإن الآية التي يأتي بها الرجل تثبت نفسها أنها من القرآن أو من غيره . وإذن فلا مناص للقائل بالتحريف من القول بالزيادة أيضا وهو خلاف إجماع المسلمين . وخلاصة ما تقدم ، أن إسناد جمع القرآن إلى الخلفاء أمر موهوم ، مخالف للكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والعقل ، فلا يمكن القائل بالتحريف أن يستدل به على دعواه ، ولوسلمنا أن جامع القرآن هو أبو بكر في أيام خلافته ، فلا ينبغي الشك في أن كيفية الجمع المذكورة في الروايات المتقدمة مكذوبة ، وأن جمع القرآن كان مستندا إلى التواتر بين المسلمين ، غاية الامر أن الجامع قد دون في المصحف ما كان محفوظا في الصدور على نحو التواتر . نعم لا شك أن عثمان قد جمع القرآن في زمانه ، لا بمعنى أنه جمع الآيات والسور في مصحف ، بل بمعنى أنه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد ، وأحرق ( البيان - 17 ) المصاحف الاخرى التي تخالف ذلك المصحف ، وكتب إلى البلدان أن يحرقوا ما عندهم منها ، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة ، وقد صرح بهذا كثير من أعلام أهل السنة . قال الحارث المحاسبي : " المشهور عند الناس أن جامع القران عثمان ، وليس كذلك ، إنما حمل عثمان الناس على القراءة ، بوجه واحد ، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والانصار ، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات ، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن . . . " ( 1 ) . أقول : أما أن عثمان جمع المسلمين على قراءة واحدة ، وهي القراءة التي كانت متعارفة بين المسلمين ، والتي تلقوها بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه منع عن القراءات الاخرى المبتنية على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، التي تقدم توضيح بطلانها ، أما هذا العمل من عثمان فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين ، وذلك لان الاختلاف في القراءة كان يؤدي إلى الاختلاف بين المسلمين ، وتمزيق صفوفهم ، وتفريق وحدتهم ، بل كان يؤدي إلى تكفير بعضهم بعضا . وقد مر - فيما تقدم - بعض الروايات الدالة على أن النبي صلى الله عليه وآله منع عن الاختلاف في القرآن ، ولكن الامر الذي انتقد عليه هو إحراقه لبقية المصاحف ، وأمره أهالى الامصار بإحراق ما عندهم من المصاحف ، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسلمين ، حتى سموه بحراق المصاحف . * ( هامش ) * ( 1 ) الاتقان - النوع 18 ج 1 ص 103 . ( * ) النتيجة : ومما ذكرناه : قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلا من ضعف عقله ، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل ، أو من ألجأه إليه يجب القول به . والحب يعمي ويصم ، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته . |
العلامات المرجعية |
|
|