اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #16  
قديم 11-01-2013, 06:52 PM
محمد حنیف محمد حنیف غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
العمر: 39
المشاركات: 16
معدل تقييم المستوى: 0
محمد حنیف is on a distinguished road
افتراضي

شکرا لک یا ابو اسراء

ارجوک ، اقرا هذا المتن:

هذه الروايات لا دلالة فيها على وقوع التحريف في القرآن بالمعنى المتنازع
فيه ، وتوضيح ذلك : أن كثيرا من الروايات ، وإن كانت ضعيفة السند ، فإن
جملة منها نقلت من كتاب أحمد بن محمد السياري ، الذي اتفق علماء الرجال على
فساد مذهبه ، وأنه يقول بالتناسخ ، ومن علي بن أحمد الكوفي الذي ذكر علماء
الرجال أنه كذاب ، وأنه فاسد المذهب إلا أن كثرة الروايات تورث القطع
بصدور بعضها عن المعصومين عليهم السلام ولا أقل من الاطمئنان بذلك ، وفيها
ما روي بطريق معتبر فلا حاجة بنا إلى التكلم في سند كل رواية بخصوصها .
عرض روايات التحريف :
علينا أن نبحث عن مداليل هذه الروايات ، وإيضاح أنها ليست متحدة في
المفاد ، وأنها على طوائف . فلا بد لنا من شرح ذلك والكلام على كل طائفة
بخصوصها .

الطائفة الاولى : هي الروايات التي دلت على التحريف بعنوانه ، وانها تبلغ
عشرين رواية ، نذكر جملة منها ونترك ما هو بمضمونها . وهي :

1 - ما عن علي بن إبراهيم القمي ، بإسناده عن أبي ذر . قال :
" لما نزلت هذه الاية : يوم تبيض وجوه وتسود
وجوه . قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ترد أمتي علي يوم القيامة
على خمس رايات . ثم ذكر أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يسأل
الرايات عما فعلوا بالثقلين . فتقول الراية الاولى : أما
الاكبر فحرفناه ، ونبذناه وراء ظهورنا ، وأما الاصغر
فعاديناه ، وأبغضناه ، وظلمناه . وتقول الراية الثانية :
أما الاكبر فحرفناه ، ومزقناه ، وخالفناه ، وأما
الاصغر فعاديناه وقاتلناه . . . " .
ابن الحسن السامري في حديث طويل أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لحذيفة فيما قاله
في من يهتك الحرم :
" إنه يضل الناس عن سبيل الله ، ويحرف كتابه ،
ويغير سنتي " .
3 - ما عن سعد بن عبد الله القمي ، باسناده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر
عليه السلام قال :
" دعا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بمنى . فقال : أيها الناس
إني تارك فيكم الثقلين - أما إن تمسكتم بهما لن تضلوا
كتاب الله وعترتي - والكعبة البيت الحرام ثم قال أبو
جعفر عليه السلام : أما كتاب الله فحرفوا ، وأما الكعبة
فهدموا ، وأما العترة فقتلوا ، وكل ودائع الله قد نبذوا
ومنها قد تبرأوا " .
4 - ما عن الصدوق في الخصال بإسناده عن جابر عن النبي قال :
" يجئ يوم القيامة ثلاثة يشكون : المصحف ،
والمسجد ، والعترة . يقول المصحف يارب حرفوني
ومزقوني ، ويقول المسجد يارب عطلوني وضيعوني ،
وتقول العترة يارب قتلونا ، وطردونا ، وشردونا . . . " .
5 - ما عن الكافي والصدوق ، باسنادهما عن علي بن سويد . قال :
" كتبت إلى أبي الحسن موسى صلى الله عليه واله وسلم وهو في الحبس
كتابا إلى أن ذكر جوابه عليه السلام بتمامه ، وفيه قوله
عليه السلام اؤتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه " .
6 - ما عن ابن شهراشوب ، باسناده عن عبد الله في خطبة أبي عبد الله
الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء ، وفيها :
" إنما أنتم من طواغيت الامة ، وشذاذ الاحزاب ،
ونبذة الكتاب ، ونفثة الشيطان ، وعصبة الاثام ،
ومحرفي الكتاب " .
7 - ما عن كامل الزيارات ، باسناده عن الحسن بن عطية ، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال :
" إذا دخلت الحائر فقل : اللهم العن الذين كذبوا
رسلك ، وهدموا كعبتك ، وحرفوا كتابك . . . " .
8 - ما عن الحجال عن قطبة بن ميمون عن عبد الاعلى . قال :
" قال أبو عبد الله عليه السلام أصحاب العربية يحرفون
كلام الله عز وجل عن مواضعه " .

المفهوم الحقيقي للروايات :
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة : أن الظاهر من الرواية الاخيرة تفسير
التحريف باختلاف القراء ، وإعمال اجتهاداتهم في القراءات . ومرجع ذلك إلى
الاختلاف في كيفية القراءة مع التحفظ على جوهر القرآن وأصله وقد أوضحنا
للقارئ في صدر المبحث أن التحريف بهذا المعنى مما لا ريب في وقوعه ، بناء
على ما هو الحق من عدم تواتر القراءات السبع ، بل ولا ريب في وقوع هذا
التحريف ، بناء على تواتر القراءات السبع أيضا ، فإن القراءات كثيرة ، وهي
مبتنية على اجتهادات ظنية توجب تغيير كيفية القراءة . فهذه الرواية لا مساس
لها بمراد المستدل .
وأما بقية الروايات ، فهي ظاهرة في الدلالة على أن المراد بالتحريف حمل
الايات على غير معانيها ، الذي يلازم إنكار فضل أهل البيت - عليهم السلام -
ونصب العداوة لهم وقتالهم . ويشهد لذلك - صريحا - نسبة التحريف إلى
مقاتلي أبي عبد الله - عليه السلام - في الخطبة المتقدمة .
ورواية الكافي التي تقدمت في صدر البحث ، فإن الامام الباقر - عليه السلام -
يقول فيها :
" وكان من نبذهم الكتاب أنهم أقاموا حروفه ، وحرفوا حدوده " .
وقد ذكرنا أن التحريف بهذا المعنى واقع قطعا ، وهو خارج عن محل النزاع ،
ولولا هذا التحريف لم تزل حقوق العترة محفوظة ، وحرمة النبي فيهم مرعية ،
ولما انتهى الامر إلى ما انتهى إليه من اهتضام حقوقهم وإيذاء النبي - ص - فيهم .

الطائفة الثانية : هي الروايات التي دلت على أن بعض الايات المنزلة من
القرآن قد ذكرت فيها أسماء الائمة - عليهم السلام - وهي كثيرة :
منها : ما ورد من ذكر أسماء الائمة - عليهم السلام - في القرآن ، كرواية
الكافي بإسناده عن محمد بن الفضيل بن أبي الحسن - عليه السلام - قال :
" ولاية علي بن أبي طالب مكتوبة في جميع صحف الانبياء ، ولن يبعث الله رسولا إلا بنبوة محمد و " ولاية " وصيه ، صلى الله عليهما وآلهما " .
ومنها : رواية العياشي بإسناده عن الصادق عليه السلام :
" لو قرئ القرآن - كما أنزل - لالفينا مسمين " .
ومنها : رواية الكافي ، وتفسير العياشي عن أبي جعفر - عليه السلام - وكنز
الفوائد بأسانيد عديدة عن ابن عباس ، وتفسير فرات بن إبراهيم الكوفي بأسانيد
متعددة أيضا ، عن الاصبغ بن نباتة . قالوا : قال أمير المؤمنين - عليه السلام - :
" القرآن نزل على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض
وأحكام ، ولنا كرائم القرآن " .
ومنها : رواية الكافي أيضا بإسناده عن أبي جعفر - عليه السلام - قال :
" نزل جبرئيل بهذه الاية على محمد - ص - هكذا :
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا - في علي - فأتوا بسورة من مثله " .
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة :
أن بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن وليس من القرآن نفسه ، فلا بد من حمل هذه الروايات على أن ذكر أسماء الائمة - عليهم السلام - في التنزيل من هذا القبيل ، وإذا لم يتم هذا الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب ، والسنة ، والادلة المتقدمة على نفي التحريف . وقد دلت الاخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب
والسنة وأن ما خالف الكتاب منها يجب طرحه ، وضربه على الجدار .

ومما يدل على أن اسم أمير المؤمنين عليه السلام لم يذكر صريحا في القرآن حديث
الغدير ، فإنه صريح في أن النبي - ص - إنما نصب عليا بأمرالله ، وبعد أن
ورد عليه التأكيد في ذلك ، وبعد أن وعده الله بالعصمة من الناس ، ولو كان
اسم " علي " مذكورا في القرآن لم يحتج إلى ذلك النصب ، ولا إلى تهيئة ذلك
الاجتماع الحافل بالمسلمين ، ولما خشي رسول الله - ص - من إظهار ذلك ،
ليحتاج إلى التأكيد في أمر التبليغ .
وعلى الجملة : فصحة حديث الغدير توجب الحكم بكذب هذه الروايات التي
تقول : إن أسماء الائمة مذكورة في القرآن ولا سيما أن حديث الغدير كان في
حجة الوداع التي وقعت في أواخر حياة النبي صلى الله عليه واله وسلم ونزول عامة القرآن ،
وشيوعه بين المسلمين ، على أن الرواية الاخيرة المروية في الكافي مما لا يحتمل
صدقه في نفسه
، فإن ذكر اسم علي عليه السلام في مقام إثبات النبوة والتحدي على
الاتيان بمثل القرآن لا يناسب مقتضى الحال . ويعارض جميع هذه الروايات
صحيحة أبي بصير المروية في الكافي . قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
قول الله تعالى :
" وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم4 : 59 " .
" قال : فقال نزلت في علي بن أبي طالب والحسن
والحسين - ع - فقلت له : إن الناس يقولون فما له لم
يسم عليا وأهل بيته في كتاب الله
. قال عليه السلام :
فقولوا لهم إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نزلت عليه الصلاة ولم
يسم الله لهم ثلاثا ، ولا أربعا ، حتى كان رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم هو الذى فسر لهم ذلك . . . " .


فتكون هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات ، وموضحة للمراد
منها ، وأن ذكر اسم أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الروايات قد كان بعنوان
التفسير ،
أو بعنوان التنزيل ، مع عدم الامر بالتبليغ . ويضاف إلى ذلك أن
المتخلفين عن بيعة أبي بكر لم يحتجوا بذكر اسم علي في القرآن ، ولو كان له
ذكر في الكتاب لكان ذلك أبلغ في الحجة ، ولا سيما أن جمع القرآن - بزعم
المستدل - كان بعد تمامية أمر الخلافة بزمان غير يسير ، فهذا من الادلة الواضحة
على عدم ذكره في الايات .

الطائفة الثالثة : هي الروايات التي دلت على وقوع التحريف في القرآن
بالزيادة والنقصان ، وان الامة بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم غيرت بعض الكلمات وجعلت مكانها كلمات أخرى .
فمنها : ما رواه علي بن ابراهيم القمي ، بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله
عليه السلام : " صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين " .
ومنها : ما عن العياشي ، عن هشام بن سالم . قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن قوله تعالى :
" إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران 33 : 3 " .
* ( هامش ) * ( 1 ) الوافي ج 2 باب 30 ما نص الله ورسوله عليهم ص 63 . ( * )

قال : هو آل إبراهيم وآل محمد على العالمين ، فوضعوا اسما مكان اسم . أي
انهم غيرا فجعلوا مكان آل محمد آل عمران .
والجواب :
عن الاستدلال بهذه الطائفة - بعد الاغضاء عما في سندها من الضعف - أنها
مخالفة للكتاب ، والسنة ، ولاجماع المسلمين على عدم الزيادة في القرآن ولا حرفا
واحدا حتى من القائلين بالتحريف .
وقد ادعى الاجماع جماعة كثيرون على عدم
الزيادة في القرآن ، وأن مجموع ما بين الدفتين كله من القرآن . وممن ادعى الاجماع
الشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، والشيخ البهائي ، وغيرهم من الاعاظم قدس الله
أسرارهم . وقد تقدمت رواية الاحتجاج الدالة على عدم الزيادة في القرآن .
الطائفة الرابعة : هي الروايات التي دلت على التحريف في القرآن بالنقيصة فقط .
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة :
أنه لا بد من حملها على ما تقدم في معنى الزيادات في مصحف أمير المؤمنين
- عليه السلام - وإن لم يمكن ذلك الحمل في جملة منها فلا بد من طرحها لانها مخالفة
للكتاب والسنة ، وقد ذكرنا لها في مجلس بحثنا توجيها آخر أعرضنا عن ذكره
هنا حذرا من الاطالة ، ولعله أقرب المحامل ، ونشير إليه في محل آخر إن شاء الله تعالى .
على أن أكثر هذه الروايات بل كثيرها ضعيفة السند . وبعضها لا يحتمل
صدقه في نفسه . وقد صرح جماعة من الاعلام بلزوم تأويل هذه الروايات أو
لزوم طرحها .


وممن صرح بذلك المحقق الكلباسي حيث قال على ما حكي عنه : " أن الروايات الدالة على التحريف مخالفة لاجماع الامة إلا من لا اعتداد به . . .
وقال : إن نقصان الكتاب مما لا أصل له وإلا لاشتهر وتواتر ، نظرا إلى العادة
في الحوادث العظيمة . وهذا منها بل أعظمها " .
وعن المحقق البغدادي شارح الوافية التصريح بذلك ، ونقله عن المحقق الكركي
الذي صنف في ذلك رسالة مستقلة ، وذكر فيها : " أن ما دل من الروايات
على النقيصة لا بد من تأويلها أو طرحها ، فإن الحديث إذا جاء على خلاف
الدليل من الكتاب ، والسنة المتواترة ، والاجماع ، ولم يمكن تأويله ، ولا حمله
على بعض الوجوه ، وجب طرحه " .
أقول : أشار المحقق الكركي بكلامه هذا إلى ما أشرنا إليه - سابقا - من
أن الروايات المتواترة قد دلت على أن الروايات إذا خالفت القرآن لا بد من
طرحها . فمن تلك الروايات :
ما رواه الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بسنده الصحيح عن الصادق عليه السلام :
" الوقوف عند الشبهه خير من الاقتحام في الهلكة ،
إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما
وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه . . . " .

وما رواه الشيخ الجليل سعيد بن هبة الله " القطب الراوندي " بسنده
الصحيح إلى الصادق عليه السلام :
* ( هامش ) * ( 1 ) الوسائل گ 3 كتاب القضاء . باب وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة ، وكيفية العمل ،
ص 380 . ( * )
/ صفحة 235 /
" إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على
كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه . . . ".


(هذا الاصل من اصول فقهنا الان)

وأما الشبهة الرابعة :
فيتلخص في كيفية جمع القرآن ، واستلزامها وقوع التحريف فيه . وقد
انعقد البحث الاتي " فكرة عن جمع القرآن " لتصفية هذه الشبهة وتفنيدها .
* ( هامش ) * ( 1 ) المصدر السابق . ( * )

فكرة عن جمع القرآن

كيفية جمع القرآن . عرض الروايات في جمع
القرآن . تناقضها وتضاربها . معارضتها لما دل على أن القرآن جمع على عهد الرسول . معارضتها للكتاب
وحكم العقل . مخالفتها لاجماع المسلمين على أن القرآن
لا يثبت إلا بالتواتر . الاستدال بهذه الروايات يستلزم
التحريف بالزيادة المتسالم على بطلانه .

ان موضوع جمع القرآن من الموضوعات التي يتذرع بها القائلون بالتحريف ،
إلى إثبات ان في القرآن تحريفا وتغييرا . وان كيفية جمعه مستلزمة - في العادة -
لوقوع هذا التحريف والتغيير فيه .
فكان من الضروري أن يعقد هذا البحث إكمالا لصيانة القرآن من التحريف
وتنزيهه عن نقص أو أي تغيير .
إن مصدر هذه الشبهة هو زعمهم بأن جمع القرآن كان بأمر من أبي بكر بعد
أن قتل سبعون رجلا من القراء في بئر معونة ، وأربعمائة نفر في حرب اليمامة
فخيف ضياع القرآن وذهابه من الناس ، فتصدى عمر وزيد بن ثابت لجمع القرآن
من العسب ، والرقاع ، واللخاف ، ومن صدور الناس بشرط أن يشهد شاهدان
على أنه من القرآن ، وقد صرح بجميع ذلك في عدة من الروايات ، والعادة
تقضي بفوات شئ منه على المتصدي لذلك ، إذا كان غير معصوم ، كما هو مشاهد
فيمن يتصدى لجمع شعر شاعر واحد أو أكثر ، إذا كان هذا الشعر متفرقا ،
وهذا الحكم قطعي بمقتضي العادة ، ولا أقل من احتمال وقوع التحريف ، فإن من
المحتمل عدم إمكان إقامة شاهدين على بعض ما سمع من النبي صلى الله عليه واله وسلم فلا يبقى وثوق بعدم النقيصة .
والجواب :
إن هذه الشبهة مبتنية على صحة الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن
والاولى أن نذكر هذه الروايات ثم نعقبها بما يرد عليها .


أحاديث جمع القرآن :
1 - روى زيد بن ثابت . قال :
" أرسل إلي أبو بكر ، مقتل أهل يمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ، قال أبو
بكر : إن عمر أتاني . فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن ، وإني
أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القران . قلت لعمر : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟ قال
عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت
في ذلك الذي رأى عمر . قال زيد : قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل
لا نتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم فتتبع القرآن فاجمعه .
فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني من جمع القران
قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟ قال : هو والله خير ، فلم يزل أبو بكر يراجعنى حتى شرح الله صدري ، للذي شرح له صدر أبي بكر
وعمر ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب ، واللخاف ، وصدور الرجال حتى
وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الانصاري ، لم أجدها مع أحد غيره :
" لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم
حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم 9 : 128 . فإن
تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب
العرش العظيم : 129 " .
حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند
عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر " ( 1 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) صحيح البخاري . باب جمع القرآن ج 6 ص 98 . ( * )

2 - وروى ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه :
" ان حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية
وأذربيجان مع أهل العراق . فافزع حذيفة اختلافهم في القراءة . فقال حذيفة
لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الامة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف
اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي الينا بالصحف ننسخها في
المصاحف ، ثم نردها اليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمرزيد بن ثابت ،
و عبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام ،
فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم ،
ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة ،
فأرسل إلى كل افق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة
أو مصحف أن يحرق " . قال ابن شهاب : " وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن ثابت قال :
فقدت آية من الاحزاب حين نسخنا المصحف ، قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
يقرأ بها ، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الانصاري :
" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه 33 : 23 " .
" فألحقناها في سورتها في المصحف " ( 1 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) صحيح البخاري ج 6 ص 99 ، وهاتان الروايتان وما بعدهما إلى الرواية الحادية والعشرين ،
مذكورة في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 2 ص 43 - 52 . ( * )
( البيان - 16 )

3 - وروى ابن أبي شيبة باسناده عن علي . قال :
" أعظم الناس في المصاحف أجراأبو بكر ، إن أبا بكر أول من جمع ما
بين اللوحين " .
4 - وروى ابن شهاب . عن سالم بن عبد الله وخارجة :
" أن أبا بكر الصديق كان جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل زيد بن
ثابت النظر في ذلك فأبى حتى استعان عليه بعمر ففعل ، فكانت الكتب عند
أبي بكر حتى توفي ، ثم عند عمر حتى توفي ، ثم كانت عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه واله وسلم
فأرسل اليها عثمان فأبت أن تدفعها ، حتى عاهدها ليردنها اليها فبعثت بها اليه ،
فنسخ عثمان هذه المصاحف ثم ردها اليها فلم تزل عندها . . . " .
5 - وروى هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال :
" لما قتل أهل اليمامة أمر أبو بكر عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت . فقال :
اجلسا على باب المسجد . فلا يأتينكما أحد بشئ من القرآن تنكرانه يشهد عليه
رجلان إلا اثبتماه ، وذلك لانه قتل باليمامة ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد
جمعوا القرآن " .
6 - وروى محمد بن سيرين . قال : " قتل عمر ولم يجمع القرآن " .
7 - وروى الحسن :
" أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله ، فقيل : كانت مع فلان
فقتل يوم اليمامة . فقال : إنا لله ، وأمر بالقرآن فجمع فكان أول من جمعه
في المصحف " .
8 - وروى يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب . قال :
" أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن فقام في الناس ، فقال : من كان تلقى
من رسول الله - ص - شيئا من القرآن فليأتنا به ، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف

والالواح ، والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان ، فقتل
وهو يجمع ذلك إليه ، فقام عثمان ، فقال : من كان عنده من كتاب الله شئ
فليأتنا به ، وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان ، فجاءه خزيمة
ابن ثابت ، فقال : إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما . قالوا : ما هما ؟ قال :
تلقيت من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم :
" لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم . . "
إلى آخر السورة ، فقال عثمان : وأنا أشهد أنهما من عند الله ، فأين ترى أن
نجعلهما ؟ قال : اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ، فختمت بهما براءة " .
9 - وروى عبيد بن عمير ، قال :
" كان عمر لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد رجلان ، فجاءه رجل من
الانصار بهاتين الآيتين : لقد جاءكم رسول من أنفسكم . . . إلى آخرها . فقال
عمر : لا أسألك عليها بينة أبدا ، كذلك كان رسول الله " ( 1 ) .
10 - وروى سليمان بن أرقم ، عن الحسن وابن سيرين ، وابن شهاب
الزهري . قالوا :
" لما أسرع القتل في قراء القرآن يوم اليمامة قتل منهم يومئذ أربعمائة رجل ،
لقي زيد بن ثابت عمر بن الخطاب ، فقال له : إن هذا القرآن هو الجامع لديننا
فإن ذهب القرآن ذهب ديننا ، وقد عزمت على أن أجمع القرآن في كتاب ،
فقال له : انتظر حتى أسأل أبا بكر ، فمضيا إلى أبي بكر فأخبراه بذلك ، فقال :
لا تعجل حتى اشاور المسلمين ، ثم قام خطيبا في الناس فأخبرهم بذلك ، فقالوا :
* ( هامش ) * ( 1 ) الروايات التي نقلناها عن المنتخب مذكورة في كنز العمال " جمع القرآن " الطبعة الثانية
ج 2 ص 361 عداهذه الرواية ، ولكن بمضمونها رواية عن يحيى بن جعدة . ( * )
/ صفحة 244 /
أصبت ، فجمعوا القرآن ، فأمر أبو بكر مناديا فنادى في الناس : من كان
عنده شئ من القرآن فليجئ به . . " .
11 - وروى خزيمة بن ثابت . قال :
" جئت بهذه الآية : لقد جاءكم رسول من أنفسكم . . . إلى عمر بن الخطاب
وإلى زيد بن ثابت . فقال زيد : من يشهد معك ؟ قلت : لا والله ما أدري .
فقال عمر : أنا أشهد معه على ذلك " .
12 - وروى أبو إسحق ، عن بعض أصحابه . قال :
" لما جمع عمر بن الخطاب المصحف سأل : من أعرب الناس ؟ قيل : سعيد
ابن العاص . فقال : من أكتب الناس ؟ فقيل : زيد بن ثابت . قال : فليمل
سعيد وليكتب زيد ، فكتبوا مصاحف أربعة ، فأنفذ مصحفا منها إلى
الكوفة ، ومصحفا إلى البصرة ، ومصحفا إلى الشام ، ومصحفا إلى الحجاز " .
13 - وروى عبد الله بن فضالة . قال :
" لما أراد عمر أن يكتب الامام أقعد له نفرا من أصحابه ، وقال : إذا
اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر ، فإن القرآن نزل على رجل من مضر " .
14 - وروى أبو قلابة . قال :
" لما كان في خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل ، والمعلم يعلم قراءة
الرجل ، فجعل الغلمان يلتقون ويختلفون ، حتى ارتفع ذلك الى المعلمين ، حتى
كفر بعضهم بقراءة بعض ، فبلغ ذلك عثمان فقام خطيبا . فقال : أنتم عندي
تختلفون وتلحنون ، فمن نأي عني من الامصار أشد اختلافا ، وأشد لحنا ،
فاجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوا للناس إماما ، قال أبو قلابة : فحدثني مالك
ابن أنس ، قال أبو بكر بن أبي داود : هذا مالك بن انس جد مالك بن أنس .
قال : كنت فيمن أملي عليهم فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها
من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي ، فيكتبون
ما قبلها وما بعدها ، ويدعون موضعها حتى يجئ أو يرسل اليه ، فلما فرغ من
المصحف كتب إلى أهل الامصار أني قد صنعت كذا وصنعت كذا ، ومحوت ما
عندي ، فامحوا ما عندكم " .
15 - وروى مصعب بن سعد . قال :
" قام عثمان يخطب الناس . فقال : أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة
وأنتم تمترون في القرآن ، تقولون قراءة أبي ، وقراءة عبد الله ، يقول الرجل
والله ما تقيم قراءتك ، فاعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله شئ
لما جاءبه ، فكان الرجل يجئ بالورقة والاديم فيه القرآن ، حتى جمع من ذلك
كثرة ، ثم دخل عثمان ودعاهم رجلا رجلا ، فناشدهم لسمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
وهو أمله عليك فيقول : نعم ، فلما فرغ من ذلك عثمان . قال : من أكتب الناس ؟
قالوا : كاتب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم زيد بن ثابت . قال : فأي الناس أعرب ؟ قالوا
سعيد بن العاص . قال عثمان : فليمل سعيد ، وليكتب زيد ، فكتب زيد ،
وكتب مصاحف ففرقها في الناس ، فسمعت بعض أصحاب محمد صلى الله عليه واله وسلم يقول :
قد أحسن " .
16 - وروى أبو المليح . قال :
" قال عثمان بن عفان حين أراد أن يكتب المصحف ، تملي هذيل وتكتب
ثقيف " .
17 - وروى عبد الاعلى بن عبد الله بن عبد الله بن عامر القرشي . قال :
" لما فرغ من المصحف أتى به عثمان فنظر فيه . فقال : قد أحسنتم
وأجملتم ، أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها " .
18 - وروى عكرمة . قال :

" لما أتى عثمان بالمصحف رأى فيه شيئا من لحن . فقال : لو كان المملي من
هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا " .
19 - وروى عطاء :
" أن عثمان بن عفان لما نسخ القرآن في المصاحف ، أرسل إلى أبي بن كعب
فكان يملي على زيد بن ثابت ، وزيد يكتب ، ومعه سعيد بن العاص يعربه ،
فهذا المصحف على قراءة أبي وزيد " .
20 - وروى مجاهد :
" ان عثمان أمر أبي بن كعب يملي ، ويكتب زيد بن ثابت ، ويعربه سعيد
ابن العاص ، وعبد الرحمن بن الحرث " .
21 - وروى زيد بن ثابت :
" لما كتبنا المصاحف فقدت آية كنت أسمعها من رسول الله - ص - فوجدتها
عند خزيمة بن ثابت : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . .
إلى تبديلا . وكان خزيمة يدعى ذا الشهادتين أجاز رسول الله صلى الله عليه واله وسلم شهادته
بشهادة رجلين " .
22 - وقد أخرج ابن اشته ، عن الليث بن سعد . قال :
" أول من جمع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون زيد بن
ثابت ، فكان لا يكتب آية إلا بشهادة عدلين ، وإن آخر سورة براءة لم توجد
إلا مع أبي خزيمة بن ثابت . فقال : اكتبوها فإن رسول الله - ص - جعل
شهادته بشهادة رجلين ، فكتب ، وإن عمر أتى بآية الرجم فلم نكتبها لانه كان
وحده " ( 1 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) الاتقان النوع 18 ج 1 ص 101 . ( * )

هذه أهم الروايات التي وردت في كيفية جمع القرآن ، وهي - مع انها أخبار
آحاد لا تفيدنا علما
- مخدوشة من جهات شتى :
1 - تناقض أحاديث جمع القرآن !
إنها متناقضة في أنفسها فلا يمكن الاعتماد على شئ منها ، ومن الجدير بنا أن
نشير إلى جملة من مناقضاتها ، في ضمن أسئلة وأجوبة :
* - متجمع القرآن في المصحف ؟
ظاهر الرواية الثانية أن الجمع كان في زمن عثمان ، وصريح الروايات الاولى ،
والثالثة ، والرابعة ، وظاهر البعض الآخر أنه كان في زمان أبي بكر ، وصريح
الروايتين السابعة ، والثانية عشرة أنه كان في زمان عمر .
* - من تصدى لجمع القرآن زمن أبي بكر ؟
تقول الروايتان الاولى ، والثانية والعشرون أن المتصدي لذلك هو زيد بن
ثابت ، وتقول الرواية الرابعة أنه أبو بكر نفسه ، وإنما طلب من زيد أن ينظر
فيما جمعه من الكتب ، وتقول الرواية الخامسة - ويظهر من غيرها أيضا - أن
المتصدي هو زيد وعمر .
* - هل فوض لزيد جمع القرآن ؟
يظهر من الرواية الاولى أن أبا بكر قد فوض إليه ذلك ، بل هو صريحها ،
فإن قوله لزيد : " إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي
لرسول الله - ص - فتتبع القرآن واجمعه " صريح في ذلك ، وتقول الرواية
الخامسة وغيرها : إن الكتابة إنما كانت بشهادة شاهدين ، حتى ان عمر جاء
بآية الرجم فلم تقبل منه .
* - هل بقي من الآيات ما لم يدون إلى زمان عثمان ؟

ظاهر كثير من الروايات ، بل صريحها أنه لم يبق شئ من ذلك ، وصريح
الرواية الثانية ، بقاء شئ من الآيات لم يدون إلى زمان عثمان .
* - هل نقص عثمان شيئا مما كان مدونا قبله ؟
ظاهر كثير من الروايات بل صريحها أيضا أن عثمان لم ينقص مما كان مدونا
قبله ، وصريح الرواية الرابعة عشرة أنه محا شيئا مما دون قبله ، وأمر المسلمين
بمحو ما محاه .
* - من أي مصدر جمع عثمان المصحف ؟
صريح الروايتين الثانية والرابعة : أن الذي اعتمد عليه في جمعه هي
الصحف التي جمعها أبو بكر ، وصريح الروايات الثامنة ، والرابعة عشرة ،
والخامسة عشرة ، أن عثمان جمعه بشهادة شاهدين ، وبأخبار من سمع الآية من
رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
* - من الذي طلب من أبي بكر جمع القرآن ؟
تقول الرواية الاولى أن الذي طلب ذلك منه هو عمر ، وأن أبا بكر إنما أجابه
بعد الامتناع ، فأرسل إلى زيد وطلب منه ذلك ، فأجابه بعد الامتناع ، وتقول
الرواية العاشرة أن زيدا وعمر طلبا ذلك من أبي بكر ، فأجابهما بعد مشاورة
المسلمين .
* - من جمع المصحف الامام وأرسل منه نسخا إلى البلاد ؟
صريح الرواية الثانية أنه كان عثمان ، وصريح الرواية الثانية عشرة أنه
كان عمر .
* - متى ألحقت الآيتان بآخر سورة براءة ؟
صريح الروايات الاولى ، والحادية عشرة ، والثانية والعشرين أن إلحاقهما كان
في زمان أبي بكر ، وصريح الرواية الثامنة ، وظاهر غيرها أنه كان في
عهدعمر .
* - من اتى بهاتين الآيتين ؟
صريح الروايتين الاولى ، والثانية والعشرين أنه كان أبا خزيمة ، وصريح
الروايتين الثامنة ، والحادية عشرة أنه كان خزيمة بن ثابت ، وهما رجلان ليس
بينهما نسبة أصلا ، على ما ذكره ابن عبد البر ( 1 ) .
* - بماذا ثبت أنهما من القرآن ؟
بشهادة الواحد ، على ما هو ظاهر الرواية الاولى ، وصريح الروايتين التاسعة ،
والثانية والعشرين ، وبشهادة عثمان معه ، على ما هو صريح الرواية الثامنة ،
وبشهادة عمر معه ، على ما هو صريح الرواية الحادية عشر .
* - من عينه عثمان لكتابة القرآن وإملائه ؟
صريح الرواية الثانية أن عثمان عين للكتابة زيدا ، وابن الزبير ، وسعيد ،
وعبد الرحمن ، وصريح الرواية الخامسة عشرة أنه عين زيدا للكتابة وسعيدا
للاملاء ، وصريح الرواية السادسة عشرة أنه عين ثقيفا للكتابة ، وهذيلا للاملاء
وصريح الرواية الثامنة عشرة أن الكاتب لم يكن من ثقيف وأن المملي لم يكن
من هذيل ، وصريح الرواية التاسعة عشرة أن المملي كان أبي بن كعب ، وأن
سعيدا كان يعرب ما كتبه زيد ، وهذا أيضا صريح الرواية العشرين بزيادة
عبد الرحمن بن الحرث للاعراب .
2 - تعارض روايات الجمع :
إن هذه الروايات معارضة بما دل على أن القرآن كان قد جمع ، وكتب على
* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير القرطبي ج 1 ص 56 . ( * )

عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقد روى جماعة ، منهم ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل ،
والترمذي ، والنسائي ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي ، والضياء المقدسي
عن ابن عباس . قال : قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الانفال
وهي من المثاني ، وإلى براءة ، وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما
سطر : " بسم الله الرحمن الرحيم " ؟ ووضعتموهما في السبع الطوال ، ما حملكم
على ذلك ؟ فقال عثمان : إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه السورة ذات العدد ، وكان إذا نزل عليه الشئ يدعو بعض من يكتب عنده
فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وتنزل عليه الآيات
فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الانفال من
أول ما أنزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا ، وكانت قصتها شبيهة
بقصتها ، فظننت أنها منها ، وقبض رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر : " بسم الله الرحمن الرحيم "
ووضعتهما في السبع الطوال ( 1 ) .
وروى الطبراني ، وابن عساكر عن الشعبي ، قال :
" جمع القرآن على عهد رسول الله - ص - ستة من الانصار : أبي بن كعب ،
وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد
وكان مجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاث " ( 2 ) .
وروى قتادة ، قال :
" سألت أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد النبي ؟ قال : أربعة كلهم
من الانصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد " ( 3 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) منتخب كنز العمال ج 2 ص 48 .
( 2 ) نفس المصدر ج 2 ص 52 .
( 3 ) صحيح البخاري باب القراء من أصحاب النبي - ص - ج 6 ص 202 . ( * )

وروى مسروق : ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود ، فقال :
" لا أزال أحبه ، سمعت النبي - ص - يقول : خذوا القرآن من أربعة :
من عبد الله بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأبي بن كعب " ( 1 ) .
وأخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر ، قال :
" جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة ، فبلغ النبي - ص - فقال : اقرأة في
شهر . . . " ( 2 ) . وستجئ رواية ابن سعد في جمع أم ورقة القرآن .
ولعل قائلا يقول وإن المراد من الجمع في هذه الروايات هو الجمع في الصدور
لا التدوين ، وهذا القول دعوى لا شاهد عليها ، أضف إلى ذلك أنك ستعرف
أن حفاظ القرآن على عهد رسول الله - ص - كانوا أكثر من أن تحصى أسماؤهم ،
فكيف يمكن حصرهم في أربعة أو ستة ؟ ! ! وإن المتصفح لاحوال الصحابة ،
وأحوال النبي - ص - يحصل له العلم اليقين بأن القرآن كان مجموعا على عهد
رسول الله - ص - وأن عدد الجامعين له لا يستهان به . وأما ما رواه البخاري
بإسناده عن أنس ، قال : مات النبي - ص - ولم يجمع القرآن غير أربعة :
أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، فهو مردود مطروح ،
لانه معارض للروايات المتقدمة ، حتى لما رواه البخاري بنفسه . ويضاف إلى
ذلك أنه غير قابل للتصديق به . وكيف يمكن أن يحيط الراوي بجميع أفراد
المسلمين حين وفاة النبي - ص - على كثرتهم ، وتفرقهم في البلاد ، ويستعلم
أحوالهم ليمكنه أن يحصر الجامعين للقرآن في أربعة ، وهذه الدعوى تخرص
بالغيب ، وقول بغير علم .
وصفوة القول : أنه مع هذه الروايات كيف يمكن أن يصدق أن أبا بكر
* ( هامش ) * ( 1 ) المصدر السابق .
( 2 ) الاتقان النوع 20 ج 1 ص 124 . ( * )

كان أول من جمع القرآن بعد خلافته ؟ وإذا سلمنا ذلك فلماذا أمرزيدا وعمر
بجمعه من اللخاف ، والعسب ، وصدور الرجال ، ولم يأخذه من عبد الله ومعاذ
وأبي ، وقد كانوا عند الجمع أحياء ، وقد أمروا بأخذ القرآن منهم ، ومن سالم ؟
نعم إن سالما قد قتل في حرب اليمامة ، فلم يمكن الاخذ منه . على أن زيدا نفسه
كان أحد الجامعين للقرآن على ما يظهر من هذه الرواية ، فلا حاجة إلى التفحص
والسؤال من غيره ، بعد أن كان شابا عاقلا غير متهم كما يقول أبو بكر ، أضف
إلى جميع ذلك أن أخبار الثقلين المتظافرة تدلنا على أن القرآن كان مجموعا على
عهد رسول الله - ص - على ما سنشير إليه .
3 - تعارض أحايث الجمع مع الكتاب :
إن هذه الروايات معارضة بالكتاب ، فإن كثيرا من آيات الكتاب الكريمة
دالة على أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض ، وان السور كانت منتشرة بين الناس ، حتى المشركين وأهل الكتاب ، فإن النبي - ص -
قد تحدى الكفار والمشركين على الاتيان بمثل القرآن ، وبعشر سور مثله
مفتريات ، وبسورة من مثله ، ومعنى هذا : أن سور القرآن كانت في متناول
أيديهم .
وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من آياته الكريمة ، وفي قول
النبي صلى الله عليه واله وسلم : " إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي " وفي هذا دلالة على
أنه كان مكتوبا مجموعا ، لانه لا يصح إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور ،
بل ولا على ما كتب في اللخاف ، والعسب ، والاكتاف ، إلا على نحو المجاز
والعناية ، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة ، فإن لفظ الكتاب ظاهر
فيما كان له وجود واحد جمعي ، ولا يطلق على المكتوب إذا كان مجزء غير
مجتمع ، فضلا عما إذالم يكتب ، وكان محفوظا في الصدور فقط .

4 - مخالفة أحاديث الجمع من حكم العقل !
إن هذه الروايات مخالفة لحكم العقل ، فإن عظمة القرآن في نفسه ، واهتمام
النبي - ص - بحفظه وقراءته ، واهتمام المسلمين بما يهتم به النبي - ص - وما
يستوجبه ذلك من الثواب ، كل ذلك ينافي جمع القرآن على النحو المذكور في
تلك الروايات ، فإن في القرآن جهات عديدة كل واحدة منها تكفي لان يكون
القرآن موضعا لعناية المسلمين ، وسببا لاشتهاره حتى بين الاطفال والنساء منهم ،
فضلا عن الرجال . وهذه الجهات هي :
1 - بلاغة القرآن : فقد كانت العرب تهتم بحفظ الكلام البليغ ، ولذلك
فهم يحفظون أشعار الجاهلية وخطبها ، فكيف بالقرآن الذي تحدى ببلاغته كل
بليغ ، وأخرس بفصاحته كل خطيب لسن ، وقد كانت العرب بأجمعهم
متوجهين إليه ، سواء في ذلك مؤمنهم وكافرهم ، فالمؤمن يحفظه لايمانه ، والكافر
يتحفظ به لانه يتمنى معارضته ، وإبطال حجته .
2 - إظهار النبي - ص - رغبته بحفظ القرآن ، والاحتفاظ به : وكانت
السيطرة والسلطة له خاصة ، والعادة تقضي بأن الزعيم إذا أظهر رغبته بحفظ كتاب أو بقراءته فإن ذلك الكتاب يكون رائجا بين جميع الرعية ، الذين
يطلبون رضاه لدين أو دنيا .
3 - إن حفظ القرآن سبب لارتفاع شأن الحافظ بين الناس ، وتعظيمه
عندهم : فقد علم كل مطلع على التاريخ ما للقراء والحفاظ من المنزلة الكبيرة ،
والمقام الرفيع بين الناس ، وهذا أقوى سبب لاهتمام الناس بحفظ القرآن جملة ،
أو بحفظ القدر الميسور منه .
4 - الاجر والثواب الذي يستحقه القارئ والحافظ بقراءة القرآن وحفظه :
هذه أهم العوامل التي تبعث على حفظ القرآن والاحتفاظ به ، وقد كان المسلمون
يهتمون بشأن القرآن ، ويحتفظون به أكثر من اهتمامهم بأنفسهم ، وبما يهمهم من
مال وأولاد . وقد ورد أن بعض النساء جمعت جميع القرآن . أخرج ابن سعد
في الطبقات : " أنبأنا الفضل بن دكين ، حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ،
قال : حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ، وكان رسول الله
- ص - يزورها ، ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن ، ان رسول الله
- ص - حين غزا بدار ، قالت له : أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم
وامرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة ؟ قال : إن الله مهد لك شهادة . . . " ( 1 )
وإذا كان هذا حال النساء في جمع القران فكيف يكون حال الرجال ؟ وقد
عد من حفاظ القرآن على عهد رسول الله - ص - جم غفير . قال القرطبي :
" قد قتل يوم اليمامة سبعون من القراء ، وقتل في عهد النبي - ص - ببئر معونة
مثل هذا العدد " ( 2 ) .
وقد تقدم في الرواية " العاشرة " أنه قتل من القراء يوم اليمامة أربعمائة رجل
على أن شدة اهتمام النبي صلى الله عليه واله وسلم بالقرآن ، وقد كان له كتاب عديدون ، ولا سيما
أن القرآن نزل نجوما في مدة ثلاث وعشرين سنة ، كل هذا يورث لنا القطع بأن
النبي صلى الله عليه واله وسلم كان قد أمر بكتابة القرآن على عهده . روى زيد بن ثابت ، قال : " كنا عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نؤلف القرآن من الرقاع " . قال الحاكم : " هذا
حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " وفيه الدليل الواضح : أن القرآن
إنما جمع على عهد رسول الله ( 3 ) .
وأما حفظ بعض سور القرآن أو بعض السورة فقد كان منتشرا جدا ، وشذ
* ( هامش ) * ( 1 ) الاتقان - النوع 20 ج 1 ص 125 .
( 2 ) الاتقان - النوع 20 ص 122 ، وقال القرطبي في تفسيره ج 1 ص 50 : وقتل منهم
" القراء " في ذلك اليوم " يوم اليمامة " فيما قيل سبعمائة .
( 3 ) المستدرك ج 2 ص 611 . ( * )
/ صفحة 255 /
أن يخلو من ذلك رجل أو امرأة من المسلمين . روى عبادة بن الصامت قال :
" كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يشغل ، فإذا قدم رجل
مهاجر على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه
القرآن " ( 1 ) .
وروى كليب ، قال :
" كنت مع علي عليه السلام فسمع ضجتهم في المسجد
يقرأون القرآن ، فقال : طوبى لهؤلاء . . . " ( 2 ) .
وعن عبادة بن الصامت أيضا :
" كان الرجل إذاهاجر دفعه النبي صلى الله عليه واله وسلم إلى رجل
منا يعلمه القرآن ، وكان يسمع لمسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
ضجة بتلاوة القرآن ، حتى أمرهم رسول الله أن يخفضوا
أصواتهم لئلا يتغالطوا " ( 3 ) .
نعم إن حفظ القرآن ولو ببعضه كان رائجا بين الرجال والنساء من المسلمين ،
حتى أن المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر ( 4 ) ومع هذا
الاهتمام كله كيف يمكن أن يقال : إن جمع القرآن قد تأخر إلى زمان خلافة أبي
بكر ، وإن أبا بكر احتاج في جمع القرآن إلى شاهدين يشهدان أنهما سمعا ذلك
من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
* ( هامش ) * ( 1 ) مسند أحمد ج 5 ص 324 .
( 2 ) كنز العمال . فضائل القرآن الطبعة الثانية ج 2 ص 185 .
( 3 ) مناهل العرفان ص 324 .
( 4 ) رواه الشيخان ، وأبو داود والترمذي ، والنسائي . التاج : ج 2 ص 332 .
5 - مخالفة أحاديث الجمع للاجماع :
إن هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبة من أن القرآن لا طريق
لاثباته إلا التواتر ، فإنها تقول : إن إثبات آيات القرآن حين الجمع كان منحصرا
بشهادة شاهدين ، أو بشهادة رجل واحد إذا كانت تعدل شهادتين ، وعلى هذا
فاللازم أن يثبت القرآن بالخبر الواحد أيضا ، وهل يمكن لمسلم أن يلتزم بذلك ؟
ولست أدري كيف يجتمع القول بصحة هذه الروايات التي تدل على ثبوت القرآن
بالبينة ، مع القول بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، أفلا يكون القطع بلزوم
كون القرآن متواترا سببا للقطع بكذب هذه الروايات أجمع ؟ ومن الغريب
أن بعضهم كابن حجر فسر الشاهدين في الروايات بالكتابة والحفظ ( 1 ) .
وفي ظني أن الذي حمله على ارتكاب هذا التفسير هو ما ذكرناه من لزوم
التواتر في القرآن . وعلى كل حال فهذا التفسير واضح الفساد من جهات :
أما ، أولا : فلمخالفته صريح تلك الروايات في جمع القرآن ، وقد سمعتها .
وأما ، ثانيا : فلان هذا التفسير يلزمه أنهم لم يكتبوا ما ثبت أنه من القرآن
بالتواتر ، إذا لم يكن مكتوبا عند أحد ، ومعنى ذلك أنهم أسقطوا من القرآن
ما ثبت بالتواتر أنه من القران .
وأما ، ثالثا : فلان الكتابة والحفظ لا يحتاج اليهما إذا كان ما تراد كتابته
متواترا ، وهما لا يثبتان كونه من القرآن ، إذا لم يكن متواترا . وعلى كل حال
فلا فائدة في جعلهما شرطا في جمع القرآن .
وعلى الجملة لا بد من طرح هذه الروايات ، لانها تدل على ثبوت القرآن بغير
التواتر ، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين .
* ( هامش ) * ( 1 ) الاتقان - النوع 18 ص 100 . ( * )

6 - احاديث الجمع والتحريف بالزيادة !
إن هذه الروايات لو صحت ، وأمكن الاستدلال بها على التحريف من جهة
النقص ، لكان اللازم على المستدل أن يقول بالتحريف من جهة الزيادة في القرآن
أيضا ، لان كيفية الجمع المذكورة تستلزم ذلك ، ولا يمكن له أن يعتذر عن ذلك
بأن حدالاعجاز في بلاغة القرآن يمنع من الزيادة عليه ، فلا تقاس الزيادة على
النقيصة ، وذلك لان الاعجاز في بلاغة القرآن وإن كان يمنع عن الاتيان بمثل
سورة من سوره ، ولكنه لا يمنع من الزيادة عليه بكلمة أو بكلمتين ، بل ولا بآية
كاملة ، ولا سيما إذ اكانت قصيرة ، ولولا هذا الاحتمال لم تكن حاجة إلى شهادة
شاهدين ، كما في روايا ت الجمع المتقدمة ، فإن الآية التي يأتي بها الرجل تثبت نفسها
أنها من القرآن أو من غيره . وإذن فلا مناص للقائل بالتحريف من القول بالزيادة
أيضا وهو خلاف إجماع المسلمين .
وخلاصة ما تقدم ، أن إسناد جمع القرآن إلى الخلفاء أمر موهوم ، مخالف
للكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والعقل ، فلا يمكن القائل بالتحريف أن يستدل
به على دعواه ، ولوسلمنا أن جامع القرآن هو أبو بكر في أيام خلافته ، فلا
ينبغي الشك في أن كيفية الجمع المذكورة في الروايات المتقدمة مكذوبة ، وأن
جمع القرآن كان مستندا إلى التواتر بين المسلمين ، غاية الامر أن الجامع قد دون
في المصحف ما كان محفوظا في الصدور على نحو التواتر .
نعم لا شك أن عثمان قد جمع القرآن في زمانه ، لا بمعنى أنه جمع الآيات
والسور في مصحف ، بل بمعنى أنه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد ، وأحرق
( البيان - 17 )

المصاحف الاخرى التي تخالف ذلك المصحف ، وكتب إلى البلدان أن يحرقوا ما
عندهم منها ، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة ، وقد صرح بهذا كثير من
أعلام أهل السنة .
قال الحارث المحاسبي : " المشهور عند الناس أن جامع القران عثمان ،
وليس كذلك ، إنما حمل عثمان الناس على القراءة ، بوجه واحد ، على اختيار وقع
بينه وبين من شهده من المهاجرين والانصار ، لما خشي الفتنة عند اختلاف
أهل العراق والشام في حروف القراءات ، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها
القرآن . . . " ( 1 ) .
أقول : أما أن عثمان جمع المسلمين على قراءة واحدة ، وهي القراءة التي
كانت متعارفة بين المسلمين ، والتي تلقوها بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه منع
عن القراءات الاخرى المبتنية على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، التي
تقدم توضيح بطلانها ، أما هذا العمل من عثمان فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين ،
وذلك لان الاختلاف في القراءة كان يؤدي إلى الاختلاف بين المسلمين ، وتمزيق
صفوفهم ، وتفريق وحدتهم ، بل كان يؤدي إلى تكفير بعضهم بعضا . وقد
مر - فيما تقدم - بعض الروايات الدالة على أن النبي صلى الله عليه وآله منع عن الاختلاف
في القرآن ، ولكن الامر الذي انتقد عليه هو إحراقه لبقية المصاحف ،
وأمره أهالى الامصار بإحراق ما عندهم من المصاحف ، وقد اعترض على
عثمان في ذلك جماعة من المسلمين ، حتى سموه بحراق المصاحف .
* ( هامش ) * ( 1 ) الاتقان - النوع 18 ج 1 ص 103 . ( * )

النتيجة :
ومما ذكرناه : قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة
وخيال ، لا يقول به إلا من ضعف عقله ، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل ،
أو من ألجأه إليه يجب القول به . والحب يعمي ويصم ، وأما العاقل المنصف
المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته .
رد مع اقتباس
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:37 PM.