دلالات وتداعيات التحول من الفكر السلفي إلى الجهادي

[aymaan noor]

دلالات وتداعيات التحول من الفكر السلفي إلى الجهادي

علي بكر

منذ بداية اندلاع ثورات الربيع العربي، وخريطة التيارات الدينية في المنطقة العربية تتغير وتتطور بسرعة كبيرة وملفتة للنظر، ففي الماضي كانت التحولات في هذه الخريطة بطيئة للغاية، وتستغرق قدرًا ليس قصيرًا من الزمن، كما أنها كانت تحتاج إلى الكثير من التنظير والتأليف والكتابة، لأن التحول الفكري لا بد أن يستند إلى دليل شرعي.
ويعتبر التحول من الفكر السلفي إلى الفكر الجهادي هو أخطر التحولات التي شهدتها خريطة التيارات الدينية عقب الثورات والاحتجاجات العربية، إذ اتسعت التيارات الجهادية في المنطقة حتى كونت ما يمكن تسميته بـ"المظلة الجهادية" التي تمددت على حساب "المظلة السلفية" التي كانت تعتبر المظلة الأكبر قبل بداية الربيع العربي، وخاصة بعد تحول العديد من التيارت الجهادية إلى الفكر والنهج السلفي الذي يقوم على الدعوة، ونشر العقيدة، والتوحيد، والحرص على طلب العلم الشرعي، وعدم حمل السلاح مطلقًا، حيث تعتبر مسألة عدم استخدام العنف المسلح أهم ما يميز التيار السلفي عن التيار الجهادي.

تحول درامي

كان تحول الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد في مصر بعد المراجعات الفكرية هو أشهر التحولات من "المظلة الجهادية" إلى "المظلة السلفية"، قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، وقد تبعتهما في ذلك الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، فيما كانت جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر هي التيار الأول الذي دعا إلى نبذ العنف، والتحول للعمل السياسي السلمي، وهو ما سارت على نهجه العديد من القوى الأخرى مثل جماعات العنف المسلح في المغرب العربي التي تحولت إلى العمل الدعوي، بينما شهدت المملكة العربية السعودية تحول العديد من عناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عن العنف وإعلانهم التوبة، وهو ما أدى في النهاية إلى اتساع "المظلة السلفية" على حساب "المظلة الجهادية".

اتجاه مضاد

لكن مع اندلاع ثورات الربيع العربي حدث تحول مضاد من "المظلة السلفية" إلى "المظلة الجهادية"، وقد بدأ هذا التحول بسرعة كبيرة فاقت التحول من "المظلة الجهادية" إلى "المظلة السلفية"، والذي استغرق وقتًا طويلا، وهو ما يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن التحول إلى العنف يبدو أسهل بكثير من التحول السلمي في الإقليم.
وقد بدأ اتساع "المظلة الجهادية" بظهور القاعدة بكل صورها وأشكالها في المنطقة، وعلى رأسها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومعها جماعة "أنصار الدين" وجماعة "التوحيد والجهاد" في غرب إفريقيا، وقد انضم إلى هذه التنظيمات العديد من كوادر وأنصار التيارات السلفية في المنطقة، وخاصة من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا، كما أن بعض فصائل التيار السلفي أصبحت تستخدم العنف في التعبير عن آرائها، كما حدث في تونس خلال الفترة الأخيرة، ما يؤشر إلى التحول نحو الفكر الجهادي على حساب الفكر السلفي.

وفي مصر ظهرت القاعدة في سيناء، واستطاعت استقطاب العديد من عناصر التيار السلفي للانخراط في صفوفها، كما أن التيارات الجهادية التي قامت بالمراجعات الفكرية مثل الجماعة الإسلامية والجهاد غيرت خطابها بشكل ملحوظ بعد ثورة 25 يناير، بحيث أصبح أقرب إلى الخطاب الجهادي منه إلى الخطاب السلفي، بل إنها باتت تحذر، بين الحين والآخر، من إمكانية اتجاهها إلى استخدام العنف، كما حدث خلال الانتخابات الرئاسية عندما ترشح نائب الرئيس السابق عمر سليمان للانتخابات، حيث هدد بعض قادة الجماعة، في ذلك الوقت، بالعودة إلى العنف في حال فوزه، كما لجأ العديد من عناصر التيار السلفي إلى العنف، وهو ما انعكس في هدم بعض الأضرحة في مناطق متعددة، والاعتداء على كنائس الأقباط، وغيرها من الممارسات.

وقد ساهمت الأزمة السورية في تحول العديد من التيارات السلفية إلى تيارات جهادية، إذ أصبحت سوريا "قبلة" لعناصر التيار السلفي من شتى أنحاء المنطقة العربية الذين يرغبون في العمل الجهادي، حيث باتت بعض التيارات السلفية تحث عناصرها على التوجه إلى سوريا، كما حدث مع حركة "حازمون" المصرية، والتي أخذت في تحفيز بعض كوادرها على الجهاد في سوريا، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم في القتال الدائر هناك.

كما شهدت لبنان تحولات مماثلة، على خلفية الأحداث الجارية في المنطقة، وخاصة الأزمة السورية التي أنتجت تأثيرات مباشرة على الداخل اللبناني، وهو ما يبدو جليًّا في اعتصام عدد من السلفيين بقيادة الشيخ أحمد الأسير، الذي يعتبر أحد رموز التيار السلفي في لبنان، في مدينة صيدا جنوب لبنان، للمطالبة بنزع سلاح حزب الله "الشيعي"، وتعرضهم لإطلاق نار من قبل موالين لحزب الله، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم، وهو ما دفع الأسير إلى الإعلان عن أنه بصدد تكوين ميليشيا عسكرية من أجل مواجهة حزب الله في المستقبل.

تداعيات خطيرة

وبدون شك، فإن اتساع نطاق "المظلة الجهادية" عقب اندلاع ثورات الربيع العربي سوف ينتج تداعيات أمنية خطيرة على دول الإقليم. فقد نجحت التيارات الجهادية في فرض سيطرتها على بعض المناطق، وأظهرت قدرتها على إحداث خسائر كبيرة في صفوف من يحاول محاربتها، وتمكنت من كسر هيبة بعض الأنظمة الحاكمة. وقد ترتب على ذلك تصاعد حدة العمليات الإرهابية التي أدت إلى هروب الاستثمارات الأجنبية وخصوصا في قطاع السياحة الذي يمثل أهمية قصوى للعديد من دول الإقليم، وتزايد حالات الاعتداء على بعض مرافق الدولة وتدميرها، ما أحدث خسائر اقتصادية كبيرة.

وخلاصة القول، إن العلاقة بين "المظلة الجهادية" و"المظلة السلفية" أصبحت عكسية، فكلما اتسعت مظلة ضاقت الأخرى، وتشير الأوضاع الحالية إلى أن "المظلة الجهادية" في طريقها إلى الاتساع بشكل مستمر ومضطرد خلال الفترة المقبلة، مع غياب أية مؤشرات تدعم من احتمالات انحسارها مرة أخرى في المستقبل، وهو ما يدل على أن الإقليم أصبح أمام موجة جهادية عاتية، سوف تكون لها تداعيات خطيرة، وخاصة على الأنظمة السياسية الموجودة، لكن الأهم من ذلك هو أن قدرة التيارات الدينية التي صعدت إلى سدة الحكم في دول الربيع العربي على مواجهة اتساع "المظلة الجهادية" التي تسعى بعض القوى المنضوية تحت لوائها إلى إزاحة هذه التيارات عن مواقعها غير واضحة، ما يؤشر إلى إمكانية أن يشهد الإقليم، في المستقبل، صراعًا إسلاميًّا-إسلاميًّا، تبدو تداعياته المحتملة غير محمودة العواقب.