يا وزير التعليم.. اتقِ الله

[abomokhtar]

نعم.. اتق الله؛ فلا أرى سببًا لتأخير إصلاح المنظومة التعليمية الحكومية في بلدنا بعد الثورة، وقد تم إفسادها عمدًا ولم يزل الفساد مستشريًّا عفيًّا إلى الآن، ودون الدخول في مقدمات سأطرح الموضوع مباشرة في نقاط واضحة وصريحة مبينًا كيف تم إفساد التعليم:
- الوزارة هي التي تنظم المجموعات المدرسية، التي هي صورة أو بديل للدروس الخصوصية، ويتم توزيع نسب من عائدها على الإدارة وليس للمدرس الذي يعطي المجموعات فقط، يعني أصبحت سبوبة الكل يستفيد منها ويصل خيرها (لا بارك الله فيه وبالسم الهاري) إلى الوزارة نفسها.
- وبالتالي تهتم إدارة كل مدرسة بتنظيم المجموعات وجمع الإتاوات لتوريدها للإدارة التعليمية وكسب رضائها، هذا في المقام الأول قبل أي شيء.
- وبالتالي تقاس كفاءة كل مدرسة لدى الإدارة التعليمية التابعة لها بمقدار المبلغ الذي يورد عن المجموعات المدرسية، كلما زاد المبلغ كانت المدرسة حسنة السير والسلوك والعملية التعليمية فيها تمام التمام..!
- وبالتالي تقاس كفاءة المدرس وإخلاصه وأمانته العلمية والعملية لدى مدير المدرسة بمقدار المبلغ الذي يورده للإدارة نظير المجموعات المدرسية (للعلم.. لا يهم أن يعطي المدرس مجموعات داخل المدرسة أو دروسًا خارج المدرسة، المهم أن يورد أكبر مبلغ ممكن لإرضاء الإدارة).
- وبالتالي لا يهم المدرس من تلاميذه ولا يربطه بهم إلا موضوع الدروس والفلوس، وذلك لإرضاء الإدارة المحترمة عنه وعن أدائه؛ بالفلوس طبعًا..!؟
هل ننتظر من التعليم أن ينصلح حاله وهو يعمل على هذا الأساس الذي وضعته الوزارة نفسها.؟ إن هذه الطريقة حولت المدارس إلى وسيات للمديرين، حتى إن العديد من مدارسنا التي تحمل أسماء رواد وقادة وزعماء مثل (مدرسة مصطفى كامل - مدرسة أحمد شوقي-مدرسة نبوية موسى) تخيلوا الآن في البيئة التعليمية اختفت هذه الأسماء وأصبح المسئولون والمدرسون يقولون: (مدرسة عبد المنعم - مدرسة عبد الصمد – مدرسة عنايات) أتدرون من هو عبد المنعم، ومن هو عبد الصمد، ومن هي عنايات ومن على أشكالهم..؟ إنهم مديرو هذه المدارس؛ لا لأنهم يعملون بإخلاص وتفانٍ جعل المدارس تحمل أسماءهم؛ ولكن لأن كل مدرسة أصبحت تكية يمتلكها المدير ويفعل فيها ما يشاء.
مدرسو اللغة العربية والإنجليزية والرياضيات وغير ذلك من مواد الدروس والفلوس يرفضون غالبًا المناصب الإدارية والترقي إلى درجة مدير مدرسة، حتى لا يبرحوا الفصول والدروس، وتستمر معهم أطول فترة ممكنة من حياتهم، فلا يصل إلى درجة مدير مدرسة غالبًا إلا مدرسي الألعاب والرسم، ليس لأنهم الأكفأ والأنسب، ولكن لأنهم (الفاضيين) الذين ليس لديهم دروس يبكون عليها، وعندما يصلون إلى المناصب الإدارية يكونون هم الأنسب تمامًا لمسألة جمع الإتاوات؛ فهم يجمعونها بحرص واهتمام، وكأنهم ينتقمون من سنوات الحرمان عندما كانوا مدرسين.
هذا هو الغالب على نظام التعليم في بلدنا، ولا يمنع ذلك أن يكون من بين هؤلاء من يتمتعون بالكفاءة والأمانة؛ ولكنهم قلة قليلة جدًّا غير مؤثرين، وغالبًا ما يكونون منبوذين، وكأن الله تعالى أبقاهم شاهدًا على وجود الخير رغم تفشي الشر و***وانه.
لقد وصل الأمر في المدارس الثانوية خاصة في الأقاليم إلى أن الطلبة لم يعودوا يذهبون إلى المدارس إلا في الأسبوع الأول من العام الدراسي للاتفاق على الدروس، وبعد ذلك يكتفي الطلاب والمدرسون بالدروس الخصوصية، وأغلب المدارس الثانوية أصبحت عبارة عن مبانٍ وهيئات معطلة تمامًا، أصبحت مهمتها تدوين أسماء الطلاب وتسليم الكتب، وتنظيم الامتحانات. أما العملية التعليمية فهي منظمة جدًا في الدروس فقط؛ بدليل أن المدرس لا يكاد ينتهي من المنهج في سنوات النقل في المدرسة إلا آخر العام، أما في الدروس فبسم الله ما شاء الله يراجع المنهج أربع أو خمس مرات...!
إن استمرار الدراسة الثانوية العامة على هذه الصورة أمر مضحك، فإما أن يتم تفعيل العملية التعليمية فيها، وإما أن نوفر المنشآت والهيئات الطويلة العريضة، وتتحول الثانوية العامة إلى تعليم منزلي، وهذا هو الواقع الحقيقي الذي يتم بالفعل..!
رغم كل هذا هل من سبيل إلى إصلاح التعليم عامة..؟ نعم هناك سبيل لذلك إذا كانت هناك الإرادة، فإن لم تكن موجودة فليس أقل من أن نقول للوزير ومن خَلْفَه: اتقوا الله في هذا البلد الذي دفع أرواح شبابه من أجل مستقبل أطفاله.
إصلاح التعليم يا معالي وزير التعليم يحتاج إلى خمسة قرارات لا تكلف الدولة مليمًا واحدًا:
1- إلغاء المهزلة المسماة المجموعات المدرسية، وإلغاء أعمال السنة في جميع المراحل؛ لأنها أصبحت أداة لإرغام التلاميذ على الدروس، وقد تكون أسلوبًا علميًا، ولكنه في بلدنا الآن أصبح كالديمقراطية بين شعب أهوج، أو كالحرية التي تتاح للصوص. وأؤكد أن الشرفاء موجودون ولكنهم قلة غير مؤثرة وغالبًا يتركون التعليم.
2- عمل حركة تنقلات للمديرين؛ بحيث لا يستمر مدير إدارة أو مدرسة في مكانه أكثر من عامين، وهذا مهم جدًّا؛ لأن المدير إذا مر عليه عامان تنتهي صلاحيته في مكانه تمامًا، ويصبح شره أكثر من خيره، ففي العامين الأوليين يركز على إثبات وجوده، ويُخلص للعملية التعليمية، إلى أن يتعرف على تلك البيئة التي يديرها، وفي عامين يكون قد انتهى من تكوين البطانة والأعوان، وأيضًا تحديد الأعداء من هيئة التدريس (ومين معانا.. ومين علينا..؟) في العام الثالث ينتهي تمامًا الاهتمام بالعملية التعليمية وتصبح مسألة ثانوية، ويتفرغ المدير والهيئة التي حوله للمؤامرات والمكائد.
3- إلغاء جميع امتحانات النقل التي تتم في المدارس بالصورة الحالية، ومعاملتها كالشهادات في الوضع والرقابة والتصحيح، بتبادل المدارس المتجاورة، حتى لا يتم تحميل أية مبالغ على الميزانية؛ لأن ما يتم في امتحانات النقل ما هو إلا مهزلة وتمثيلية هزلية؛ حيث يتم غالبًا حل الامتحان على السبورة لينقله التلاميذ، ويتم استكمال المهزلة في التصحيح.
4- لا تتم الترقيات بناء على الأقدمية فقط، وإنما بناءً على نتائج الفصول الدراسية للمدرسين والإداريين، وبعد اجتياز اختبارات علمية وعملية حقيقية.
5- يقوم جميع المدرسين الحاليين بإلقاء قسم مغلظ يفيد عدم خيانة المهنة، وعدم استغلال أو ظلم التلاميذ، ويكون ذلك اليمين إلزاميًا لكل من يعين في هذه المهنة.
هذا ما يخص التعليم، أما التربية فأقترح أن تحذف مؤقتًا، فنكتفي بأن نسمي الوزارة (وزارة التعليم) بدلًا من (وزارة التربية والتعليم) ولنكن صادقين مع أنفسنا، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فمن الصعب في هذا الوقت أن يقوم المدرس بدور المربي قبل أن تتهيأ ظروفه المادية والأدبية والعلمية لقيامه بهذا الدور.

إيهاب عبد السلام