|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
الثورات العربية من الانتفاضة إلى الديمقراطية
الدروس العشر الثورات العربية من الانتفاضة إلى الديمقراطية جان بيير فيليو عرض: محمد مسعد العربي - باحث بمكتبة الإسكندرية. أثارت انتفاضات الربيع العربي الرغبة لدى الكثيرين من الأكاديميين الغربيين في إعادة اكتشاف السياسة والمجتمع في المنطقة العربية؛ إذ إن هذه الثورات قد مثلت تحديًا لدى الأكاديميات الغربية، وفيما يتعلق بمسلماتها حول دراسة المجتمعات العربية. ومن بين الأعمال المبكرة التي حاولت استكشاف هذه الظاهرة كتاب الأكاديمي الفرنسي جان بيير فيليو "الثورة العربية: عشرة دروس مستفادة من الانتفاضة الديمقراطية". انتهى فيليو من هذا العمل الهام في إبريل 2011، أي بعد أشهر معدودة من بدء شرارة الربيع العربي بالانتفاضة في تونس ديسمبر 2010 وهروب بن علي (يناير 2011)، ثم بوصولها إلى مصر واندلاع انتفاضة يناير وسقوط حسني مبارك (فبراير من العام ذاته) ثم انتقال شرارة الثورة إلى اليمن وليبيا والبحرين وسوريا على التوالي، ونشوب اضطرابات في الأردن وغيرها من البلدان العربية. وربما تكون الأحكام التي خرج بها الكتاب تمثل حكمًا متسرعًا على ظاهرة لا تزال تتشكل، غير أن فيليو أفاد كثيرًا من خبرته في دراسة المنطقة العربية؛ حيث يعمل أستاذًا لدراسات الشرق الأوسط في جامعة باريس، وجامعة كولومبيا الأمريكية، وله العديد من الكتب والمقالات حول المنطقة. فقد جاء الكتاب ليمزج بين الدراسة الأكاديمية والحس الصحفي، والتوصيات السياسية. يحاول فيليو في كتابه أن يعيد ترتيب قواعد فهم المنطقة العربية، باستخلاصه لدروس يقدم بها إطارًا نظريًّا لتفسير الظاهرة الجديدة في العالم وهي الثورة العربية التي طغى مسمى "الربيع العربي" عليها. وترتكز هذه الدروس التي تشكل فصول الكتاب العشر رصدًا للتحولات التي ألمت بالمجتمع والسياسة في العالم العربي، وخاصة في الفترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ حيث شكل عالم ما بعد الثانئية القطبية، وتبلور العولمة، والهجرة، والانفجار المعلوماتي، وكذلك الحرب على الإرهاب، وغيرها من العوامل التي ساهمت في صناعة هذه التحولات. ويرى فيليو أن الثورة العربية تمثل ختامًا لفترة تاريخية بدأت بأحداث 11/9 وتركت علامات سيئة على العالم العربي، وبالتالي يستند فيليو في رصده هذا إلى فرض أساسي وهو اعتبار أن العالم العربي جزء من النظام العالمي، ولا يشكل استثناء في مسار التحول الديمقراطي. نقد الاستثنائية العربية بنقد "الاستثنائية العربية Arab Exceptioalism" والتي روجت لها كثيرًا الأكاديميات ومراكز صنع القرار الغربية، ومفادها أن الثقافة العربية تعد استثناءً في التحول نحو الديمقراطية لأمور تتعلق بثقافة العرب ودينهم وطبيعة تكوينهم الفكري. ويقول فيليو: "خلال العقود الماضية، دائمًا ما أشير إلى العرب باعتبارهم حالة فريدة فيما يتعلق بالنقاش العالمي حول الديمقراطية، هذه المعاملة الخاصة للعرب لم تكن تشريفًا لهم؛ بل باعتبارهم شيئًا خارج المألوف، ضائعًا يهيم بين المحيط الأطلنطي والخليج حيث يفترض أن يكون هؤلاء العرب جزءا من جماعة أكبر هي الأمة". وكثير من الأعمال حاولت أن تفسر لماذا ترزح البلدان العربية دون غيرها من دول العالم تحت حكم الدكتاتوريات، يؤكد فيليو في أول فصلين أو درسين يستمدهما من الثورة العربية أن الثقافة العربية أو الدين الإسلامي لا يعدان سندًا في تفسير هذا، كما تستند الرؤية الاستشراقية في تفسيرها للحكم الدكتاتوري في العالم العربي. ويؤكد أن الانتفاضات "الديمقراطية" تثبت أن العرب لا يشكلون استثناءً، فهم كغيرهم يريدون الحرية، والديمقراطية، والعيش الكريم. ويرى أن "الثورة" تتحقق بهذا المعنى رغم أنها لم تكتمل على الأرض، فالانتفاضات التي اندلعت حتى وقت الانتهاء من الكتاب كان بعضها في حالة مخاض، بينما اكتفت في مصر وتونس بخلع رأس الدولة دونما الاتجاه إلى إحداث تحولات عميقة في بنية الدولة والمجتمع. ويرى أن نشوب هذه "الثورة" يعد دليلا قاطعًا على عدم قدرة المسلمات الأكاديمية على التنبؤ بما تمور به المنطقة من تحولات. شكَّل نقد الاستثنائية العربية محور الفصل أو الدرس الأول، فيما أكد في الفصل الثاني أن فهم المسلمين -ومنهم العرب- لا يمكن فقط بإدراكنا أنهم مسلمون، فهناك اختلافات شاسعة داخل هذا الكيان المصمت الذي يراه الغرب واحدًا، ويقول إنه ربما من النتائج السيئة التي عززتها أحداث سبتمبر هو حالة تنميط الآخر، خاصة المسلم؛ حيث تمت المطابقة بينه وبين الجهادي الإسلامي. وينكر هذا التنميط الكثير من الحقائق والعوامل التي ساهمت في تشكيل الشعوب التي تصادف وكانت مسلمة، كما أنها تجعل شن الحرب على الجهاديين أولوية عاجلة بدلا من المساهمة في الإصلاح الاقتصادي والسياسي لهذه الشعوب. يبرهن فيليو على أن الشعوب العربية والإسلامية قد مرت بتحولات وانتقالات كبرى عبر تاريخها منذ عهد الحرب العالمية الأولى والثورة العربية الكبرى حتى وقتنا الحالي، فقد كان حلم تقرير المصير، ثم التوحد القومي، والتحرر الوطني، ثم تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية أحلامًا تقود هذه الشعوب في نضالها. كما يبرهن على أن حالة الثورة ليست واحدة، فنحن إزاء كيانات متميزة حتى في انتفاضاتها فقد كانت انتفاضات سلمية إلى حد بعيد في تونس ومصر وإن شابها قليل من سفك الدماء، على العكس الذي شهدته ليبيا وسوريا والبحرين. يعود فيليو ليقول إنه إذا كان هناك استثناء عربي، فإنما يتمثل في "الشباب العربي"، وهو وقود هذه الثورة، وهو يرسم صورة ديمغرافية للعالم العربي، فيقول يجب أن نتذكر أن متوسط العمر في العالم العربي هو 22 (مقارنة ببقية العالم 28)، وأن 60% من السكان هم تحت سن 25، وأن معدل البطالة بين الشباب العرب يتراوح بين 20-40% أي ضعف المعدل العالمي، ويجب أن تتوفر بحلول عام 2025م 50 مليون فرصة عمل لتستوعب طاقات الشباب في سوق العمل. وربما كانت البطالة وتردي الأحوال المعيشية هي الشرارة التي أطلقت شرارة الثورة بإحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه. فيلاحظ فيليو هنا أن هذا كان أبعد ما يكون عن صورة الانتحاري الإسلامي النمطية؛ بل كان أقرب إلى مثال الشاب التشيكي جان بلوش الذي أحرق نفسه أمام الدبابات الروسية في ربيع براغ 1968. غير أن المطالبة بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية سرعان ما اشتبكت بالمطالبة بالحرية والديمقراطية السياسية. ويدعو فيليو صانعي السياسات في الغرب إلى معرفة هذه الحقائق. وهذا هو الدرس الثالث حيث "الغضب هو قوة الشباب"، يقول فيليو بلهجة بلاغية إن غضب وقوة الشباب العربي هو وقود المستقبل، وإن حركات الشباب هي بمثابة ردة الفعل القصوى التي يقوم بها أكثر الأجيال تعرضًا للخطر دفاعًا عن مستقبلها في مواجهة قمع تطلعاته، وخصخصة دولته، وتجريف مستقبله. جيل عربي جديد معولم وديمقراطي ارتبطت بالحالة الشبابية للثورة العربية، كونها ارتبطت بانفجار الفضاء الإعلامي؛ حيث ارتبط وعي الشباب العرب بالإعلام المنفتح عبر القنوات الفضائية والميديا الاجتماعية "تويتر وفيس بوك والجزيرة" والذي ربطهم أكثر بالعالم وما يجري فيه، وارتفع بسقف تطلعاتهم مقارنة بآبائهم، ودفعهم إلى التحرر من السلطة الأبوية المتجسدة في نظم سياسية ديكتاتورية مغلقة، وهنا لعبت الشبكات الاجتماعية والقنوات الفضائية دورًا أكبر في تحريك الشباب العربي، وأثبتت دورها في الحركة السياسية، وإحداث التحول الاجتماعي. وهذا هو الدرس الرابع. من أهم ما يميز تصميم الشبكة أنها بلا مركز، ومن هنا جاء الارتباط بين تأثير الشبكة العنكبوتية والشبكات الاجتماعية على طبيعة الثورة العربية، فهي ثورة بلا قيادة بامتياز، فقد بدأت شرارة الثورة في تونس بلا قيادة وبطريقة عفوية، واستمرت هكذا حتى مع انتقالها إلى بقية الأقطار "بلا قيادة مركزية وغرف عمليات". ويرى فيليو أن انعدام القيادة هذا ربما كان شرط استمرارية هذه الثورات، وليس مجرد اختيار سياسي، وخاصة مع عدم اصطباغها بلونٍ أيديولوجي معين، وفي هذا يقع الدرس الخامس، أن بإمكان الحركات التي لا تملك قيادة أن تنتصر. الديمقراطية والإسلام هذه الحالة الثورية السائلة قد تستمر، غير أنها يجب أن تتحول إلى "ديمقراطية" لئلا تفضي إلى فوضى عارمة تسهل الانقلاب على الثورة، وهذا هو الدرس السادس أن بديل الحكم الديمقراطي المستقر الفوضى العارمة. وهنا يأتي دور الحديث عن القوى السياسية في المنطقة العربية، وعلى رأسها الإسلاميون. يقول فيليو إن الانتفاضات العربية كانت مجردة من الشعارات الدينية، وقد اتضح للثوار أنه ليس للدين والأيديولوجية القدرة على حشد الجماهير بقدر ما فعل المناداة بالإصلاح السياسي، والقضاء على الفساد، والتشغيل على أساس الوطنية. ويرى أن عدم هيمنة الخطاب الإسلامي على الثورة ربما يعود إلى تصاعد معدلات الفردانية في التدين، والتي عززت من الحس الخلقي الفرداني، في الوقت الذي لم تعد هناك قوة للحشد الكلي، ولكن يبقى أن القوى الإسلامية عليها أن تضطلع بمسؤوليتها، وأن تقتنص الفرصة التاريخية بمشاركة غيرها من القوى السياسية العلمانية في التأسيس لحكم ديمقراطي مستقر، فالدرس السابع هو أن على "الإسلاميين أن يختاروا". وربما كان من أهم ما أشارت إليه "الثورة العربية" هو أنها أظهرت بديلا للتغيير بعيدًا عن الأتوقراطيات الحاكمة، وتنظيم القاعدة، والذي برهنت حركة الشباب على إفلاسه الفكري، وأنها لم تكن إلا انحرافًا بعيدًا كل البعد عن حقائق العالم العربي. وبالتالي يرى في الدرس الثامن أن النضال السلمي للشباب سيجعل الإسلام الجهادي شيئًا عفا عليه الزمن. وبين كل هذه التحولات تبقى القضية الفلسطينية عاملًا هامًّا في دفع عملية التحول الديمقراطي ككل في المنطقة، وستؤدي التسوية الشاملة إلى إسقاط ذرائع تأجيل الديمقراطية لدى كثير من الأنظمة العربية، فالدرس التاسع هو أن فلسطين هي "تعويذة" كثير من التحولات. وأخيرًا يأتي الدرس العاشر الذي يستخلصه فيليو، وهو أن الثورة العربية لن تخلق "أثر الدومينو" يتجاوز كونها انتفاضات قد أظهرت وجود مجال عام عربي يسعى إلى مزيد من الحريات والفرص الاقتصادية واحترام حقوق الإنسان والحقوق المدنية. غير أن هذا يقع في حدود كولونيالية أثبتت على مر الأيام مرونتها، وأنها لن ترسم مرة أخرى نتيجة لهذه الروح الديمقراطية التي تجتاح المنطقة، وربما ستبقى الدول البترولية خاصة العربية السعودية بعيدة عما يحدث حولها. تعد القراءة التي قدمها جان بيير فيليو في كتابه قراءة جيدة ومحكمة في الإطار النظري الذي شكلته لفهم أبعاد الثورة العربية، غير أن هناك أوجه قصور فيها، لعل أهمها أنها لم تهتم ضمن الدروس التي حاولت استخلاصها بالدور الخارجي والغربي تحديدًا في ترسيخ الديمقراطية العربية الناشئة، وربما كان هذا أهم ما يميز الدكتاتوريات العربية عن نظيراتها في شرق أوروبا؛ حيث كانت تجد دعمًا غربيًّا على عكس دعم الغرب للتحول الديمقراطي في شرق أوروبا قبيل وبعيد سقوط الاتحاد السوفييتي، أما الحكام العرب فقد كانوا يمارسون حكمهم بدعم غربي كامل، وهو ما يضع عبئًا على الحكومات الغربية يتمثل في ضرورة دعمها للديمقراطيات الناشئة، وهو ما لا يستفيض بشأنه فيليو فيما عدا بعض الإشارات اللاذعة التي وجهها إلى دور واشنطن السلبي في المنطقة. ومن ناحية أخرى فإن الإطار الذي استخلصه إنما يعتمد على قراءة الأحداث بشكل مفصل في مصر وتونس، وهما حالتان متشابهتان وربما كان سيضيف لإطاره ويعدله لو تريث ليرى ما آلت إليه الأمور في بقية الانتفاضات التي كانت في منتصف أو في بداية طريقها عند الانتهاء من الكتاب في اليمن والبحرين وسورية وليبيا. |
العلامات المرجعية |
|
|