الفصل الخامس
تأريخٌ للثورة وأحداثها
مرت فترة قصيرة من الزمن لم يدرِ خالد مدتها بالتحديد لأن العمر لم يعد يشكل له هماً فأصبح يعيش حياته صباحه ومسائه هو وصديقه مطالبةَ بحقوق سارة وغيرها من الشهداء الأطهار الأبرار. وبالفعل قد تحقق لهما ولغيرهما ما أرادوا فلقد سقط النظام الذي ما قبلَ الرحيل إلا بعد قتلِ العديد من شباب هذا الشعب الذين هم حقاً عماد هذا الوطن. سقط النظام وسادت كلمة الشعب وكلمةُ الثورة النابضة التي حكى العالم أجمع عنها. نجحت الثورة وسلم رئيس العصابة السلطة إلى بعض حاشيته التي لا تقل عنه فساداً . ولكنّ خالد ومصطفى وأمثالهما من الشباب الطاهر النقي خُدِع بكلام تلك الحاشية المعسول ووعودهم الكاذبة. فعادوا أدراجهم وبيوتهم شاعرين بانتصار ثورتهم وانتصارهم. كانت البلاد في تلك الفترة في أبهى صورها ينظر نحوها العالم أجمع نظرة الإنبهار والإعجاب التي تأسر القلوب حقاً. عاش الجميع حياة لا نظير لها شعر الجميع خلالها شعور الحرية التي لم يعرفوها قط وكانت تلك الثورة باعثة أملٍ لا لهذا الشعب فحسب وإنّما لكل الشعوب والدول المجاورة أيضاً فظهر التحابب والمودة والتعاون وكل الفضائل الجميل التي تعرف كيف تبعث بهم نحو السعادة حقاً فاستمرت الأغراح والليالي الجميلة والاحتفالات لفترة طويلة من الزمن حتى تبين للشباب خبث وسوء نية تلك العصابة الحاكمة التي أخذت تفرق بين اتجاهات الشعب وطوائفهم حتى ذوي الملة والدين الواحد أخذوا يفرقونهم إلى طائفتي المحافظين والليبراليين. فأخذ الشباب مهمة حمل راية الثورة وعدم تسليمها ولم يتركوها لحظة واحدة وكادة طريقة تلك العصابة في التفريق على أساس فكرة" فرق تسد" أن تنجح إلا أنّ هؤلاء الشباب الطاهر ما قبل تسليم الثورة لهؤلاء التوابع الفاسدة . فعاد مصطفى وخالد مرة آخرى مع غيرهم من الشباب الرائع يناضلون من أجل استرجاع لهيب ثورتهم التي علمت العالم أسره معنى وقيمة العزيمة خاصة حينما تجتمع مع نبل الهدف. وفي تلك الفترة كان يشعر خالد بمر العذاب لأنّه لم يستطع أن يوف بوعده لحبيبته الشهيدة بأن يأخذ حقها ممن قتلوها أو أن يستشهد مثلها ليشاركها جنة الفردوس ونعم المصير . فأخذ يقود المسيرات مطالباً بالقصاص الذي لم يتم بعد إلا أنّ تلك العصابة خينما أرادت أن تظهر حسن نيتها أعدمت رأس النظام التي قامت الثورة لإسقاطه ظناً منها أن يكون هذا هو آخر ما يتمناه الشباب الذين لم تخدعهم مثل تلك الإجراءات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فهي ما قامت ثورتهم إلا مطالبة بالحرية والعدالة الإجتماعيه فلا يمثل ذلك نجاحاً لهم فما كان عليهم إلا استكمال الثورة وحقاً مضوا في ذلك إلا أنّ التيار المحافظ في البلاد قد اكتفى بتلك النقطة او المحطه التي وصل إليها ركاب الثورة وهبوا يجمعون ثمارها وغنائمها فأضعف ذلك من قوة لهيب الثورة نوعاً ما وما زاد اقتناع ذلك التيار إلا انخداعهم بإعدام رأس النظام الذي لم يعد سوى ورقة محروقة من أوراق النظام الذي لم يرحل بعد. فعاد شبابنا إلى ما فاتهم وأعادوه فعاد لهيب الثورة وعادت روحها في مناسبات متقطعة وفي كل حينِ من تلك المناسبات تثبت هذه العصابة سوء مكنونها للثورة ولكنّ روح الشباب يقود دوماً للأمام فلا يأساً أصابهم ولا إحباط بل كل مثابرة وشجاعة وإقدام وإذ بنا نشهد قتلى وشهداء كل يوم وخالد ومصطفى وأمثالهما لا يشغل بالهم إلا اتمام ما بدأوه فراحوا يثورون ليلاً نهاراً على الظلم والفساد. والثورة التي أعطت للعالم أفضلَ صورة كادت أن تصبح مجرد صورة تحترق في لحظات ولا يبقى منها إلا الرماد. لولا استبسال الشباب الذين حاولوا مراراً وتكراراً توصيل فكرة عدم الإنهزام والإحباط حتى أنّهم جعلوا حياتهم وأنشطتهم اليومية خدمةَ للثورة فقد عقدت عدة زيجات في تلك الفترة في ليالي الثورة وكانوا يلعبون الكرة أيضاً ليلاً حتى يعلم الجميع أنّهم يعيشون حياتهم كما الطبيعيه فلا يشغل بالهم حتى لو ظلوا عقوداً يطالبون بحقوقهم. وفي أحدِ الأيام كان خالد في بيته جالساً مع إمِه ففتح التلفاز حتى عرف من الأخبار أن ثمة مناوشات قد حدثت في إطار اعتصام المتظاهرين بينهم وبين قوات الأمن وتواجد بعض الإصابات فثارت ثائرته وصمم على النزول إلى موقع الأحداث ولكنّ أمه تجته ألا ينزل فقال لها " هذه الثورة هي حياتي فإن أردتِ أن أعيش فلا بد من إتمام هذه الثورة حتى أشعر باستقرار الححال ونهاية الثورة هي مماتي فما من حياة دونها . وهل من حياة دون الحريه؟." فقالت له " يابني أنا ليس لدي غيرك في تلك الحياة فبالله عليك كفى ذلك" فامتنع عنها وأخبرها أنّه ليس أفضل من أولئك الشباب الذين وافتهم المنية والشهادة في تلك الثورة حتى يصلوا بالبلاد إلى صورة بهية زاهية فليس عليه هو ومن تبقى من شباب ثورتهم إلا استكمالها فلم تجد إلا النزول على رغبته وتصميمه وبالفعل ذهب خالد إلى هناك فوجد الأمر على غير ما رأى على التلفاز فلم تكن مناوشات بل إنّها باتت حرباً أهلية وبمجرد أن وصل راع نظره أن رأى قتلى فأخذ يبكي وهو ينظر إليهم . تلك الوجوه إنّما هو يعرفها جيداً فقد عاش معها فترة من الزمن ليست بالقصيرة ليلاً نهاراً يأكلون معاًَ ويرتوون معاً . حين الفرح يفرحون ملياً وحين الحزن يحزنون سوياً . وهكذا كانوا إخوة في كل حين ولكن في هذه اللحظة سقط بعض منهم وكيف يشعر المرء إذا فقد أخاه؟! ولكنّ المفاجأة أنّه قد رأى مصطفى مستلقى على الأرض مضروباً بالرصاص -رصاص الغدر- فارتمى نحوه خالد ظناً من أنّه قد مات لكنّ مصطفى نطق " خ ا ل د" بصوت متقطع تنازعه الروح حتى تسبقه ففرح خالد للغاية وأسرع إحضاراً للإسعاف ونُقِل مصطفى للمستشفى فكان خالد يقضي نهاره مطالباً بحق مصطفى وساره وغيرهما ويقضي ليله بجوار مصطفى في المستشفى ولكنّ أسفاً مات مصطفى بعدها بيومين متأثراً بجراحه ويبدو أنّ البلاد لم تتغير على الإطلاق فقد رفض الأطباء الشرعيون إعطاء تصريح بدفنه إلا بإمضاء من ولي أمره بأنّه مات بسبب حادثة سيارة وعندما علم خالد بهذا الخبر لم يهدأ على الإطلاق فذهب شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً يخبر عن ذلك الفساد والتواطؤ من الأطباء وبذلك استطاعوا اخراجه دون ذلك العمل المشين وكانت هذه الحادثة الأليمة -مقتل مصطفى- سبباً لإستفاقة خالد وقيام ثائرته أكثر من ذي قبل فلم يهنأ بعدها بحياة صديق عمره قد راح وحب قلبه قد فات وحريته لم يحصل عليها فما تبقى له؟ ما تبقى . أخذوا كل شيء لديه وياليت لكل ذلك مقابل وثمن يستحق. ظل خالد يطالب بحقوقهما لا تسكن له ساكنة ولا يهاب شيئاً إلا عدم نيل حريته الحقيقيه وليست الحرية التي يقصدها هي مجرد تلك الكلمه التي تكتب على الورق دون معنى حقيقي. وفي ليلة من الليالي جرت مناوشة بسيطة بين أحد المتظاهرين مع أحدِ رجال الأمن فكان خالد ممن يريدون تهدئة الوضع فأخذ ينادي سلميه ولكن يبدو أنّ عدسة العدالة سوداء وأعين رجالها عمياء ففي أثناء ذلك اختفى خالد ولم يعرف أحدٌ مكانه.
إلى اللقاء مع الفصل القادم والأخير