لماذا فشلت الدعوة للعصيان؟

[راغب السيد رويه]

لماذا فشلت الدعوة للعصيان؟

كما توقعنا وحذرنا من فشل العصيان المدنى الذى دعت له بعض القوى السياسية، فقد فشل العصيان بالفعل وعرض مع الأسف الشديد بعض قوى الثورة للانكشاف، وإظهار شعبيتها المحدودة أمام الرأى العام والسلطة.
والعصيان فى عبارات موجزة، هو الدعوة لشل جميع مؤسسات الدولة والمجتمع، وذلك بغية تحقيق مطالب محددة، وهو فى هذا الشأن حركة مفتوحة حتى تتحقق المطالب. لكن ماذا حدث؟ أو بعبارة أخرى لماذا فشل؟
أولا: حدد الداعون للعصيان ثلاثة أيام فقط مدة عصيانهم، بغض النظر هل تحققت المطالب أم لم تتحقق فى تلك المدة، مما أفقد العصيان معناه الدائم بالاستمرار حتى تحقيق الأهداف المرجوة منه.
ثانيًا: ارتبطت الدعوة للعصيان بتجييش بعض القنوات التليفزيونية له، وذلك من خلال مذيعيها المعروف ارتباط بعضهم بأعمال فساد، مما أفقده الدعم، لاسيما أن هؤلاء المذيعين لم يشاركوا أنفسهم فى العصيان، بسبب «القبض الثورى»، بمعنى أنهم يدعون للنضال رغم انتمائهم المعروف للفلول، لكن همهم الأكبر عدم افتقاد «السبوبة».
ثالثًا: لم يوفق أنصار العصيان فى اختيار الموعد، فالزمن الذى تمر به مصر، يشير إلى وضع اقتصادى مذر، لم ترغب الغالبية فى زيادة وطأته، بالتعطل عن العمل حتى ولو بالإضراب لا العصيان.
رابعًا: نتيجة ما سبق، لم يشارك فى «العصيان» سوى نفر محدود جدًا، مما أفقده معناه، فالعصيان هو حالة شاملة أو شبة شاملة، يشارك فيها إذا ما قدر لها النجاح ما لا يقل عن ثلاثة أرباع السكان، وهو ما لم يحدث.
خامسًا: معنى العصيان الانقطاع عن التعامل مع المؤسسات العامة والخاصة، وهو ما لم يقم به رواد العصيان أنفسهم، خذ على الأقل أن كل هؤلاء تقريبًا ركبوا المواصلات العامة والخاصة ذهابًا وإيابًا بغية إظهار عصيانهم أو حتى إضرابهم، ما أفقدهم المشاركة الحقيقية فيه.
سادسًا: فشل العصيان فى مجتمع، غالبيته من المتدينين، بعد أن جيشت غالبية المؤسسات الدينية (الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية) دعمها ضد العصيان، بل وحرمته.
سابعًا: كان لرفض «الحرية والعدالة» والأحزاب السلفية والوسط والوفد، وجملة نوابهم فى مجلس الشعب تناهز الـ 402، مقعد بنسبة 80% من المقاعد المنتخبة أثره الكبير فى إشعار المواطنين أن ممثلى الأغلبية الساحقة بالمجلس يرفضون العصيان.
ثامنًا: فشل العصيان بسبب الهدف المعلن منه، وهو ترك العسكرى للسلطة، وكان قد سبقهم بأيام بتحديد موعد انتخابات الرئاسة، وبعدة أسابيع بتحديد موعد ترك السلطة فى يونيو 2012.
تاسعًا: سقط العصيان تحت أقدام الخلاف بين العديد من القوى المدنية.
عاشرًا: فشل العصيان لأن مصر لم تعرفه منذ 1919، حتى أيام ثورة يناير الـ18، انتقلنا من مرحلة التظاهر والإضراب وقفزنا لمرحلة الثورة مباشرة، بعد تنحى مبارك.
إن التعجل فى ترك العسكرى للسلطة قبل يونيو به من المخاطر أكثر من الفوائد، فرغم كثرة خطاياهم إلا أن وجودهم لثلاثة أشهر لمؤازرة قوات الشرطة المنهكة وحفظ الأمن مهم، كما أن المدة المذكورة تكفى بالكاد لوضع دستور والقيام بدعاية انتخابية رئاسية وتصحيح جداول الناخبين، وإلا سيكون السؤال: هل يرضى الثوار برئيس بشكل عاجل أول قرار يتخذه هو دعوة الجيش للبقاء فى الشارع لضبط الأمن؟.