|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ...الميزان بقلم الامام البنا
بقلم : الإمام حسن البنا ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)﴾ (الرحمن). الشمس تسير بقدر ونظام، لا تتأخر ساعة ولا تتقدم، والقمر يطلع ويغيب بقدر ونظام لا يتغير لحظة ولا يتبدل، والنبت الصغير والشجر الكبير يخضعان لناموس ثابت ونظام دقيق لا يخرجان عنه ولا يتخلفان، كل شيء في هذه الحياة لم يخلقه الله عبثًا ولم يتركه سدى، ولكن خلقه بحكمة بالغة وألزمه سنة ماضية، ونواميس واضحة، ولن تجد لسنة الله تحويلاً. والتزام هذا النظام، والسير في حدوده هو الميزان الذي تقوم عليه السماوات والأرضون، وتتحقق به حكمة الله في الخلق، حتى إذا اختل النظام واعتل الميزان وأهمل الكتاب، وكان ذلك نهاية هذا العالم، وأية قيام الساعة ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)﴾ (الشورى) . في فطرة الإنسان "ميزان" هو "العدالة" بين قوى نفسه المختلفة عن عفة وشجاعة وحكمة، حتى لا تنزل العفة إلى الخمول، ولا تزيد إلى الطمع، وحتى لا تنزل الشجاعة فيه إلى الجبن أو تزيد إلى التهور، وحتى لا تنزل الحكمة فيه إلى البله أو تزيد على المكر والخديعة، حتى تصدر كل أعماله مقدورة بميزان العدالة والخير له وللناس، وهذا هو الميزان وهو في الحقيقة حقيقة الإنسان، ومن فطرة الله التي فطر الناس عليها. وللأسرة ميزان، هو إعطاء كل ذي حق حقه من أعضائها، وقيامه بواجبه في سبيلها، فإذا نسي كل إنسان واجبه، وأخذ أكثر من حقه، ولم يرع حقوق الآخرين، اختل ميزان الأسرة واعتل، وسادها القلق والاضطراب. وللدولة ميزان، هو القانون العادل الرحيم الحكيم الذي يحدد حدود الحاكم والمحكوم، ويأخذ من الظالم للمظلوم، ويقيم العدالة بين الأفراد والجماعات والهيئات والطبقات: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ (النساء: من الآية 58)، فإذا لم يكن للدولة ميزان، أو سخر ميزانها في غير ما وضع له عمت الفوضى واضطرب النظام. وللأمم في اتصال بعضها ببعض ميزان هو القانون الدول، متى خلصت فيه النية، وسلمت الطوية، ولُوحظت فيه الأخوة الإنسانية والرابطة العالمية، فإذا تحكَّمت فيه الأهواء والأطماع، وتغلَّبت عليه المصالح والشهوات، وهو ما وضع إلا لكبح جماحها، والحد من التغلب والقهر، وفساد النظام، وفقد السلام. والظاهر الواضح الآن لكل ذي عينين أن الدنيا جميعًا قد اختل ميزانها، فاعتل نظامها وهدد سلامها، وشاع القلق والاضطراب فى كل مكان، وأصبحت هذه الظاهرة الواضحة تنذر العالم بشر مستطير ليس أقل من الحرب الثالثة. فــإن لم يطفهـا عقـلاء القوم يكـون وقودهـا جثـث وهـام (1) الفرد لا يجد السلام مع نفسه، والأسرة قد فقد أعضاؤها معنى الحياة الأسرية السعيدة، ونظم الحكم في العالم كله يظلم بعضه بعضًا ولا تؤدي مهمتها أداء حسنًا في أية بقعة من بقاع الأرض، والقانون الدولي، والحق والإنصاف، ومواثيق الهيئات الدولية، وعهود المنظمات العالمية لا وزن لها ولا اعتبار، وقد ساد الهوى كل مكان بما لم تر الدنيا له مثيلاً حتى بعد الحرب العالمية الأولى، واعتبر ذلك بما تراه في كل خلاف دولي بين شعبين يشعر أحدهما بأنه كبير وبأن الآخر أقل منه عددًا أو عدة. فيا حملة الميزان في الأرض انتبهوا.. واستيقظوا.. ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)﴾ (الرحمن). -------------------- * الهوامش: (1) البيت لنصر بن سيار صاحب خرسان، يصف النار ومبتدأ أمرها --------- ** جريدة الإخوان المسلمين اليومية- السنة الثالثة- العدد 730 - 14 ذو القعدة 1367 هـ / 17 سبتمبر 1948م.
__________________
قلب لايحتوي حُبَّ الجهاد ، قلبٌ فارغ .! فبالجهاد كنا أعزة .. حتى ولو كنا لانحمل سيوفا .. |
العلامات المرجعية |
|
|