|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
العلمانيةبقلم : الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر السابق
مما هو مقرر أن الحكم على الشىء فرع عن تصوره ، فلابد من تحديد المفاهيم حتى يمكن الحكم عليها حكما صحيحا ، والعلمانية لفظ وجد فى كتبنا العربية حديثا عند ترجمة ما يقابلها فى اللغات الأجنبية عن طريق الإدارة العامة للتشريع والفتوى بمجلس الأمة المصرى - آنذاك - كما هو ثابت فى الموسوعة العربية للدساتير العالمية التى أَصدرها المجلس المذكور سنة 1966 م . وبعيدا عن صحة النطق بهذه الكلمة ، الذى ذهب فيه الكاتبون مذاهب شتى، وكان فرصة استغلت للدعوة إلى وجهة نظر معينة كما هو شأن المتشابه من النصوص الذى جاء فيه قول اللّه تعالى : { فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله . . . } آل عمران : 7 ، . بعيدا عن ذلك ، فإن نسبة العلمانية إلى العلم أو العالم ليست على قياس لغوى، وهى ترجمة للكلمة الإفرنجية " لاييك " أو" سيكولا ريسم " وتعنى " لا دينية" على أى وجه تكون ، وفى أى ميدان تطبق ، وعلى أى شىء تطلق . وهى نزعة أو اتجاه أو مذهب اعتنقه جماعة فى أوروبا فى مقابل ما كان سائدا فيها فى العصور المظلمة ، التى تسلط فيها رجال الدين على كل نشاط فى أى ميدان ، مما تسبب عنه ركود وتخلف حضارى بالنسبة إلى ما كان موجودا بالذات عند المسلمين من تقدم فى كل المجالات . وكان معتنقو هذا المذهب فى أول الأمر فى القرنين السابع عشر والثامن عشر قد وقفوا من الدين موقف عدم المبالاة به ، وتركوا سلطانه يعيش فى دائرة خاصة ، واكتفوا بفصله عن الدولة . ومن أشهر هؤلاء "توماس هوبز " الإنجليزى المتوفى سنة 1679 م ، " جون لوك " الإنجليزى المتوفى سنة 1704 م ، " ليبنيتز" الألمانى المتوفى سنة 1716 م ، " جان جاك روسو" المتوفى سنة 1778 م . وفى القرن التاسع عشر كانت المواجهة العنيفة بين العلمانية والدين ، وذلك لتغلغل المادية فى نفوس كثير ممن فتنوا بالعلم التجريبى ، إلى حد أنكروا فيه الأديان وما جاءت به من أفكار، واتهموها بتهم كثيرة كرد فعل للمعاناة التى عانوها من رجال الدين وسلطانهم فى زمن التخلف الذى نسبوه إلى الدين ، ذلك الدين الذى كان من وضع من تولوا أمره ، والدين الحق المنزل من عند اللّه برىء منه . ومن أشهر هؤلاء المهاجمين " كارل ما ** " الألمانى المتوفى سنة 1883 م ، " فريدريك أنجلز " الألمانى المتوفى1895 م ، " فلاديمير أوليانوف لينين " الروسى المتوفى سنة 1924 م . هؤلاء لم يقبلوا أن تكون هثاك سلطة ثانية أبدا ، حتى لو لم تتدخل فى شئون الدولة ، وإن كانت هذه العداوة للدين بدأت تخف ، وتعاونت السلطات السياسية والاستعمارية على تحقيق أغراضها . لقد تأثر بهذا المذهب كثيرون من الدول الغربية ، وقلدها فى ذلك بعض الدول الشرقية ، ووضعت دساتيرها على أساس الفصل بين السياسة والدين ، مبهورة بالتقدم والحضارة المادية الغربية ، اعتقادا أنها وليدة إقصاء الدين عن النشاط السياسى والاجتماعى .
إن العلمانية بهذا المفهوم ، وهو عدم المبالاة بالدين ، يأباها الإسلام ، الذى هو من صنع اللّه وليس من صنع البشر، فهو منزه عن كل العيوب والمآخذ التى وجدت فى الأديان الأخرى التى لعبت فيها الأصابع وحرفتها عن حقيقتها . ذلك لأنه دين الإصلاح الشامل ، الذى ينظم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بالمجتمع الذى يعيش فيه ، ويوفر له السعادة فى الدنيا والاَخرة على السواء ، فهو كما يقال ، دين ودنيا ، أو دين ودولة ، أو عبادة وقيادة . . . ومن مظاهر ذلك ما يأتى : 1 - عقائد الإسلام ليست فيها خرافات ولا أباطيل ، فهو يقدس العقل ويأمر بتحكيمه إلى حد كبير . 2 - الإسلام ليس منغلقا على معلومات معينة يتلقاها بنصها من الوحى، بل هو كما يقال ، دين منفتح على كل المعارف والعلوم ما دامت تقوم على حقائق وتستهدف الخير . 3 - الإسلام يمقت الرهبنة التى تعطل مصالح الدنيا ، ويجعل النشاط الذى يبذل لتحقيق هذه المصالح فى منزلة عالية ، لأنه جهاد فى سبيل اللّه ، والتاجر الصدوق الأمين يحشر مع النبيين والصديقين ، فهو دين يعمل للدنيا والآخرة معا . 4 - الإسلام يقرر أن السلوك الاجتماعى مقياس لقبول العبادة ، فمن لم تثمر عبادته ، بمفهومها الخاص من العلاقة بين العبد وربه ، استقامة فى السلوك فهى عبادة مرفوضة لا يقبلها اللَّه { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون * ويمنعون الماعون } الماعون : 4 - 7 . ه - الإسلام ليس فيه كهنوت يتحكم فيه بعض من الناس فى مصائر الناس بإدخالهم الجنة أو حرمانهم منها ، بناء على اعتبارات خاصة ، فمدار ذلك على العقيدة الخالصة والعمل الصالح ، وليس المشتغلون بعلوم الدين إلا معلمين ومرشدين ، والأمر متروك بعد ذلك لمن شاء أن يستفيد أو لا يستفيد بالتطبيق . وقد يكون المتعلم أقرب إلى اللّه من معلمه ، بالتزام الطريق المستقيم الذى رسمه اللّه لهم جميعا ، فما دامت العبادة للَّه وحده فهو وحده الذى يقبل منها ما يشاء . 6 -الإسلام ليس فيه سلطة مقدسة مستمدة من سلطة اللَّه ، وليس فى البشر من هو معصوم من الخطأ، إلا من اصطفاه اللّه لرسالاته ، والحكم من ذوى السلطان ليس لذواتهم ، بل الحكم للدين أولا واَخرا ، فكل شىء فيه اختلاف رأى يرد إلى اللَّه وإلى الرسول ، أى الكتاب والسنة . 7- مبادىء الشريعة تستهدف تحقيق المصلحة ، فإذا لم يوجد نص واضح فى أمر تعددت فيه وجهات النطر من أهل النظر وكان يحقق المصلحة العامة كان مشروعا ، وبخاصة فى أمور الدنيا ، فالناس أعلم بشئونها . 8 - الإسلام دين تقدم وتطور وحضارة ، ليس جامدا ولا متمسكا بالقديم على علاته فهو ينهى عن التبعية المطلقة فى الفكر أو السلوك الذى يظهر بطلانه ، بل يقرر أن اللّه يبعث مجددين على رأس كل قرن ، يوضحون للناس ما أبهم ، ويصححون لهم ما أخطأوا فيه ويوائمون بين الدين والحياة فيما تسمح به المواءمة ، لأنه دين صالح لكل زمان ومكان ، ومن مبادىء التربية المأثورة عن السلف : لا تحملوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم . والمراد بالأخلاق العادات التى تقبل التغيير، أما أصول الأخلاق فثابتة . بهذا وبغيره نرى الإِِسلام يرفض العلمانية ، وأن المسلمين ليسوا فى حاجة إليها ، وإنما هم فى حاجة إلى فهم دينهم فهما صحيحا، وتطبيقه تطبيقا سليما كاملا، كما فهمه الأولون وطبقوه ، فكانوا أساتذة العالم فى كل فنون الحضارة والمدنية الصحيحة ، وضعف المسلمين وتأخرهم ناتجان عن الجهل بحقائق الدين وبالتالى عدم العمل بما جاء به من هدى، وبالجهل قلدوا غيرهم فى مظاهر حضارتهم ، وآمنوا بالمبادىء التى انطلقوا منها دون عرضها على مبادىء الإِِسلام ، لأنهم لا يعرفون عنها إلا القليل . ولئن رأينا بعض دول المسلمين الآن قد نقلوا معارف غيرهم ممن يدينون بالعلمانية ، فليس ذلك دليلا على أنهم آمنوا بما آمنوا به ، وإنما هو للاطلاع على ما عندهم حتى يعاملوهم على أساسه ، وإذا كانوا قد قبسوا من مظاهر حضارتهم فذلك للاستفادة من نتائج علمهم وخبرتهم فيما يقوى شوكة المسلمين ويدفع السوء عنهم ، والتعاون فى المصالح أمر تفرضه طبيعة الوجود، وهو مشاهد فى كل العصور على الرغم من اختلاف العقائد والأديان . والمهم ألا يكون فى ذلك مساس بالعقيدة أو الأصول المقررة وأن يستهدف الخير والمصلحة . هذا ، والأدلة على ما قلناه مما جاء به الإِِسلام كثيرة تركتاها للاختصار، والمقصود هو إلقاء بعض الضوء على هذا المصطلح وموقف الدين منه . |
العلامات المرجعية |
|
|