اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإدارى > أرشيف المنتدي

أرشيف المنتدي هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 31-12-2007, 03:35 PM
الصورة الرمزية mado man
mado man mado man غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
المشاركات: 14
معدل تقييم المستوى: 0
mado man is on a distinguished road
New دروس في الحب

دروس في الحب

يبدو ان الحب في خطر.. ويعاني أزمات تستحق وضعه في غرف العناية الفائقة، ومن المفيد تدخل وزارات التربية لوضع الأمور في نصابها. ولهذا السبب وأسباب أخرى، استحدثت جامعة «سيان» الإيطالية لطلاب الدراسات العليا في كلية العلوم الاجتماعية والفلسفية لهذا العام، مادة جديدة موضوعها «فن الحب». وقد حظيت المحاضرات هذه برواج كبير وإقبال غير مسبوق. وهي المرة الأولى التي توفر فيها جامعة إيطالية لطلابها هذا النوع المعرفي الذي يعلمهم أسرار العشق عبر الإطلاع على كبريات النظريات الفلسفية والنصوص الأدبية وإخضاعهم لما سمي «التجارب التطبيقية»، كما جاء في خبر وكالة رويترز، التي نقلت عن أحد الأساتذة قوله أن كل ذلك مدعّم بجلسات «يوغا» ومجموعة من الألعاب والتمارين الرياضية التي تساعد العاشق في محنته، وتقوي عزيمته للسيطرة على مشاعره. وتعطى الدروس مقابل مبلغ قدره 750 يورو على مدى ستة اشهر.

الخبر الإيطالي كان سيبدو نافلاً، أو تجارياً بحتاً، لو لم يتزامن مع صرخات استغاثة تربوية فرنسية تطالب المناهج المدرسية بجرعات من التوجيهات والنصائح العاطفية لأن الطلاب باتوا يفتقدون إلى بوصلتهم الفطرية في التعاطي مع الجنس الآخر.

وقد تظن الأمر مزاحاً لكنه في منتهى الجدية، وإذا كانت أسبابه الغربية تجد جذورها في التفكك العائلي، والحرية الجنسية المفرطة التي مزّقت غلالة الشوق الشفافة بين الحبيبين ونسفت قصائد ألم الفراق والتحرّق والحنين، فإن الحب العربي ليس ببعيد عن مشكلات سوء الفهم واضطراب إمكانيات التواصل والتحاور، وإذا كانت المعضلة تنتهي في أوروبا والأميركتين بعزوبية ووحدة وعزلة لمئات الملايين من العاجزين عن إيجاد أنصافهم الضالة عنهم، فإن النسخة العربية من المشكلة تتجلى في حالات طلاق قياسية واضراب عن الزواج لم تشهد له المنطقة العربية مثيلاً من قبل.

وقد يصح تسمية ما يحدث بالزلزال العاطفي بين الإناث والذكور، لكنه بين ظهرانينا أخطر لأنه يقابل بتجاهل أعظم، وليس خطأ أن الحب هو الحب منذ أغوت حواء آدم بالتفاحة، وأن عنترة كان يغوي عبلة بصهيل الفرس واستعاض عن ذلك عناتر القرن الحادي والعشرين بزعيق فرامل السيارة.

وبدل أن يتلصص الولهان من ثقب خيمة صار يتمترس وراء نافذة، أو يتدلى من سياج شرفة، وتغيرت الأشكال وبقيت الاختلاجات واحدة. لكن الأزمة هي أبعد وأعمق من تبادل نظرات وابتسامات، فالحياة برمتها قائمة على كيفيات الحب وتناغماته أو توتراته وحروبه.

وخلف ال***ى الذين يتساقطون يومياً في أرجاء الأوطان العربية النازفة هناك غابات من القلوب المتحرقة للوجد والهيام والذوبان، ولا تستطيع حرائق القضايا القومية مهما ارتفعت ألسنة لهيبها أن تخمد نيران الأفئدة المتحفزة للامتزاج بآخر كي يتجلى الاكتمال.

وجعل الحب من اختصاص الصحافة النسائية والتحقيقات التسلوية الخفيفة هو استهتار بقيمة إنسانية ترتفع اسهمها بسرعة بعد أن أدرك البشري في عصر الاستهلاك ان بورصة السوق لا أمان معها بينما بورصة المشاعر المتوقدة النقية هي الأطول عمراً والأقرب إلى تحقيق الضمانات المبتغاة.

ولذلك ليس غريباً أن يضع الفرنسيون السعادة الثنائية تحت سقف واحد في سلم اولوياتهم، وعلى رأس لائحة مطامحهم. ورغم أن البشر في العالم المختل والمختال الذي نعيش فيه لا يختلفون في مجملهم عن الفرنسيين في إحساسهم بضرورة تأمين العش الذاتي ما دام إصلاح حال الكوني من المحال، إلا أن تقصي حال الحب ومتغيراته وتقلباته على مدار المئة سنة الماضية ما يزال أمراً غير مدروس بالعربية، ولا نعرف تماماً الفرق الجوهري بين حب الستينات وحب التسعينات، وهذا الذي يتعثر مع مطلع الألفية الجديدة.

والعودة لقراءة كتاب «طوق حمامة» لابن حزم، من قبل مثقفي العشاق وادبائهم عادة مشروعة ومستحبة، في غياب كتاب جامع شامل على قدره ومستواه وعبقريته حتى وقتنا الراهن. ولا عيب في إجلال فقيه قرطبة وعالمها وأديبها الذي وضع واحداً من أروع كتب الحب في العصر الوسيط، إنما علينا ان نتذكّر بأن الكشف عن مخطوطة ابن حزم جاء على يد المستشرقين وبفضل كبير عنايتهم، وان مقاطع منها نشرت بالفرنسية والألمانية والإسبانية قبل سنوات طويلة من نشرها بالعربية، ولم يعرف القراء العرب هذا الكتاب الفريد في الحب إلا بفضل المستشرق الروسي بتروف بعد أن حقق المخطوطة وضبط أشعارها وفهرس قوافي قصائدها ثم طبعت في ليدن عام 1914 لا في أي دولة عربية. وإذا كان إهمال المخطوطات تقليداً كلاسيكياً عند أهل الضاد المحدثين، فإن البحث في مواضيع العشق والغرام يعتبر خفة، والتعمق في مباحثه محط هزء وتندر. ومن الصعب أن تجد مفكراً عربياً من وزن رولان بارت يكتب بعلمية عن الأزياء أو الطبخ أو الحب، مع التقدير لكتاب الدكتور زكريا ابراهيم «مشكلة الحب» إلا انه تقميش وتحليل لا يغوص في خصوصيات المجتمع العربي وتعاطيه مع هذه العاطفة بقدر ما يحاول ان يضفي الهيبة والوقار الفلسفيين على مؤلفه، ربما كي ينجو من التأويلات الاستخفافية.

ولقد كتب الجاحظ عن الحب والنساء، ومثله فعل ابن عربي وابن سينا وابن قيم الجوزية. وكتابات هؤلاء بديعة لأنها تسمح لنا بقراءة بواطن المجتمع العربي وطبقات لا وعيه الشعوري، ونبض عروقه، وطبيعة علاقات النساء بالرجال. وهو ما لا نستطيع أن نفعله في ما يتعلق بالراهن إلا عبر الرواية والقصيدة والسير الذاتية.

انظر حولك تجد قصص الحب على كل عتبة وشباك، ومع ذلك ما يزال الحب عيبا والإعلان عنه حكرا على الفنانين والفنانات وكأن لهم في الموضوع اختصاصا، أما البحث في ماهيته وتغيراته ووجهاته وانقلاباته، فهذا نتركه ربما للمستشرقين في القرن الثاني والعشرين، لأننا منهمكون اليوم انهماكاً كلياً بقضايا أكثر جدية.

في التراث العربي مجموعة دالة من الكتب، وهي ليست بالقليلة، تتمحور حول قصص العشق وحكايا المتيمين وتجاربهم وآلامهم وأفراحهم، وهذه على أهمية مضامينها لم تدرس، إلى الآن، إلا من باب الجنون بالمعشوقة أو رواية الطرف والترويح عن النفس، ولم يلجها الباحثون من أبواب عظيمة الفائدة، منها، مثلاً، الباب السوسيولوجي لاكتشاف أهواء القلوب وازمات التواصل مع الآخر، ومدى السلطة الفعلية للمرأة في مجتمع الحكم فيه للرجال لكن النساء لم يكنّ في غيبوبة، كما يراد أن يشاع.

قد يكون موضوع الحب أحد المفاتيح الهامة لفهم المجتمع، وليس من الضروري، على الإطلاق، أن تتجند كل الأقلام الجادة للكلام، دائماً وأبداً، في المواضيع نفسها، التي لا تفضي إلى أبعد مما هو مؤمل من خارطة الطريق.
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:58 PM.